السوريون بين مشاهد الماضي ومخاوف المستقبل
13 شوال 1426

يبدو أن شيئاً هاماً سوف يحدث داخل سوريا، هكذا يتحدث الناس هناك وهم يرون ويتابعون باهتمام بالغ ما يحدث في العالم الخارجي والداخلي من ضغوطات وتحركات يخشون أن تنتهي لصالح التدخل العسكري أو الحصار الاقتصادي.<BR><BR>لا تزال فئة كبيرة من الشعب السوري يتذكرون تماماً ما حدث خلال السنوات السابقة، في فترة الثمانينات، عندما قامت الولايات المتحدة بفرض حصار اقتصادي على سوريا.<BR>كانت طوابير من الناس تقف بالدور للحصول على علبة مناديل، أو علبة حليب للأطفال، أو علبة سمن صغيرة، توزع بشكل مدروس يضمن عدم احتكارها من قبل تجارة الجملة، ويضمن وصولها إلى أكبر عدد من العائلات، التي كانت تقضي شهراً كاملاً على علبة واحدة من هذه السلع، وتنسى الكثير من الحاجات اليومية الأساسية بسبب الحصار.<BR>السيارات لم تكن تستطيع الحصول على (قطع الغيار) بسبب الحصار، وكان على السائق أن يجد (حيلة ما) كي تسير سيارته من جديد. وكذلك أصحاب الحرف المهنية ممن يستخدمون آلات صناعية، كالعجانات والمحركات والمناشير الكهربائية والغسالات وغيرها. وهذا ما أفرز طريقة (صناعية) للتعامل مع هذا الحصار، نشأت في حارات الأرمن بحلب، وانتشرت بعد ذلك في دمشق وغيرها.<BR>فقد كان الصناع المهرة يمسكون القطعة الصناعية التالفة، وبالمخرطة والأدوات الصناعية، كانوا يحصلون على (قطع غيار) تكاد تماثل القطع الأجنبية، وبالتالي كانت المشاكل تحل بهذه الطريقة.<BR>وهذا أوجد حالة من "الاعتماد على النفس" لن نقول إنها تشبه ما حدث في ألمانيا واليابان اللتين جردتهما الحرب العالمية الثانية من إمكانية إنشاء جيوش عسكرية (بعد خسارتهما أمام دول المحور)، وبات الحصار عليهما وسيلة في البناء والإبداع والتصنيع، ولكن كان مبدأ "الحاجة أم الاختراع" أساساً في التعامل مع المستلزمات الأساسية في ذلك الوقت في سوريا.<BR><BR>بعد انتهاء الحصار، وتطور المشاريع الصناعية والزراعية والغذائية، وإصدار قرارات حكومية جديدة لصالح تطوير بنية وبيئة الاستثمار في سوريا، أصبحت الصناعات السورية قادرة على سد معظم الحاجات الأساسية للشعب السوري. الأدوية، والمواد الغذائية من سمن وزيوت ومعلبات وخضروات وفواكه، ومواد التنظيفات من مساحيق غسيل ومناديل وشامبو وغيرها، والزجاجيات والمواد البلاستيكية ومواد البناء، وغيرها من الصناعات الأساسية.<BR>ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل بدأت الشركات الصناعية السورية بتصدير الفائض لدول الجوار، وانتشرت معها الصناعات الغذائية التي باتت تنافس الشركات العالمية في عدة دول.<BR><BR>ولكن للأسف، لا تزال هناك العديد من الصناعات التي لم تستطع الشركات السورية الاعتماد فيها على نفسها من أجل التخلص من الآثار السلبية الكبيرة التي قد تنشأ عن المقاطعة الاقتصادية. وهي تشمل الغالبية العظمى من الصناعات الثقيلة وصناعة السيارات والمحركات وغيرها.<BR><BR>ليس بعيداً عن الحصار، عاصر آخرون كثر في سوريا الحروب العسكرية التي جرت في المنطقة، ابتداءً بالشيوخ الذين عاصروا حروب التحرير والاستقلال، ثم الجيل الثاني ممن عاصروا النكسة التي جرت عام 1967 والتي تم خلالها انتزاع الجولان من سوريا، وما تلاها من حرب أكتوبر التي تعرف في سوريا باسم (حرب تشرين التحريرية) والمواجهات العسكرية في الثمانينات في لبنان.<BR><BR>الكثير من السوريين يعترفون بأنهم لم يشهدوا تطويرات عسكرية سوريا واسعة خلال السنوات الماضية، ما قد يجعل سوريا غير مهيأة لحرب قادمة، خاصة في ظل وجود الكيان الصهيوني (العدو القريب من سوريا)، وبخلاف هذه النظرة التشاؤمية لدى البعض، يعتقد آخرون أن سوريا استطاعت أن تستورد أسلحة متطورة من روسيا (الحليف السابق والدائم لها) وتنتج أسلحة كيميائية، مشيرين إلى الضغوطات الأمريكية والدولية التي حدثت قبل عدة سنوات، بحجة امتلاك سوريا لأسلحة غير تقليدية، قبل أن تشطب أمريكا هذه النقطة في مواجهتها مع سوريا بعد ثبوت كذب ادعاءاتها بامتلاك العراق لأسلحة نووية.<BR><BR>كأي شعب آخر، لا يرغب السوريون بدخول حرب عسكرية، ولا أن يحل "الحصار الاقتصادي" ضيفاً ثقيلاً مجدداً عليهم. فلقمة العيش لا تزال الهم الأكبر لهم، وسط تنامي البطالة، وتدني فرص العمل، واستمرار وجود دكتاتوريات مالية تغتصب الأموال السورية عنوة، وتذهب فيها إلى بنوك خارجية، أو تقيم فيها مشاريع اقتصادية ربحية، مفروضة على السوريين بسبب "الاحتكار الصرف" لها، كخدمة الجوال، وغيرها.<BR>إلا أن الحكومة بدأت تتخذ إجراءات جديدة، تحاول فيها تهدئة مخاوف السوريين من الأزمة المادية المستمرة منذ سنوات عديدة، كزيادة رواتب الموظفين بشكل مستمر، وإقامة مشاريع اقتصادية لاستيعاب بعض العاطلين عن العمل، وإصلاحات اقتصادية باتت تطول الكثير من الشخصيات الهامة والحساسة، كرامي مخلوف (ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد) وغيره. <BR>لذلك، فإن فرض عقوبات اقتصادية الآن على سوريا يعيد الأمور إلى الخلف سنوات طويلة، ويحرم الملايين من الآمال التي تقدمها القيادة السورية حول تحسين الأوضاع الاقتصادية، ورفع المعاشات، وخفض الضرائب وأسعار الحاجات الأساسية للحياة، وهو ما بدأ السوريون بالفعل تلمسه في أكثر من مجال.<BR><BR>كما يأمل السوريون أن تمتد يد الإصلاح في الدولة إلى ملفات أمنية أيضاً، كإنهاء حالة القانون العرفي المفروض عليهم منذ عام 1963م، وتبييض السجون من المعتقلين، ومنح الأكراد الجنسية السورية، وغيرها.<BR>ويشير الكثير من المحللين السياسيين إلى ضرورة أن تقوم السلطات السورية في هذه الأوقات بالذات، بمد يدها للشعب، ومهادنة المعارضة، التي أعلنت أنها تقف إلى جانب الحكومة السورية ضد التدخل الأمريكي مقابل تسريع الإصلاحات في البلاد. وهو ما من شأنه أن يحدث لحمة وطنية تحتاجها القيادة السورية بشدة خلال المرحلة الحالية والقادمة. <BR><BR>وبين المشاكل المادية، والمخاوف من المستقبل؛ ينتظر السوريين بقلق ما قد تقدم عليه الولايات المتحدة خلال الأيام القادمة، وما قد تتخذه الدبلوماسية السورية من تحركات يأمل الكثيرون أن تجنب سوريا أية ضغوطات جديدة أو حصار اقتصادي أو حروب عسكرية محتملة.<BR><BR><br>