د.أنور هدام:التياران الإسلامي والوطني في خندق واحد
26 جمادى الثانية 1427

حاوره من الجزائر: عبد الحق بوقلقول<BR>لعل أهم حدث سجلته الساحة الجزائرية في الأشهر الأخيرة كان هذا التغيير الذي طال رأس الجهاز التنفيذي في الحكومة إذ أن قرار تعيين السيد عبد العزيز بلخادم في منصب رئيس الحكومة خلفا للسيد أحمد أويحيى، و الذي و إن كان منتظرا منذ مدة طويلة بما أن هذا الأخير هو ببساطة رجل ينتمي إلى المعسكر المعادي للمصالحة الوطنية على الرغم من أنه كان قد انتبه مؤخرا إلى ضرورة أن يغير قليلا من نبرة خطاباته و محاولة جعلها متماشية مع الإستراتيجية العامة للرئيس بوتفليقة، فإن وصول بلخادم هو بكل المعايير انقلاب هز أعلى سلم القوى بين دعاة المصالحة و خصومهم من التيار الاستئصالي الذي ما زال تأثيره على الساحة السياسية الجزائرية وضاحا بشكل لا يختلف فيه اثنان.<BR>عبد العزيز بلخادم هو رجل من التيار الذي تسميه منابر الإعلام الإستئصالي عندنا "الملتحي الأنيق" بمعنى أنه "إسلامي في ثوب قومي" و هذه الصفتان بالضبط هي دوافع الحملة التشويهية الشرسة التي بات يتعرض لها هذا الأخير من قبل هؤلاء و ليس غريبا في مثل هذه الظروف أن نلحظ أن إحدى هذه "الإدعاءات" تقول أن بلخادم سوف يبذل قصارى جهده في سبيل إعادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الساحة السياسية في الجزائر بعد أن بذل الإستصاليون كل وسعهم لأجل منع مثل هذا الأمر من الوقوع.<BR>و في سبيل تسليط مزيد من الضوء على ما تعنيه هذه التطورات الأخيرة و ما قد تأتي به الأيام القادمة، اتصلنا بالدكتور أنور نصر الدين هدام، القيادي المعروف في الجبهة الإسلامية و المقيم حاليا في العاصمة الأمريكية واشنطن لأجل أن نستطلع رأيه مما وقع و ما قد يقع فكان له معه الحوار.<BR><font color="#ff0000"> الدكتور أنور نصر الدين هدام، السلام عليكم و رحمة الله<BR>لنبدأ من آخر التطورات. لقد سارعتم إلى إصدار بيان باركتم فيه تعيين السيد عبد العزيز بلخادم على رأس الحكومة خلفا لأويحيى، هل يعني موقفكم هذا أن الأخير كان المسئول عن تعطل تحول مشروع المصالحة إلى واقع؟ </font> <BR>و عليكم السلام و رحمة الله، بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، و بعد، من الناحية المبدئية نحن لا نتعامل مع الحدث باعتبار الشخص و ذاته، وإنما نحن نقيم الأمور وفقا للبرامج ووفقا للرؤية الاستراتيجية التي يتبناها كل شخص وكل مؤسسة. فلو كان أويحيى ماضيا قدما كما أوعد في مسار المصالحة الوطنية الحقيقية، ويجعل نفسه في خدمة المصالح العليا للوطن والأمة وذلك باحترام ثوابتها وحماية وحدتها الوطنية لما كانت لنا معه مشكلة. أما وأن الرجل يستغل الوضع الذي كان فيه من أجل عرقلة كل الخطوات والمشاريع سواء في شقها السياسي أو شقها الاجتماعي أو شقها الاقتصادي أو في علاقات الجزائر مع محيطها العربي و الإسلامي فهذا هو موطن الداء وأصل المشكلة.<BR>فالمناصب العليا في الدولة ليست ملكية شخصية نتصرف فيها بالهوى والمزاج ولكنها تمثل المصالح العليا للوطن ونعمل فيها بتفويض من الشعب.<BR>أما السيد بلخادم فمعروف بأطروحته التي تعتبر الأزمة الجزائرية أزمة ذات طابع سياسي، ويجب أن تعالج بشكل سياسي وليست مجرد أزمة أمنية، كما انه يتبنى خطاب المصالحة في الشكل والمضمون وهذه النقاط الايجابية نجد أنفسنا ملزمين بدعمها وتعزيزها في المشهد السياسي الوطني حتى يستعيد توازنه.<BR>ولذلك فإن دعمنا لخطوة تعيين بلخادم كرئيس للحكومة، أمر منطقي ينسجم مع قناعاتنا ورؤيتنا للازمة بكل أبعادها، وجاءت في سياق مبادراتنا المستمرة لدعم كل خطوة ايجابية مهما كان الطرف الذي صدرت منه. نأمل أن يتسم عهد السيد رئيس الحكومة الجديد بالقطيعة الفعلية مع ممارسات الماضي... نحن نتفق أن الطريق نحو تخليص البلد من الفساد و تحرير مفاصل الحكم من قبضة المفسدين و استعادة السيادة للشعب وحقه في تقرير مصيره... الطريق نحو دولة القانون واحترام مؤسسات الدولة ... طريق طويل و صعب و شاق... لكننا نرى إبعاد أحد رموز الاستئصال و تعيين بدله أحد أبرز رموز المصالحة خطوة إيجابية يجب أن تُثمن و تُعزز بمزيد من الخطوات المشابهة في اتجاه السليم.<BR><font color="#ff0000"> كثير من المراقبين اعتبر هذا الدعم عبارة عن مؤشر لوجود صفقة سياسية بينكم وبين جناح المصالحة داخل السلطة؟</font> <BR>المسألة ليست مسألة صفقات بقدر ما هي مسألة واجبات لإحداث انفراج في المناخ السياسي ودعم جبهة التيار الوطني الإسلامي حتى تساهم في رفع الغبن عن الشعب ومباشرة الإصلاحات الضرورية في جميع المجالات. فإن تمت صفقة فهي بين جميع القوى المؤمنة و المتشبعة بثقافة التعددية الحزبية... <BR><font color="#ff0000"> ولكن ورد في بيانكم عبارات قوية مثل قولكم:" إننا نؤكد للأخ رئيس الحكومة المكلف أنه يحظى بمباركة ومساندة كافة القوى التوّاقة لحدوث مصالحة وطنية حقيقية" مما يدل على أنه دعم غير مسبوق في تاريخ خطابكم السياسي؟ </font><BR>نحن كمسلمين نرفع راية القرآن ونريد أن نتمسك بأخلاق النبوة... لسنا عدميين، ولسنا من الناس المرضى بأسلوب المعارضة من أجل المعارضة... المعارضة الغارقة في النظرة السوداوية لكل شيء. هذا ليس من أخلاق القرآن و لا من تعاليم النبي المختار، عليه أفضل الصلوات و التسليم، بل علينا دائما أن نزن بموازين العدل والقسطاس المستقيم... ولا نجعل الناس كلهم في سلة واحدة فليس كل من تقلد منصبا في الحكومة أو الوزارة هو استئصالي أو لعبة في يد الاستخبارات أو متآمر على الشعب. هذا منطق عدمي وسوداوي لا ينسجم مع تربيتنا وقناعاتنا وأخلاقنا. <BR>فالجزائر فيها رجال وفيها أهل الكلمة الصادقة وفيها من يؤمن بالتغيير و الإصلاح في كل المستويات سواء داخل السلطة أو في المعارضة، ودورنا هو دعم وتشجيع هؤلاء ومساندة الخطوات الايجابية ومباركتها فهذا من أخلاق النبوة، وفي نفس الوقت، إنكار المنكر والتحفظ على ما نراه يخالف المصالح الإستراتيجية للوطن، ولا يخدم مكانة شعبنا بين الأمم لأن ذلك أمانة، ونحن إن شاء الله لن نخون أمانتنا.<BR>ورؤيتنا أننا إذا لم ندعم أهل الخير ونشد على أيديهم ونشجعهم على المضي قدما في الطريق الصحيح وتحمل الصعاب والعوائق الكثيرة فإننا سنتركهم وحدهم في الميدان يصارعون غلاة الاستئصال وغلاة التغريب وهذا عمى سياسي لا يليق بمؤمن يرفع راية الصحوة الإسلامية. <BR>انظر ... أنا لا أحب لغة الخشب: الأخ رئيس الحكومة الجديد و مجموعته يعلمون جيدا أنني لست عضو في حزب جبهة التحرير الوطني، فلنا تصور متميز لتحقيق جميع جوانب العدالة الاجتماعية لشعبنا... كما أنهم يعلمون أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ إنما هي من تراثي و لا يسعهم لا هم و لا غيرهم تغيير ذلك... كما أنهم يعلمون أنني أتحمل المسؤولية الكاملة لما قمت به في إطار الجبهة الإسلامية من معارضة شرسة ضد الانقلابيين الذين صادروا حق الشعب في الاختيار... هؤلاء الإستئصاليين المجرمين الذين عانى الشعب على أيديهم الويلات ... و الأخ رئيس الحكومة الجديد يعلم شخصيا أنه لم تكن لي يد في المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية، كما أننا لم نستغل يوما الدين لأغراض مكاسب سياسية ... فنحن لم نتسبب في المأساة الوطنية إذ أننا بوضوح شديد، وقفنا ضد الانقلاب و نتحمل مسؤولية ذلك... و منه مطلبنا في استعادة الحقيقة و تحديد المسؤوليات ... الحقيقة من منظورنا هي أننا، كسياسيين ذوو مرجعية إسلامية ـ من غير أن يُفهم من هذا أنا ندعي احتكارا للإسلام ـ قدمنا أنفسنا للشعب كأحد البدائل المجتمعية ... و اختارنا الشعب في إطار انتخابات حرة تعددية رفضت نتائجها أقلية من التيار العلماني المتطرف و المحارب للإسلام... و كانت المأساة الوطنية... <BR>المهم أنا و من معي ـ و أحسب أننا لسنا بالقلة ـ نريد التركيز على المستقبل... والأستاذ بلخادم يعلم ذلك، ويعلم أننا نريد العمل مع باقي القوى الوطنية بمختلف توجهاتها العقدية و الفكرية و السياسية من أجل نشر ثقافة المصالحة و قبول الرأي الآخر المخالف ... حتى داخل الصف الإسلامي... فهو يعلم أن مطلبنا المبدئي في إطلاق الحريات وفتح المجال السياسي بما فيه استرجاع حق الجبهة الإسلامية في الممارسة السياسية العلنية فوق أرض الوطن...<BR><font color="#ff0000"> لكن دكتور أنور، عن أية جبهة إسلامية تتحدثون و هي التي انشطرت إلى تيارات عديدة ؟ </font> <BR>الخلافات الداخلية ليست بدعا بالنسبة لحزب مُنع من حقه في الممارسة العلنية من فوق أرض وطنه منذ قرابة خمسة عشر سنة...ثم أنظر إلى وضع باقي الأحزاب الوطنية... <BR>زد على ذلك، إن مطلبنا المبدئي لفتح المجال السياسي لا يعني بالضرورة أنني أرغب شخصيا أن أمارس العمل السياسي في إطار الجبهة الإسلامية في المستقبل عندما تستتب الأمور...أي في الظروف العادية، عندما يحل السلم و الإستقرار و في إطار دولة القانون أين يحترم الجميع مؤسسات الدولة والمنافسة الشريفة. بالنسبة إلينا فإن العملية السياسية إنما هي تخضع لتصور متكامل لعملية الإصلاح والتغير والتحسين من أوضاع المجتمع. كما أن التعددية السياسية وحق التنافس و التميز حق طبيعي و شرعي فضلا على أنه ظاهرة حضارية.<BR>إذا، نحن نمد يدنا إلى جميع القوى الوطنية بما فيها ذات المرجعية الإسلامية من أجل تغيير ما يسمى بالتوازنات الوطنية لترجيحها لصالح البلاد و العباد. <BR><font color="#ff0000"> وهل ترى أن بلخادم قادر على تحقيق ما فشل فيه غيره؟</font><BR>ليس هناك تغيير يقوم به شخص بمفرده! ومن يتصور هذا، فهو أحمق بلا شك &#8252; لا بوتفليقة ولا بلخادم ولا أنور هدام ولا غيره. التغيير هو مسار متكامل لعشرات الجهود وعشرات الإمكانات، تتضافر فيما بينها لتصنع ظروفا جديدة. والتيار الإسلامي الأصيل، الذي لم يتورط في لعبة السياسة السياسوية، يجب ان لا يترك فراغا في الساحة يملؤه قاصرو النظر وضعاف النفوس أو الأشخاص الذين يتميزون بالشطط وسوء تقدير الأمور. إن بلخادم ليس إلا شخصية ترمز للتيار الوطني الذي أثبتت الأيام أنه يملك مبادئ يتمسك بها وغير مستعد للتنازل عنها، ونحن مطالبون بتعزيز جبهة التيار الوطني و الإسلامي لأنهما، أولا و أخيرا، في خندق واحد.<BR><font color="#ff0000"> هل نفهم من هذا الكلام أن الظروف التي أجلت عودتكم إلى الجزائر قد زالت؟ بمعنى أن عودتكم قد أضحت وشيكة؟</font> <BR>عودتي مرتبطة بقرار سياسي شجاع، ومراكز القوى غير الدستورية في الجزائر لا تزال تعكر صفو المناخ العام باشتراطات غريبة، وقد صدرت مقالات في بعض الصحف الإستئصالية تعتبر عودتي دليلا على فشل المواجهة التي تمت مع التيار الإسلامي، وهذا موقف غريب يعكس مدى تورط التيار التغريبي الاستئصالي في الجزائر في الحرب القذرة التي لا يريدها أن تضع أوزارها، ويسعى لتغذيتها بكل ما أوتي من قوة. إن التغريبيين، مثلهم مثل الخفافيش، يعيشون في الظلام، ويغذون أنفسهم من دماء الشعب، وما نبأ السرقات الخطيرة ونهب المال العام عنا ببعيد وقد تورط فيها رموز الاستئصال.<BR>إننا نأمل أن تستعيد مؤسسات الدولة الجزائرية المبادرة وتزول جميع العقبات أمام استعادتنا لحقوقنا الوطنية على قدم المساواة وبعيدا عن السياسات الاستعمارية، سياسات الكيل بمكيالين، وسياسات تصنيف المواطنين إلى طبقات ودرجات، مواطن درجة أولى يتمتع بكل الحقوق ومواطن درجة ثانية لا يتمتع بكل حقوقه. وهذا أمر نرى أنه يتعارض مع مفهوم المصالحة الوطنية الحقيقية وينسجم مع مفهوم المصالحة الإستئصالية التغريبية. أما أنا فمنذ مدة على أهبة الاستعداد للعودة للوطن متى تستعيد المؤسسات السياسية والهيئات القانونية صلاحياتها الدستورية.<BR><font color="#ff0000"> هل من كلمة أخيرة لكل قرائنا ؟</font><BR>أشكركم على إتاحتكم لي هذه الفرصة، وأتمنى لكم التوفيق في رسالتكم الإعلامية وفي مناصرة جميع القضايا العادلة في الوطن الإسلامي خاصة وجميع المستضعفين في الأرض، وإننا سوف نواصل بإذن الله و عونه مد يدنا لكل من يسعى لتستعيد الجزائر عافيتها و شعبنا حقه في تقرير مصيره. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ويجعلنا عونا لكل مؤمن غيور على دينه. بارك الله فيكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. <BR><BR><br>