د. الصبيح لـ(المسلم): معارضو المشروع (الإسلامي) ألجؤوه للمصادمة
15 ربيع الثاني 1426

الدكتور عبدالله الصبيح أكاديمي سعودي ، متخصص في الدراسات الاجتماعية ، يعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، له حضوره البارز في المنشط السياسي والإعلامي .<BR><BR>( المسلم ) كانت له فرصة اللقاء بالدكتور والحديث معه عن بعض الهموم في الشأن السياسي السعودي . <BR><BR><BR><font color="#FF0000"> في حديث لك عن الديموقراطية قلت (التمييز بين المحتوى والوسيلة فيمكن أن نقبل الديمقراطية وسيلة للحكم ولاستطلاع رأي الشعب، ولكن أرى أنه ينبغي لنا أن نصوغ المحتوى الفكري، والقيم التي تحكمها بما يتفق مع قيمنا الإسلامية) </br> السؤال هنا هل ترى أنه يمكن ملء الفراغ الكبير الحاصل الآن بين المسارعة في ممارسة بعض التطبيقات الديمقراطية محلياً وتخلف المفكرين والمنظرين الإسلاميين عن وضع إطار مرجعي شرعي للديمقراطية - فلسفة واليات - كما تدعو إليه؟ وهل تكون النتيجة تكرار للنموذج الغربي مع تغييرات تخدم السياسي دون الفكري؟ </font><BR>التحدي الذي يواجه المسلم في المجال السياسي ولا سيما في جانب الحكم كبير جداً؛ لأن الحكم يقتضي توافق الأطراف المحكومة على صيغة يقبلون بها كي يتحقق الاستقرار، والاستقرار من أولى مقاصد الحكم.<BR><BR> ولأن القوى الاجتماعية في كثير من المجتمعات متباينة في مشاربها واتجاهاتها يصعب أحياناً الوصول إلى صيغة محددة متفقة مع الشريعة الإسلامية، ولا سيما أن بعض الأقليات المعارضة لا تمثل في معارضتها رأيها ومصالحها وإنما تمثل لاعباً غائباً حاضراً ولكنه يقع خارج الحدود.<BR><BR> فربما تجد أقلية لا تتجاوز نسبتها في المجتمع الخمسة في المئة ومع ذلك تجد لها رأياً معتبراً في قضايا مصرية تمس حياة الخمس والتسعين في المئة من المجتمع، والحق والعدل يقولان يكفي هؤلاء الخمسة في المائة أن يتحدثوا عن مصالحهم ويطالبوا بالمحافظة عليها أما أن يعطلوا مصالح الخمس والتسعين في المئة من المجتمع فهذا تعد سافر على حق الأكثرية. <BR><BR>الفراغ الحاصل بين المسارعة في ممارسة الديمقراطية وتخلف المفكرين الإسلاميين عن وضع إطار مرجعي شرعي ليس سببه في نظري تخلف المفكرين الإسلاميين ولكن سببه أن المشتركين في الديمقراطية شركاء متشاكسون مختلفون لا يجمعهم إطار مرجعي واحد، ومما يقوي هذا التشاكس أن بعضهم مدعوم من جهات أجنبية يستقوي بها على الأكثرية، وهذا هو ما يؤخر المشاريع الإسلامية في نظري، ويجعل بعض الحلول المطروحة ضعيفة في محتواها الإسلامي أو لا تفي بآمال وتطلعات الأكثرية المسلمة.<BR><BR>وأقول لهؤلاء الذين يعيشون مثل هذا الوضع عليهم أن يتقوا الله بمقدار ما يستطيعون في ممارستهم الديمقراطية، وعليهم أيضاً ألا ينكفئوا على أنفسهم، بل عليهم أن يخوضوا غمار العمل السياسي ناخبين ومرشحين ولا يكفوا عن المطالبة بحقوقهم، أما إذا أعرضوا فيصدق فيهم قول الشاعر:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">ويقضى الأمر حين تغيب تيم</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>ولا يستأمرون وهم شهود</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>أما فيما يتعلق بما ورد في المقال المشار إليه، فقد ميزت بين الديمقراطية من حيث هي وسيلة ومن حيث هي محتوى فكري. وقلت: إننا يمكن أن نستفيد منها من حيث هي وسيلة فليس فيها ما يتعارض مع ديننا، بل إننا نجد شواهد مشابهة للعملية الديمقراطية في تاريخنا كالذي حصل في بيعة عثمان _رضي الله عنه_ وكان عبد الرحمن بن عوف يستشير حتى النساء في المدينة. تأمل هذا النص عند ابن كثير في البداية والنهاية: "ثم نهض عبد الرحمن بن عوف _رضي الله عنه_ يستشير الناس فيهما (أي في عثمان وعلي _رضي الله عنهما_) ويجتمع برؤوس الناس وأجنادهم جميعاً وأشتاتاً مثنى وفرادى ومجتمعين سراً وجهراً حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن وحتى سأل الولدان في المكاتب وحتى سأل من يرد من الركبان والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليها فلم يجد اثنين يختلفان في تقديم عثمان...".<BR><BR>إذن استطلاع رأي الشعب وأخذ رأيهم فيمن يتولى أمرهم أمر مشروع طبقه المسلمون. أما أن يكون للشعب الحق في التشريع فهذا مما لا نقره لمخالفته للإسلام، فالله _عز وجل_ يقول: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" (الأنعام: من الآية57).<BR><BR>ويبدو لي أن كل مجتمع يستطيع أن يطور في آليات الديمقراطية بما يتفق مع قيامه ومصالحه، ومعلوم أن أعظم ما يؤثر في رأي الناخب في الديمقراطية الغربية الدعاية والإعلام وهذا يحتاج مالاً ضخماً. ولهذا فصاحب المال هو الأوفر حظاً في الفوز في الانتخابات، وليس الأكفأ والأقدر، وسبب تأثير الدعاية هو جهل الناخب بالمرشح.<BR><BR> وأحسب أن معالجة مسألة الإنفاق المالي بتقليلها ومعالجة مسألة الدعاية بخفضها مما يساهم في نجاح العملية الديمقراطية فييسر وصول الأكفاء إلى مجالس الحكم العليا كمجلس الشورى. ومن سبل المعالجة التي قد تكون فعالة تصغير الدائرة الانتخابية إلى المستوى الذي يعرف فيه جميع المشاركين جميع المرشحين فتكون على مستوى الحي مثلاً والناجحون في هذا المستوى يقسمون إلى أقسام أخرى فينتخبون من بينهم من يشارك في مجلس الشورى أو المجلس البلدي.<BR><BR><font color="#FF0000"> هل ترى أن هناك خصوصية محلية للممارسة الديموقراطية؟ </font><BR>إجابتي على السؤال السابق كانت عن الديمقراطية بصورة عامة، أما عن مجتمعنا المحلي وهو المجتمع السعودي فأرى أن له خصوصية في العمل الديمقراطي بمعنى أن أهم ما نعترض عليه في الديمقراطية ليس موجوداً في السعودية.<BR><BR>إن الاعتراض الأكبر على الديمقراطية هو أنها تجعل الشعب مصدر السلطات فتشرع باسم الشعب. وهذا ليس موجوداً فيما يظهر لي في السعودية؛ لأن النظام الأساسي للحكم نص على أن مصدر التشريعات هو الإسلام وأي نظام يصدر مخالفاً للشريعة لا يعتد به. فيفترض في مجلس الشورى وغيره من المجالس ألا يناقش حكم مسألة فيصدر فيها قراراً معارضاً للشريعة، وإذا فعل ذلك فمن حق أي عضو أن يحتج على ذلك بل من حق كل فرد في المجتمع أن يعترض وعلى الهيئات التشريعية في البلد كهيئة كبار العلماء والمحكمة العليا، أن تعترض وتصدر ما ينقض قرار مجلس الشورى. <BR><BR>لهذا أرى أن ممارسة الديمقراطية في السعودية تختلف عن ممارستها في مكان آخر، وعلى ممارسيها في السعودية أن يلاحظوا هذه الخاصية ويفعلوها.<BR>هذا كان واضحاً من خلال النظام الأساسي للحكم ومن خلال نظام مجلس الشورى ولكن مما يعكر على ذلك ما صدر أخيراً من كف يد القضاء الشرعي عن النظر في القضايا الإعلامية وإحالتها إلى لجنة في وزارة الإعلام.<BR><BR><font color="#FF0000"> في تعليقك على الانتخابات البلدية بالرياض قلت (لقد نجحنا جميعا في درس الانتخابات) ألا ترى أن في هذا الكلام مبالغة وعاطفة تخلو من النقد المعمق؟ </font><BR>لا أظن أن قولي في مقال عن الانتخابات البلدية "لقد نجحنا في الانتخابات" هو من قبيل المبالغات والعاطفية ويخلو من النقد المعمق كما ورد في السؤال.<BR><BR>لا شك أن الانتخابات فيها رابح وخاسر والعملية الانتخابية برمتها قد تكون ناجحة وفاشلة، وهذا ما أردته بقولي: "لقد نجحنا في الانتخابات" لقد قلت: إن المجتمع بجميع فئاته وأطيافه نجح في الانتخابات؛ لأنها كانت تتسم بشفافية عالية والكل رضي بنتيجتها. نحن نعلم أن مجتمعنا قبلي لم يجرب الانتخابات من قبل وكنا نظنه سوف يتعامل معها كما تتعامل مجتمعات أخرى حديثة في العملية الديمقراطية، ولذا فهي تزور في النتائج وريما اختطفت بعض القوى الاجتماعية الصندوق فعبثت بما فيه من الأوراق. <BR>إن ما حصل عندنا يماثل أعرق المجتمعات ديمقراطية لما اتسم به من الشفافية والانضباط ورضا الناخب بنتيجة الصندوق أياً كانت.<BR><BR> إن هذا نجاح للعملية الانتخابية بغض النظر عمن فاز فيها وهو نجاح للعملية الانتخابية لأنها أثبتت أن المجتمع كان أصيلاً واعياً بهويته فاختار من يمثلون هذه الهوية.<BR><BR><font color="#FF0000"> لا يمكن لأحد أن تفوته التغييرات (الدرامية) لمجتمعنا المحلي سواء في الممارسات الاجتماعية أو في سلوكيات الإعلام أو الطرح الثقافي في السنوات الأربع الأخيرة. كثيرون يرون في دلك إيغالاً في البعد والتشتت وإهدارا للمنجزات (الدعوية) التي بنيت على مدى سنوات. ما رأيك أنت؟ </font><BR>لا شك أن بعض الممارسات مزعجة لمنافاتها للتعاليم الإسلامية ومن ذلك طعن بعض الكتاب في بعض القيم الإسلامية أو بعض المؤسسات الإسلامية كالمؤسسات الخيرية أو بعض الأنشطة الخيرة كحلقات تحفيظ القرآن الكريم. هذه التصرفات مما يقلق العقلاء ويثير حفيظة الشباب المتقد حماسة. <BR><BR>والمسلم موقن بانتصار دين الله _عز وجل_ وبأن العاقبة للمؤمنين. والأحداث أظهرت أن في المجتمع تناقضاً كبيراً فبينما نرى أن عامة الشعب صوت في الانتخابات البلدية لرجال أخيار فضلاء في جميع مدن المملكة وقراها نجد في المقابل الذين صوتوا في برنامج ستار أكاديمي معظمهم من المملكة.<BR><BR>إن التغيرات التي تمر بها البلاد والمشار إليها في السؤال ومنها التغيرات الاجتماعية تتطلب من الدعاة أموراً، منها:<BR>1- الاتصال بجميع فئات المجتمع وجميع مناطقه وأريافه فبعض المناطق يكثر فيها الجهل وتنتشر فيها الخرافة ويحتاج أهلها إلى من يعلمهم أمور دينهم.<BR>2- تطوير البرامج الاجتماعية.<BR>3- العناية ببرامج اللهو المباح وتطويرها بحيث ترضي أذواق الناشئة وتنشئهم على الفضيلة بدلاً من أن تستهويهم الفضائيات الإباحية وبرامج الفتنة.<BR>4- المشاركة في جميع أنشطة المجتمع ومؤسساته فالعزلة خاطئة ومضرة بأصحابها وينشأ عنها انحرافات فكرية خطيرة.<BR>5- تنشيط الحوار بين طلبة العلم والعلماء والمفكرين إما من خلال المنتديات أو الصحافة سواء ذلك من أجل تطوير الأفكار الصالحة وتصحيح الأخطاء وتنشيط الاجتهاد في النوازل.<BR><BR><font color="#FF0000"> الصدمات القوية التي تعرض لها الخطاب الإسلامي والممارسة الدعوية نتيجة الضربات المتلاحقة على أصعدة شتى سياسياً وفكرياً وإعلامياً، إلى متى برأيك تستمر؟ ومتى يعود للتيار الإسلامي توازنه بعد هده الصدمة ويستعيد قوته ويستأنف نشاطه؟ وهل سيعود بخطاب جديد بدت ملامحه من الآن؟ وهل سيكون الخطاب الجديد غالباً ومهيمناً على حساب الخطاب القديم؟ </font><BR>برز الهجوم على الخطاب الإسلامي في السنوات الأخيرة؛ لأن تيار الصحوة بدأ ينافس في مجالات لم يكن ينافس فيها من قبل فالضربات الموجهة للخطاب الإسلامي هي محاولة من الباطل للدفاع عن معاقله، ولهذا لا أظن أن الهجوم على الخطاب الإسلامي سوف يتوقف إلا إذا تراجع الخطاب الإسلامي ورضي بالزاوية التي كان محاصراً فيها من قبل.<BR><BR>ويجب ألا ننسى أن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله في الحياة، والذين يريدون حقاً لا صراع فيه وديناً لا خصوم له هم واهمون في الحقيقة، وصدق الله _عز وجل_ في قوله: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" (البقرة: من الآية120).<BR><BR>وأما السؤال عن التوازن وقولك متى يعود للتيار الإسلامي توازنه بعد هذه الصدمة؟ فأجيب بأن الخطاب الإسلامي لم يكن متوازناً من قبل بل كان محصوراً في زوايا ضيقة حددها له معارضوه ورضوا منه بأن لا يتجاوزها ولهذا سالموه، ولكن لما أراد أن يتجاوز هذه الزوايا الضيقة فيخوض في المجال السياسي والاجتماعي وشؤون المسلمين العامة تعرض لهذه الصدمات التي أشرت إليها. إن الخطاب الإسلامي بخوضه في المجالات الجديدة يحاول أن يكون متوازناً.<BR>أما ملامح الخطاب الإسلامي القادمة فقد تحدثت عنها كما أراها في مقال نشره موقع الإسلام اليوم ثم أعاد الموقع نشره في المجلة التي تصدر باسمه في العدد الخامس، وقد أشرت إلى بعض هذه الملامح في الإجابة على السؤال السابق.<BR><BR><font color="#FF0000"> كيف تقرأ مستقبل الحركات المسلحة في البلد؟ وهل ترى أن المبررات الفكرية لوجودها قد زالت؟ </font><BR>لا شك أن الدولة حققت نجاحات ملموسة على الحركات المسلحة، ولكن هل هذه النجاحات منهية للعمل المسلح؟ أشك في ذلك! ومصدر شكي هو أن الظروف الداخلية والظروف الخارجية التي ساهمت في نشأة العمل المسلح لا زالت كما هي. <BR>فاحتلال العراق وأفغانستان والهجوم الغربي على العالم الإسلامي واتخاذ الهجوم مساراً آخر، حيث ظهر في شكل حرب دينية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية فتتدخل في مناهج التعليم والمدارس القرآنية والتركيبة الاجتماعية والتشريعات ووضع المرأة، كل هذا يؤجج الصراع ويوجد البيئة التي ينشأ فيها العمل المسلح.<BR><BR> وكذلك الظروف الداخلية من حيث تأخر الإسلامي ومنع حرية الكلمة الذي يمارس باسم وزارة الشؤون الإسلامية ومنع أساليب التعبير الاجتماعية، وقد وردت الإشارة إليها في مؤتمرات الحوار الوطني جميعها تقريباً وكذلك انتشار البطالة، هذه البيئة حينما تتفاعل مع البيئة الخارجية التي أشرت إليها تنشأ ظاهرة العنف المسلح وتنشأ بيئة صالحة لتجنيد الشباب لأعمال العنف.<BR><br>