التحالف الحرج لباكستان مع الولايات المتحدة
8 محرم 1427

انكشف الغطاء عن الخلل الكامن في التحالف الباكستاني مع الولايات المتحدة بعد القصف الجوي الأمريكي الأخير في عمق الأراضي الباكستانية؛ وذلك عندما قامت طائرات غير مأهولة تديرها وكالة الاستخبارات الأمريكية بقصف قرية "دمادولا" في محافظة "باجور أجنسي" القبلية على أمل أمريكي – باكستاني بأن يؤدي ذلك إلى قتل الرجل الثاني في القاعدة، أي أيمن الظواهري، والذي يعده الباكستانيون، بل ويؤكدون على كونه هدفاً شرعياً في الحرب ضد الإرهاب التي انضمت إليها باكستان كحليف للولايات المتحدة في عام 2001م؛ ووافق الرئيس مشرف حينها على جميع الشروط التي أملتها عليه الإدارة الأمريكية حفاظا منه على مركزه وسلطته، واستمد من قبوله بهذه الشروط قوة جعلته يعين نفسه وبدون أي انتخابات كما هو متبع في باكستان، يُعين نفسه رئيسا لباكستان بعد أن عزل الرئيس المنتخب. <BR><BR>وبدلاً من أن يؤدي القصف حسب الرغبة الباكستانية – الأمريكية إلى قتل الظواهري فإنه أدى لمقتل 18 شخصاً من الأبرياء بينهم ما لا يقل عن 14 من المدنيين الباكستانيين حسب مزاعم قيادة الجيش الباكستاني مع انه لم يتم التعرف على جثث الضحايا الأربعة الآخرين والذين يعتقد أنهم باكستانيون هم الآخرون ولا صحة للادعاءات التي تقول أن أجانب قتلوا في القصف؛ حيث تفيد بعض التقارير بأن أربعة من القتلى هم من الأشخاص المرتبطين بالقاعدة ولكن شوكت عزيز رئيس وزراء باكستان وخلال الزيارة التي قام بها إلى الولايات المتحدة ولم يحصل خلالها حتى على مجرد اعتذار عن القصف قد نفى أي علم لـه بوجود أعضاء هامين في تنظيم القاعدة بالمنطقة لحظة القصف الأمريكي.<BR><BR>وقد برزت العديد من الأسئلة كنتيجة للقصف الأمريكي الذي يعتبر الرابع من نوعه منذ العام الماضي، هل قامت الولايات المتحدة بإبلاغ باكستان عن قرارها بالقصف، وخصوصاً إطلاع الجنرال برويز مشرف أو إطلاع أعلى سلطة بجهاز الاستخبارات الباكستاني؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا يتنصل المسؤولون الباكستانيون من الأمر وينفون أي علم لهم بحدوث مثل هذا الاتصال مع الولايات المتحدة بشأن القصف؟ فطبقاً لما يقوله شيخ رشيد أحمد وزير الإعلام: "ليس لدينا أيّ معلومات ولم تتدخل أي من أجهزتنا الأمنية في الأمر". ولكن عضويّ مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور إيفان باييه والسيناتور ترينت لوتت واللذين يخدمان في مفوضية شؤون الاستخبارات التابعة للمجلس قد قالا أن لديهما جميع الأسباب المقنعة التي تدفعهما للاعتقاد بأنه قد تم إطلاع كبار المسؤولين الباكستانيين عن القصف الجوي بصورة مسبقة. <BR><BR>وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يعملون في خضم ثقافة سياسية تجعل الكذب سبباً لفقدان الشخص لمكانته السياسية إلا إذا ضمن أن أحدا لن يكشف كذبه إلا بشق الأنفس، فوكالة الاستخبارات الأمريكية مطالبة بأن تقول الحقيقة أمام مفوضية الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ. ولهذا فإن تصريحات عضويّ المجلس مؤهلة لأن تكون وبكل تأكيد – وفق معظم المعايير - مخلصة وصادقة أكثر من تصريحات وزير الإعلام الباكستاني التي لا يمكن الاعتماد عليها إذا أخذنا بعين الاعتبار لجوء المسؤولين الباكستانيين بصورة روتينية للتشويش والكذب.<BR><BR>باكستان من جانبها قامت بتقديم احتجاج رسمي على القصف الجوي وذهب (رئيس الوزراء) شوكت عزيز إلى حد القول علانية بأن هذه الهجمات غير مقبولة بالنسبة لباكستان ولكنه لم يقل كيف ستتفاعل باكستان مع الهجمات لتوضح عدم قبولها بها؛ فهو قد يقوم على سبيل المثال باختيار التوقف عن استلام راتبه التقاعدي من "سيتي بنك" الذي كان موظفاً فيه قبل وصوله لمنصبه الحكومي كتعبير عن الاحتجاج على القصف، ولكن مثل هذا التصرف لن يؤدي إلى ردع الولايات المتحدة وجعلها تتوقف عن العمل وفقاً لمصالحها المجردة إرضاء لرئيس الوزراء شوكت عزيز الذي اكتفى بالقول بان حكومته لا توافق على مثل هذه الهجمات.<BR><BR>والحقيقة الدامغة هي أن أمام باكستان خيارات قليلة جداً في تحالفها مع الولايات المتحدة. فالنظام العسـكري الباكستاني لم يعترض على المظاهرات الاحتجاجية التي نفذها الإسلاميون وهم الأحزاب (الدينية – السياسية)، والذين قاموا بإخراج عدة آلاف إلى الشوارع للتظاهر ضد خرق الولايات المتحدة لسيادة باكستان وتشكل أكبر احتجاج من هذه الاحتجاجات في المدن الباكستانية من حوالي 10.000 متظاهر رغماً عن أن (الرئيس الباكستاني) الجنرال برويز مشرف قد صرح في وقت سابق بأن مظاهرة مكونة من بضعة آلاف (والمظاهرة التي يعلق عليها هي تلك التي خرجت قبل بضعة أسابيع احتجاجا على رغبة الجنرال في إقامة سدود مائية قد تتضرر منها الأقاليم الصغيرة بباكستان)، قال الجنرال إن هذه المظاهرات لا تعكس بالضرورة حقيقة الرأي العام الباكستاني وليس مقياساً لآراء قرابة 150 مليون نسمة هم تعداد سكان باكستان ومنع وسائل الإعلام من تغطيتها كما يجب، أما في هذه المرة فإن وسائل الإعلام الباكستانية قد قامت بتغطية شاملة للمظاهرات التي خرجت احتجاجاً على القصف الأمريكي، وذلك لإطلاع الولايات المتحدة على أن حكومة (مشرف –عزيز) قد تتعرض للنقمة الشعبية ولزعزعة استقرارها داخلياً إذا ظلت خارجة عن الإجماع الشعبي إرضاء للأمريكان.<BR><BR> وإذا لم تكن باكستان على علم مسبق بالقصف الجوي، فلماذا إذن تقوم الولايات المتحدة بتجاوز باكستان وهي متحالفة معها من أجل قتل من يصفه كلاهما معا بأنه إرهابي يقوم البلدان بملاحقته معاً وبجهود متضافرة؟ ربما كان ذلك ضرورة من ضروريات العمليات العسكرية، أو أن الوقت كان قصيراً فيما بين الحصول على المعلومات الاستخبارية والإعداد لشن قصف جوي بالطريقة التي تم بها، فالهدف قد كان ثميناً ولا يمكن للولايات المتحدة المجازفة بفقدانه حتى بدون اتخاذ التدابير الدبلوماسية اللازمة لتغطية الحدث، ولكن هل كانت هذه هي الحقيقة، فباكستان تستطيع وكعادتها أن تغطي في كل مرة على تصرفات الولايات المتحدة كما حدث بعد القصف الجوي المشابه الذي تم في منطقة نورث وزيرستان في 1 ديسمبر 2005م؛ والذي قتل فيه حمزة أبو ربيعة صانع القنابل التابع للقاعدة بواسطة قصف جوي أمريكي داخل الأراضي الباكستانية وزعم وزير الداخلية الباكستاني حينها أن أبو ربيعة قد قتل وهو يقوم بتجهيز قنبلة. وقال الرئيس الباكستاني الجنرال مشرف وقتها أنه واثق 200 بالمئة بأن أبا ربيعة قد قتل وهو يخطط لعمل إرهابي، ولكن مصوراً صحافياً باكستانياً اختفى فجأة بعد أن قام بتصوير بقايا الصاروخ الأمريكي الذي قتل أبا ربيعة ومن معه من الأبرياء، ولكن اختفاءه جاء بعد أن تم نشر الصور التي التقطها؛ ويعتقد بأن الأجهزة الاستخبارية الباكستانية هي التي اعتقلته؛ لأن الصور التي جاء بها أحرجت المسؤولين الباكستانيين وأظهرتهم بصورة الكذب والخداع المألوفة بالنسبة لهم، وذلك لتلقين الصحفيين درساً لا ينسوه طوال حياتهم ولكيّ لا يقوموا مطلقاً بكشف الحقيقة التي يحاول المسؤولون إخفاءها بشتى السبل والتي تظل دائماً مختلفة عن الموقف الرسمي.<BR><BR>ولكن في حادثة "دمادولا"، فإن السلطات الباكستانية لم تحاول مطلقاً التغطية على التحرك الأمريكي من خلال افتعال قصة مغايرة لما وقع بالفعل، ومن أسباب ذلك أن القصف قد كان عميقاً في داخل الأراضي الباكستانية ولم يؤدي إلى مقتل عنصر هام في تنظيم القاعدة؛ أما السبب الرئيس فهو شعور الجنرال مشرف والمؤسسة العسكرية الحاكمة بان ما أرادته الولايات المتحدة من هذا القصف لم يكن ملاحقة الإرهابيين بقدر ما كان محاولة منها لإحراج الجنرال أمام شعبه ومؤشرا على وجود نوايا لديها للتخلي عنه إما لانتهاء الدور الذي أرادته منه أو ربما لما تتوقعه من المشاكل السياسية التي ستواجهها شرعية بقائه في السلطة مع اقتراب انتخابات باكستان العامة في عام 2007م وكثرة المطالبات الداخلية بتخليه عن رتبته العسكرية التي انتهت فعليا في عام 2000م، وذلك كشرط لبقائه في المنصب المدني أي رئيساً لباكستان وأن يتم ذلك من خلال الانتخابات، كما أن عدد القتلى المدنيين المرتفع قد أدى إلى جعل الموقف الباكستاني صعباً لعدم قدرته على المجيء بأيّ تغطية ملفقة ومناسبة للقصف الأمريكي، فقد كان أقارب الضحايا على استعداد لإطلاع العالم على حقيقة ما حدث، وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار بأن القبض على عدد من عناصر القاعدة الهامين قد تم في المدن وليس في منطقة القبائل، فإن السكوت على عملية القصف العميقة داخل مناطق القبائل الباكستانية سيجعل تكرار هذا الحدث أمراً عادياً، وهذا ما تخشاه الحكومة الباكستانية ومن هنا جاءت التغطية الإعلامية المكثفة للمظاهرات الاحتجاجية على الهجوم، كما أن التغاضي عن هذا القصف قد يجعل الولايات المتحدة تفكر في شن هجمات مماثلة على المدن الباكستانية، مثل: كراتشي أو راولبندي أو فيصل أباد، فالمدن الثلاث قد كانت مواقع للقبض على عناصر هامة في القاعدة مثل رمزي بن الشيـبة وخالد شيخ محمد وأبو زبيدة على الترتيب.<BR><BR>(وزيرة الخارجية الأمريكية) كوندالزيزا رايس قامت بتوضيح التحرك الأمريكي الأخير بأكثر التعابير الدبلوماسية ليونة، فقد قالت: "سوف نستمر في العمل مع الباكستانيين وسوف نحاول معالجة عوامل القلق لديهم"، معترفة بأن "الأوضاع صعبة للغاية في الوقت الحالي بالنسبة للحكومة الباكستانية"، ولكنها أضاف قائلة: "ولكن أرغب في القول للحكومة وللشعب الباكستاني بأننا حليفان في الحرب ضد الإرهاب وضد القاعدة وحلفائها من مقاتلي طالبان وهذه مجموعات لا يمكن التعامل معها بصورة متساهلة".<BR> <BR>وهذا يعني أن الولايات المتحدة سوف تقوم بأي شيء لمعالجة عوامل القلق السياسي لدى مشرف، ولكن وفي المحصلة النهائية، فإنها سوف تتبع أولوياتها ذاتها في التعامل مع الإرهاب. أي أنه يجب على باكستان أن تتعايش وأن تفي بكامل التوقعات الأمريكية منها في التحالف القائم بينهما، بل وأن تقبل بالتصرفات الأمريكية التي لا يمكن إلا القيام بها كجزء من المقايضة – المجحفة لباكستان بطبيعة الحال - التي تمت بين الجانبين بعد هجمات 11/9.<BR><BR>وأكثر ما يقلق باكستان هو أن الولايات المتحدة تبدو وأنها قد قررت استخدام نفوذها الاستخباري الذاتي في محاولاتها لقتل الظواهري ودون أي اعتماد على المصادر الاستخبارية الباكستانية؛ فهي لم تطلب المساعدة في الحصول على المعلومات الاستخبارية من الجانب الباكستاني في عملية القصف الجوي الأخيرة، كما أنها لم تطلب من باكستان العمل بمقتضى المعلومات الاستخبارية وشن هجوم بنفسها على المنطقة لاعتقال أو قتل المطلوبين من عناصر القاعدة وهذا يُبرز لحيز الوجود حقيقة انعدام الثقة بين الجانبين. فبعد أن حصل الجنرال مشرف على دعم "الفول السوداني" (طبقا لتصريحات سابقة له بان بلاده لم تستفيد كثيرا من الدعم الأمريكي الذي لم يكن متوافقا مع توقعاتها) من الولايات المتحدة لقاء تحالفه معه، فإن على النظام العسكري الباكستاني أن يقوم إما بالوفاء بوعوده التي قطعها على نفسه للولايات المتحدة أو أن ينتظر تعرضه لمجازفات المزيد من التحركات الأمريكية المماثلة لعملية قصف "دمادولا"؛ والتي قد لا تكون بحاجة بعد ذلك للحصول على أي موافقة مسبقة من الباكستانيين. <BR><br>