الروابط الهندية الوثيقة مع صدام حسين
15 ذو الحجه 1426

الأنباء الأخيرة المتعلقة بتورط (وزير الخارجية الهندي السابق) ناتوار سينغ في فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة ما كان لها أن تكون مفاجأة لأحد من أولئك الذين يعرفون التاريخ الطويل للتعاون الوثيق بين الهند ونظام (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، خصوصا بين حزب البعث العراقي وحزب الكونجرس الهندي، فلقد كان لهذه العلاقة بعدا استراتيجيا قويا تحاول الولايات المتحدة الركون إليه بشكل جيد في الوقت الذي تدخل فيه في شراكة استراتيجية مع الهند، والتي تتضمن أبعاداً نووية.<BR>علاقة الهند بالعراق فيها أيضا محتوى نووي بارز يعود تاريخه إلى التجربة النووية الهندية الأولى في عام 1974، كما يتضح ذلك في الوثيقة الصادرة عن معهد العلوم والأمن الدولي الذي مقره واشنطن؛ وهو العام - أي 1974م - الذي حلق فيه صدام حسين طائرا إلى الهند لغرض محدد ووحيد ألا وهو التوقيع على اتفاقية تعاون نووي مع حكومة إنديرا غاندي. هذه الاتفاقية تضمنت تبادل العلماء ونقل التقنية والتدريب. وهو العام الذي قام فيه صدام بطرد معظم أفراد الجالية الباكستانية من العراق؛ ربما بإيعاز من الهند؟<BR> العلماء العراقيون كانوا يعملون في معامل معالجة الوقود النووي الهندية عندما تمكنت الهند من معالجة هذا الوقود في المختبرات وقامت بفصل البلوتونيوم وجعله أداة المادة المتفجرة النووية الهندية الأولى. عمل أولئك العلماء العراقيون أنفسهم لاحقا في وحدة إعادة الوقود النووي التي قامت شركة إيطالية تسمى (سي إن إي إن) بتجهيز العراق بها، وكانوا مسؤولون عن تلك الوحدة، تلا ذلك قيام عالم هندي بالبقاء سنة كاملة في مركز الحاسوب الذري العراقي التابع للجنة الطاقة، ليقوم بتدريب العراقيين على استعمال رموز الحاسوب النووية.<BR>لهذا لم يكن من المدهش أن العراق قد بادر إلى دعم وتأييد التجربة النووية الهندية بدون أن يجد غضاضة في ذلك. صحيفة الثورة الناطقة باسم حزب البعث خرجت على الملأ معلنة:- "نحن لا يمكننا بحال من الأحوال رؤية الكيفية التي يستطيع من خلالها أياً كان أن يطلب من الهند عدم تطوير الأسلحة النووية والقذائف بعيدة المدى في الوقت الذي تعتبر فيه الهند بلدا كبيرا بإمكانياتها الإنسانية والعلمية الضخمة مثله في ذلك مثل أي بلد كبير آخر"( إيجاز صادر عن معهد العلوم والأمن الدولي في 28 مايو 1998). وإضافة إلى ذلك فإن مجلة أسبوعية يمتلكها عدي بن صدام حسين الأكبر سنا، قد أعلنت في مايو 1998 أن الهند وافقت على تسجيل عدة مجموعات من المهندسين العراقيين "في الفصول التقنية المتقدّمة" التي تم تحديدها لمنتصف شهر يوليو. ولم يتم توضيح ماهية حقل التدريب.<BR>وطبقا لتقرير مزعوم صادر عن قناة السي إن إن في 26 يناير 2003م؛ فان شركة هندية هي إن إي سي الهندسية الخاصة المحدودة قد ساعدت العراق في الحصول على أجهزة ومواد "يمكن أن تستعمل لإنتاج مواد كيماوية للدمار الشامل". الشركة قامت أيضا بإرسال موظفين تقنيين للعراق، بما في ذلك إلى معمل الفلوجة الكيماوي الثاني. وفي الأعوام الواقعة بين 1998 و2001, قامت شركة إن إي سي الهندسية المحدودة بشحن 10 شحنات من الأجهزة شديدة الحساسية إلى العراق، بما في ذلك معدات نقل التيتانيوم ومضخات الطرد المركزي.<BR>ولم يقتصر التعاون العراقي - الهندي على المجالات التقنية والنووية المتقدمة. فقد كان العراق قبل حرب الخليج 90 – 1991م أحد المصادر الرئيسة لواردات الهند النفطية وأحد كبر الأسواق المفتوحة أمام مشروع دعم الصادرات الهندية، والتي كانت في الغالب واردات قطاع البناء. ومع بداية حرب الخليج وفرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن تجارة الهند مع العراق قد عانت بصورة حقيقية، لذا فان الهند عارضت نظام العقوبات الدولي. وفي أواخر شهر سبتمبر 2000، قام اجيت كومار بانجا (وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية حينها) بزيارة للعراق. وقال خلال الاجتماع الذي عقده مع (نائب الرئيس العراقي) طه ياسين رمضان "ظلت الهند تقف ضد أي عقوبات ضد العراق وحاولت إقناع الجميع من خلال اللقاءات الثنائية ومتعددة الأطراف وحتى في منتديات الأمم المتحدة، بأنه يجب رفع العقوبات عن العراق".<BR>وفي قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في عام 1998 في ديربن بجنوب أفريقيا؛ فان اجتماعا قد عقد على هامش القمة بين اتال بيهاري فاجبائي (رئيس وزراء الهند في ذلك الوقت)، ونائب الرئيس العراقي آنذاك، وتم الاتفاق على توسيع التعاون الهندي - العراقي وذلك بإقامة مجلس عمل تجاري مشترك، وفي نوفمبر 2000، زار (نائب الرئيس العراقي) طه رمضان الهند، وهي الشخصية العراقية الأكثر أهمية التي تزور الهند في غضون 25 سنة.<BR>أجهزة الإعلام الهندية كانت تكثر من التركيز على اقتراب نظام صدام حسين بثبات من الهند واتساق الدعم الذي قام صدام بتزويد المواقف الهندية به. فقد صدرت صحيفة انديا تايمز بعنوان بارز في 7 يوليو 2002 قالت فيه: 'العراق يعرب عن دعمه للهند في قضية كشمير'؛ ونُقل عن صدام حسين إشارته إلى "دعم العراق المبدئي والثابت للهند في قضية كشمير" وقوله: "إن العراق يثمن كثيراً علاقته مع نيودلهي". قام صدام بنقل وجهات نظره تلك إلى رام نابك (وزير النفط الهندي الزائر لبغداد)، وأعلن كذلك "أن الصداقة مع الهند كانت مصدرا للقوة ليس فقط للعراق ولكن للعالم العربي"<BR>وبعد يومين ( 9 يوليو 2002)، خرجت صحيفة انديا تايمز بعنوان آخر جاء فيه 'صدام حسين: العراق يثمن العلاقات مع الهند'، والذي قال فيه صدام: "إننا مستعدون للتعاون مع الهند، ونحن لا نقول ذلك؛ لأننا تحت الحصار ولكن ضمن رؤية استراتيجية للمنطقة وللعالم؛ والأكثر أهمية، في إطار علاقات الهند مع العرب". وأثناء الزيارة التي قام بها وزير النفط الهندي للعراق في يوليو 2002، وقع العراق والهند على اتفاقية لدعم العلاقات التجارية، وخصوصا في القطاع النفطي. وقام وزير النفط العراقي أمير محمد رشيد خلال الزيارة بوصف الهند بأنها "شريك إستراتيجي". ووصلت التجارة الثنائية بين بغداد ونيودلهي بحلول شهر يوليو 2002 إلى 1.1 مليار دولار تحت برنامج 'النفط مقابل الغذاء'. هذا الاتصال الهندي أدى لتورط مسؤوليه في الفضيحة المتعلقة بهذا البرنامج، ويعتقد بأن المحادثات المتعلقة بمستندات صرف النفط قد تمت على أكثر الاحتمالات في عام 2000 عندما زار نائب الرئيس العراقي آنذاك الهند.<BR>وطبقا لمجلة انديا تودي ( 12 ديسمبر 2005 ) فإن ناتوار سينغ قد تمكن من الحصول على دعوة باسمه وبعد ذلك حصل على الإذن لوفد من حزب الكونجرس عدد أعضاؤه أربعة لزيارة العراق من 17 الى 24 يناير 2001. ثمّ قام ناتوار سينغ بإضافة ابنه وشريكه في عمله اندليب سيهغال للوفد الرسمي. ويبدو أن الصفقة تمت في هذه الزيارة، والتي اختتمت بقيام صدام حسين بتخصيص أربعة ملايين برميل من النفط لنتوار سينغ، وأربعة ملايين أخرى لحزب الكونجرس.<BR>ولم تقصر الهند مسألة تطوير صلاتها الإستراتيجية على العراق فقط، فقد تمت زيارة أخرى إلى إيران قامت بها إنديرا غاندي في أبريل 1974، توصلت فيها إلى اتفاقيات حول عدد من المشاريع المشتركة التعاونية في الحقل التقني، والتوقيع في فبراير 1975على اتفاقية تعاون نووية رسمية مع إيران -- مشابهة لتلك الموقعة آنفا مع العراق قبل سنوات قليلة. والاتصالات الإيرانية – الهندية في المجال النووي من جانب تبادل التقنيات والعلماء تتطلب بحثاً آخر ليس هذا مقامه. فمن الواضح أن الهند لم تجد باسا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي في لعب دور الخارج عن اتفاقية حظر الانتشار النووي.<BR>كما أن قضية الطاقة قد كانت أيضا ذات أولوية حرجة هي الأخرى في الاعتبارات الهندية، ولا زالت كذلك حتى الآن، وهذا ما جعل لكل من العراق وإيران أهمية حاسمة للهند في بحثها عن الطاقة ولحصولها على النفط منهما لتدعيم اقتصادها الصناعي والتقني وتخطي جميع العقبات والحواجز في إقامة تعاون نووي مع هذين البلدين.<BR><BR><BR><br>