على خطى الأمريكيين: فرنسا تتنصت على المعارضة !
19 ذو الحجه 1426

نشرت جريدة لوفيجارو الفرنسية قبل أسبوعين خبرا مفاده أن الداخلية الفرنسية على وشك إنشاء هيئة سيطلق عليها اسم" الهيئة الفرنسية للمراقبة المعلوماتية"، والتي ستكون بديلا لما يسمى في فرنسا بالـ"مائدة السمع" Table d’écoute.. ولعل الذين عايشوا الـ"قرارات" الجديدة في فرنسا يقارنون اليوم بينها وبين تلك التي شهدتها الولايات الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001، لكن الفارق أن فرنسا لم تتعرض لحوادث كتلك إلا في مخيلة اليمين المتطرف الذي ظل يسوق للإرهاب رابطا بينه وبين الإسلام بالخصوص، وهي التصفية المباشرة التي نجح في ترويجها على الصعيدين السياسي والإعلامي. فقرار حظر الحجاب كان في الأخير الرابط المباشر بين النظرة التي تريدها فرنسا الجديدة إزاء ما تعتبره خطرا عليها، أي التواجد الإسلامي المكثف على أراضيها باعتبار أن الإسلام هو الديانة الثانية الأهم في الجمهورية الخامسة.. الهيئة الفرنسية للمراقبة المعلوماتية ستكون الرقابة الآلية المباشرة على المكالمات الهاتفية، على رسائل الجوال والبريد الالكتروني، وبالطبع على كل ما له علاقة بالتقنيات الرقمية داخل فرنسا، من وإليها، وهي السابقة الخطيرة التي ينتظر أنها ستكون بمثابة الانفجار الرهيب داخل الأوساط الشعبية الفرنسية الرافضة أن تكون فأر تجارب في مختبر الكبار لأجل مصالح ضيقة يعي الجميع أنها ستخدم الأقليات ولن تكون لصالح الأكثرية الفرنسية التي طالبت لأول مرة في شهر ديسمبر الماضي من وزير الداخلية بالاستقالة في رسالة مفتوحة وقعها أكثر من 1500 شخص معظمهم من الإعلاميين والمثقفين الفرنسيين الذين أعلنوا تكلموا مباشرة عن "اتهامهم الكامل لنيكولا ساركوزي" بأنه يسعى إلى (إشعال النار) بين الفرنسيين وبين المهاجرين والجاليات الإسلامية بالخصوص وهي الرسالة التي تعامل معها ساركوزي بالسخرية قائلا في حوار مع قناة "فرانس2" التلفزيونية أن ما صدر عن "هؤلاء المثقفين" لا يعدو كونه "رأيا يخصهم هم" ولا يعنيه هو! لكن الذي يبدو أنه يعنيه هو ولا يخصهم هم أن الإجراءات الفرنسية سوف تمس الحياة الخاصة للملايين من البسطاء، وللمسلمين الذين سيكونون تحت المجهر، أينما ذهبوا.<BR><font color="#0000ff">كبش الفداء: </font><BR>في عددها ما قبل الأخير، نشرت مجلة باري ماتش الفرنسية ملفا خاصا جاء فيه أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة (عام 2007) ستكون لأجل "الطروادة" الذي بدأ فعليا في مساره الانتخابي في حوادث الضواحي الفرنسية، والذي يتمثل في شخص تيكولا ساركوزي نفسه. أكثر من 48% من الفرنسيين اعتبروا ساركوزي رجلا قويا، والأدهى من ذلك أن (زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية) جون ماري لوبان (وهو الحزب الأكثر تطرفا وكرها للعرب والمسلمين في فرنسا) اعتبر أن السياسية التي اتخذها ساركوزي تستحق التشجيع لأن مطاردة العرب و" الأوباش" على حد تعبيره، ستكون منفذا مهما لتنظيف فرنسا من "الحثالة" وإعادتها إلى الفرنسيين، وهو التصريح الذي لم يثر في الحقيقة أي تعليق ولا اعتراض أو احتجاج إعلامي رسمي في فرنسا، ولم يتهمه أحد بمعاداة العرب أو المسلمين، في الوقت الذي تصاعدت فيها أصوات التنديد ضد النقابي الفرنسي" فريديريك سوبان" الذي تكلم عن اليهود قائلا أنهم سبب المشاكل في فرنسا وفي العالم عموما، وهو الأمر الذي جعل الجميع يتحرك ضد " سوبان" والمطالبة بعزله ومحاكمته بتهمة معاداة السامية! مخاوف الفرنسيين اليوم تنصب على أساس براجماتي في اعتقادهم، بحيث أن التصنت على مكالمات الناس وبالتالي التصنت على الأسرار الخاصة التي لا علاقة لها بالسياسة ولا بالأمن القومي بمثابة المساس غير المسبوق للحريات الشخصية في دولة يقوم دستورها على مبدأ " الحرية للجميع" وتنادي مادته الرابعة بأن " فرنسا التي تصدرت البلدان الحرة لن تتراجع عن مكاسبها إزاء حرياتها وديمقراطيتها وحرية شعبها أيضا" وهو الشعار الذي اتخذ ضمنيا في الحملة الانتخابية التي قادها الرئيس الحالي جاك شيراك قبل أن يصبح رئيسا لجمهورية اكتشفت حدة التناقضات فيها بين الشعار والواقع، وبين الحقيقة والخيال؛ لأن الضحية في الأول والأخير هم أولئك العرب والأجانب عموما الذين ظلوا محل ضغوطات سياسية واجتماعية كبيرة داخل التراب الفرنسي، فاللون هو الذي حدد من البداية مكانهم من الإعراب، لأن السود كانوا دوما مواطنين درجة دونية والعرب "السمر" ظلوا أشباه فرنسيين حتى أولئك الذين ولدوا واتخذوا الجنسية الفرنسية أساسا ودافعوا عن فرنسا في حروب هذه الأخيرة في العديد من الدول الإفريقية أيضا كما كان الحال في التواجد غير الشرعي للجنود الفرنسيين في إفريقيا الوسطى والغربية، مع أن أكثر من 1200 فرنسي من جنسيات افريقية منتشرين ضمن القوات الفرنسية في العديد من الدول الإفريقية، إلا أن النظرة إليهم لم تتغير، بقوا مجرد أتباع وعبيد تماما كما كان ينظر إليهم خلال المرحلة الكولونيالية الفرنسية، لهذا فمن المنظور الاجتماعي والفكري العام، تعد فرنسا من أكثر الدول الواقعة في خانة الدول العنصرية، ليس هذا فقط، بل وحسب دراسة نشرها المعهد الفرنسي للدراسات الإستراتيجية فإن واحد من خمسة في فرنسا ينظرون نظرة متعالية إزاء الأجانب، وإزاء الأفارقة خصوصا والعرب المسلمين تحديدا.! <BR><font color="#0000ff">مراقبة الأشخاص ذريعة انتخابية! </font><BR>ما يجري في فرنسا منذ سنة يعكس المسار الذي سيكون في النهاية الخط السياسي الثابت لفرنسا" الجديدة"، التي ستكون مختلفة جذريا عن السنوات العشر الأخيرة. لعل الجميع يعترف للرئيس الفرنسي الحالي ميله الكبير للعرب، هو الذي تعرض للاتهام كبير صدر على صدر أكبر الصحف الفرنسية بعبارة" شيراك العربي" بعد أن عارض الحرب الأمريكية على العراق، وإن كانت معارضته فيما بعد انكشفت على أساس مصلحي تام، أي بعد أن اختلفت فرنسا مع أمريكا على مبدأ تحديد نسبة الريع الذي يناله كل طرف بعد الحرب، ولأن أمريكا أرادت أن تأكل الثور كله، قررت فرنسا الانسحاب ومعارضة الحرب (ليس حبا في العراقيين، وليس تضامنا مع العرب) بل انتقاما من الموقف الأمريكي المعادي سياسيا لها، وهي الحقيقة العارية التي نشرها" برنارد ماتياس" في كتابه( لنصارح بعضنا) الصادر عن منشورات لاروش عام 2004م، والذي كان إعلانا صريحا من الموقف الفرنسي الحقيقي من الحرب، وليس بعد الحرب نفسها. جريدة لوبارزيان ذهبت إلى حد الحديث عن الوضع الذي سيكون عليه الأجانب بعد سنة من الآن، أي يعد المصادقة على قوانين الهجرة والعمالة والجنسية ناهيك على أولئك الفرنسيين من أصول أجنبية والذين سيقع عليهم قرار الطرد مباشرة لو "صدرت ضدهم تهمة" مهما كان نوعها، بحيث سيكون للقاضي حق طرد المواطن "درجة ثانية" إن تبين أنه لا يصلح للعيش في دولة الحريات!!! وهي الأضحوكة الإعلامية التي تسوقها اليوم العديد من الأحزاب العلمانية المتطرفة، والأحزاب اليمينية الموالية سياسيا لنيكولا ساركوزي. لقد حدث هذا في أمريكا التي تعد "أكثر حرية" من فرنسا نفسها، على حد تعبير أحد البرلمانيين الفرنسيين، فكيف لا يحدث في فرنسا؟ <BR>لا شك أن الإرهاب هو الحجة الذي نجح الغرب في صياغتها لمعاقبة المهاجرين أولا، ولوضع ما تبقى منهم قبالة الجدار، بانتظار طردهم أو حبسهم ببساطة. فلن يكون لأحد حق الاعتراض إن أوقفه شرطي وطلب منه أن يرفع يديه عاليا ليفتشه وليفتش زوجته أمامه، وليقرر إن كان عليه أن يتركه يمضي أو يملأ استمارة " طاعة" يمكن تكريرها يوميا وعند كل حاجز مهما بلغ عدد المرور عليه. وسيكون على الفرنسيين أن يخضعوا للقرارات الجديدة التي تبيح لجهاز "المراقبة التقنية" أن يتصنت على مكالماتهم، على أسرارهم، على تحياتهم الصغيرة، على أرقامهم السرية، على أي جملة قد يقولونها وقد تكون "خطيرة"! بيد أن المدهش في الحملة الجديدة هو أن الأجهزة الفرنسية الجديدة التي وضعت ضمن سياق" مكافحة الإرهاب" قد أقحمت فيها العديد من الكلمات التي حين تقال تثير شبهة وبالتالي يتحرك على أساسها سهم الجهاز مشيراً بضوء أحمر موضحا رقم المتصل وعنوانه كاملا، والغريب في الأمر حسب ما نشرته مجلة الباري ماتش هو أن من بين تلك الكلمات/ الشبهة في المنظور الفرنسي يــوجد: " الله" و"السلام عليكم" و" الله أكبر" و"موعد" و"عيد" و" لقاء" وغيرها من الكلمات التي توحي أن المستهدف هو في النهاية الجالية العربية والمسلمة. أما كيفية اصطياد هؤلاء فيتم على أساس ما توفره أجهزة ضبط الأرقام عن هوية الشخص، صورته ومكان إقامته، وملفا يوضع في إطار "أمني" لدى تلك الأجهزة الأمنية بحيث سيكون لهم بعد ذلك حق مداهمته والقبض عليه لاستجوابه، وإن تأكدت هذه التقارير بشكل كامل، فستكون فرنسا أول دولة أوروبية تقرر إعلان الحرب على العرب والمسلمين عبر الحرب على المهاجرين بتهمة مكافحة الإرهاب. فالتقارب الفرنسي الأمريكي في الفترة الأخيرة يوحي بانتهاء مرحلة الديجوليين وبداية مرحلة المحافظين الجدد في شخص نيكولا ساركوزي الذي يرشحه أكثر من 57% من الفرنسيين لرئاسة فرنسا عام2007 مقابل 45% من الذين يرشحون دومينيك دوفلبان الذي يعد أقل حظا في الوصول إلى قصر الاليزيه لأن القوة الضاربة في فرنسا اسمها فعليا اللوبي اليهودي الذي يحارب المسلمين بشكل مباشر ويعرف أن قوته حقيقية لتغيير من وجه فرنسا وجعلها "حليفة مباشرة" لـ"إسرائيل" وللولايات الأمريكية ابتداء من السنة القادمة وهو الهدف الذي لأجله يبدو ساركوزي مستعدا لحرق فرنسا لأجل الوصول إليه! <BR><BR><br>