خريف السيارات الفرنسية
9 شوال 1426

بخلاف جميع عمليات العنف التي تضطرم هنا أو هناك, فإن الآذان لا تطرق لسماع عدد القتلى والجرحى في الاضطرابات أو أعمال العنف، وإنما إلى تعداد السيارات التي حرقت أو تحطمت جراء تلك الاضطرابات.. <BR>وإذا كانت الأحداث قد جرت على خلفية ملاحقة الشرطة الفرنسية لمراهقين شابين ما أدى إلى موتهما صعقاً بالكهرباء لدى هربهما ودخولهما في مكان للجهد العالي غير آمن بحسب المصادر الفرنسية أو تحت تأثير التعذيب الكهربي بحسب مصادر عربية, وإلقاء قنبلة على مسجد بلال من قبل الشرطة الفرنسية, فإن هذه الرواية أو تلك لا تبرران التوجه إلى إضرام النار في سيارات المواطنين الفرنسيين أو تحطيمها وإنما تبدو كوامن كثيرة قد أخرجتها من النفوس تلك الحوادث. <BR>وقد عثر رجال الشرطة الفرنسيون على مختبر كانت تصنع فيه القناني الحارقة قبل أسبوعين من تفجر الأحداث في البلاد, ومن ثم يبرز ذلك نوعا من الاحتقان الذي كان بدأ يأخذ بعض أشكال العنف أو التحضير له , وهو ما قد يضعه المحققون الفرنسيون على طاولة التحقيق حالما يحصلون على الفرصة لممارسة عملهم بهدوء.<BR>700 منطقة فرنسية تحتاج لأكثر من نزع حجاب التلميذات من فوق رؤوسهن مع استهلال عام دراسي جديد, ربما المهاجرون بحاجة لأكثر من "نزع شارات التمييز الديني" من فوق رؤوسهم ليشعروا أنهم في وطنهم الذي يحترمهم مثلما يحملون اسمه. <BR>تعاني هذه المناطق بطالة مرتفعة لا مبرر لها إذا ما عقدت مقارنة عادلة بين حملة الشهادات العليا والمتوسطة , وحظوظ العمل في المجالات المختلفة , بين أبناء فرنسا الأصليين والجيل الثاني والثالث من المهاجرين. <BR>كثير من هؤلاء المهاجرين قدموا من شمال إفريقيا قبل عقود طويلة وقصيرة, وكل همهم أن ينالوا بعضاً مما صادرته فرنسا أو تمتصه من تلك الدول إبان الاحتلال أو بعد الاستقلال الصوري, غير أنهم لاحظوا بعد سنين طويلة أنهم قد ابتاعوا الأوهام في بلد رفع شعار تحقيق الحرية والعدل والمساواة. <BR>قيد صغير طوق معصم باريس في البداية عبر اضطرابات ضواحي باريس سرعان ما امتد ليطوق عنق فرنسا كلها في مدنها الحدودية من جهاتها الأربع ليحصد 3500 سيارة ذهبت إلى "مقابر السيارات".<BR>فرضت فرنسا حظر التجوال في أكثر من مكان, وحال الطوارئ, واستعملت لغة حازمة لم تحل في البداية دون اتساع رقعة أعمال العنف, ووصف الصحفيون الفرنسيون الغاضبون ـ كغضب المهاجرين الشبان ـ تدحرج كرة الثلج هذه من ضواحي باريس إلى العديد من المدن الفرنسية الأخرى بأنه " حرب أهلية ". ومن الناحية الشكلية فإن رجال الشرطة المحلية والأفراد الذين يضرمون النيران في المئات من سيارات الغير وفي المتاجر والصيدليات والمدارس وينهبون المواطنين العاديين ينتمون إلى جنسية واحدة، غير أن هذا لا يشكل حجة لوصف ذلك بالحرب الأهلية. فالأمر ليس معبراً عن انفلات الأوضاع على النحو الذي يستأهل هذا المسمى.. أمر آخر , هؤلاء المهاجرون ينحدرون من جذور عربية في معظمهم وغالبيتهم من المسلمين, وتلك صفة تنزع عنهم هذه الصفة الأهلية. <BR>الجيران في أوروبا الغربية استشعروا الخطر وتداعوا إلى التنديد بهذه الاضطرابات في أنحاء الإعلام والسياسة الأوروبيتين, وتسابق المحللون والخبراء إلى تحليل هذه الظاهرة الاجتماعية الخاطفة للأبصار. <BR>استدعى هؤلاء ذكريات الحرب الأهلية الإسبانية, فتطامنت نفوسهم لضعف تأثير اضطرابات فرنسا عن أن تحوز هذا المسمى, لكنهم تذكروا تصريحاً لشارون قبل سنوات كان يحذر أوروبا من 118 مليون مسلم يقيمون في أوروبا (بمن فيهم مسلمي تركيا والبلقان) ويشكلون خطراً بالغ الأهمية عليها. <BR>الجارة الألمانية اكتشفت هي الأخرى أن مهاجريها السبعة ملايين من الفقراء, وأن صفة الأفقر أضحت ملازمة للمسلمين أينما حلوا في بلدانهم الأصلية أو ارتحلوا عنها, وأن هؤلاء قد يمثلون ذات يوم قوة ضاغطة على استقرار الدولة النازية السابقة. <BR>وذكر بيوتر رومانوف بأنه رغم استخدام أشد التدابير حزما وهي قد ساعدت بصورة مؤقتة في تهدئة الأمور, إلا أن الماضي شهد أن ذلك أمر مؤقت سرعان ما ينسحب إلى وضع آخر ينتصر فيه المهزوم أول مرة "وقد طلب تشرشل إطلاق النار بلا رحمة على حشود الهنود من الطائرات، لكن فاز في الحرب بالرغم من كل شيء داعية اللاعنف المهاتما غاندي. وأحرق الأمريكيون فيتنام بالنابالم، لكنها انتصرت وهي باقية. واليوم دخل الأمريكيون إلى العراق بيسر لكنهم يتكبدون هناك هزيمة منكرة. إن الحضارة التجميلية الأمريكية التي وضعت فوق خرائب الفلوجة تشبه أصباغ التجميل الرخيصة التي تزول حالما يسقط أول مطر – فسيبقى العراق بالرغم من كل شيء عراقاً". <BR>جذور المهاجرين الإسلامية استرعت انتباه الكثير من المحللين في العالم الغربي بل والعربي, لكن جذور ساراكوزي اليهودية لم تسترع انتباه أحد, وظل الأخير يردد إن المهاجرين "حثالة وأوباش" من دون أن يردعه أحد, لا هبة الغاضبين, ولا انتقاد الكتاب والسياسيين ومضى بسبيل إيقاد نار حرب, أو تهيئة الأرض لحراثة مرحلة جديدة. <BR>تسير الأمور الآن بطريق الهدوء, لكنها لا تمنح الغاضبين من المهمشين من غير العنيفين ضوءاً في نهاية نفق اقتصاد الضواحي المتدني. <BR>وبدلاً من أن يسمع المهاجرون تصريحات واعدة لـ(الرئيس الفرنسي) جاك شيراك , كان الرئيس المريض يرغي ويزبد متوعداً سوريا مذكراً العالم بأحداث 11 سبتمبر التي استثمرت لإشعال نيران الحرب في العالم وتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. <BR>وقد لا يسمع شيراك همسات الفرنسيين بأن فرض عقوبات على سوريا الفقيرة لن يساهم في إدماج المهاجرين ولا حل مشاكلهم في ضواحي باريس, لكنه معني بسماع أغنية ساركوزي المعزوفة على لحن شارون..<BR> <BR><br>