كتاب( بوش ترميناتور)..الوجه الآخر من الديمقراطية الأمريكية الفاسدة
27 شوال 1426

في تقرير سري حققت عبره جريدة "ديتش نيوز" الألمانية سبق التفرد بنشره، فإن التخبط الذي تدور فيه الولايات الأمريكية في العراق جعل الاعتراف بالهزيمة أمر في غاية الصعوبة، والاحتمال في الوقت نفسه. فقد نشرت الجريدة الألمانية أن إدارة الحرب الأمريكية في العراق اكتشفت بعد عامين من غزو العراق أنها "أخطأت" في تقدير نتائج تلك الحرب التي سارعت إلى خوضها، وأن الجنود الأمريكيين في العراق يهددون البنتاجون بالتمرد والعصيان المعلن، بسبب الخسائر اليومية التي يتعرضون إليها من المقاومة العراقية. <BR>أزمة إدارة بوش الحالية لم تعد جديدة، ولا استثناية، لكنها تبدو اليوم في غاية الحدة لأنها تفتحت على العديد من الكوارث التي نعرف جميعا مدى أحقية أمريكا بها.. أمريكا الامبريالية التي أرادت أن تقيم إمبراطوريتها على حساب حضارات إنسانية كثيرة، لم تعد تستوعب خطورة المسار الذي تنتهجه في المنقطة العربية، بل صارت تتمادى في تهديدها لضرب سورية وإيران، ولتوسيع رقعة الصراع، مع أنها غارقة إلى أذنيها في المستنقع العراقي! العراق صارت جحيما للولايات الأمريكية فعلا..<BR>بهذا المعنى يطالعنا كتاب (بوش ترميناتور) الصادر مؤخرا في فرنسا من تأليف صحفي عايش الغزو الأمريكي للاحتلال وكتب عنه كل الحقائق التي اعتبرها الكاتب بمثابة الصورة الواضحة عن " الديمقراطية الأمريكية الفاسدة" التي تسوقها اليوم العديد من الدول أيضا لأجل احتلال مناطق أخرى طمعا في خيراتها من جهة ومن جهة أخرى لمسح حضارتها ومقوماتها كي تصنع من الفكر الأمريكي نموذجا وحيدا قابلا للاقتداء به في العالم!<BR><BR><font color="#0000ff">الحرب على العراق، وكذبة الشرعة الدولية!</font><BR>منذ البداية، كان واضحا أن الحرب على العراق لم تكن صدفة ولا تصفية حسابات مع الطاغية العراقي صدام حسين، فقد كان ثمة العديد من الفرص لتصفيته ولكن الإدارة الأمريكية الأولى أرادت أن تبقيه في السلطة، كي ترهب به منطقة الخليج العربي، وكي يصبح في يدها سببا في التدخل والبقاء مباشرة فيها.. صدام حسين الذي تلقى الدعم اللوجستيكي من الأمريكيين، هو نفسه الذي تحول إلى الغول الرهيب، حين احتل الكويت من دون سبب، وأراد أن يمضي في عملية اجتياح غريبة كانت سوف تلغي المنطقة برمتها.. لقد كان الأمريكيون (حسب تقارير عسكرية أمريكية) يدركون رغبة الطاغية العراقي صدام حسين في احتلال الكويت.. لقد كانت تحركات الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" بين تل أبيب وواشنطن تعكس حالة التوتر السياسي التي كانت المنطقة العربية داخلة إليه، فمكاتب الاستخبارات "الإسرائيلية" في إفريقيا الشرقية والوسطى استطاعت أن ترصد العديد من التقارير أيضا عن رجال المخابرات العراقية الذين كانوا ينشطون هناك أيضا، ولعل اغتيال "مهند عبد الحسين" رجل الأعمال العراقي في العاصمة الكينية نيروبي (والذي كان عنصرا فعالا في مكتب الاستخبارات العراقية في إفريقيا) بمثابة الضربة الكبيرة التي كانت تتنافس على القيام بها الاستخبارات "الإسرائيلية" بموازاة مع نظيرتها الأمريكية من خلال مكتب التحقيقات الفدرالية (الإف بي آي) ومكتب الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي أي آي). لعبة الموازنات على المستويين الإقليمي والدولي، بحيث أن "الدولة اليهودية" ظلت تراهن على الخطر الأكبر القادم من العراق، من منطلق ما كان يمثله في نظر الشرق الأوسط كبوابة شرقية للوطن العربي، يقول الكتاب.. لم تكن فكرة الحرب على العراق جديدة.. كانت بحاجة إلى مناخ سياسي دولي حقيقي ليتم التنفيذ، بحيث أن إيجاد ذلك المناخ بعد حوادث 11 سبتمبر 2001 كانت بمثابة الفرصة الكبيرة، لأولئك الذين دخلوا إلى البيت الأبيض حاملين رؤى التطرف الديني بعبارة " الرب من أرسلنا" والذين أطلقوا على أنفسهم آليا لقب المحافظين الجدد.. كان مصطلح المحافظين الجدد منتقيا من مصطلح صهيوني قديم هو المحافظة الإيمانية الذي ارتبط في الأربعينات ضمن جماعة صهيونية متطرفة كانت تتشكل منها أيضا الرؤى العسكرية بموجب ما تركته جماعة "الهجانا الإسرائيلية" الإرهابية من تخطيط لأجل "إبادة" العرب، وغير اليهود عموما.. كانت فكرة " المحافظة الدينية" شكل من أشكال التطرف الصهيوني الذي انطلق مما يسمى " بطلاسم التوراة" لتسويق الفكر الإرهابي الصهيوني المعادي لكل البشر، والذي كان يستمد نفوذه من الصراع الدولي، من القوة المالية التي من خلالها يتحكم اليهود في المصارف والبنوك الدولية، وكان يستفيد أيضا من ضعف " الأعداء" (العرب والمسلمين بالخصوص) الذين كانوا يقضون حياتهم في الصراعات الداخلية الفارغة، وفي حروب انقلابية للاستحواذ على الحكم! من هنا، حين انبثقت صورة المحافظين الجدد في بداية الثمانينات، كانت الأطروحة السياسية عبارة عن تعصب ديني منقطع النظير تجسد في شخص " أرثور بريزني" المفكر الأمريكي الأكثر تطرفا وكرها للأجناس الأخرى، وكان يهوديا صهيونيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يقول الكتاب. <BR><BR>من هنا، تحول الفكر " الديني الأمريكي" نموذجا للفكر المناوئ للآخرين، بحيث أن مصطلح المحافظين الجدد سرعان ما تحول إلى لغة خطابية تنطلق من عبارة " الرب نمجده، وهو من أرسلنا" والتي لوحدها كانت تلغي الآخرين وتستبيح دمهم! <BR><BR><font color="#0000ff">أحداث سبتمبر بداية الإرهاب الدولي:</font><BR>يعد الكاتب أن التطرق إلى أحداث سبتمبر يجب أن يكون حذراً للغاية؛ لأن الوقائع الجديدة تثبت أن الترجمة الأمريكية للأحداث لم تحن حقيقية، وكانت مغالطة لأجل استثمار تلك الحوادث في عملية الحرب التي قررت فعلا شنها قبل مدة على دول بعينها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي أيضا.. فثمة الحرب المباشرة والحرب غير المباشرة، ولهذا، حين عليك أن تشن الحرب على دولة كبيرة فأنت بهذا تعرف قطعا أنك سترعب بقية الدول التي بمجرد هزيمة الدولة المعنية يتسلل الرعب إليها فتصير قابلة للمسايرة، وقابلة كي تفعل ما تقدر عليه لإرضاء الدولة العظمى.. لكن هذا (كما يقول الكاتب) يمكنه التطابق مع ما فعلته الولايات الأمريكية خلال السنوات الماضية إن هي لم تتماد فعلا في نفس إستراتيجية الحرب، بنفس صيغ التهديد ذاتها، بمعنى أنها لم تعد تكتفي بشن الحرب على دولة لإرهاب البقية، بل صارت تسعى إلى شن الحرب على الجميع لكي تنشر بظروف كاملة وشاملة نفوذها المطلق على المنطقة التي تستهدفها، ولأن المنطقة التي تضع العين عليها في الوقت الحالي هي منطقة الشرق الأوسط، فهي لعبة غير سهلة ولا بريئة، لأن المستفيد الأكبر منها اسمه أيضا: "إسرائيل"! لقد ارتبط مصير المحافظين الجدد في الولايات الأمريكية بـ"إسرائيل"، باعتبار أن الذين أسسوا تلك الرؤى التطرفية في أمريكا هم يهود، وأنهم يفعلون ذلك كي يتحركوا نحو حرب جديدة وغازية لأجل ضمان امن "إسرائيل" وتوسيع رقعتها أيضا، فقد جاء في تقرير سري للغاية نشرت جريدة " يديعوت أحرينوت" العبرية أن الخارطة اليهودية "الدينية والتاريخية" تمتد من فلسطين إلى أقصى الشرق، والحال أن العراق جزء من تلك الخريطة التي نشرت فعلا والتي أثارت ضجة إعلامية في الغرب، بينما لم تثر شيئا في البلاد العربية يقول الكاتب.. كان يجب العثور على تاريخ لبداية الحرب على الأخضر واليابس.. والحال أن أحداث سبتمبر كانت هي البوابة التي فتحتها أمريكا على العالم لممارسة الإرهاب الدولي على الشعوب المستضعفة، لإجبارها على الخضوع للأمر الواقع، وعلى التنازل والعيش "بسلام" تفرضه الإمبراطورية الامبريالية بمعية "الدولة اليهودية"، كما يقول الكتاب..<BR><BR><font color="#0000ff">الحرب على أفغانستان لأجل الحرب على العراق!</font><BR>ليس ثمة من شك أن النظام العراقي كان بؤرة صراع وديمومة قلق وتوتر دائمين في المنطقة.. لكنه أيضا استراتيجيا كان قوة عسكرية كبيرة، وكان يشكل فعلا التهديد الحقيقي على الدول الإرهابية الكبرى مثل أمريكا و"إسرائيل" يقول الكتاب.. إستراتيجية النظام العراقي كانت قائمة على القمع الداخلي، وكانت أيضا تعتمد على الصراعات الإقليمية لنشر الخوف والقلق في المنطقة التي تعرضت فعلا لأعنف ضربة قصمت ظهرها بسبب الاجتياح العراقي غير الشرعي للكويت، وهو ما كان يحتاجه الأمريكيون لصياغة خطة حرب طويلة المدى، كارثية وغير منتهية. الأمريكيون من منظور المحافظين الجدد بحاجة إلى أعداء هلاميين لتبرير الحروب التي يشنونها.. هؤلاء الأعداء الذين يجعلون تقبل الغزو أسهل باعتبار أن المشاكل الداخلية في الولايات الأمريكية ليست هينة، وقد عرتها فعلا الحرب الأخيرة على العراق، ولهذا السبب فمن المستحيل على جورج دابليو بوش أن يجد حلولا لتلك المشاكل، ومن هنا يحتاج إلى إرهاب شعبه عبر جملة من الوسائل التي تجعله يشعر بالخوف المستمر.. لقد تقبل الشعب الأمريكي ما كان يعتبره في سنوات السبعينات حظرا للحريات الشخصية. تقبل أن يحد من حرياته، وأن يتعرض للتفتيش المهين، وتقبل أيضا أن تكون الحملة الإعلامية بداية لحملة أخرى لأجل "مكافحة الإرهاب" من دون حتى أن يتساءل عن نوع الإرهاب المقصود به؟ ومن دون أن يثير أدنى مساءلة عن الإرهاب الأمريكي الحاصل في المنطقة؟ وعن الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين العزل، ضد النساء والأطفال داخل الأراضي المحتلة وفي الجولان والضفة.. يقول الكاتب.. المسألة كانت في الأول والأخير وفق طريقة التخويف التي مارستها أجهزة الدولة الأمريكية لأجل إخافة الأمريكيين أولا من عدو هلامي، ولأجل تبرير كل الحروب التي تدخلها الإدارة الأمريكية ضد ما تسميه الـ"إرهاب" وفق اختيار تلك الإدارة لماهية "الإرهاب" الذي تريد القضاء عليه والذي ارتبط آليا بحضارات تريد القضاء عليها من منطلق ما يحمله جورج دابليو بوش في خطابه السياسي لنفس الجملة " الرب قال لي، وهو الذي يقودني"!<BR><BR><BR><font color="#0000ff">جورج بوش "ترميناتور"!</font><BR>الفكرة كانت في الحقيقة جزء من اللعبة السينمائية الهوليودية الأمريكية التي كانت تصنع من البطل شخصا خارقا، لا يقهر ولا يموت.. في السبعينات كان التركيز على حرب فيتنام كنوع من أنواع التعويض على خسارة فادحة جنتها أمريكا في فيتنام. كان الأمر لا يخلو من تعويض مبالغ فيه، حين لجأت الصناعة السينمائية الأمريكية (بدعم مباشر من البيت الأبيض) إلى تأسيس نظام فكري مرتبط بالبطل الأحادي، وبالقوة الأحادية، وبالسيطرة الأحادية أيضا.. كانت القصص المطروحة سينمائيا لا تخلو من حبكة قريبة من الواقع (الهلامي والعدو الهلامي) مستفيدة من التكنولوجيا الرقمية المتطورة، ومن الدعم اللوجستيكي المطلق من البنتاجون عبر الطائرات والجنود الذين كانوا يساهمون في العمل السينمائي الضخم.. السينما ساهمت بشكل خرافي في صياغة البطل الأوحد الأمريكي فعلا، بحيث إن الشعب الأمريكي صدق ألا شيء سيقدر على سحقه أو النيل منه.. صار عبارة عن "ترميناتور" من نوع خاص، وأن القوة الحقيقية هي تلك التي يتمتع بها الأمريكي كشخص " غير قابل للمساس، ولا للهزيمة!" من هنا، هزت حوادث سبتمبر تلك الصورة وبشكل عنيف، مما جعل الشعب الغارق في الشعور بالعظمة يكتشف هشاشة البيت الزجاجي الذي يسكنه. وهي اللعبة التي ساهمت فيها أيضا الصناعة السينمائية الأمريكية التي ـ صدفة!! ـ أنتجت فيما سينمائيا سنة 2000 يصور بتفاصيل مدهشة أحداث سبتمبر التي وقعت سنة من بعد!! إذ تساءل الكاتب عن " اللغز" المحير وقتها الذي أدى بمؤلف الفيلم السينمائي إلى اعتقاد أن البرجين التجاريين سيتعرضان إلى تفجير بواسطة طائرات مختطفة؟ وكيف تم صياغة القصة بتلك الدقة التي حدثت عليها سنة من بعد؟! ليرد على الاستفسار بقوله أن مؤلف الفيلم الذي تعرض إلى "الحظر" من قبل البنتاجون فيما بعد كان ضابطا في مكتب التحقيقات الفدرالية قبل أن "يكتشف موهبته" في التأليف السينمائي!! ف" بوب ميلور" الذي ألف فيلم " العدو الآخر" هو نفسه "بوب سميث ميلور" الضابط السابق في مكتب التحقيقات الفدرالية، والذي في الحقيقة لم يؤلف إلا ما كان محتملا، وهو الأمر الذي عبر عنه الفيلم نفسه حين قال على لسان بطله الرئيسي:...." أمريكا تريد أن تصنع الأعداء كي تغزو العالم وتحتله كله.. الإسلام هو العدو الحالي ليس لأنه خطير بل لأن أمريكا تريد أن تصنع منه غولا يخافه الجميع ويحاربه الجميع، لأن أمريكا بحاجة إلى الحرب كي تنفذ أطماعها الاقتصادية والصناعية والإستراتيجية ولأن مصلحة أمريكا تتمثل في أن الذي يقودونها يريدون مصلحة اليهود فوق كل اعتبار!"<BR><BR>جورج دابليو بوش لم يكن صانع حرب فقط، بل وصانع عداوات دولية رهيبة بين سكان الأرض.. بحيث أن الشعب الأمريكي نفسه صار رهينة سياسات البيت الأبيض وإدارة المحافظين الجدد، وهي السياسة التي ستؤدي إلى الخراب المطلق يقول المؤلف الذي يشير في الأخير إلى أن العالم يمشي نحو الانهيار في ظل هذا التحدي العلني للشرعية الدولية وفي ظل صراعات مفتوحة مقبلة ستكون ضحيتها العديد من الدول وربما سورية هي الضحية المقبلة حسب رأي الكاتب.. نذكر في الأخير أن كتاب "بوش ترميناتور" صدر مؤخرا عن منشورات سي أل دي الفرنسية التي تعد من أكبر دور النشر الفرنسية رفضا للسياسة الخارجية الأمريكية..<BR><br>