سبعون عاماً: القسام.. حضور بلا غياب
27 شوال 1426

[email protected] <BR>[ [سألنا عبد اللّه عن هذه الآية:"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول اللّه _صلى الله عليه وسلم_ فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع عليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن تردَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا".] قاله مسروق من حديث لمسلم.<BR>تمضى الأيام ويثبت الشهيد دوماً أنه لا يموت, ليس في الجنان فحسب, وإنما هنا في الأرض حين يستحيل رقماً صعباً في معادلة النضال, وحينما يكابد أعداؤه من لأواء مناجزته لهم من بعد أن يضمه الثرى.. <BR>اليوم تذكر فلسطين وبلاد العرب فارس فلسطين الأشم عز الدين القسام الذي قضى نحبه في مثل هذا اليوم منذ سبعين عاماً (20نوفمبر 1935).. وبقدر ما بذل الرجل بقدر ما ظل حاضراً في الساحة النضالية الفلسطينية لم يبرح الذروة التي ارتقى عليها ومنها ارتقى إلى مولاه مقبلاً غير مدبر هاتفاً من أعماق الضمير والإيمان:"موتوا شهداء".. ومن صدق الفعل, كان صدق الأثر, إذ استحال جسده الواهن بعد هذه العقود صواريخ وقذائف تحمل اسمه كما تحمل فكرته التي لا تموت ما دام صاحبها ـ نحسبه ـ في العلى حي من نعماء الله يرزق. <BR><BR><font color="#0000ff">القسام: البذل حينما لا يعرف الوطن.. العالِم الذي لا يعرف السكون.. </font><BR>هو قائد ثورة فلسطين الشيخ محمد عز الدين بن عبد القادر مصطفى القسام ولد الشيخ في بلدة جبلة السورية عام 1882م, وأرسله أبوه إلى مصر ليتعلم في الجامع الأزهر عام 1896م فمكث فيها عشر سنين تأثر فيها بمدرسة الجهاد التي أنشأها الشيخ محمد رشيد رضا التي تابع من خلالها أخبار الحركات الجهادية في العالم الإسلامي ثم عاد إلى بلدته, وفيها قاد أول تظاهرة تضامنية مع الليبيين لدى احتلال الطليان لبلدهم والتي هتف خلالها السوريون "يا رحيم يا رحمن.. غرّق أسطول الطليان", ودعا إلى التطوع لنصرة المسلمين في ليبيا منتقيًا منهم 150 متطوعًا, وقد حاول السفر إلى ليبيا برفقتهم غير أن العثمانيين منعوه فسافر هو وصديق له لتسليم تبرعات السوريين لشيخ المجاهدين الليبيين عمر المختار ثم عاد إلى سوريا ـ ثمة رواية أخرى تقول إن القسام منع أيضًا من السفر فبنى بالمال مسجدًا في سوريا ـ وفي العام 1918م احتل الفرنسيون سوريا فباع الشيخ العظيم بيته, واشترى بثمنه 24 بندقية, وسار بأهله إلى جبل صهيون, والتحق بالثورة التي قادها عمر البيطار في جبال اللاذقية, وفي جبال اللاذقية كان موعده مع الجهاد.. إذ ظل يقاتل الفرنسيين ويحرض المؤمنين على قتالهم إلى أن حكم الفرنسيون عليه بالإعدام غيابيًا, وحاولت فرنسا إغراؤه بعد ذلك بالمال والمنصب لكن الرجل كان أكثر صلابة من كل هذا, واستمر في جهاده بجبال اللاذقية إلى أن ضاق الخناق على المجاهدين, فهجر إلى حيفا مع بعض إخوانه, ووجد فيها ضالته في الدعوة إلى الله من خلال مسجد الاستقلال الذي أصبح إمامه وخطيبه, ومن خلال جمعية الشبان التي ترأسها, وانطلق من حيفا يحرض على تكوين خلايا الجهاد 15 عامًا, وراح يبتاع السلاح سرًا.وبعد هذه السنوات الطوال بدأت بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين, وتفسح الطريق لليهود للشروع في بناء كيانهم الزائل المدعو "دولة إسرائيل" تفتح عيونها على تحركات القسام, وتستدعيه أكثر من مرة, فشعر القسام بأن أمره قد انكشف أو كاد, ويومئذ كان لقاؤه الثاني والأخير مع الجبال, وقد كان ينتوي قبلاً أن يفجر الثورة في كل أرجاء فلسطين, بيد أن الأحداث داهمته, فاضطر للخروج مع رفاقه إلى جبل جنين, متمثلاً كلمته الخالدة "هذا جهاد.. نصر أو استشهاد", وفي جبل جنين لم يتوقف القسام عن تحريض فلاحي جبل جنين على القتال حتى طوقت حملة إنجليزية مركز جهاده وأيقن بالموت ومع هذا لما دعاه قائد الحملة للاستسلام هو وإخوانه أبى قائلاً للقائد: "هذا جهاد في سبيل الله والوطن, ومن كان هذا جهاده لا يستسلم لغير الله" ثم التفت إلى إخوانه وهتف بهم "موتوا شهداء" ثم قاتل _رحمه الله_ حتى قتل عام 1935م, وتفجرت من بعد استشهاده الثورة في كل أرجاء فلسطين.<BR><BR><font color="#0000ff">القسام اليوم: </font><BR>من المحال أن نؤرخ فنقول "منذ أن غاب قبل 70 عاماً", إن القسام لم يزل يوقظ شارون فزعاً مرة من بعد أخرى حين تسقط صواريخ القسام في مزرعته وعلى مقربة منه.. إن الدار المتواضعة التي باعها القسام فاشترى بثمنها 24 بندقية عتيقة قد امتزجت بروحه فاستحالت ترسانة يحملها الأحفاد على أكتافهم كما أرواحهم ـ وروحه من قبل ـ على راحاتهم, تزلزل الأرض تحت أرجل الغاصبين.<BR>استشهد القسام فبعثت كتائبه بعد نصف قرن من الزمان تذيق اليهود من لظى حممها.. وأطلق القسام شعاره الخالد "هذا جهاد.. نصرًا واستشهاد", فضمنته حماس معظم بياناتها التي تلف الأرض وتتطيرها الوكالات.. ويوم أن صاح القسام في إخوانه بجنين "موتوا شهداء" لم يكن يدري أن جنين القسام تلك ستكون مصنع الشهداء وعنوان الشهادة وعاصمة العمليات الاستشهادية, التي نسمع من دونها صوت القسام مدويًا "موتوا شهداء".<BR>ولم يكن اختيار الجناح العسكري لحركة حماس التي هي من ثمار النضال الفلسطيني التليد لاسم "كتائب عز الدين القسام" اعتباطيًا, فالرجل العظيم هذا كان من الفطنة والذكاء بحيث استطاع تكوين خلاياه المقاتلة خلال 15 عامًا في سرية وكتمان من دون أن ينكشف أمره برغم تاريخه النضالي في جبال اللاذقية بسوريا, وتلك كانت من العلامات التي وعتها كتائبه بعد أكثر من نصف قرن.. كان مسلكه في هذا السبيل نموذجاً للشباب المناضل الساعي لتحرير بلاده بعد تحرير ذواته.. وليس الأمر من منقبة واحدة تعلقت من أجلها قلوب هؤلاء فتذكروا حاضرهم الحي من بعد استشهاده قبل سبعين عاماً, قمينة بأن تنسي الأحفاد مآثر الأجداد, غير أن الخلود لا يبليه الزمان.. فطراز بطل العرب القسام يغاير أولئك الذين يموتون فلا يذكرهم قومهم بعد أيام ثلاث.. فمَن كالقسام في علم يتبعه عمل, وفكره يتبعها التطبيق, ومن كالقسام يبيع بيته لله, ولا يعرف لبذله حدود.. لا حدود وطن ولا حدود جماعة.. ومن ذا الذي يتملك ذاك الحس المرهف في نضاله فيفرق بين ميادين المعارك وميادين المدن.. يخرج إلى الجبال صائناً القرى والبلدات عن القتال ولا يستدعي الحروب إلى الديار والطرقات.. <BR>والمناقب في طراز كالقسام عديدة يحتاج للاستنارة بها شيوخ وعلماء الأمة, وحركات التحرر والمقاومة, وهيئات الإغاثة, والقوى السياسية السلمية.. <BR>فالقسام في الحقيقة هو اسم جامع للعالِم حينما يتخذ حياته ثمناً لما يؤمن به, ويعلي من قيمة المبدأ الذي يحمله.. القسام هو العالِم, والقائد, والخطيب, والمهاجر, والداعم, والمناضل, وهو من بعد الكتائب.. والصواريخ.. <BR><BR><br>