اللواء صلاح الدين سليم لـ"المسلم": المقاومة العراقية ستضعف إذا ظلت معزولة عربياً
18 ربيع الأول 1426

<font color="#000080">أجرى الحوار: وائل عبدالغني</font></br></br>(الخبير الاستراتيجي) اللواء أركان حرب صلاح الدين سليم (مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، أحد أبرز خبراء الاستراتيجية العربية)، صدر له أكثر من عشرة كتب في أسلحة الدمار الشامل (ميدان تخصصه الأبرز) والتاريخ العسكري والاستراتيجي عموماً، يعمل الآن مستشاراً للمركز القومي لدارسات الشرق الأوسط ومستشاراً لمركز الحرية للدراسات الاستراتيجية، وعضواً في المجلس المصري للشؤون الخارجية وأستاذاً زائراً بأكاديمية ناصر العسكرية العليا. <BR><BR>موقع "المسلم" حاوره حول القضايا التي تلف خارطة العالم العربي بأحداثها المتوالية، وحيث كان الخبراء الاستراتيجيون منقسمين حول قدرة المقاومة العراقية على الصمود كان اللواء سليم في الفريق الأقل تفاؤلاً من قدرة المقاومة العراقية على الصمود في ظل عزل الدول العربية نفسها عنها وتجاهلها لها وافتقارها إلى الداعم الوطني في الداخل العراقي. <BR><BR>اللواء صلاح سليم حذر من مغبة التحركات الصهيونية في شمال العراق، ولفت إلى أن مخطط "إسرائيل الكبرى" ليس غائباً عن الفكر الشاروني الآن، وكشف عن حصول "إسرائيل" على النفط العراقي بخمس سعره العالمي تقريباً، وأبدى خشيته من قلة الاكتراث بمخططات الدول الكبرى الرامية إلى تقسيم أو إثارة الخلافات الطائفية داخل دول عربية كمصر وغيرها وصولاً إلى تقسيمها مثلما تبدو الطريق ماضية إليه في السودان، وإليكم نص الحوار: <BR><BR><font color="#FF0000">اللواء صلاح الدين سليم، كيف ترى المستقبل مستقبل التحرك الأمريكي في المنطقة؟</font><BR>في رأيي أن المخطط الأمريكي يمضي لإعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط دون عقبات تذكر في السنوات الثلاثة الأخيرة.<BR>لقد تمكنت الولايات المتحدة من إضعاف الممانعة العربية بكافة خططها في المنطقة، ففي فلسطين استطاعت واشنطن أن تملي التهدئة، وأن تضبط إيقاع التطورات السياسية، وأن تفرض على العرب الاستسلام للمخطط الإسرائيلي الذي يرى الاكتفاء بإخلاء قطاع غزة في نهاية عام 2005م، وإرجاء مستقبل الضفة الغربية لنهر الأردن إلى سنوات تالية قادمة. <BR><BR>هناك عجز عربي كامل عن الوصول إلى اتفاق مع واشنطن لوقف الاستيطان في الضفة الغربية لنهر الأردن، ويصبح الموضوع بالنسبة لشارون أن يعطي غزة، ويستمر في مخطط إسرائيل الكبرى.<BR><BR><font color="#FF0000">عشية تنصيب الحكومة العراقية في ظل الاحتلال الأمريكي طالب كل من جلال طالباني (الرئيس المؤقت)، وإبراهيم الجعفري (رئيس الوزراء الحكومة المؤقتة)، ببقاء القوات الأمريكية في العراق، كيف ترى مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق بعد ما سمي بالانتخابات العراقية الأخيرة؟</font><BR>في العراق استطاعت الولايات المتحدة أن تكبح جماح المقاومة الوطنية لنهاية العام الثاني من أعوام الاحتلال الأمريكي الممتد للعراق، وهو احتلال سوف يستمر لعدة سنوات قادمة، ولعل البرهان البسيط هو تلك التصريحات التي أعلنها كل من جلال طالباني (الرئيس المؤقت للعراق)، و(رئيس الحكومة المؤقتة) إبراهيم الجعفري عندما قالا: إنهما يعارضان الوصول إلى جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية في الوقت الحالي فلا شك أن طالباني والجعفري يستمدان وجودهما من سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق.<BR><BR>لقد خرج العراق تماماً من معادلات التوازن العربي الإسرائيلي، بل إن العلاقات الخاصة بين العراق وإسرائيل بدأت تتوثق ولا شك أن جلال طالباني يملك تاريخاً من التعاون الوثيق مع إسرائيل، بل إن هناك علاقات بين بعض رجاله وبصفة خاصة هوشيار زيباري والموساد الإسرائيلي، وقد أسهم جلال طالباني بغير شك إلى عودة بعض يهود العراق إلى كردستان العراقية بعد سنوات طويلة من الهجرة في إٍسرائيل وفي تمليكهم مساحات ممتدة من الأراضي الزراعية وبعضها في مناطق قريبة من الحدود العراقية السورية، حتى إن هناك محطة للموساد قد أقيمت في إحدى هذه المزارع منذ أكثر من عام كامل.<BR><BR>هذا إلى جانب التعاون في مجال النفط، وقد استغنت إسرائيل عن استيراد النفط أو الغاز من مصر أو من مصادر أخرى واستطاعت عام 2004م أن تشتري من العراق نفطاً قيمته 560 مليون دولار تلك كانت قيمة الصفقة، ولكنها اشترت النفط بسعر لا يتجاوز فيه سعر البرميل عشرة دولارات، بينما كان متوسط السعر في السوق العالمي ما بين ثلاثين إلى أربعين دولاراً في عام 2004م كأن العراق المحتل قد قدم معونة إلى إسرائيل خلال عام 2004م هذه المعونة تناهز واحد إلى واحد ونصف مليار دولار.. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن هناك انتشاراً للشركات اليهودية، سواء استظلت بالعلم الأمريكي أو عملت مباشرة في كثير من مشروعات الإعمار العراقية، وأخطر المشروعات التي يجري دراستها حالياً هو إعادة تشغيل خط نفط كركوك ـ حيفا عبر الأراضي الأردنية والخط الجديد المزمع إنشاؤه يبلغ قطر أنابيبه خمسة أضعاف القطر القديم بالخط الذي كان ممتداً قبل حرب 1948م.<BR><BR>وفي العراق هناك تصميم أمريكي على إقامة قواعد عسكرية دائمة، وهناك أعمال تتم حالياً في 14 قاعدة عسكرية أمريكية في العراق أخطرها التي تقام في البصرة وبغداد، وفي التليل قرب الناصرية وفي شمال العراق،وبصفة خاصة في أربيل وفي كركوك إلى جانب القواعد القائمة على الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية مثل قاعدة القائم، وهذه القواعد سوف تحتفظ الولايات المتحدة فيها بوجود مؤثر يشمل أساساً عناصر القوات الجوية والاستطلاع والمخابرات الاستراتيجية، وهذا الوجود سوف يتكامل مع الوجود الأمريكي في الخليج، ونحن نعلم أن للولايات المتحدة وجوداً عسكرياً لدى 11 دولة عربية أكثر من نصفها دول خليجية في الوقت الحالي.<BR><BR><font color="#FF0000">وماذا عن المستقبل السياسي في العراق؟</font><BR> التخطيط لمستقبل العراق يكرس قيام الفيدرالية، وترفض الولايات المتحدة قيام كيان وحدوي وثيق حتى بالرغم من تعيين جلال طالباني كرئيس مؤقت للعراق، فإن الولايات المتحدة قد حرصت في توزيع الوظائف بعد الانتخابات العراقية الأخيرة على تكريس مبدأ الطائفية الدينية، ووزعت المناصب بين السنة والأكراد والشيعة، وإن ظلمت السنة بغير شك.<BR><BR><font color="#FF0000">وماذا عن المقاومة العراقية؟</font><BR> المشكلة في الوقت الحالي أن المقاومة العراقية قد فقدت إلى حد كبير كثيراً من قدراتها ومن المساندة الوطنية لها في المدة الأخيرة، واستطاعت جماعات المرتزقة وبعض أجهزة المخابرات الأجنبية تشويه صورة الأعمال المناهضة للاحتلال.<BR><BR>وفي ضوء الانعزال التام بين عناصر المقاومة الوطنية في العراق وبين الدول العربية جميعها التي اتخذت موقفاًً براجماتياً من المقاومة فرفضت مساعدة المقاومة الوطنية في العراق أو الاعتراف بها أو فتح مكاتب لها في أية عاصمة عربية على الإطلاق ـ فإنها تتراجع بصورة مضطربة كما أن السنة بدؤوا يعانون من مخاطر تهميشهم في العملية السياسية الحالية في العراق لذلك فإن توسيع أسهم العناصر المتعاونة مع الولايات المتحدة يمضي على قدم وساق.<BR><BR>والوضع الحالي هو أسوأ وضع تعاني منه الأمة العربية منذ حرب 1967م والمسألة تحتاج أن تطرأ متغيرات قد لا نرى بعضها في الأفق، وقد نسرف في التفاؤل ونتصور أن بعض الدول العربية سوف تمضي في خطط الإصلاح إلى الحد الذي يعيدها إلى التأثير في الساحة العربية والساحة الدولية، ولكن هذه الأمور لا تزال قيد الأماني في الوقت الحاضر.<BR><BR><font color="#FF0000">تكلمتم عن فلسطين والعراق، كيف ترى تحرك الولايات المتحدة في المنطقة عموماً، هل ستميل الولايات المتحدة إلى عرقنة المنطقة كخيار متبع أو الصوملة كنموذج مطبق في المنطقة؟</font><BR>الولايات المتحدة تمضي لتفتيت الكيانات الكبرى في العالم العربي منذ زمن طويل ربما لم نتنبه نحن في مصر لذلك، ولم يتنبه العرب إلى ما يتعرض له السودان من تشتيت لعناصر وحدته الوطنية، ونحن نعرف أن اتفاقيات مشاكوس الأخيرة سوف تؤدي إلى فصل جنوب السودان واستقلاله عن الكيان الوطن الأم ذلك أن الجهد السوداني أو المصري أو العربي المطلوب لمنع هذا الانفصال لم يبدأ بعد ولا يبدو أن هناك تصميم وطني أو قومي على بدايته والجهود التي تبذل لجذب جارانج لإقامة علاقات قوية مع إسرائيل ومع الغرب مستمرة، وهناك في الوقت الحالي حرص على تذليل مشكلة دارفور، وهناك استعدادات تشارك فيها أرتيريا التي ساعدها العرب على الاستقلال ورفضت الانضمام لجامعة الدول العربية بضغط أمريكي.. هناك ضغوط في شرق السودان وبدفع من أرتيريا لكي تقوم حركة تمرد أخرى فتفتيت السودان يجري على قدم وساق والدور الأمريكي يغفل ما يدعيه بعض المسؤولين المصريين من وجود علاقات خاصة استراتيجية مع الولايات المتحدة مع أن هذه العلاقات هي مؤامرات أمريكية حقيقية على العمق الاستراتيجي لمصر فتفتيت السودان يمضي على قدم وساق هناك قانون يتم طرحه حالياً في الكونجرس بتحرير سوريا ولبنان وإسقاط نظام الحكم في كليهما وإقامة حكومة قوية جديدة معاونة مع الولايات المتحدة في كل من دمشق ولبنان على أن تكرر تلك الحكومة الطائفية بالشكل الذي وضح تماماً بعد الانتخابات العراقية الجديدة، فهناك رغبة في قيام فيدرالية في سوريا وأخرى في لبنان تضم كيانات ضعيفة متفرقة ولا تملك سياسة خارجية نشطة أو قوة دفاعية فعالة بحيث تنفرد إسرائيل بأنها أقوى الطوائف في منطقة المشرق العربي. <BR><BR>بل إنني أزعم أن هناك مخططات تآمرية قد تستهدف كيانات عربية كبرى أخرى في فترات تالية، وتحاول أن تتكلم عن المذهبية فيها وربما كانت السعودية هي المرشحة الأولى التي تتعرض لهذه المهازل في مدة قريبة قادمة إذا استمر الضعف الحالي في النظام الإقليمي العربي.<BR><BR><font color="#FF0000">من بعد تفجير مبنى الأمم المتحدة تقريباً في بغداد وحتى الانتخابات الأمريكية كانت الولايات المتحدة تعاني من مأزق حقيقي تتعرض له على يد المقاومة في العراق وفجأة بعد انتخاب بوش الجديد الثاني بدأت الأمور تتغير بصورة متسارعة ماذا حدث بالضبط؟</font><BR> لم تعان الولايات المتحدة من مأزق حقيقي في العراق هناك مبالغات من جانبنا هناك خسائر حقيقية واجهت الولايات المتحدة في العراق باعتبار أن العراق شعب له تاريخ وتعداد سكانه ليس صغيراً فكانت هناك مقاومة طبيعية للاحتلال وأشعل هذه المقاومة بصفة خاصة ذلك السقوط المزري للجيش العراقي في مواجهة قوات الغزو الأمريكي، والذي لم يكن مبرراً في الأسبوع الثالث بينما كانت هناك مقاومة نسبية في الأسبوعين الأول والثاني من الحرب كذلك كانت هناك إعداد مسبق من صدام حسين وحكومته لإدارة مقاومة طويلة المدى وثبت ذلك من خلال توزيعه لأكثر من 2 مليون قطعة سلاح على الشعب العراقي قبيل الغزو الأمريكي ومنها على سبيل المثال 30 ألف قطعة مقذوفات موجهة مضادة للدبابات فهناك استعداد مسبق كان قائماً لإدارة مثل هذه المقاومة وبدت هذه المقاومة وحاولت أن تحقق نجاحاً لكن هذه المقاومة تعرضت لضربات كثيرة منها مثلاً أن العالم العربي قد انعزل تماماً عن هذه المقاومة واعتبرها مسألة داخلية وقبل أن تسقط دولة عربية كبرى في براثن الاحتلال دون أن تكون هناك ممانعة عربية، بل إن هناك تسع دول عربية ساهمت بصورة أو بأخرى في دعم الغزو الأمريكي للعراق، سواء بإتاحة أراضيها أو بالمبالغة في التسهيلات العابرة لمياهها وأجوائها.<BR><BR>النقطة الثانية أن فئات كثيرة في الشعب العراقي وقفت موقفاً غريباً من المقاومة، وأخص بالذكر القيادات التقليدية للشيعة وعلى رأسها آية الله السيستاني فقد أعطت للتحالف مع الاتجاهات الموالية لقوات الاحتلال دوراً رئيساً، وتصورت أنها بوصولها للسلطة قد تصل إلى معدلات أفضل، وبخاصة بعد الحرمان الطويل من المشاركة في العملية السياسية منذ استقلال العراق في عشرينيات القرن العشرين، فكان موقف السيستاني ومن يوالونه من أبرز أسباب إضعاف المقاومة إضعافاً شديداً، وقد أدار بعض الصفقات خلال انتفاضة التيار الصدري مع الولايات المتحدة وبريطانيا لجذب الشيعة خارج دائرة المقاومة العراقية، وهو ما حدث بالفعل قبيل الانتخابات ببضعة شهور. <BR><BR>والعامل الثالث أن الشعب العراقي يعاني بالفعل من مشاكل كبرى نتيجة سوء الحالة المعيشية وتدهور الخدمات والبطالة الطاحنة، مما جعل الأغلبية من المواطنين تقبل مرحلة انتقالية كالتي يقبلها الفلسطينيون حالياً من التهدئة حتى نهاية عام 2005م قبل التفكير في استئناف الكفاح من أجل تحرير الأرض الفلسطينية، فذلك طبيعي بعد معاناة مريرة عانى منها العراقيون منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية مروراً بحرب الخليج الثانية وسنوات الحصار حتى الغزو هذه الأمور أدت كلها إلى تآكل درجة الممانعة لاستمرار التضحيات المريرة في داخل الأراضي العراقية.<BR><BR>ثم إن هناك نجاحاً للولايات المتحدة في جذب قيادات كثيرة كانت متذبذبة ما بين استمرار المقاومة أو الانضمام إلى جبهات الموالاة للحل الوسط في العراق واستطاعت الولايات المتحدة أن تحقق نجاحاً كبيراً في هذا الاتجاه.<BR><BR>إذن إعادة رسم الأوضاع في العراق لصالح الولايات المتحدة وبما يخدم عملاءها في تلك الدولة سوف يمضي وئيداً وبمقاومة محدودة ولن تتغير تلك المقاومة أو تقوى إلا إذا تغيرت الأوضاع الإقليمية العربية، أما غير ذلك فإن الولايات المتحدة توطد نفوذها تباعاً في العراق والمقاومة في محنة حقيقية في العراق في الوقت الحالي.<BR><br>