حوار مع الدكتور صلاح الصاوي (الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا)
13 رجب 1425

حاوره في القاهرة/ همام عبدالمعبود

منذ زمن بعيد وأنا أتمنى اللقاء به، فقد قرأت له كثيراً، وسمعت عنه أكثر، اسمه يملأ الآفاق، في العالم الإسلامي عامة وفي بلاد الغرب خاصة، انتهزت فرصة زيارته لمصر في الإجازة الصيفية، ظللت أتابعه في كل مكان لأفوز بشرف اللقاء به ومحاورته، وما تركت من وسيلة للاتصال به وترتيب موعد للحوار إلا واستخدمتها، اتصلت به على منزله، وعبر الهاتف الجوال، وراسلته عبر البريد الإلكتروني، بل ظللت أطارده على الماسنجر حتى وافق – تحت الإلحاح الشديد - على المقابلة، فكان هذا الحوار الثري الذي تطرق للعديد من القضايا الشائكة، فإلى نص الحوار....

أهلا ومرحبا بك يا دكتور على صفحات موقع المسلم
د.الصاوي: بارك الله فيكم وتحياتي لفضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر، وبارك الله في جهوده لخدمة الإسلام.

كيف كان حال مسلمي أمريكا قبل 11 سبتمبر، وكيف أصبح بعده؟
المسلمون في أمريكا كانوا يعيشون في حالة من الاسترخاء والدعة بالمقارنة لما يتعرض له القابضون على دينهم في بلاد المشرق الذين يصدق كثير منهم دعاوى الحريات والديموقراطيات وحقوق الإنسان ونحوه، ثم تبدد هذا كله في لحظة وتناثر مع الشظايا المتناثرة لمبني مركز التجارة العالمي في نيويورك!!
وهذا ليذكرني بقول القائل:

 

رب ركب قد أناخو عيسهم   في ذرى مجدهم حين بسق
سكت الدهر زماناً عنهم   ثم أبكاهم دماً حين نطق

وبطبيعة الحال الآثار تتفاوت من منطقة إلى أخرى، ولكن التغير حقيقة ماثلة للعيان وفواجعه تترى وتتتابع كل يوم.

البعض قال عن 11 سبتمبر: " رب ضارة نافعة"، فهل توافق على هذه العبارة؟
نحن نوقن بقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله لخير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"، فإن كانت هذه المقولة بهذا المعنى فنعم، فلقد عرت هذه الأحداث أحاديث الإفك التي كانت تروج عن الحريات وحقوق الإنسان، وميزت صفوف العاملين للإسلام، ويوشك الناس أن ينحازوا إلى فسطاطين؛ فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه.

بحكم خبرتك وعيشتك في الغرب.. ما أولويات الدعوة الإسلامية في الغرب؟
للعمل الإسلامي في الغرب رسالتان، أولاهما: حفظ الإسلام على أهله. والثانية: دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وعلى رأس أولويات الدعوة التأكيد على الثوابت والقطعيات في الدين، والتي تتعرض الآن لزلزال مروع والدعوة إلى التقارب والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف.

بصفتك الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، هلا أعطيتنا فكرة مبسطة عن المجمع؟
مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية مؤسسة علمية غير ربحية تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها، تسعى إلى بيان أحكام الشريعة فيما يعرض للمقيمين في أمريكا من النوازل والقضايا.

وما الأهداف التي من وراء إنشاء هذا المجمع؟
هناك عدة أهداف من وراء إنشاء هذا المجمع:
1- إصدار الفتاوى فيما يعرض عليه من قضايا ونوازل لبيان حكم الشريعة فيها.
2- وضع خطة لإعداد البحوث والدراسات الشرعية التي تتعلق بأوضاع المسلمين في المجتمع الأمريكي، وما يجد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية التي تواجههم في هذا المجتمع، وبيان الحلول الفقهية المناسبة لها، والإشراف على تنفيذها.
3- دراسة وتحليل ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي في وسائل الإعلام، وتقويمه للانتفاع بما فيه من رأي صحيح، أو تعقب ما فيه من أخطاء بالتصحيح والرد.
4- معاونة المؤسسات المالية الإسلامية بإعداد البحوث والدراسات، وابتكار صيغ التمويل وعقود الاستثمار، وتقديم ما تطلبه من الفتاوى والاستشارات، وتدريب كوادرها على ذلك.
5- إقامة دورات تدريبية لأئمة ومديري المراكز الإسلامية في مختلف المجالات الفقهية كقضايا الأسرة والقضايا المالية وقضايا التحكيم الشرعي وغيرها.
6- دعم التعاون بين المجمع والهيئات والمجامع الفقهية الأخرى للوصول إلى ما يشبه الإجماع الكوني على الملزم من قضايا الأمة وثوابتها.
7- معالجة قضية المواطنة، وما تفرضه من حقوق وواجبات على المسلمين الذين يتمتعون بحق المواطنة في الغرب.
8- دعم أنشطة لجان التحكيم الشرعية التي تقيمها الجاليات الإسلامية في البلاد الغربية، ومراجعة ما ترفعه إليه من قرارات وتوصيات، وإعداد تقنين ميسر للأحكام الفقهية في أبواب الأسرة والمعاملات المالية يكون مرجعاً لجهات التحكيم الناشئة في الغرب.
9- إنشاء صندوق المجمع للزكاة والتكافل الاجتماعي في حدود ما تسمح به القوانين والنظم، والحصول على موافقة الجهات المختصة على ذلك.

ما هي في تقديرك الخصوصيات والمزايا التي يتميز بها المجمع عن سواه من المجامع والمؤسسات الأخرى؟
أعتقد أن هذا المجمع له عدة خصوصيات، منها:
1- التخصص: فكل أعضائه من حملة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية.
2- الحيادية: فهذا المجمع ملك للأمة، ومشترك علمي عام يلتقي عليه العاملون لدين الله في المشرق أو في المغرب، بعيداً عن التكتلات الحزبية أو التجمعات التنظيمية المعاصرة.
3- العلم بالشرع والدراية بالواقع، فبالإضافة إلى الفقهاء البالغ عددهم 40 فقيهاً، يوجد بالمجمع حوالي 40 خبيراً أيضاً، وهؤلاء يمكنون الفقهاء من الرؤية المستبصرة والفاحصة للواقع الذي تطبق فيه الفتوى، وهؤلاء الخبراء منهم من يحملون الخبرة الفنية كالاقتصاديين والقانونيين والسياسيين والإعلاميين، ومنهم من يحملون الخبرة العملية الميدانية كأئمة ومديري المراكز الإسلامية أو من يعملون في المؤسسات الإسلامية المالية أو الإعلامية ونحوها.
4- وجود لجنة دائمة للإفتاء بالمجمع: تتكون من سبعة من الأعضاء من حملة الدكتوراه في الشريعة، وهي مقيمة داخل الولايات المتحدة، وتتولى الرد على القضايا اليومية التي ترد إلى المجمع وتصدر قرارها في ذلك بالأغلبية.
5- وجود لجنة مستشاري الإفتاء: تتكون من ثمانية من كبار أهل الفتوى في الأمة ترجع إليها اللجنة الدائمة عند الاقتضاء مستخدمة في ذلك أحدث تقنيات الاتصالات العالمية.
6- وجود صلة وثيقة بين هذا المجمع وبين ما سبقه من المجامع، فالأصل هو التنسيق والتكامل وليست المنافسة أو التنافر أو التضاد، ولهذا فإن عضوية هذا المجمع مبذولة لمن شاء من أعضاء المجامع الأخرى ممن تنطبق عليهم شروط العضوية كما فصلها النظام الأساسي للمجمع، فالمجمع يقدم قوة إضافية للجهود القائمة؛ تنسيقاً بينها، وجمعاً لشتاتها، وتجسيراً للصلة بينها وبين فقهاء الأمة عبر العالم.

ولكن يا دكتور كيف يفتي لأمريكا من ليس له اتصال بالواقع الأمريكي؟
لقد أخذ المجمع على عاتقه منذ اللحظة الأولى أن يجمع القائمون على الفتوى بين العلم بالشرع والدراية بالواقع؛ لأن الفتوى كما يقول أهل العلم: معرفة الواجب في الواقع، ويتحقق ذلك من خلال ما سبقت الإشارة إليه من وجود عدد من الخبراء بالمجمع لا يقلون عن عدد الأعضاء، وهؤلاء هم عيون المجمع التي بها يرى الواقع، ويحيط من خلالهم خبراً بمختلف جوانبه.
إن المجامع الفقهية في العالم تدرس قضايا طبية، مثل: زرع الأعضاء، والتلقيح الصناعي، والاستنساخ البشري، ونحوه، ولم يقل أحد إنه لابد أن يكون الفقيه طبيباً حتى يتسنى له الإفتاء في هذه القضايا، وإنما يكفي التعرف على تفاصيل هذه القضايا من خلال من ينتسبون إلى هذه المجامع من الخبراء .

فمن هم أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمجمع؟
تتكون اللجنة الدائمة للإفتاء بالمجمع من 8 فقهاء، هم:
1- الفقير إلى عفو ربه، صلاح الصاوي (أستاذ الفقه بجامعات الأزهر وأم القرى ومعهد العلوم الإسلامية والعربية بواشنطن، نائب رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة).
2- فضيلة الدكتور إبراهيم بن علي آل كليب (أستاذ علوم الحديث بمعهد العلوم الإسلامية والعربية فرجينيا/ أمريكا).
3- فضيلة الدكتور الحسين شواط (أستاذ علوم الحديث بالجامعة الأمريكية المفتوحة فرجينيا/ أمريكا).
4- فضيلة الدكتور يوسف الشبيلي (أستاذ الفقه بمعهد العلوم الإسلامية والعربية فرجينيا/ أمريكا).
5- فضيلة الدكتور فؤاد الغنيم (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بمعهد العلوم الإسلامية والعربية فرجينيا/ أمريكا).
6- فضيلة الدكتور خالد بلانكنشيب (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة تمبل/ فيلادلفيا / أمريكا).
7- فضيلة الدكتور أحمد الصويعي شليبك (أستاذ الفقه الإسلامي بالجامعة الأمريكية المفتوحة بفرجينيا، وإمام وخطيب مسجد الجنة بكولومبس / جو رجيا/ أمريكا).
8- فضيلة الدكتور صـهيب حسن عبد الغفار (سكرتير مجلس الشريعة الإسلامية، رئيس جمعية القرآن الكريم ببريطانيا).

وماذا عن لجنة مستشاري اللجنة الدائمة للإفتاء؟
لجنة مستشاري اللجنة الدائمة للإفتاء بالمجمع تتكون من 8 مستشارين أيضاً، وهم:
1- الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان (رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد، رئيس هيئة الرقابة الشرعية في عدد من البنوك الإسلامية الشرعية).
2- الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس (أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر، وخبير الفقه والاقتصاد بالمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي).
3- الأستاذ الدكتور عبد الله المصلح (أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، عضو هيئة الرقابة الشرعية بالبنك الأهلي التجاري بالسعودية).
4- الأستاذ الدكتور أحمد علي طه ريان (أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن، العميد الأسبق بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، رئيس موسوعة الفقه الإسلامي بوزارة الأوقاف).
5- الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي (أستاذ الدراسات العليا بجامعة دمشق، عضو المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي).
6- الأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان (أستاذ الفقه المقارن، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر).
7- الأستاذ الدكتور عمر سـليمان الأشقر (أستاذ الفقه والعقيدة بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية).
8- فضيلة الدكتور الحافظ ثناء الله المدني (أستاذ الحديث بجامعة لاهور الإسلامية، رئيس هيئة الإفتاء، رئيس مركز أنصار السنة في لاهور).

وممن تتشكل الهيئة الرئاسية لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية؟
تتشكل الهيئة الرئاسية للمجمع من أربعة علماء، هم:
1- الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان، رئيساً للمجمع.
2- الأستاذ الدكتور على أحمد السالوس نائباً أول لرئيس المجمع.
3- الأستاذ الدكتور وهبة مصطفي الزحيلي نائباً ثانياً لرئيس المجمع.
4- والفقير إلى الله، صلاح الصاوي أميناً عاماً للمجمع.

البعض يرى أن الخلاف بين العاملين للإسلام من جنس الخلاف بين الفرق الذي حذر منه الرسول.. فما تفسيرك؟
الخلاف بين المشتغلين بالعمل الإسلامي المعاصر ليس من جنس النزاع بين الفرق في ماضي هذه الأمة، وقياس التجمعات الدعوية المعاصرة على فرق الضلالة وأهل الأهواء قياس غير صحيح، اللهم إلا ما كان من هذه التجمعات متحزباً على بدعة من البدع الكلية، أما اختلاف البرامج والأساليب والخطط فالخطب فيه يسير، والخلاف فيه هين، ولو بقي كل فريق على اجتهاده وأداه برشد وأحسن صلاته بالآخرين لكانت هذه التعددية خيراً وبركة، واستفادت الأمة منها في نهاية المطاف، إذ لا حرج أن يشتغل فريق من المسلمين بأعمال الدعوة وآخرون بأعمال الحسبة وفريق ثالث بالعمل السياسي وفريق رابع بالعمل الاجتماعي، وكل ذلك من جنس التخصص والتنوع وليس من جنس التنازع والتضاد، ولا يخفى أن الله _تعالى_ قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، إن الحرج كل الحرج والخلل كل الخلل أن ينظر كل فريق إلى اجتهاده أو اجتهاد فريقه فيرى فيه العصمة المطلقة، وينظر إلى اجتهادات غيره أفراداً كانوا أو جماعات فيرى فيها الزلل المطلق، هنا يكمن الداء، حيث يبدأ كل فريق في التحزب على ما يراه ويعقد على أساسه ولاءه وبراءه ، وتتشرذم الأمة ويتقطع أمرها بينها زبرا!

كغيركم من الدعاة ربما دار حديث حول اتجاهاتكم وميولكم الدعوية، فما تقول؟!
أنا أنتحل مذهب السلف، وأقول بما يقول به أهل السنة والجماعة، وأدين في هذا بما دان به الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم من أئمة الهدى على مدار القرون، والذي أثار الحديث عن توجهاتي الدعوية فيما يبدو لي ثلاثة أمور:
أولها: ما جاء في بعض كتبي من تخريج لقضية العمل السياسي، وإيراد بعض الأدلة على مشروعيته، والرد على بعض شبهات المنازعين فيه، وقد ارتبط هذا العمل ببعض التيارات الإسلامية من الناحية العملية.
الثاني: ما شاع في بعض كتبي من الدعوة إلى الائتلاف ووحدة الصف واجتماع الكلمة، وهو أمر قد عرفت به دعوة الإخوان وحملته إصدارات رموزها، بل لعله كان بصمة خاصة بها في وقت من الأوقات، ودعوتي إلى الائتلاف واجتماع الكلمة تنطلق من ثوابت شرعية ومحكمات علمية، فلقد راعني وأقض مضجعي تشرذم كتائب العمل الإسلامي رغم وحدة الراية ووحدة الغاية ووحدة المعاناة.
الثالث: ما جاء في بعض كتبي من حديث عن مشروعية العمل الجماعي، وما كتبته في ذلك من وجوب التمييز بين فرق الضلالة وبين التجمعات الدعوية المعاصرة، و مشروعية الاجتماع على أعمال الخير والتعاقد على ذلك، و بدعية التعصب الحزبي، ووجوب مناصحة الولاة والتزام الطاعة لهم في غير معصية، ووجوب البراءة من العلمانية ومن كياناتها السياسية، ووجوب مناصحة التجمعات الإسلامية التي انعقد اجتماعها ابتداء على نصرة الدين وعلى التزام السنة وإن شاب سعيها شيء من التعصب الحزبي، وأن تجمعات الدعوة المعاصرة لبنات في بنيان جماعة المسلمين، وخطوات عملية في الطريق إلى إقامتها بمفهومها العام والشامل.

البعض ينتقد بحث بعض الإسلاميين عن غطاء قانوني لدعوته، فما رأيك؟
إذا استطاع الدعاة أن يوفروا لدعوتهم غطاء من المشروعية الوضعية، فلا ينبغي أن يقصروا في ذلك، فإذا حجرت الدعوة في بلد من البلاد إلا على حاملي الإجازات الرسمية فينبغي على الدعاة أن يجتهدوا في تحصيل هذه الإجازات ما وسعهم الجهد، وإذا حظرت أعمال الخير والإغاثة إلا من خلال الجمعيات المشهرة التي تشرف عليها الجهات الرسمية فلا حرج على الدعاة أن يوفروا لأعمالهم الإغاثية غطاء من القانونية، وإذا حظر إقامة الدورات العلمية أو الاجتماعات العامة إلا بعد استئذان جهة معينة فلا حرج في السعي للحصول على هذا الإذن، وإذا أصبح بعض المنكرات العامة في حماية دولة ذات شوكة وسلطان فإن معنى ذلك انعدام القدرة على التغيير باليد وتحول الواجب إلى التغيير باللسان، وهذا معنى قولنا: إن على الدعاة أن يستصحبوا أنهم يتحركون بدعوتهم في إطار دول قائمة، وأن عليهم أن يكون سعيهم إلى التغيير من خلال آلياتها ما امتهد لهم سبيل إلى ذلك، وبالجملة فإن كل ما يمكن أن يدرك بالمداراة والملاينة فلا ينبغي أن يعول في تحصيله على الاستفزاز والمغالبة.

وماذا عن الجامعة المفتوحة التي أنتم نائب لرئيسها؟
الجامعة المفتوحة مؤسسة أكاديمية، آلت على نفسها منذ اللحظة الأولى لإنشائها أن تتمحض عملاً علمياً بحتاً، يرفع لواء الوسطية، وينأى عن جميع التكتلات الحزبية، ويكون ملكاً للأمة، ويعمل لصالحها العام في نهاية المطاف، أما عن ارتباطها بالأزهر فالأزهر كما لا يخفى أعرق جامعات العالم، وارتباط الجامعة المفتوحة به سبق أكاديمي نغبط عليه، والأزهر من المرونة بحيث لا يمنع من أن يكون للجامعة المفتوحة بعض خصوصياتها العلمية نظراً لخصوصية الزمان والمكان والدارسين، وقد لقينا من المسؤولين فيه كل دعم ومؤازرة، والجامعة المفتوحة مع انفتاحها على الأزهر وارتباطها به تنفتح على غيره من جميع الجامعات الأخرى، وتستقبل وفود المتعاونين معها من كل مكان، والأزهر يرحب بذلك، ويراه امتداداً لمسيرته في الانفتاح على الخير.

بمناسبة المجمع هل دائماً تعدد الاجتهادات مذموم؟
تعدد الاجتهادات سُنة من سنن الاجتماع ، وحقيقة ملازمة للتجمعات البشرية كافة في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولا يذم هذا الاختلاف إلا في صورتين:
الأولى: أن يكون في الأصول والقطعيات كالخلاف على أصل الملة أو الخلاف في الأصول الكلية القطعية في الشريعة، فالأول يخرج به أصحابه من الملة، والثاني يخرجون به عن دائرة أهل السنة والجماعة، ويصبحون فرقة من الفرق الضالة.
الثانية: التعصب المذموم الذي يفضي إلى التفرق ، ويخترق به سياج الأخوة الإيمانية، ويصبح به الناس شيعاً متلاعنة متدابرة، ويحُول دون التنسيق والتعاون في مواضع الإجماع أو في أوقات المحن والكوارث العامة.
ولا يخفى أن المقبول من تعدد الاجتهادات هو ما كان منه داخل الإطار الإسلامي، بل داخل الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وأن التعصب المقيت في الفروع وموارد الاجتهاد ليس من منهج أهل السنة في شيء، وأن فقه الاجتماع في هذه المرحلة يقتضي إعلان النفير العام وحشد كل طاقات الأمة في خندق المواجهة ؛ لأن المنازعة هنا - ونحن نتحدث عن العولمة وتهديدها لديار الإسلام - ليست من جنس المنازعات التي تكون داخل الإطار الإسلامي، ولكنها منازعة على أصل هذا الإطار، هل نقبل بالإطار الإسلامي أم نستبدل التغريب واللادينية (العلمانية) به؟!

وماذا عن المؤتمر السنوي الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، والذي انعقد في شهر يونية الماضي؟
المؤتمر عقد في مدينة كوبنهاجن بالدانمرك في المدة من 4-7 جمادى الأولى لعام 1425 هـ الموافق 22-25 يونيو 2004م، و هو المؤتمر السنوي الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وقد عقد وسط حضور قوي وفعال شارك فيه لفيف من السادة أعضاء المجمع وخبرائه، وأيضاً وسط تمثيل رسمي من الحكومة الدانمركية، وقد دارت مناقشات حول الموضوعات المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه فيما يشغل المسلمين في الساحة الأمريكية بشكل خاص وفيما يخص المسلمين في الغرب بوجه عام.

ما أهم القرارات التي أصدرها المجمع؟
بعد مناقشات مطولة امتدت على مدى أربعة أيام متتالية خلص المجمع إلى إصدار القرارات الفقهية الآتية:
1- ففي موضوع التعامل مع غير المسلمين: أكد المجمع على أن البر والقسط هو أساس التعامل مع المسالمين لأهل الإسلام من غير المسلمين، ومن مظاهر ذلك إجابة دعوتهم، وضيافتهم في بيوت المسلمين، وإدخالهم إلى مساجدهم تعريفاً لهم بالإسلام، وتآلفاً لقلوبهم عليه، ومن ذلك أيضاً تبادل الهدايا معهم، وعيادة مرضاهم، والمشاركة في تشييع موتاهم إذا وجد المقتضي لذلك، على أن يجتنب ما يتعلق بتجهيز الميت ودفنه من طقوس دينية، وترتفع درجة هذا الجواز في ذلك كله إلى الاستحباب إذا وجد المقتضى من جوار أو زمالة في العمل أو رفقه في السفر ونحو ذلك ، على أن تستصحب نية التآلف والدعوة إلى الله في ذلك كله ما أمكن، كما أجاز المجمع تهنئة غير المسلمين بالمناسبات الاجتماعية الخاصة بهم باعتباره داخلاً في مفهوم البر والقسط الذي أمر به أهل الإسلام في التعامل معهم، ولكنه تحفظ على المشاركة في احتفالاتهم الدينية أو تهنئتهم بها لما يتضمنه ذلك من إقرار لعقائد ومناسك لا يدين بها أهل الإسلام.
2- وحول فقه الأقليات: بين القرار أن هذا التعبير إن قصد به الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية لنوازل الأقليات الإسلامية من خلال القواعد الشرعية المقررة في باب الاجتهاد، وتفعيل الأصول الاجتهادية التي تتعلق بالأحوال الاستثنائية كقاعدة المصالح والمآلات والضرورات ونحوه، واعتبار خصوصية هذه الأقليات من حيث الاغتراب والالتزام القانوني بأنظمة المجتمعات التي يعيشون فيها، والتطلع إلى تبليغ الدعوة لأهلها، فإن ذلك حق، وينبغي أن يعان عليه من دعا إليه.
3- و حول الزواج بالكتابية: بين القرار أن الكتابية هي التي يثبت انتماؤها المجمل إلى اليهودية أو النصرانية، ووضح أن العقد على الكتابية العفيفة صحيح، وأن الزواج بها مشروع مع الكراهية، ولكنه محفوف بالمخاطر خاصة فيما يتعلق بمستقبل الناشئة، ثم وضح أن للزوجة الكتابية الحق في ممارسة شعائرها الدينية، وأن لها حضانة طفلها عند التفرق حتى يبلغ السابعة، ما لم يترتب على ذلك مضرة بالطفل في دينه.
4- وحول إسلام المرأة وبقاء زوجها على غير الإسلام: بين القرار أنه إذا أسلمت المرأة وبقي زوجها على غير الإسلام حرمت المعاشرة الزوجية بينهما على الفور، وتبقى العصمة موقوفة مدة العدة: فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن بقي على دينه حتى انقضاء العدة، فالزوجة مخيرة بين أن ترفع أمرها إلى القاضي ليفسخ نكاحها، أو أن تنتظر فيأة زوجها وتترقب إسلامه ليستأنفا نكاحهما متى فاء إلى الإسلام.
5- وحول الزواج الصوري بغية الحصول على الأوراق الرسمية: بين القرار أن الزواج الصوري هو الذي لا يقصد به أطرافه حقيقة الزواج الشرعي فلا يتقيد باركان ولا شروط ، وإنما يتخذ مطية لتحقيق بعض المصالح فحسب، وهو على هذا النحو محرم شرعاً؛ لعدم توجه الإرادة إليه، ولخروجه بهذا العقد عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقصوده.
6- وحول الطلاق الصوري تحقيقاً لبعض المصالح الرسمية: بين القرار أن الطلاق الصوري يؤخذ به صاحبه ما دان قد نطق به أو وكل غيره في إجرائه نيابة عنه، سواء أراده أم لم يرده ؛ لأن الكتابة هي الوسيلة الأساسية للإثبات والتوثيق في واقعنا المعاصر، أما في باب الديانة فلا يعتد به إلا مع النية في المختار من أقوال أهل العلم.
7- وحول مدى الاعتداد بالزواج المدني الذي تجريه المحاكم الأمريكية: بين القرار أن الزواج المدني الذي تجريه المحاكم الأمريكية عقد تتخلف فيه بعض أركان الزواج وشروطه الأمر الذي تنتقض به مشروعيته، لكنه إذا وقع وكان قد تحقق له الإشهار وخلا من موانع الزواج ترتبت عليه الآثار المترتبة على عقد الزواج، وذلك لأجل ما فيه من الشبهة، ولكن يجب إعادته في الإطار الإسلامي مستكملا أركانه وشروطه الشرعية.
8- و حول مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم الأمريكية: بين القرار انه إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً شرعياً فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه، بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة.
9- و حول مدى الاعتداد بالخلع أو التفريق للضرر الذي تجريه المراكز الإسلامية: بين القرار أن للمراكز الإسلامية خارج ديار الإسلام صفة قضائية، فإذا كان للقائم على المركز الإسلامي صفة المحكم، سواء باتفاق الطرفين أو لاصطلاح الجالية المسلمة عليه فإنه يعتد بما يجريه من التفريق بسبب الضرر أو سوء العشرة ونحوه بعد استيفاء الإجراءات القانونية التي تقيه من الوقوع تحت طائلة القانون.
10 - وحول تبني المهجرين من أطفال المسلمين خارج ديار الإسلام: أكد القرار على ضرورة كفالة اللقطاء واليتامى، وبين ما فيها من القربة والثواب الجزيل، وفرق بين الكفالة المشروعة والتبني بمفهومه الجاهلي الذي ينسب فيه الولد إلى غير أبيه، فيبين أن التبني على هذا النحو من المحرمات القطعية في الشريعة الإسلامية، ولكنه إذا تعين سبيلاً لاستنقاذ المهجرين من أبناء المسلمين خارج ديار الإسلام من أخطار تبني الجمعيات غير الإسلامية لهم فإنه يرخص في ذلك بشكل صوري، على أن تتخذ الإجراءات العملية التي تحصر هذه العلاقة في حدود الكفالة وتحول دون الاختلاط في الأنساب.
11- وحول زواج الحبلى من الزنا، ونسبة ولد الزنا إلى الزاني: فقد اختار المجمع جواز تزوج الزانية بمن زنى بها تحقيقاً لمقصود الشارع من الستر وترغيباً لكليهما في التوبة، أما فيما يتعلق بنسبة الولد لمن زنى بأمه فقد اختار المجمع مبدئياً جواز إلحاق ولد الزنا بالزاني خارج بلاد الإسلام إذا ادعاه ولم تكن المرأة فراشاً لأحد، وذلك درءاً للمخاطر التي تتهدد الطفل إذا نشأ مجهول النسب في هذه المجتمعات، ثم أرجأ البت النهائي في هذه المسألة إلى المؤتمر القادم لمزيد من البحث والنظر.
12- وحول مشاركة المرأة زوجها بخبرتها وعملها في أعماله وحقها في ثروته بناء على ذلك: بين القرار أنه إذا شاركت الزوجة زوجها في استثماراته التجارية بخبرتها وعملها مشاركة تتجاوز حدود الخدمة المنزلية التي تكون بين الزوجين في العادة، كان لها في ثروته نصيب يرجع في تقديره إلى أهل الخبرة حسبما بذلت من جهد وما تحصل من ثروة..
13- وحول نازلة حظر الحجاب في المدارس العامة في فرنسا: أكد القرار على أن الحجاب فريضة الله على المرأة المسلمة شأنه شأن سائر شعائر الإسلام، وأنه ليس مجرد رمز ديني كتعليق الصليب بالنسبة للنصراني أو تعليق المصحف بالنسبة للمسلم، ثم أعلن أن ما حدث في فرنسا من حظر الحجاب على المسلمات في المدارس والوظائف العامة ظلم صارخ تدينه الشرائع السماوية والدساتير الوضعية ووثائق حقوق الإنسان العالمية لما يتضمنه من عدوان على حرية ممارسة الشعائر الدينية.
14- وفي موضوع العمل القضائي خارج ديار الإسلام: ما يحل منه وما يحرم: فقد ناقش المجمع مدى شرعية اللجوء إلى القضاء الوضعي خارج ديار الإسلام، فقرر أن الأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، وأكد على أن تحكيم الشريعة عند القدرة على ذلك أحد معاقد التفرقة بين الإيمان والنفاق، ثم رخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلاً لاستخلاص حق أو دفع مظلمة شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه.
15- وفي موضوع عقود التأمين خارج ديار الإسلام: فرق القرار بين التأمين التكافلي الذي يستند إلى التعاون والتكافل ويعد من باب التعاون على البر والتقوى، وهو تامين مشروع، والتأمين التجاري الذي تكتنفه شبهات شرعية عديدة كالغرر والربا وأكل أموال الناس بالباطل، وأكد القرار على تحريم هذا النوع.
16- وفي موضوع شراء البيوت عن طريق التمويل الربوي: أكد المجمع على أن فوائد البنوك هي الربا الحرام، وأن الاقتراض بالربا لا يترخص فيه في الأصل إلا عند الضرورات.

وهل هناك موضوعات تم تأجيلها للمؤتمر القادم؟ وما هي؟
بالفعل هناك عدد من الموضوعات تقرر تأجيلها إلى المؤتمر القادم؛ نظرًا لقلة البحوث المقدمة فيها، ومنها:
1. الجامع في أصول العمل الإسلامي.
2. العمل في المؤسسات الاقتصادية الربوية.
3. الإقامة خارج ديار الإسلام.
4. ثبوت نسب ولد الزنا.

سمعنا كلاماً تردد حول بحث المؤتمر موضوع "الإرهاب"..نرجو مزيداً من التوضيح؟
تم مناقشة الموضوع، وأكد المؤتمر على ضرورة الاتفاق على تعريف دولي محدد للإرهاب حتى لا يتخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ووطنه ضد الغاصبين والطامعين، وهو حق مشروع في الشرائع الإلهية والقوانين الدولية، ثم تبنى ما جاء في بيان مكة حول تعريف الإرهاب بأنه العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله _سبحانه وتعالى_ المسلمين عنهـا، قال _تعالى_: "وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحبُّ الْمُفْسِدِين" (القصص آية: 77).
وأكد المؤتمر على استنكار إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف – دين الرحمة والمحبة والسلام – ووصم معتنقيه بالتطرف والعنف، وبين أنه افتراء ظالم كما تشهد بذلك نصوص الإسلام وأحكام شريعته الحنيفية السمحة، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه. قال _تعالى_ مخاطباً نبيه محمداً _صلى الله عليه وسلم_: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء:107).
وبين المؤتمر أن الإرهاب ظاهرة عالمية لم تخل منها الملل والحضارات على مدار التاريخ، وأن لها أسباباً وبواعث كثيرة، منها:
1- الجهالة.
2- الظلم الاجتماعي.
3- عدم التمتع بالخدمات الأساسية.
4- انتشار البطالة وشح فرص العمل.
5- تدهور الاقتصاد وتدني دخول الأفراد.
6- التطرف في محاربة الدين وإقصاء شريعته من قبل العلمانيين واللادينيين، وتناوله بالتجريح والسخرية والاستهزاء.
7- المعالجات الإعلامية الظالمة والمتحيزة لهذه الظاهرة، وركوب موجتها للنيل من القيم والخلق والدين، مؤكداً على وجوب التكاتف للقضاء على هذه الأسباب حتى ينعم العالم بالأمن والأمان وتختفي من آفاقه هذه الظاهرة الأسيفة المروعة..
كما أدان المؤتمر الإرهاب الذي تمارسه بعض القوى العالمية، وتصادر به حق كثير من الشعوب في حياة حرة كريمة، وتستطيل به على خيراتها ومقدراتها، وتجتاح به أرضها وتستبيح به دماءها وأموالها وأعراضها بغياً وعدواناً بغير حق، ثم أشار إلى الحكم الشرعي في الأعمال الإرهابية من تخريب وتهديد وتفجيرات، فبين أنه من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، وقد رتب الشارع الحكيم على مرتكبيها المباشرين لها والمشاركين فيها تخطيطاً ودعماً مالياً وإمداداً بالسلاح والعتاد، كل ذلك قد رتب الشارع عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم، والاقتصاص العادل منهم، وردع من تسول له نفسه سلوك مسلكهم.

بخصوص ما يتردد حول الديمقراطية وقبول الآخر.. ما موقف الإسلام من التعددية السياسية؟
الإسلام يؤكد على أهمية مرجعية الشريعة كإطار للتعددية السياسية، بحيث تمثل الشريعة السقف الذي ينتهي إليه المتعددون، حيث لا توجد هناك تعددية مطلقة، التعددية السياسية لابد لها من سقف، وسقف التعددية الذي يقبله الإسلام هو قطعيات الشريعة وثوابتها، ثم إن الأنظمة الأخرى – غير الإسلامية – تضع سقفاً للتعددية تسميه (قواعد النظام العام)، فالتعددية السياسية التي يقبلها الإسلام هي تعددية في إطار ثوابت الشريعة، أما إذا قبلنا بالتعددية بشكلها الحالي فإن ذلك يكون من باب الضرورة والاقتهار وليس من باب السعة والاختيار.

ولكن هذا قد يرفضه الآخرون؟
فليرفضوه، هذا أفضل من البناء على غير أساس، فماذا لو كان هناك حزب شيوعي يرفع شعار (لا إله والحياة مادة)، هل سيسمح له بأن يعتلي السلطة في ظل تعددية سياسية تسمح بتداول السلطة؟!، هذا على المستوى العقائدي، وعلى المستوى الاجتماعي.. ماذا لو كان هناك من بين الأحزاب حزب يدعو إلى (تبادل الزوجات)؟، هل سيسمح له بأن يعتلي السلطة ويدعو لما يؤمن به في ظل تداول السلطة؟!

ماذا قدمت الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني بعد مرور 4 سنوات؟
الانتفاضة قدمت الكثير والكثير، ومن ذلك أنها:
1- أيقظت روح الجهاد في الأمة.
2- فجرت العربدة الصهيونية وما ارتكبته من مجازر بشعة في أرض المعراج براكين الغضب في أعماق كل من يؤمن بالله واليوم الآخر.
3- لقد تجاوب الحس الإسلامي العام مع ما جرى ويجري على أرض المعراج من أحداث، وعبَّر عن ذلك في صورة تلك المسيرات الحاشدة التي طوَّفت أرجاء العالم الإسلامي، تُرسل رسالة سخط ولعنة إلى الطغاة، وترسل رسالة حب وتأييد إلى المجاهدين والمرابطين، كما تجاوبت إلى حد ما بعض القيادات العلمانية.
4- كما بدا الإعلام العربي متجاوباً إلى حد كبير مع تلك الأحداث؛ لأن عواصفها لم تستهدف أهل الإيمان وحدهم، بل استهدفت معهم كرامة هذه النظم وشرعيتها، وأوشكت أن تأتي على بنيان بعضها من القواعد، بالإضافة إلى ما خلفته من تشويه بالغ لصورة هؤلاء أمام شعوبهم وحلفائهم.

في ختام هذا الحوار الثري، ماذا تقول لشباب التيار الإسلامي الإصلاحي بالمملكة العربية السعودية؟
أقول لهم: عليكم لزوم الجماعة، والصدور عن مشورة كبار أهل العلم والروية والأناة، وإدراك طبيعة المواجهة، وخصوصية بلاد الحرمين في هذا المعترك.

جزاكم الله خيراً يا دكتور على هذا الوقت، وكان الله في عونكم
وجزاكم يا أخ همام ربنا يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

********************
من هو الدكتور صلاح الصاوي؟
* اسمه محمد صلاح محمد الصاوي، وشهرته صلاح الصاوي، مصري الجنسية، من مواليد قرية فزارة بمركز القوصية بمحافظة أسيوط في 9/11/1954م.
* أتم حفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره، وكان ترتيبه الأول على مستوى جمهورية مصر العربية في مسابقة أجريت لحفظ القرآن الكريم عام 1962م.
* له ستة أشقاء وشقيقتان، كلهم يحفظون القرآن الكريم كله، وقد أشرف والدهم على ذلك، فهو الذي توارث حفظ القرآن عن أبيه عن جده.
* أتم دراسته الإعدادية بمعهد ديروط الديني عام 1967م، وكان ترتيبه الأول على المعهد.
* أتم دراسته الثانوية بمعهد أسيوط الديني عام 1971م وكان الأول على المعهد والخامس على مستوى الجمهورية.
* أتم دراسته الجامعية بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1976م، وقد حصل على الإجازة العليا من كلية الشريعة والقانون بتقدير: جيد جدا مع مرتبة الشرف، وكان ترتيبه الأول على الخريجين.
* حصل على الماجستير من كلية الشريعة عام 1980م بتقدير جيد.
* حصل على الدكتوراة من كلية الشريعة عام 1985م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.
* عمل معيداً بكلية الشريعة والقانون عام 1977م.
*عمل محاضراً بجامعة أم القرى 1981 – 1986م.
*عمل مديرا لهيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي عام 1985 – 1987م.
*عمل مديراً لمركز بحوث الشريعة التابع لمكتب رابطة العالم الإسلامي بإسلام أباد عام 1987 – 1992م.
* عمل أستاذاً زائراً بمعهد العلوم الإسلامية والعربية بواشنطن مرات من عام 92 – 95م.
* عمل مديراً لمركز بحوث الشريعة بالولايات المتحدة الأمريكية.
* يعمل حالياً نائباً لرئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة، والأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية، والمستشار الشرعي لدار السلام بمريلاند.
* شارك في عديد من المؤتمرات الإسلامية في مجالات الدعوة الإسلامية بصفة عامة وفي مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بصفة خاصة، وذلك في المملكة العربية السعودية والقاهرة وإسلام أباد وبريطانيا وأمريكا وكينيا والسنغال وغيرها من كثير من بلدان العالم.
* عقد عشرات الدورات الشرعية المتخصصة في مجالات السياسة الشرعية، وترشيد الصحوة الإسلامية وفي مجالات العقيدة والفقه والأصول، وذلك في بريطانيا وأمريكا بمختلف ولاياتها بالإضافة إلى عدد من الدول الأفريقية.
* يشرف على مشروع تقريب التراث، وهو مشروع يعني بإشاعة الانتفاع بكتب التراث، وذلك باختصار مادتها، وتحقيق آثارها، وإعادة ترتيب موضوعاتها، والتعليق على ما تمس الحاجة إلى التعليق عليه منها.
* يشرف على مشروع نحو قراءة صحيحة لاجتهادات الدعاة، وهو مشروع يعني بإزالة الالتباس الذي يحيط بكثير من اختيارات بعض الدعاة العلمية والعملية، ويؤدي إلى تكريس الفجوات وتعميق هوة الاختلاف، وذلك من خلال إدارة حوار مباشر مع هؤلاء الدعاة وتقديم قراءة صحيحة لهذه الاختبارات، وذلك في إطار سعيه لترشيد الصحوة الإسلامية.
* سعى في إقامة الجامعة الإسلامية المفتوحة التي تتيح الدراسة الجامعية النظامية لكل الراغبين في دراسة العلوم الشرعية ممن لم يتح لهم ذلك عبر الجامعات المعهودة غير المفتوحة، وتوسع رقعة الاستفادة من العلم الشرعي على مستوى الأمة بما تتيحه من قدوة غير محددة على استيعاب الدارسين والتغلب على العقبات الاقتصادية والإدارية.
* أثرى المكتبة الإسلامية بأكثر من ثلاثين مؤلفاً حول الإسلام والشريعة والرد على التساؤلات والشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، وهذا بيانها:
1. تساؤلات الأمريكان حول الإسلام.
2. وقفات هادئة مع فتوى إباحة الربا.
3. الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي.
4. المراجعات.
5. أصول الإيمان. (1)
6. ما لا يسع المسلم جهله.
7. ما لا يسع التاجر جهله .
8. تهذيب شرح الطحاوية .
9. تقريب الصارم المسلول على شاتم الرسول.
10. قضية تطبيق الشريعة .
11. المواجهة بين الإسلام والعلمانية.
12. تهافت العلمانية .
13. المحاورة .
14. التطرف الديني الرأي الآخر.
15. مدخل إلى ترشيد العمل الإسلامي.
16. جماعة المسلمين مفهومها، وكيفية لزومها في واقعنا المعاصر.
17. مدى شرعية الانتماء إلى الأحزاب والجماعات الإسلامية .
18. الوجيز في فقه الإمامة العظمى .
19. التعددية السياسية.
20. بحث العولمة .
21. تحقيق الخلاف في مرتبة الاتباع.
22. فاعلم أنه لا إله إلا الله .
23. مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية، وكيف عالجها الإسلام.
24. هكذا فامضوا أيها الدعاة .
25. المخرج من الفتنة .
26. نظرية السيادة وأثره على الأنظمة الوضعية.
27. قراءة في كتاب دعاة لا قضاة .
28. هكذا تكلم الدعاة .
29. منزلة الصحابة في القرآن .
30. المسائل الأساسية في مسيرة الحركة .
31. حوارات حول التصوف .
32. تعقيبات على كتاب (حد الإسلام).