
القرار الذي صوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي والقاضي بتقسيم العراق إلى كيانات عرقية وطائفية (كردية وشيعية وسنية) مع حكومة فدرالية في بغداد تتولى أمن الحدود وعائدات النفط ، كان قنبلة فجرت العديد من الرؤى والمواقف المناهضة لما كانت تحلم به الولايات المتحدة وحلفاءها من مسالة تقسيم العراق وغيرها من الأحلام والمطامع الأمريكية .<BR>مؤيدو القرار، ومنهم السيناتور الديمقراطي جوزيف بيدن (صاحب الخطة ) يعدونه حلاً سياسيا للأوضاع في العراق يمكن أن يؤدي بالنتيجة إلى انسحاب القوات الأمريكية المحتلة دون ترك البلاد في حالة من الفوضى كما يدعون.<BR> القرار غير الملزم الذي اتخذه مجلس الشيوخ لاقى ردود فعل محلية وعربية كبيرة ، فعلى المستوى المحلي، صوت مجلس النواب العراقي على إصدار بيان من قبل رئاسته تؤكد فيه موقف جميع الكتل البرلمانية الرافض والمدان للمشروع الذي صوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي القاضي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق سنية شيعية كردية.<BR> القوى العراقية المختلفة الأخرى رفضت القرار واعتبرته تدخلا سافرا وواضحا في الشأن العراقي؛ حيث عبر رئيس حزب الفضيلة الشيعي نديم الجابري عن رفضه للقرار مؤكدا إن الإدارة الأمريكية تنوي إعادة رسم خريطة جديدة للعراق والمنطقة عموماً؛ وعبرت هيئة علماء المسلمين عن رفضها للقرار وقالت في بيانها " إن هيئة علماء المسلمين إذ تدين هذا القرار، تناشد المجتمع الدولي، وباسم الشعب الرافض لمضمونه، استنكار هذا المشروع الذي يتدخل بشكل سافر في قضية تهم الشعب العراقي، من خلال مؤسساته الدولية المختلفة، ولاسيما الأمم المتحدة، وان يكون له موقف واضح وصريح كما تناشد دول العالم الإسلامي والعربي ليكون لها الموقف ذاته، ولاسيما دول الجوار العراقي الذي يهدد هذا المشروع سيادتها هي الأخرى، ووحدة أراضيها، إذ يراد من هذه السابقة الخطيرة تعميمها على دول المنطقة، وليس ذلك بخافٍ على أحد" ؛ وعبر الشيخ ماجد عبد الرزاق (رئيس مجلس شيوخ وعشائر العراق – الذي يضم عشائر سنية وشيعية عربية وكردية -) عن رفضه للقرار ودعا الدول العربية والجامعة العربية والأمم المتحدة بالوقوف ضد قرار التقسيم .<BR>وكان موقف مؤتمر أهل العراق لا يختلف عن موقف باقي القوى الوطنية العراقية الرافضة للقرار، حيث أكد المؤتمر على لسان رئيسه الدكتور عدنان الدليمي "يبدو إن مجلس الشيوخ الأميركي يعتبر العراق جزءا من الولايات الأميركية وهو ما دفعه إلى التصور بأنه هو من يقرر مصيره وان يفرض عليه إرادته"، مطالبا الكونغرس "بالتراجع عن هذا القرار الذي يمس امن وسيادة العراق".<BR>وعزا المؤتمر صدور هذا القرار إلى ضعف الحكومة العراقية، وقال "إن فكرة تقسيم العراق قديمة جدا، وان صدورها في هذا الوقت بالذات سببه ضعف العراق وانغماسه في الخلافات بين مكوناته"، مشيرا إلى "إن الحكومة الآن ضعيفة وغير قادرة على جعل العراق آمنا ومستقرا، مما أعطى المبررات لمجلس الشيوخ لإصدار قرارات من هذا النوع".<BR>حزب العدالة التركماني من جانبه وصف القرار بأنه يكشف نوايا الاحتلال الحقيقية وأكد الحزب على لسان ناطقه الرسمي إن التركمان يرفضون القرار .<BR>المقاومة العراقية من جانبها أبدت رفضها الصريح للقرار واعتبرته تدخلا واضحا من الاحتلال في الشأن العراقي حيث أدانت جبهة الجهاد والتغيير - التي تضم أكثر من 6 فصائل مجاهدة مهمة – القرار ، وقالت في بيان لها بهذا الخصوص "ونحن إذ ندين هذا القرار ونقف بوجهه،ندعو كافة العراقيين من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه للانتباه لمثل هذه المخططات في تفتيت العراق وإضعافه من أجل إخراجه من معركة الأمة وتبديد ثرواته وإنهاء قدراته .<BR>كما وتدعو الجبهة كافة القوى العراقية والعربية والدولية وكافة الشخصيات السياسية إلى الوقوف صفاً واحداً بوجه هذا المشروع وتفويت الفرصة على الأعداء من اجل بقاء العراق وحدة واحدة قوية منيعة".<BR>وأكدت حركة المقاومة الإسلامية العراقية (حماس) رفضها للقرار وقالت في بيان مشترك صدر لها بهذا الشأن مع كتائب صلاح الدين "إن مشروع المقاومة بفصائلها المتعددة فيه الأمل بعد الله تعالى وواجبنا فيه هو تقريب الرؤى وتوحيد الأهداف والتعامل مع المتغيرات بما يناسبها من حلول ببركة الشورى التي أوجبها ربنا تبارك وتعالى علينا وبخاصة في مثل هذه الظروف مع الحرص على الشهادة وتحقيق النصر وابتغاء الأجر وبعد ذلك بل ومعه الدعاء والتضرع لرب كريم أن يوفقنا ويسدد رمينا ورأينا ..وردنا سيكون على الأرض متوكلين على الله تعالى ومستنفرين للمجاهدين في كتائبنا ليعلم بوش وزمرته إن مشروع التقسيم سوف لن يكون وفينا عرق ينبض."<BR>وبغض النظر عن الموقف الرسمي الكردي، فإن القرار رفض من قطاعات عراقية مختلفة شيعية وسنية عربية وتركمانية، بعضها مشارك في العملية السياسية والبعض الآخر خارج هذه العملية.<BR>وعلى الصعيد العربي نددت الجامعة العربية بالقرار واعتبرته بأنه "تخريبي"، وطالب علي الجاروش (المسؤول عن الملف العراقي بالجامعة العربية) جميع الدول العربية بـ"التصدي بجدية وحزم لهذه المخططات "، مطالبا العرب "بالدخول بقوة إلى الساحة العراقية والوقوف إلى جانب الشعب العراقي لمساعدته في القضاء على هذا التوجه المعادي للمصالح العربية "<BR>وأبدى مجلس التعاون الخليجي رفضه القاطع للقرار ، حيث أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد الرحمن العطية "إن دول الخليج تعارض بشدة أي تقسيم للعراق، وأنه تتمسك بقوة بوحدة العراق أرضا و شعبا ، وإنهم يريدون عراقاً فاعلاً بشكل إيجابي في محيطه العربي".<BR>منظمة المؤتمر الإسلامي أدانت القرار، وذكر بيان أصدره أمين عام المنظمة في جدة أكمل إحسان الدين أوغلو "إن القرار يشتمل على خطة على غرار خطة تقسيم البوسنة لإنهاء العنف الطائفي الذي يجتاح العراق، وإن القرار لا يحمل في طياته سوى مزيد من الشرذمة للكيان العراقي وتعميق جذور الفتنة والاقتتال الطائفي بين أبناء البلد الواحد".<BR>وعبرت دول عربية وإسلامية كثيرة ومنظمات ونقابات رسمية وغير رسمية عن رفضها لهذا القرار الذي ربما لا تصل آثاره إلى العراق وحده بل ربما يتعدى إلى العديد من دول المنطقة.<BR>ومن الملاحظ إن القرار أرادت منه الإدارة الأمريكية أن يكون مخرجا لها من الجحيم اليومي لقواتها المتورطة في أرض العراق ، حيث تحاول أمريكا - الدولة العظمى والقطب الأوحد في العالم - أن تخرج من ورطتها التي جاءت نتيجة خطا في الحسابات والتقديرات من كافة الجوانب ، حيث أجبرتها المقاومة العراقية الباسلة على الرضوخ والاعتراف بها كـ"ند " قوي فرض نفسه على الدولة الأولى في الكون، وكذلك أجبرتها ضربات المقاومة العراقية - التي تنشر على الفضائيات والمواقع الالكترونية كل يوم - إلى الاعتراف بالخسائر الفادحة لتلك القوات، حيث بلغ معدل قتلى العدو 150 قتيلا شهريا منذ انتهاء ما يسمى معارك السيطرة على العراق بعد إبريل 2003 ، حيث بلغت خسائر الاحتلال حسب وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون ، منذ بدء الحرب على العراق في مارس 2003، إلى 3735 قتيلاً، وفق إحصائية تعدها CNN، استناداً للتقارير الصادرة من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون بينما تشير المصادر غير الرسمية إلى 35812 قتيلا ، وهذه الأرقام تمثل القتلى من الجنود الأمريكيين دون أعداد القتلى من المرتزقة بالإضافة إلى الآلاف الجرحى والمعوقين ؛ كل هذه الضغوط جعلت الأصوات تتعالى من داخل الولايات المتحدة قبل غيرها للانسحاب من العراق وترك البلاد لأهلها ؛ وآخر هذه الدعوات كانت من مجلس النواب الأمريكية حيث قال رئيس لجنة المخصصات المالية في مجلس النواب الأمريكي قبل أيام إن طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش بتخصيص نحو 200 مليون دولار لتمويل الحرب في العراق لن يحصل على الموافقة ما لم يرتبط بخطة لسحب القوات بحلول يناير 2009 .<BR><BR>وقال ديفيد أوبي (عضو مجلس النواب في مؤتمر صحفي): إن لجنته لن تدرس طلب التمويل حتى مطلع عام 2008. ويرى أنه بحلول ذلك الوقت يكون تمويل العمليات العسكرية قد نفد. <BR><BR>إذن الإدارة الأمريكية أمام ضغوط حقيقية في الداخل والخارج وهي تريد أن تجد لنفسها منفذا للخلاص من الوحل العراقي بدون أن تفقد ماء وجهها باعتبارها القوى الأولى العظمى في الكون.<BR>إن تقسيم العراق الذي وافق عليه الساسة الكرد - الذين عرفوا بمواقفهم المتخاذلة تجاه القضية العراقية الموحدة والمؤيدة للقرارات الإمبريالية والصهيونية الأمريكية- هذا القرار يرفضه العراقيون جملة وتفصيلة ، بسبب العديد منها على سبيل المثال - لا الحصر - التلاحم الاجتماعي التاريخي بين أبناء الشعب ، حيث هناك أكثر من مليون حالة تزاوج مشتركة بين الأطراف السنية و الشيعية ، ناهيك عن آلاف حالات الزواج الأخرى بين العرب والأكراد ، ثم إن النسيج الاجتماعي المترابط للشعب العراقي ، والذي يحاول ذوي المصالح الخاصة الذين جاءوا على دبابات الاحتلال أن يظهروا صورة قاتمة للأوضاع الاجتماعية في العراق ، لا يمكن إخلاله بسهولة بسبب الأصالة المتعرقة في نفوس العراقيين ، من جميع الأطراف ،حيث إن المجرمين من جيش المهدي و قوات بدر لا يمثلون الشرفاء من الشيعة العراقيين ، ونحن نسمع في كل يوم الأصوات الوطنية الداعية إلى نبذ الطائفية المقيتة والعمل على وحدة العراق بكل المعاني والمقاييس ، في مختلف أنحاء العراق .<BR>فهل تقسيم العراق سيكون هو الحل للفلتان الأمني في البلاد ويمَّكن قوات الاحتلال من مغادرته بسلام ؟وهل سيكون التقسيم سبباً لإيقاف مسلسل الجثث المجهولة في البلاد ؟ وهل سيكون التقسيم بلسماً للفساد الإداري والمالي المستشري فيما يسمى الدولة العراقية؟ وما هو شكل الحكومة المركزية التي ستدير البلاد ؟ هل هي حكومة طائفية أم وطنية ؟ منتخبة بانتخابات نزيهة ؟ <BR> فإن كانت قوات الاحتلال ستتمكن من الخروج من العراق بانسحاب منظم - وهذا مطلب القوى الوطنية الرافضة للاحتلال - ،فانه لن يكون حلاً للمشكلة العراقية المعقدة ،حيث إن واقع الحال في العراق متشعب وفيه العديد من المشاكل الشائكة التي منها القرارات التي اقرها الحاكم المدني بول بريمر ، وما يسمى الدستور العراقي الذي صوت عليه مجلس النواب ، وكذلك قانون النفط والغاز ؛ ولا ينبغي أن ننسى دور القوى الوطنية الرافضة للاحتلال والمهمشة والمغيبة في البلاد اليوم ، لأنها هجرت وأبعدت عن البلاد ، بحثاً عن ملاذ امن بسبب عمليات القتل والخطف والاعتقالات العشوائية، وضرورة إشراكها في الحل في مرحلة ما بعد الانسحاب، سواء كانوا من المقاومة العراقية الباسلة أم من غيرها ، وضرورة إجراء انتخابات نزيهة وعادلة في ظل منظمة دولية أوعربية مقبولة من جميع الأطراف مع الاتفاق على إعادة صياغة الدستور وتسليم الوزارات إلى كفاءات علمية وطنية نزيهة بعيدا عن الحزبية والطائفية ، وحينها يمكن أن نجد مخرجاً للعراق - الموحد - من محنته.<BR>أما أعوان المحتل الذين تعاونوا معه، والذين يستظلون بظله اليوم ،فسوف يحاسبهم الشرفاء من العراقيين- في حال انسحبت قوات الاحتلال - وحينها سينالون جزاءهم العادل سواء كانوا في الشمال أم الجنوب أم الوسط ، فان الشعب الكردي الأبي سوف يحاسب قوات البيشمركة المجرمة وقادتها التي كممت الأفواه الناطقة بالحق في شمال العراق الحبيب، واغتالت المئات من الكرد الوطنيين الرافضين للاحتلال وجرائمه ، وكذلك الحال بالنسبة لمنتسبي ما يسمى جيش المهدي وقوات بدر فان أهلنا في جنوب العراق الذين عرفوا بالبطولة والغيرة على العراق سينالون من هؤلاء المجرمين ، ويجعلونهم يفرون من العراق إلى إيران مرة أخرى ، لكن هذه المرة من غير رجعة !!! <BR>إن القوى الوطنية التي رفضت التقسيم اليوم بقوة ستقف بوجهه غدا وبعد غد، ولن تسمح لأحد بتمريره تحت أي حجة من الحجج.<BR>وعليه مهما حاول الاحتلال وأعوانه من العمل على تدمير وحدة الشعب العراقي ، فإنهم لن يستطيعوا ؛ وإن تمكنوا بقوة السلاح والإغراءات المادية لبعض ذوي النفوس الضعيفة من تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات فان هذا التقسيم يبقى تقسيما شكليا لا يمكن أن يستمر على أرض الواقع ؛ وسينتصر العراقيون بإرادتهم القوية على كل قوى التفكك والتقسيم ، وسيبقى منطق الوحدة والمحبة والتالف هو المنطق السائد على أرض العراق الواحد .<BR><br>