تصدير للأزمات الداخلية أم خلاف حقيقي بين تشاد والسودان؟!
4 ذو الحجه 1426

[email protected]<BR>(الانحياز إلى القبيلة المنتصرة، منطق القوة...)، أرست فرنسا هذه القاعدة منذ أن وطئت أراضي ما يعرف بممالك وسط أفريقيا الإسلامية (مملكة كانم الإسلامية، ومملكة بقرمي الإسلامية، ومملكة وداي الإسلامية)، وخاصة بعد سيطرتها الكاملة على ما يعرف اليوم بدولة تشاد عام 1900م، وبدأت بتحويل هذا المجتمع المسلم من مجتمع منفتح على جيرانه من الممالك الإسلامية في القارة ووضعها في دائرة ضيقة صغيرة (1.284ألف كلم2)، وتم تقسيم قبائلها تقسيماً عشوائياً في عدد من الدول التي تم إنشاؤها مابين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، وصاحبت القاعدة السابقة القاعدة المشهورة " فرق تسد " فسادت حين من الزمن إلى أن تم جلاؤها شكلياً في عام 1960م، عندها بدأت سلسلة الحروب(1963) الأهلية في تشاد والتي لم تنته إلى يومنا هذا.<BR> ولعبت أطراف عدة في إشعال فتيل هذه الحروب التي قضت على الأخضر واليابس وراح ضحيّتها آلاف الأسر التشادية، ولعل أشرسها حرب ستة أشهر ما بين الرئيسين السابقين (قوكوني عويدي وحسين هبري) والتي راح ضحيّتها أكثر من عشرة آلاف شخص ما بين عسكري ومدني، وذلك في الفترة ما بين مارس إلى سبتمبر عام 1980م، وأعقب ذلك الحرب التشادية الليبية، هذه الحروب التي استمرت قرابة الأربعين عاماً قضت على آلاف القادة العسكريين وآلاف من الشعب المسلم المغلوب على أمره، فلم تر تشاد طفيف أمل في أمن وسلام وتطور إلا في سنين معدودة من تاريخها الحديث وهي لا تساوي شيئاً مع سنين الحروب التي أدارها الشعب التشادي وما زال يديرها بالوكالة عن الآخرين سواء المستعمر القديم أو الجديد أو لأجل مصالح الدول المجاورة. <BR>وكانت اتفاقية السلام الأخيرة بين حركة " العدالة والديمقراطية الشمالية" ـ والتي تقاتل منذ عام 1999م ـ، والتي أبرمت في يوم (الخميس 13 رجب 1426هـ الموافق 18/8/2005م)، خطوة في إيجاد الاستقرار والأمن في هذا البلد، ولكنه أمل تلاشى كغيره من الاتفاقات السابقة، ومما ورد في بنود هذه الاتفاقية:<BR>1- وقف الأعمال الحربية والحرب الدعائية.<BR>2- دمج المتمردين السابقين في الجيش خلال ثلاثة أشهر.<BR>3- ضم بعض أعضاء الحركة في الحكومة وفي المناصب العليا في الدولة.<BR>4- جعل الاتفاق مفتوحاً لمدة ثلاثة أشهر لأي حركة سياسية عسكرية متحالفة مع الحركة بالانضمام إلى الاتفاق.<BR>فالوصاية الخارجية تلعب دوراً كبيراً في تغيير موازين القوى في تشاد، مما يجعل أحد الطرفين يتراجع سريعاً عن ما تم الاتفاق عليه. وهذا ما جعل هذا الاتفاق في مهب الريح، نتيجة للأحداث الداخلية الأخيرة من خلافات داخلية عشائرية بين أفراد الحكومة نفسها وما صاحبها من انشقاق وتمرد في صفوف الحرس الجمهوري، وأفراده كلهم من عشيرة الرئيس، بالإضافة إلى أفراد أخرى من القوات المسلحة، والمحاولات المتكررة لانقلابات فاشلة بدءاً بانقلاب 16 مايو 2004. وانتهاءً بموجة الفرار الجماعي منذ أكتوبر 2005م من الجيش والانضمام إلى الحركات المسلحة في الشمال والشرق والغرب، أو تكوين حركات مسلحة جديدة، ولكونها كذلك لم تضم باقي الفصائل المعارضة.<BR>هذه العوامل الداخلية بالإضافة إلى عامل رئيس وهو أزمة دارفور الحالية ونتائجها الوخيمة على المنطقة أسرها، كان لابدَّ من وصول العلاقات إلى هذا المستوى، فقد وصلت العلاقات إلى مستوى أكبر من هذا إِبَّان البدايات الأولية لأحداث دارفور، ولكن لحكمة أهل الرأي في القيادتين استطاعت أن تخفف تلك الوتيرة، إلا أن هذه المرة، كاد أن يبلغ السيل الزبى ويطفح الكيل، لولا التراجع الأخير في تلك اللهجات المتشددة من الطرفين، لأن هناك مصالح فرنسية في كلا الدولتين، وهذه المصالح الفرنسية هي التي تحول دون أن يزداد التوتر بين الجارتين بالإضافة إلى عوامل محلية رئيسة لا تساعد في اندلاع الحرب بينهما.<BR> إن الأحداث الجارية حالياً في تشاد نتيجة لعوامل عدة كما قلنا سابقاً ولعل الفساد الإداري في الحكومة، حيث صنّفت في ذيل القائمة باعتبارها أكثر دولة فساداً في العالم، وفقدان الأمن على النفس والعرض والمال، والإثراء الفاحش لأفراد الأسرة الحاكمة على حساب الشعب الكادح، والسعي في الأرض فساداً، والثورات المسلحة في منطقة دار فور لها الدور الأكبر في تأجيج الأزمة الحالية التي تمر بها تشاد، وتدهور العلاقات مع جارتها السودان. <BR>السودان وعلاقته بالأحداث: <BR>للسودان علاقة وثيقة بالأحداث بحكم أن القبائل الموجودة في الدولتين وخاصة في إقليمي كردفان ودارفور هي نفس القبائل التي في تشاد، فأحداث دارفور جعلت الحكومة السودانية في بادئ الأمر تتقارب مع الحكومة التشادية أكثر من تقاربها مع المعارضة التشادية والتي تقيم على أراضيها، مع أنَّها استنفرت المعارضة التشادية وجمعتها في السودان وسعت إلى توحيدها، بل دعمت بعض الأطراف بالسلاح والعتاد، إلا أن تهديدات " إنجمينا " لها بأن هذا الاتجاه لا تنصب في مصلحة البلدين وأنها قد تستخدم بعض الأوراق التي تضر السودان تراجعت الحكومة السودانية قليلاً عن تلك المبادرات في ذلك الوقت، واحتفظت بالمعارضة على أراضيها.<BR> وهذا ما جعل الدكتور خليل إبراهيم يتهم الحكومة التشادية بالتواطؤ مع الحكومة السودانية للقضاء على جبهته على حساب الجبهة الثانية للمعارضة الدارفورية فصيل مناوي أركوري، بل إن الدكتور خليل ذهب إلى أكثر من ذلك حين قال:" إن الحكومة التشادية عدوة لحركته ولذا فإنها لا ترغب في وسطاء تشاديين في المفاوضات التي تجرى في أبوجا ". وسعت حركة الدكتور خليل كذلك إلى محاولة للتقارب مع المعارضة التشادية الشمالية " حركة العدالة " ومحاولة دعمها، والتنسيق معها، حيث ترى أن تحرير تشاد من الحكومة الحالية خطوة أولية في سبيل تحرير دارفور، مما جعل شريكه الآخر في أزمة دارفور في موقف معادي لحركته مما أدى إلى التقاتل فيما بينهما لتضارب المصالح.<BR>فالتوجه السوداني الأخير وخاصة التصريحات الصادرة من بعض المسؤولين سواء في الحزب الحاكم أو في الحكومة نفسها تضر أكثر مما تنفع، كما كان الحال في أزمة دارفور عندما صدرت مثل هذه التصريحات ورأى البعض في الحزب الحاكم وفي الحكومة أن الحل الوحيد لحل الأزمة الدارفورية هو استخدام القوة، فكانت النتيجة الحالية (10 آلاف) قتيل، ونزوح (670 ألف) إلى داخل السودان، وأكثر من (200 ألف) إلى تشاد، وفتح الباب أمام المئات من المنظمات التنصيرية، والشبكات اليهودية، وأضحى كثير من القادة والمسؤولين في الغرب يتحدثون عنها، ومن ذلك ما صرَّح به رئيس وزراء فرنسا دومينيك دو فيلبان حينها بقوله: " إن هذا النزاع في غرب السودان يجب أن يدفعنا إلى التعبئة لأنه يهدد استقرار المنطقة؟! "<BR>وبالمقابل فالحكومة التشادية قد تسعى إلى الأطراف الدولية المناوئة للحكومة السودانية في سبيل الحفاظ على كرسيها، فهي من أجل الحفاظ على هذا الكرسي سعت إلى التقارب مع دولة الكيان الصهيوني، وكذلك لإرضاء أمريكا وطلب الحماية منها سعت أيضاً بتطبيق مدونة لأحوال الشخصية المخالف للإسلام والقيم التي تربى عليها الشعب التشادي، وتخوفاً من ردود الفعل العكسية والقوية من المجتمع المسلم تراجعت في تطبيقها إلى حين، حتى لا تكون سبباً في إطاحة حكومته.<BR>الأزمة والأطراف الدولية:<BR>نقصد بها الاتحاد الأفريقي وفرنسا وأمريكا والمنظمات التنصيرية، فالموقف الفرنسي كما ذكرنا سابقاً واضح جداً فهي مع القبيلة أو الطرف المنتصر والأقوى، وأنَّ لها مصالح استراتيجية في السودان، لذا دعمّت بكل ما أوتيت من قوة حركة إدريس دبي ضد الرئيس السابق حسين هبري وبالتنسيق مع الاستخبارات السودانية وأوصلته إلى سدة الحكم، وهي الآن كذلك تدرك جيداً ماذا تريد من الأزمة الحالية، وإن تقيدت ببعض القيود التي تفرضها عليها صاحبة النظام العالمي الجديد أمريكا، فمصالحها تبع لمصالح أمريكا، لذا كان مضمون التصريح الصادر من وزارة الخارجية الفرنسية والتي جاء فيها: " إن فرنسا تذكر بأنها ترفض أي محاولة للاستيلاء على السلطة بالطرق غير الديمقراطية لا سيما باستخدام القوة "، نفس مضامين التصاريح السابقة، تقول مالا تفعل، فمعظم المعارضة السياسية تقيم على أراضيها، وتجد المعارضة العسكرية دعماً معنوياً من أولئك المقيمين فيها، ومع أنها تربطها بتشاد معاهدة تعاون عسكري في حالة تعرض حكومة " إنجمينا " لأي تمرد داخلي أو خارجي فإنها تساعدها وفقاً لنصوص الاتفاقية، إلا أن فرنسا لا تطبق هذه النصوص إلا إذا كانت مصالحها هي المعرضة للخطر، كما حدث في ساحل العاج. <BR>أما الطرف الآخر وهو أمريكا واللاعب الأقوى في الساحة الأفريقية، فإنها بعد المحاولات الانقلابية الفاشلة وحالات التمرد والسخط العام، بدأت في تجهيز وإعداد كوادرها الذي سيتسلمون زمام الأمور في تشاد، لذا فإنها لا تبالي كثيراً بما يحدث خارج إنجمينا، لأن الذي سيأتي إلى إنجمينا كائناً من كان سيطبق سياستها وبمعاونة عملائها في الداخل! فأمريكا هي التي تهيمن على أنابيب النفط ومناجم الذهب، ولا تسمح لأي طرف أن تعتدي على مصالحها في تشاد.<BR>أما المنظمات التنصيرية، فإن مصالحها تزداد يوماً وراء يوم في وسط أفريقيا بسبب الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية فهي لم ولن تفوت مثل هذه الفرص وستذكيها عبر دوائرها المختلفة، لأن رقم 100% في هذه المنطقة الحيوية بين تشاد والسودان والتي شهدت قيام مملكتين إسلاميتين هما مملكة وداي الإسلامية ودارفور الإسلامية، فحسب آمانيها يجب كسر هذا الرقم، وقد نجحت في سبيل ذلك نجاحاً آنياً بتنصير بعض الأفراد من القبائل التي تقيم في هذه المنطقة، وتسعى في زيادة هؤلاء حتى تكون لهم شوكة في المنطقة، كما يقول القس ومسؤول الكرسي البابوي في وسط أفريقيا " هنري كودري ".<BR>أما الاتحاد الأفريقي فإنها تسعى الآن في محاولات لتقريب وجهات النظر وحل الخلاف، كما يقول عضو في الوفد الذي يقوم بالصلح بين الجانبين والتحقق من الاتهامات المتبادلة: "إن الاتحاد الأفريقي يتابع باهتمام بالغ تطورات الأحداث ويعمل على احتوائها في أقرب فرصة ممكنة "، وفي حالة تقدم الثوار إلى العاصمة إنجمينا وإسقاط الحكومة فإن لها حينذاك مواقف حسب مصالح القوى الغربية، كما هو الحال في موريتانيا، بدلاً أن يتخذ مواقف لصالح شعوب القارة، فهي ما زالت ترضخ للضغوط الخارجية كغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية.<BR> المعارضة وبرامجها السياسية:<BR>إن المعارضة التشادية بكل أطيافها معارضة تفتقد كثيراً في سياساتها الحالية على برامج مبنية لمصلحة البلاد والعباد، فمصالحها في الوصول إلى سدة الحكم هي التي تطغى على كافة البرامج الأخرى والتي غالباً ما تكون في ميثاقها التأسيسي، فكما يقول (الكاتب والمحلل الفرنسي) بيار كونيسا في مقالة له على صفحات صحيفة لوماند دبلوماتيك الفرنسية: " عند قيام سلطة جديدة (في تشاد) تستمد شرعيتها من انتصارها العسكري تعد البلاد بـ"المصالحة الوطنية". ومن أجل هذا يضحي التشاديون بطيبة خاطر، وقد بات تقليدا يتكرر للمرة العاشرة أو الحادية عشرة منذ الاستقلال وتشكل حكومة "وحدة" وتقر وثيقة "نهائية" لوحدة مستعصية (الميثاق التأسيسي في العام 1978، العقد التأسيسي عام 1982، الميثاق الوطني عام 1991...). ثم تدريجيا يتبدد وهم الإجماع مع تنامي النزعة التسلطية عند رئيس الدولة الذي يرفض التخلي عن المكاسب التي يجنيها من السلطة، أو التي تضمن سيطرته أو سيطرة اثنيته، ويصير اغتيال المعارضين من مبادئ اللعبة السياسية ". <BR>أضف إلى ذلك أن المعارضة الحالية ذات فصائل متعددة وتوجهات فكرية وسياسية مختلفة لا تجمعها إلا هم الوصول إلى السلطة ولو كان على حساب دماء الأبرياء من الشعب التشادي، فهي ترفع نفس الشعارات التي اعتدنا عليها في أفريقيا وفي العالم: " الحرية والعدل والمساواة، الديمقراطية " وأنهم يحملون " السلام والأمن إلى الشعب التشادي "، شعارات تفتقد إلى مصداقية في تطبيقها كما في الأمثلة السابقة! فالشعب التشادي أضحى لا يثق كثيراً بكل الفصائل الموجودة على الساحة، وإن كان يتعاطف معها لعوامل عدة ولعل أعظمها هي الحالة المزرية التي يمر بها في ظل الحكومة الحالية، فهذه الحالة هي التي تجعله يبحث عن بريق أمل وسط الجموع المحتشدة لإسقاطها وسط خوف ووجل من إراقة دماء جديدة تضاف إلى أولئك الذين قتلوا في الحروب السابقة على مدار الأربعين عاماً.<BR>وهكذا فإن المنطقة مقبلة على حروب متعددة غير الحروب الحالية التي تدور، كما يقول مايكل كلير مؤلف كتاب (حروب مصادر الثروة)، في رده على سؤال عن الهدف الأمريكي التالي الغني بالنفط بعد العراق: " أرى أن أفريقيا ستكون هي الهدف، وستندلع الحرب هناك".<BR>إذا فهل التوتر الحالي بين تشاد والسودان عبارة عن تصدير للأزمات الداخلية في كلتا الدولتين، وأنها سحابة صيف سرعان ما تنقشع، أم سيكون العكس وتشهد المنقطة لأول مرة في تاريخها حرباً بين تشاد والسودان؟! وتفتح المنطقة لكل القوى الغربية وتجار الأسلحة والمنظمات التنصيرية للتدفق مرة أخرى على المنطقة؟ أم أن عقلاء القوم يتداركون الأمر قبل ذلك؟! <BR> وهل المعارضة التشادية بإمكانها تحقيق أهدافها في الوصول إلى السلطة دون إراقة أي دم مسلم، أم أننا سنرى سيلاً من الدماء، وتتكرر السيناريوهات السابقة، ونعود إلى الحالة التي كنا عليها من قبل أو كما قيل:<BR>" ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ضاقت مرة أخرى "؟!<BR><BR><br>