
رغم أن القمة العربية الأخيرة في الرياض مارس 2007 ركزت على مد يد العرب للمرة الخامسة – منذ إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2002 - ، إلى الكيان الصهيوني بسلام شامل في حال قبلت الانسحاب إلى خطوط عام 1967 وتم حل مشكلات المهجرين الفلسطينيين وقبلت الدعوات الأمريكية لإظهار "الاعتدال" ، وباتت الكرة الآن في الملعب الصهيوني ، فلم تحظ هذه اليد الممدودة بالسلام هذه المرة أيضا سوي بالتسويف الصهيوني والسعي للعب بالكلمات في محاولة لإعادة الكرة للملعب العربي مرة أخرى!<BR>فالهدف الصهيوني – المدعوم أمريكيا – كان وسيظل هو "التطبيع بلا ثمن" ومحاولة جر الدول العربية – منفردة أو جماعيا – إلى طاولة المفاوضات بهدف جني أرباح عاجلة تتمثل في حصد نتائج هذا التطبيع الناتج عن الجلوس مع الدول العربية خصوصا الكبرى ذات الوزن والرمز عربيا وإسلاميا (السعودية تحديدا ) ، أو الحصول على تنازلات أكبر وأهم في نهاية المطاف وإجهاض مبادرة السلام العربية واختصارها وتحويلها لمجرد مبادرة ضمن مئات المبادرات السلمية .<BR>ولهذا لم يكن مستغربا أن يأتي رد الفعل الصهيوني على المبادرة مدروسا بصورة تشبه توزيع الأدوار بين الرموز الصهيونية ، وحصيلته النهائية تقول أنه لا يمكن قبول المبادرة هكذا بدون الجلوس لمناقشتها سواء في لقاءات قمة مع القادة العرب خصوصا السعودية أو في لقاءات منفردة – أي التطبيع أولا – وأن الهدف هو التسويف بدليل أنهم لم يقدموا أي مؤشر إيجابي حتى الآن ورفضوا عمليا أهم نقاط المبادرة المتمثلة في الانسحاب لحدود 67 ، أو إعادة اللاجئين لحد قول بيريز نائب رئيس الوزراء أن على العرب استيعاب هؤلاء المهاجرين الفلسطينيين في دولهم الـ 23 مثلما استوعبت الدولة الصهيونية اليهود العرب الذي هاجروا من الدول العربية !؟.<BR>والأكثر خطورة أن الصهاينة – يعاونهم الأمريكان – سعوا لشق عصا الدول العربية وتقسمها لدول معتدلة وأخري متطرفة بهدف دفع المعتدلين للتبكير بالتطبيع والجلوس مع الصهاينة بحجة التفاوض على المبادرة العربية ، وبهدف تمييع المواقف العربية أكثر واللعب على وتر أن العلاقات باتت طبيعية وأنه لا ينقصها سوي حل بضع مشكلات سياسية بهدف تمرير صفقات اقتصادية والتغطية على حصار فلسطين .<BR>فرئيس الوزراء "الإسرائيلي" أيهود أولمرت قال في مقابلات مع وسائل إعلام "إسرائيلية" أنه مستعد لإجراء محادثات مع السعودية ودول عربية أخرى "معتدلة" بشأن السلام، معتبرا أن السعودية هي الدولة التي "ستحدد في نهاية المطاف قدرة العرب على الوصول إلى حل وسط مع إسرائيل". <BR>وفي مقابلة مع صحيفة هاآرتس "الإسرائيلية" إنه "يرغب بإجراء حوار مع السعودية، ومع دول أخرى معتدلة في العالم العربي"، في أعقاب القمة العربية ، وأنه "على استعداد للمشاركة بسرور في لقاء قمة إقليمي يساند إجراء مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين" ، ومع هذا تحفظ على "المبادرة العربية" بسبب تأكيدها على القرار 194 الذي يطالب بإعادة اللاجئين الفلسطينيين!<BR>وظهر الخبث في حديث أولمرت إنه : "يتعامل بإيجاب مع "المبادرة السعودية"، ولكنه لا يوافق على كل ما جاء فيها، وأنه على استعداد لمناقشة السعوديين وإبداء رأيه وسماع رأيهم ، ما يؤكد أن الهدف الصهيوني هو التطبيع ، والسعي لعبور هذا الجسر الفاصل بين رفض التطبيع وبين المبادرة عبر تمني لقاء مع أي مسؤول سعودي .<BR>أما سر هذا الغزل الصهيوني للسعودية والمسؤولين في السعودية فيرجع لأنها أبرز دولة عربية في الوقت الراهن ودورها الإقليمي تخطى الدور المصري ، فضلا عن أنها دولة عربية وإسلامية كبيرة والحوار معها يعني بالتبعية قيام باقي الدول العربية والإسلامية بالحوار مع أمريكا ، وربما يفسر هذه النوايا الصهيونية ضمنا ما نسبه موقع "واي. نت" الإخباري التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية لأولمرت من قوله: إن تغيرا "ثوريا" حدث في رؤية الدول العربية لإسرائيل !!.<BR><font color="#0000FF"> التطبيع مقابل درء الخطر الإيراني !</font><BR>ورغم أن الموقف العربي والسعودي الرافض لإعطاء تل أبيب هذه الجائزة الكبرى (التطبيع) قبل قبولها مبدئيا بالمبادرة العربية ، ظهر جليا في المؤتمر الصحافي الذي عقده (وزير الخارجية السعودي) الأمير سعود الفيصل و(الأمين العام لجامعة الدول العربية) عمرو موسى، برفضهما أي تجزئة للمبادرة وقول سعود الفيصل أن عليها أن تقبلها كلها أو ترفضها مع التحذير من أن هذا يعني ترك خيار السلام والذهاب لأمراء الحرب الصهاينة ، فقد أخذ الخبث الصهيوني والأمريكي منحي أخر في الضرب على وتر "التطبيع أوَّلا" ، في صورة الإيحاء للعرب أن المقابل لهذا التطبيع هو التنسيق ضد الخطر الإيراني المشترك رغم أن السعودية تقول لإيران علنا ما تريده والملك عبد الله أبلغ الرئيس نجاد عدة تحذيرات واضحة في لقائهما الأخير.<BR>وهذا ما ظهر في تصريحات مبطنة لوزيرة الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي لينفني التي ألمحت إلى أن العرب، ولا سيما "الرباعية العربية"، هم الآن، وبسبب اشتداد حاجتهم إلى درء "الخطر الإيراني"، وخطر امتداد الحريق الطائفي والمذهبي العراقي إلى أجزاء من الجوار العربي للعراق، أصبحوا في وضع يسمح للضغوط الأميركية والإسرائيلية بتحويل "مبادرة السلام العربية" إلى خطة للسلام، قوامها "التطبيع أوَّلا" بحيث تتحول مثل مبادرة أوسلو عام 1991 من عودة كل الأراضي المحتلة إلى (غزة أولا) أو "غزة وأريحا" !!.<BR><font color="#0000FF"> نقد سعودي لبوش </font><BR>والغريب في هذا الطرح الصهيوني أنه يتجاهل أن العاهل السعودي لم يتردد في نقد الوجود الأميركي في العراق ووصف ما يجري في العراق بأنه احتلال مما اغضب الأمريكان ، تطورا عميقا في العلاقات بين البلدين ووضع إدارة الرئيس جورج بوش في وضع صعب في الشرق الأوسط ، في حين أنه كان يفترض – وفق السيناريو الصهيوني – أن تسير المملكة في ركب أمريكا وتقبل التطبيع !.<BR>فالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قال أمام القمة العربية : "في العراق الحبيب تراق الدماء بين الإخوة في ظل احتلال أجنبي غير مشروع"، مضيفا "لن نسمح لقوى من خارج المنطقة أن ترسم مستقبل المنطقة"، وهو كلام لم يستقبل بالترحاب في واشنطن .<BR>وبعد الملك عبد الله ، قال الأمير الفيصل كلاما مشابها أغضب "الإسرائيليين" والأمريكيين حول قبول المبادرة العربية أو الحرب حينما قال لصحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية – في تحذير صريح لـ"إسرائيل"- إن "أمراء الحرب" هم من سيقررون مستقبل إسرائيل إذا رفضت مبادرة السلام التي وافقت عليها جميع الدول العربية خلال قمة بيروت عام 2002 . <BR>وحينما قال إن "منطقة الشرق الأوسط برمتها ستواجه مخاطر صراع دائم فيما لو آلت مبادرة السلام إلى الفشل" ، وأنه : "يتعين على إسرائيل إمّا أن تقبل المبادرة أو ترفضها كعرض نهائي يتوقع أن تقرّه جميع الدول العربية التي تحضر قمة الرياض اليوم وغدا".<BR>بل أن الفيصل – وهو تحول مهم في الموقف العربي ربما يعكس اليأس من اللعبة الصهيونية الأمريكية – قال أن "الأمر يعود الآن للطرف الآخر (إسرائيل) لأنه إن كنتم تريدون السلام فلا يكفي أن يرغب به طرف واحد، بل الطرفان" ، وأنه "إن رفضت إسرائيل (المبادرة) فهذا يعني أنّها لا تريد السلام وأنّها تعيد كلّ شيء إلى "أيادي القدر"، وأنهم (الإسرائيليين) سيضعون مستقبلهم ليس بين أيادي صنّاع السلام، بل بين أيادي أمراء الحرب" .<BR>بل واستبعد الفيصل تقديم أي عروض دبلوماسية لإسرائيل قائلا: "لم يثبت الأمر أبدا أنّ اليد الممدودة لإسرائيل تحقق أي شيء" حتى أنه تساءل : "لقد اعترفت دول عربية أخرى بإسرائيل، فماذا حقق ذلك؟ فقد اعترفت أكبر دولة عربية، مصر، بإسرائيل، فماذا كانت النتيجة؟ لم يطرأ تغير ولو مقدار ذرة واحدة في موقف إسرائيل من السلام" !!.<BR><font color="#0000FF"> التمسك بالمبادرة ورفض التطبيع </font><BR>ويبدو أن رد الفعل العربي المؤكد على قبول المبادرة بدون تطبيع عربي مسبق جاء كرد يكشف خيبة الأمل من ردود الأفعال الأمريكية تجاه المبادرة ، فقبيل قمة الرياض، كانت الدول العربية تتوقع أن تنجح مساعي رايس في جعل الحكومة "الإسرائيلية" تتقدَّم بما يشبه "مبادرة سياسية جديدة"، تشجع العرب على أن يعلنوا التمسك بمبادرتهم؛ ولكن حد العكس في صورة رفض المبادرة ثم الترحيب بها بشرط نزع أهم ما فيها ، وهو ما لم يحدث حيث فشلت مهمة رايس وبدلا من أن تنتهي بالضغط على تل أبيب انتهت بنصيحة العرب بـ "الاعتدال" !.<BR>وهو ما أثار إحباط للدول العربية ولا سيما "الرباعية العربية" ، حيث فهمت أن كل ما تريده "إسرائيل" لقمة الرياض هو أن تنتهي إلى مواقف عربية جديدة من "مبادرة السلام العربية"، تنتهي عمليا إلى بدء تفاوض مع العرب، لا يتمخض عنه إلا ما يجعل عملية السلام، في النهاية تبدو كعملية "تطبيع " ،ولهذا جاء التمسك الحرفي بالمبادرة والهجوم على أمريكا .<BR><BR>قد تكون ردود الأفعال العربية إجمالا والسعودية خاصة ، قد نقلت رسالة مباشرة للصهاينة والأمريكية مؤداها أن العرب لن يلدغوا من جحر مرتين ، وأنه لا تطبيع قبل القبول الفعلي بمبادرة السلام ، ولهذا ظهرت بوادر تغير في لغة الخطاب الصهيوني مع الاستمرار في اللعب على وتر اللقاءات (التطبيعية) لمناقشة المبادرة والبناء عليها .<BR>والمتوقع هنا بالتالي أن يسارع الطرف الأمريكي الأكثر حاجة للدور العربي مستقبلا في طرح مبادرات وأفكار للتلاقي بين المبادرة العربية ، والمواقف الصهيونية ، خصوصا أن هناك حاجة أمريكية للدور العربي في المواجهة مع إيران من جهة ، وفي نجدة إدارة الرئيس الأمريكي بوش التي تعاني من فشل متلاحق وترغب في تحقيق أي إنجاز يحسب لها مستقبلا في ذمة التاريخ .<BR>ولكن لأن الشيطان يكمن في التفاصيل ـ كما يردد المثل الغربي ـ فيجب على الأطراف العربية أن تتوخي الحر الشديد في الوقوع في الفخ الصهيوني في نهاية المطاف وتقبل لقاءات تطبيعية ، فما بين مائدة التفاوض والتطبيع في العرف الصهيوني هو خيط رفع يحرص الصهاينة دوما على قطعه للاستفادة من التطبيع بدون إعطاء أي مقابل للعرب !<BR><br>