أ. الفواز: مليون ونصف مؤسسة خيرية في أمريكا.. ومؤسساتنا يحاربها الجميع
30 محرم 1428

أجرى الحوار:رئيس التحرير<BR><font color="#ff0000">أمام ما يواجه العمل الخيري الإسلامي من حرب خارجية بحجة (الإرهاب) ومحاولة لرفع مستوى الوعي الخيري لدى المهتمين والمتابعين لهذا الشأن، التقى موقع (المسلم) بالأخ الأستاذ خالد الفواز (الأمين العام للمنتدى الإسلامي)، وحاوره حول العمل الخيري الإسلامي، وسبل النهوض به، والمعوقات التي يلاقيها خارجيا بفعل اتهامات الغرب للمنظمات الخيرية الإسلامية بالإرهاب وداخليا من خلال العديد من المفاهيم والمعطيات الخاطئة عنه، وعقد الأستاذ الفواز مقارنة بين حجم ونشاط العمل الخيري في بلادنا الإسلامية والغرب، وكشف النقاب عن غياب بعض المفاهيم الصحيحة لدى كثير من العاملين والشعوب عن العمل الخيري ودوره.<BR><BR><BR>أستاذ خالد، الواقع الذي نعيشه يفرض علينا بدء الحوار من نقطة أساسية، وهي أن القطاعات العامة في عالمنا الإسلامي باتت تصنف كثلاثة قطاعات، هي: القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع الخيري، هل هناك محددات واضحة فيما تراه من مجتماعاتنا تتجسد فيها مثل هذه الرؤية؟ وهل هناك تكامل حقيقي بين هذه القطاعات الثلاث بما يعزز من تنمية المجتمع؟ </font><BR>أولاً دعني أرجع للوراء كثيراً _لا قليلاً_، وأنطلق من علمنا أنه في تاريخنا الإسلامي وفي أوج قوة الحضارة الإسلامية، كانت تلك الدولة تُعنى بمجالات محدودة في المجتمع، وهي القضاء والشرطة والجيش كأشياء رئيسية، بينما كانت تقوم بقية احتياجات المجتمع على الأوقاف، وهو ما نسميه (القطاع الخيري) في مصطلح هذا الزمان. وكانت المجتمعات في تلك الفترة تعيش حالة التنمية بالمشاركة، وهذا الأمر استمر قروناً طويلة حتى نهايات العصر القديم، وبداية العصر الحديث الذي نعيشه، عندها بدأت مجتمعاتنا تتحول إلى مجتمعات شمولية، وكل ما يقدم صار يقدم عن طريق الحكومات، ما أدى إلى ضعف في مستوى هذه الخدمات، وغياب الدور الأهلي أو الدور الشعبي في المشاركة الاجتماعية، هذه السمة هي سمة للحقبة الماضية، لكن الحقبة القادمة والله أعلم ينتظر أن تقوم على مشاركة القطاعات الأخرى مع القطاع الحكومي.<BR><BR>وفي المجتمعات المسلمة برز دور القطاع الخاص بشكل كبير، وله دور تنموي، لكن القطاع المأمول أن يكون الأكثر حيوية كونه الأكثر أهمية هو القطاع الخيري، والذي لا يزال ضعيفاً، ونحن في بلداننا حين نتحدث عن العمل الخيري يدور حديثنا فقط عن جمعيات ومؤسسات خيرية فقط، ولا نتوسع لنشمل تلك المنظومة المتكاملة من منظومة القطاع الخيري، وهذا أمره يجانب الصواب. ولذلك أظن أن أي تنمية حقيقية لا تفعل هذه القطاعات الثلاثة ولا تتعامل معها تعامل المشاركة والوحدة في الهدف؛ فإنها ستكون تنمية ناقصة، بل إن بعض الدراسات التي أجراها البنك الدولي وقام بها خبراء ومختصون، خرجت بنتيجة هي: أنه للحكم على أي مجتمع من حيث الواقع التنموي يجب النظر إلى القطاع الأهلي أو القطاع الخيري أو ما يسمى بالقطاع الثالث، ونستطيع أن نحكم على مستوى التنمية في هذا المجتمع بالنظر إلى هذا القطاع، فإن كان متقدماً وقوياً فهذا يشير إلى أن المجتمع قوي، يسير باتجاه تحقيق أهدافه التنموية، وإن كان ضعيفاً فإن هذا المجتمع بالضرورة يعاني من ضعف في عملية التنمية، وبالتالي لن يتمكن من تحقيق التنمية وأهدافها في غياب الدور الحقيقي والقوي للعمل الخيري.<BR><BR><font color="#ff0000">لعلك تشير بشكل تلميحي إلى أن النظرة السائدة لدى كثير من الناس في عالمنا الإسلامي، وربما لدى بعض العاملين في القطاع الخيري أنفسهم والتي مفادها "أن العمل الخيري يؤدي مهمة مؤقتة ويحل مشكلات تتعلق بالتقصير في العمل الحكومي"، بما يتخلف عن فهم يعتبر أن العمل الخيري هو تكميلي أو معالج لنقص في الأداء الحكومي لا غير، وأنه طالما كان هناك سداد وقوة وتفعيل من الجانب الحكومي فلن تكون هناك حاجة للعمل الخيري، هي نظرة خاطئة، والصواب أن يتنامى أداء العمل الخيري ويصل إلى مستوى ربما يضاهي أو يفوق العمل الحكومي؟ </font><BR><BR>بلا شك وأقول: إن قدرة القطاع الخيري على تحقيق أهدافه أكبر من قدرة القطاع الحكومي، ولو وضعناهما كفرسي رهان في تحقيق أهداف مشتركة بينهما؛ فإن القطاع الخيري سوف يحقق هذه الأهداف بأعلى من كفاءة القطاع الحكومي، وذلك لأمور منها: مرونة هذا القطاع، وقدرته على الحركة، واعتماده على المشاركة الشعبية والتطوعية، والتفاعل الشعبي معه، وكل هذه الأشياء تؤدي إلى نجاح أكبر له عن نظيره الحكومي، لكننا نعاني في الحقيقة من خلل في المفاهيم الخاصة بقدرة هذا القطاع ودوره التنموي، وقصور في الأداء حتى من داخله نفسه حيث يتسلل هذا الخلل إلى بعض عامله أنفسهم عبر نظرتهم السلبية إلى عملهم والدور المنوط، أو من حيث نظرة المجتمع، ونظرة الثقافة السائدة في هذا المجتمع التي تؤثر في الفهم الصحيح للقطاع الخيري، وفي مقابل ذلك نأخذ على سبيل المثال أوروبا، حيث ينظر له على أنه قطاع حقيقي قوي مؤثر، بل إن الوحدة التي حدثت بين القطاعات الخيرية في أوروبا سبقت الوحدة الأوروبية السياسية، وهذا يدل على قيمتها في أوروبا وحظوظها التنموية.<BR>أنا بين يدي الآن تقرير عن قطاع نيوجيرسي اللاربحي، يوجد به أرقام هائلة فيما يخص العمل الخيري،ونيوجيرسي إحدى ولايات الولايات المتحدة لا أتوقع أن يزيد عدد سكانها عن سكان المملكة العربية السعودية، ويوجد بها أكثر من 25 ألف منظمة لاربحية، وهذه المنظمات تضم أكثر من 272 ألف موظف، بما يزيد ـ حسب التقرير ـ عن الذين يعملون في قطاع النقل أو صناعة النقل والمرافق العامة، وقطاع التأمين مجتمعين، وفي التقرير أيضاً أرقام عن نمو هذه المؤسسات ونمو عوائدها، التي تزيد عن مليارات الدولارات تنفقها لخدمة قطاعاتها الخيرية، وبرغم كونها ليست مؤسسات ضخمة وكبيرة، فنسبة كبيرة منها تقل ميزانيتها عن مئة ألف دولار، إلا أن لها دوراً ريادياً وقيادياً في مجتمعاتها، ولا أدل على قوة هذا القطاع من الأزمة التي حدثت في الولايات المتحدة بسبب إعصار كاترينا التي عجزت فيها الحكومة الفيدرالية الأمريكية، وبدا فيها قصور أداء الأجهزة الحكومية، وفي المقابل تجلى الدور الفاعل الذي قامت به المؤسسات الخيرية والقطاع الخيري في معالجة هذه الأزمة، ولذلك أي مجتمع لا يهتم بقوة هذا القطاع فإنه سيكون عرضة للمخاطر التي تحوطه، إذ إن وجوده وقوته هو صمام أمان لهذه المجتمعات، أمان اجتماعي واقتصادي وسياسي، كل أنواع الأمان سيكون للقطاع الخيري دور كبير فيها.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">هل نحتاج إلى أن نفرق هنا بين مؤسسات العمل الخيري التقليدية وبين ما يسمى بالمؤسسات المدنية، ففي الغرب مثلاً هناك منظمات كثيرة غير ربحية منها ما هو منظمات خيرية بحتة، ومنها ما يتعلق بمجموعة دعم تقدم شتى أنواع الدعم الثقافي والطبي وغيرها، فهل نحن نفرّق بشكل صحيح في عالمنا الإسلامي بين هذين النوعين من الأعمال غير الحكومية؟ </font><BR>أنا أظن أن التسميات تختلف لكن المؤدى واحد، أي مؤسسة تقدم خدمات للصالح العام ولا تهدف إلى الربح، _وأقصد بالربح هنا الربح الذي يهدف إلى ربح أفراد معينين، لكنها قد تمارس أعمالاً تعود بالربح لخدمة أنشطتها وبرامجها_، فإن هذه المؤسسات تسمى مؤسسات خيرية، أهلية، ؛ فأي مؤسسة هدفها خدمة الصالح العام أياً كان نوع النشاط ولا تهدف لربح ومصلحة أفراد معينين فإنها تندرج تحت هذا المسمى.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">انطلاقاً من الرؤية التي ذكرتها بداية، هل ترى أن هناك من يشارك العاملين في القطاع الخيري رؤيتهم هذه، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص؟ بمعنى هل هناك تقدير حقيقي لقدرة وأهمية العمل الخيري في عالمنا الإسلامي من قبل القطاعات الأخرى؟ </font><BR>هناك مجموعات كبيرة وشرائح كبيرة في المجتمع تقدر هذا الدور وتهتم به، سواء من داخل القطاع الخيري أو من خارجه، كقطاع رجال الإعلام والمفكرين ورجال الأعمال، فهناك شرائح كبيرة تتفاعل مع هذا القطاع وتحترمه، لكننا لا زلنا بحاجة إلى زيادة مثل هذا التفاعل، وزيادة مثل هذه الثقافة داخل القطاع وخارجه. ولازلت أقول: إنه حتى داخل القطاع الخيري توجد محدودية في استيعاب ذلك، ونظل بحاجة لنشر مثل هذا المفهوم الصحيح، وتشجيع تفاعل الجميع مع هذا المفهوم وتلك الثقافة ومع هذا الهم، حتى يكون دور العمل الخيري دوراً يشارك فيه الجميع ، من رجال أعمال وشركات ومؤسسات الخيرية وأفراد وكبار وصغار ذكوراً وإناثاً، الجميع فيه لابد وأن يشارك فيه.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">عندما نتكلم بشكل أخص عن العمل الخيري في البلدان الإسلامية، إضافة إلى التحديات التنموية والإدارية ومشكلة العالم الثالث التي ترافق كل هذا في بلادنا الإسلامية، تبقى مشكلة أساسية وهي التضييق العالمي على العمل الخيري بذريعة ما يسمى بحرب الإرهاب، هل يمكن أن نأخذ مزيداً من التعليق حول هذه القضية؟ </font><BR>أنا أظن أن الحرب على الإرهاب أخذت مناحي كثيرة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، فحوربت بها المجتمعات باسم محاربة الإرهاب، وحوربت مؤسساته الخيرية، ورجال الأعمال والاقتصاديون والمؤسسات الاقتصادية، كما احتلت بلاد مسلمين باسمها. فالحرب على الإرهاب ما هي إلا مظلة كبيرة يستظل بها كل من أراد أن يسيء لهذه الأمة، ومع وجود هذه الحرب فإن ذلك لا يعني الاستسلام والخنوع أو الضعف، نحن بأيدينا أوراق قوية نستطيع أن نتحرك بها ولا أقول: ندافع، بل نقف في وجه جميع الهجمات، وربما من داخل تلك المجتمعات نستطيع أن نبرز التناقضات. كما قلت لك المجتمع الأمريكي من أكثر المجتمعات "رقياً" في مجال العمل الخيري، وآخر إحصائية قرأتها في عام 2003 تجد أن عدد الجمعيات والمنظمات اللاربحية والخيرية في الولايات المتحدة يفوق مليون وأربعمائة ألف جمعية، ولو افترضنا أن عدد سكان الولايات المتحدة 250 مليوناً فإنه سيكون لكل 178 ألف نسمة جمعية خاصة بهم، هذا الرقم لو قارنته بما لدى البلاد الإسلامية ستجد أنه في مقابل كل جمعية خيرية إسلامية؛ عشرة آلاف جمعية خيرية أمريكية، تجد الفرق واسعاً بينهم، وفي العموم نحن بحاجة إلى إتقان بناء عملنا كمؤسسات خيرية من الداخل، وبحاجة إلى ثقافة للعمل الخيري، وبحاجة لإبراز جهود وإسهامات العمل الخيري في عملية التنمية ودوره في خدمة المجتمعات، هذا أبلغ رد نستطيع أن نرد به على تلك الهجمات الشرسة على العمل الخيري.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">هل تعتقد أن المرحلة الأصعب في هذا الإطار قد مرّت ولم يعد ما يخاف منه كما كان الأمر عليه بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ </font><BR>أظن أن المشكلة بما فيها مشكلة استهداف العمل الخيري لا تزال قائمة، لكن هي تعتمد على استفادتنا من هذه الأزمة وحسن تعاملنا معها وتفهمنا لأبعادها، وأيضاً حسن ما نسميه "إدارة الصراع" في هذه الأزمة، لكن أظن أن العمل الخيري والقطاع الخيري عموماً والمؤسسات الخيرية استفاد كثيراً من هذه الأزمة وطوّر كثيراً من أدائه وحسّن من نقاط الضعف التي ربما تكون موجودة في أدائنا ولا زلنا بحاجة إلى الرقي في عملنا المؤسسي وتطويره والارتقاء بأداء مؤسساتنا وأداء أفرادنا العاملين في العمل الخيري، لكن الصراع في ظني ربما يستمر لسنوات قادمة وهو يعتمد على قضية فهمنا للأزمة وتفاعلنا مع الأحداث.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لعل إحدى صور الحرب على العمل الخيري الإسلامي بالذات ما بدأ يظهر في بعض المناسبات من محاولة تفريغ العمل الخيري التطوعي من بعده الشرعي الإسلامي، ومحاولة تقديم نماذج لقيادات غير إسلامية تتبنى العمل الخيري وتدعو إليه وتكون على رؤوس الحملات المرافقة له حتى يتم تفريغ هذا العمل من محتواه الشرعي والإسلامي، وتقديمه على نمط أقرب ما يكون للصورة العلمانية، كما هو حاصل في البلدان الأخرى هل هذا فعلاً همّ بات يؤرق العاملين بالعمل الخيري هنا؟ </font><BR><BR>إن الباعث الحقيقي لأي مجتمع مسلم في أن يبادر إلى العمل الخيري هو ابتغاء رضوان الله تعالى، كما أنه جزء من الباعث في المجتمعات الغربية، ظناً منها أنه قربة يتقربون بها إلى ما يعبدون وفق مبادئهم وديانتهم. وفي ظني أننا في حاجة إلى أن نفرق بين تنوع أعمالنا ومؤسساتنا الخيرية وبين محاولة سرقة هذه المشاريع الخيرية، فنحن بحاجة إلى أن تتنوع برامجنا ونمتلك مؤسسات كثيرة تعالج جميع احتياجاتنا، لا أن تكون مؤسساتنا نمطية، لا تحوي سوى على ثلاثة أو أربعة أصناف من المؤسسات، بينما الاحتياجات كبيرة للمجتمع، وأعني بذلك أن تكون المؤسسات الخيرية متخصصة في الخدمات الاجتماعية والبيئية والنفسية والتربوية والصحية والثقافية، وعموماً في جميع المناشط التي يحتاج إليها المجتمع بحيث تلبي جميع احتياجات المجتمع وتستوعب أيضاً جميع طاقات المجتمع الموجودة. أما انتزاع العمل الخيري وسرقته وتوجيهه وجهة أخرى؛فلا أظن أن هذه ستكون ناجحة في مجتمعات متدينة، تتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهذه الأعمال، وإن كنت لا أستبعد مثل هذا الخطر، لكن أيضاً في ظني أن أثره سيكون محدوداً.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لكن كما نحن ندعو في إلى استمرار ارتباط هذا العمل بمفاهيمه الشرعية الإسلامية إلا أننا نحتاج إلى أن نخرجه من دائرة _إن صح التعبير_ "العمل الدراويشي" إلى حيز العمل المنظم المرتب الذي يسير وفق آليات وخطط واستراتيجيات تأخذ بأحدث النظريات الإدارية لإنجاح هذا العمل، هل ترى أنه لا زالت هناك مشكلة في عمل بعض الجمعيات التي لم تعد تتجاوز مشاركتها أن تكون وسيطاً بين دافع المال ومحصله من الفقراء؟ </font><BR><BR>لا شك أن هذه مشكلة قائمة ومؤرقة، ونحن حينما تحدثنا عن القطاع الخيري فإننا نعني منظومة متكاملة، تشكل الجمعيات الخيرية جزءاً منها وليست كلها. فنحن بحاجة إلى جمعيات خيرية وإلى مؤسسات داعمة، سواء أكانت مؤسسات ناتجة عن شركات تجارية أو بنوك أو شركات مساهمة أو رجال أعمال، وأيضاً إلى مراكز للتدريب متخصصة في تدريب العاملين في القطاع الخيري، وإلى مراكز بحوث متخصصة بالدراسات والبحوث التي تعنى بالعمل الخيري، وإلى دراسات أكاديمية تخرج لنا متخصصين في العمل الخيري.<BR><BR>وبحمد الله هناك بوادر كثيرة في كل ما ذكرت ، لكن احتياجاتنا لا تزال أكبر من الإمكانات الموجودة، فلابد من أن يرسخ مفهوم القطاع الخيري، وترسخ النظرة إلى هذه المنظومة، حتى ينبري لها الكثير من المهتمين بالعمل الخيري، ويسددون هذه الاحتياجات. ومن بين الجهات المؤهلة لذلك، الجامعات، التي سيكون لها دور كبير، سواء بافتتاح الأقسام الأكاديمية التي تخرج المتخصص في العمل الخيري أو في العناية بالدراسات والبحوث التي تعنى بالعمل الخيري. كذلك القطاع الخاص سيكون له دور كبير في هذا الجانب. وأيضاً إنشاء مراكز أو مركز للدراسات تعنى بالعمل الخيري، وهناك مركز جديد ـ ولله الحمد ـ افتتح حديثاً لهذا الغرض، هو المركز الدولي للأبحاث والدراسات في جدة، وهو مركز متخصص في دراسات والبحوث التي لها علاقة بالعمل الخيري، وربما يكون الأول من نوعه في المنطقة عموماً الذي يتخصص في هذا، وهذا لا شك أنه سيكون لبنة قوية في دعم قوة القطاع الخيري، بالإضافة إلى ما تقدم من أن ثمة جهات متخصصة في تدريب الجهات الخيرية أيضاً بدأت نشاطاتها، وتعنى بهذا القطاع، كما أن هناك الآن عدة مناسبات ومعارض واحتفاليات لها علاقة بالعمل الخيري، وهذه لا شك تمكن من بيان منجزات هذا القطاع في المجتمع وأيضاً تفعل دور المجتمع في التعاون ودعم هذا القطاع.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لعل خبرتكم كانت أكثر في العمل الخيري خارج العالم الإسلامي أو على الأقل خارج الدول العربية، هل ترى ثمة فروقات بين العمل في داخل المملكة وبين العمل خارجه فيما يتعلق بطبيعة الأنشطة والأولويات؟ </font><BR>أتصور أن العمل الخيري هو انعكاس لمستوى الثقافي والحضاري في المجتمع، فكلما كانت المستويات متحضرة كلما كان للعمل الخيري دور رائد وشامل، وكلما كانت ضعيفة في الجانب الحضاري كلما كان دوره ضعيفاً فيه، غير أن أهم شيء في الحقيقة يتحكم في دور القطاع الخيري ونشاطه وتأثيره في المجتمع هو النظم التي تعنى بالعمل الخيري، وعلى هذا الأساس تجد بعض الدول، بمعيار التمدن والتخلف، متخلفة حضارياً وتقنياً وعلمياً لكن نظمها الخيرية نظم متطورة وحديثة، وفي المقابل تجد دولاً كثيرة حازت سبقاً في الجوانب الحضارية والعلمية لكن نظمها المتعلقة بالعمل الخيري إما نظم ضعيفة أو نظم قديمة لم تتجدد ولم تتحرك، وهذه قضية بالغة الأهمية، ولذلك أعود وأقول إن مستوى العمل الخيري له علاقة كبيرة بالنظم التي تحكم العمل الخيري.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لو تعمقنا قليلاً في الاهتمامات الإدارية للعمل الخيري وتحدثنا مثلاً عن ما يسمى بإدارة المتطوعين أو المحتسبين كفئة يعدون رابطاً قوياً جداً للعمل الخيري ولا يكاد يخلو منهم مجتمع في أي وقت من الأوقات، لكن بعض المؤسسات الخيرية ربما تعاني من مشكلة حقيقية في التعامل الصحيح مع هذه الفئة، فبعض المؤسسات بين أحد خيارين: إما أنها تعاملهم معاملة صارمة كما يعاملون بها الموظف، وبالتالي يحدث نوع من الإعراض من قبل المتطوع أو المحتسب، وإما أنهم يتركون هملاً دون أن يسري شيء من التنظيم الإداري على نشاطهم ، وبالتالي يشكلون عبئاً أكثر منهم فائدة للمؤسسات، ما رؤيتكم حيال هذا الأمر؟ </font><BR><BR>أنا أعتبر أن المتطوعين من أكبر الثروات المهدرة في مجتمعاتنا، وهم مع الأسف لم يتم استغلالهم أو الاهتمام اللائق بهم، ولم تتوافر البرامج المشجعة لهم التي توظف طاقاتهم، نحن عندنا مع الأسف فهم قاصر في مجال العمل الخيري، فمن أراد أن يتطوع نطلب منه أن يداوم طوال الأسبوع وهذا في ظني أمر صعب وشاق على الكثير، لكن كلما كان التطوع أو نظام التطوع فيه مرونة بحيث يأخذ من الإنسان ما يستطيع ويستثمر تخصصه وطاقته وخبرته في الجوانب التي يستطيعها كلما كانت المؤسسة أقدر على الاستفادة من هذه الطاقات وأكثر سعياً وتقدماً في تحريكها لأهدافها الإستراتيجية في المجتمعات. وأعود مرة أخرى إلى المجتمعات الغربية لآخذ مثالاً بمن يتطوع ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات في الأسبوع ويقدمها لجمعية أو جمعيتين من الجمعيات وهو لا يكلف نفسه أكثر من هذا، وهذه الساعات تستثمر استثماراً حقيقياً فيما يحسنه هذا المتطوع؛ فتجد أن العائد الكبير للجمعية بل للمجتمع بل للدولة من ساعات التطوع هذه ربما يوفر عليها مليارات الدولارات، وأظن أن بمقدورنا أن نحصل بإذن الله تعالى على ساعات كثيرة من التطوع من أفراد المجتمع متى ما أوجدنا الأوعية والنظم التي تستوعبهم وتوظف طاقاتهم. وهناك نقطة مهمة وهي لها علاقة بهذا الشأن، هي قضية البعد عن الفئوية في العمل الخيري بمعنى أن تحرص المؤسسات الخيرية على أن تستقطب الجميع لا أن تضع مواصفات دقيقة جداً للأشخاص الذين تتعامل معهم، وفي ظني أن انخراط المرء في العمل الخيري من أكثر الأشياء المؤثرة في نفسه، بمعنى أن المرء يتغير سلوكه قبل وبعد انخراطه في العمل الخيري، من حيث تدينه وقربه من الله _سبحانه وتعالى_ بسبب أثر العمل الخيري عليه، لذلك لا بد أن نخرج من هذه الفئوية ونفتح مجال العمل الخيري لكثير من قطاعات المجتمع ومن أطرافه.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لعل الطريق إلى هذا هو محاولة تفسير الهوة بين المؤسسات الخيرية وبين الجمهور التي ينظر إليها وخاصة في الآونة الأخيرة بنوع من عدم الثقة لا في العمل الخيري وجمعياته ذاتها وإنما بسبب ما حصل من حملات مركزة فيما يسمى بالحرب على الإرهاب الساعية لتشويه صورته وصورتها، وتشكيك الناس في موثوقية هذه الجمعيات؛ فصارت هناك هوة الآن بين الجمعيات الخيرية والجمهور، هل من محاولة جادة لعلاج هذه المشكلة وبالتالي العودة إلى الجمهور بموثوقية أكبر؟ </font><BR><BR>أظن أن المشكلة لها طرفان، الطرف الأول هو الهجوم الذي حدث على العمل الخيري سواء الهجوم الخارجي أو الهجوم من بعض الأقلام الموجودة في مجتمعاتنا المسلمة، والطرف الآخر من المشكلة هو ضعف هذه الجمعيات عن توضيح صورتها ومنجزاتها ورسم الصورة الذهنية المتميزة عند الآخرين، وهذه مشكلة كبيرة، يجب أن نشخصها في بعديها المختلفين، فلا ينفع علاج طرف ما لم يعالج الطرف الآخر، ولذلك في ظني يكون أول مراحل العلاج هو علاج المشكلة التي هي موجودة بالفعل في الجمعيات الخيرية، بمعنى إعداد برامج تدريبية عملية تعين المؤسسات الخيرية على رسم صورة ذهنية متميزة لها في المجتمع، وتحسين قدرة العاملين في العلاقات العامة في الجمعيات وفي الإعلام أيضاً وفي الجمعيات الخيرية بحيث يتواصلون مع المجتمع ويعطوه الصورة المتميزة لعملهم، وأجزم يقيناً أن هناك منجزات رائعة جداً تفوق الوصف وربما تكون خيالية لهذه الجمعيات لكنها لم تخدم منجزاتها ولم تخدم أعمالها التي تقوم بها إعلامياً؛ فبالتالي يجهل الناس نتائج مجهوداتها، فالناس تسمع أن أموالاً تذهب وتجيء لكنها لا تعرف شيئاً عن هذه منجزات إنفاقها في وجوه الخير، لذلك أظن أن الدور الأكبر هو لدى الجمعيات أولاً ثم لدى الوسائل الإعلامية ورجال الإعلام ورجال الفكر، وبحمد الله هناك كوكبة كبيرة من رجال الفكر والإعلام ممن يتعاطف ويهتم بدعم المؤسسات الخيرية يقدم صورة ذهنية جيدة عنها، وهناك أيضاً في المقابل مجموعات تجهل دور هذه المؤسسات ولم تكلف نفسها جهداً للبحث والتقصي ومعرفة منجزات هذه المؤسسات، وهي للأسف تتحدث عن هذه الموضوعات وتكيل التهم إلى الجمعيات، مصغية لما يقوله الإعلام الغربي عن مؤسساتها الخيرية.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">ننتقل إلى قضية تتعلق بالتأصيل الشرعي لبعض الممارسات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية، فالعمل الخيري كغيره من الأعمال يحتاج إلى رؤية شرعية واضحة حتى ينبني على الدليل البين، وبالتالي تكون الممارسة صحيحة شرعياً ، وأيضاً يضاف إلى هذا أن العمل الخيري يتعرض لما يستدعي المزيد من البحث الشرعي، فهل ترى أن هناك نقصاً في القواعد العلمية للجمعيات الخيرية فيما يتعلق بهذه المسألة؟ </font><BR><BR>لا شك أن المتأمل للنتاج العلمي فيما يتعلق بالعمل الخيري في جميع التخصصات الإدارية والإعلامية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية والشرعية منها يجد أن هناك قصوراً ونقصاً حاداً في هذا النتاج العلمي وبالتالي ستجد أن هناك ثغرات كثيرة واحتياجات أخرى لم تسد، ولذلك لابد من التركيز على إعداد الدراسات لاسيما الشرعية منها، وتلك خصوصاً هي أقرب الأمور التي يتوقع الإنسان أنها تنجز بسرعة وبسهولة نظراً لأن العمل الخيري يضم نسبة كبيرة من طلبة العلم، وتواصلهم على العلماء مع المؤسسات العلمية كبير ومن المفترض أن مثل هذه الأشياء تحرر ويخرج منها بنتائج عملية، وأن توافيه بحوث ودراسات، وأن يصبح للجامعات دور في توجيه البحوث والدراسات، وأن يكون كل هذا الجهد البحثي الشرعي في خدمة المسائل المستجدة والعالقة في العمل الخيري.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">هل تتذكر أمثلة معينة كان مثلاً غياب التأصيل الشرعي سبباً في تأخيرها أو غيابها؟ </font><BR>الآن يوجد مشروع قائم يقوم به مركز البحوث والدراسات ذكرته قبل قليل، حصر المسائل الشرعية التي تحتاج إلى بحث مستجدات، وبعد ذلك ستكون هناك جدولة لها وتوجيهها للباحثين أو لمراكز البحوث أو للجامعات والكليات الشرعية أو ما يقوم به المركز وفي هذا الأسبوع تقريباً تمت جهود جيدة في هذا النسق، حيث عُقدت حلقات نقاش ولعلها ترى النور _إن شاء الله تعالى_ قريباً.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">مؤخراً عُقد أكثر من مؤتمر أو ملتقى للجمعيات الخيرية لمحاولة النقاش حول الاهتمامات المشتركة وأملاً بالخروج بتوصيات ورؤية مشتركة، ربما هذا كان أحد أمثلة الملتقى الخيري لجمعية تحفيظ القرآن الكريم الذي عُقد في أكثر من مكان، وكذلك الجمعيات العاملة في الداخل كجمعية البر وغيرها، هل ترى أن هذه المؤتمرات تشمل جميع المؤسسات المستهدفة وتقدم خدمة لها بأنواعها ذات الطابع الخارجي والداخلي، أم لا زال الجهد مقصوراً على فئة معينة؟ </font><BR><BR>نحن بحاجة إلى جميع الأنواع من المؤتمرات، هناك مؤتمرات متخصصة كما هو الحال مثلاً بالنسبة لملتقى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم أو ملتقى مكاتب الجاليات، وهو بدأ لأول مرة، أو اللقاء السنوي الذي عقد في المنطقة الشرقية لجمعيات البر، هذه تعد برامج بعضها متخصصة لجمعيات معينة، وهناك برامج تقدم للقطاع الخيري عموماً، كما هو الحال بالنسبة للمؤتمر الخيري الخليجي الذي عُقد لأول مرة في الكويت ثم في الدوحة وسوف يعقد مجدداً في دبي إن شاء الله تعالى. كل هذه جزء من فعاليات تهدف لترسيخ دور القطاع الخيري، وحيث وجدت المناسبات، واللقاءات، والبحوث والدراسات، وتبادل خبرات وورش عمل، كل هذا، سيصب في النهاية في مصلحة العمل الخيري؛ فنحن بحاجة إلى برامج متخصصة لمناشط معينة ونحن بحاجة إلى برامج أخرى ترسخ ثقافة العمل الخيري في المجتمع وتشمل جميع الأنشطة الخيرية.<BR><BR><BR><BR><font color="#ff0000">نعود مرة أخرى إلى الحرب على الجمعيات الخيرية تحت مظلة الإرهاب ونعلم أن مجلة البيان كان لها مبادرة قوية في إصدار كتابين للدكتور محمد بن عبد الله السلومي الأول بعنوان القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب، والثاني بعنوان ضحايا بريئة للإرهاب، فلا شك أن لهذين الكتابين صدى قوياً في توضيح دور العمل الخيري، وابتعاده عما يتهم به من دعم الإرهاب وغيره من التهم المريبة، هل من كلمة تقولونها بهذا الخصوص؟ وهل ثمة مشروعات ما زالت في الطريق لتفعيل هذه القضية؟ </font><BR><BR>نعم كما قلت في البداية إننا بحاجة لمجهودات لدعم ومساندة المؤسسات الخيرية والقطاع الخيري في وقوفه ضد هذه الهجمة الشرسة، وما إصدار هذين الكتابين إلا جزء من الدور الذي اضطلعت به مجلة البيان والقائمون عليها جزاهم الله خيراً ، فالكتاب الأول كان عن القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب ويناقش التهم التي كانت تتهم بها المؤسسات الخيرية بدعم الإرهاب، ونظراً للصدى الكبير الذي لاقاه هذا الإصدار، وأيضاً ظهور مستجدات كثيرة تدعم موقف الجمعيات الخيرية، أصدر المؤلف جزاه الله خيراً الكتاب الثاني، وهو ضحايا بريئة في الحرب على الإرهاب نسخة بالعربية، وقريباً سيصدر باللغة الإنجليزية إن شاء الله تعالى، ولعله أيضاً يصدر بلغات أخرى. كما قلت لا بد من العمل، الاستسلام يعني الموت والإنسان مطالب ببذل الجهد، ولذلك هناك مبادرات أخرى ولله الحمد، حيث تم تأسيس المكتب الدولي للدفاع عن المنظمات الخيرية والإنسانية في جنيف، وهذا قد بدأ نشاطه في عام 2002 وعُقد بعد انعقاد مؤتمر باريس الذي حضرته مجموعة كبيرة من المنظمات العالمية، وهذا للعلم مشروع أممي وليس مشروعاً إسلامياً أو مشروعاً عربياً خالصاً وإنما تشترك فيه منظمات كثيرة من شتى دول العالم، من أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأفريقيا والدول العربية والشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا، كذلك هذا المكتب أقام مؤتمره الثاني في جنيف في عام 2004 والمؤتمر الثالث سوف يقام _إن شاء الله تعالى_ في اسطنبول في شهر يونيو من عام 2007 وهذا يقوم على تحالف دولي بين المنظمات الدولية في الدفاع عن المؤسسات الخيرية أياً كانت هوية هذه المؤسسات ، والتي تتعرض للمضايقة أو الإغلاق أو المصادرة، وتبنى هو أيضاً البيان العالمي للدفاع عن العاملين في القطاع الخيري وهو مشروع إن شاء الله تعالى نرجو أن يرى النور ويقَر من الأمم المتحدة، بحيث يكون أحد المواثيق التي توقع عليها الدول، وكذلك هناك مشروع آخر، وهو جمعية أصدقاء المنظمات الخيرية أو ما تعرف بـ"فوكا"، وهذه أسست في واشنطن وهي تقوم على مد الجسور لكشف الصور المغلوطة عن المؤسسات الخيرية، والتواصل مع الإدارة الأمريكية، ومع صناع القرار في الولايات المتحدة، ومع وسائل الإعلام، حول رد الشبهات وما يثار عن الجمعيات الخيرية، وهذه الجمعيات سجِّلت كجماعة "ضغط كونجرس" وصار من عمرها الآن ما يزيد عن سنتين، وهو مشروع رائد في الحقيقة وله ثمار إيجابية جداً للتواصل، وهو أيسر من وسائل أخرى في تصحيح كثير من المغالطات التي رسمت للمؤسسات الخيرية، وكما قلت هذان مشروعان وغيرهما من المشاريع لا زلنا بحاجة إلى المزيد والمزيد فيما يتعلق بالدفاع عن المنظمات الخيرية لاسيما وأن الحرب كما قلنا حرب طويلة الله أعلم بمداها، لكن كلما كان هناك استعانة بالله سبحانه وتعالى أولاً، ثم بذل للجهد واجتهاد للعمل؛ فإن الله سبحانه وتعالى يكلل هذه الأعمال بالتوفيق إذا صلحت النية.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لعلنا نعود إلى العمل الخيري وهمومه، الجمعيات الخيرية الإسلامية التي ذكرتها في بعض الأحيان يكون في نشاطها نوع من التداخل أو الازدواجية، بما ينتهي الأمر معه بإضاعة بعض الموارد والجهود في غير ما طائل، هل ترى أن هناك توجهاً حقيقياً لقدر من التخصص هنا سواء فيما يتعلق بالتغطية الجغرافية أو فيما يتعلق بالمناشط التي تقوم بها مؤسسات دون أخرى؟ </font><BR>أنا أتفق معك في وجود هذه المشكلة، وأعتبرها مشكلة كبيرة، وهي إهدار الجهد والنمطية في العمل بحيث تكون الصور مكررة في الجمعيات الخيرية، تنظر إلى 10 أو 15 جمعية وكأنك تنظر إلى جمعية واحدة، وهذا جزء من الخلل الموجود أيضاً في فهم وثقافة العمل الخيري؛ فنحن بحاجة إلى مزيد من التخصص، وبحاجة إلى طرق مجالات جديدة في العمل الخيري، وبحاجة إلى مستوى عال من التكامل والتنسيق بين هذه الجمعيات، متى ما وجد هذا؛ فإننا لا شك سنصل إلى درجة متميزة من استثمار الطاقات والجهود والموارد لتحقيق الأهداف السامية التي تصبو إليها هذه المؤسسات. أما إذا انعدم أو ضعف هذا فإن أثر هذه الجمعيات وتأثيرها ومدى تحقيقها للأهداف سيكون محدوداً. وأنا أقول إن هناك بوادر جيدة ولله الحمد ولكننا لا زلنا بحاجة إلى أن نرسخ مثل هذه المفاهيم ونرسخ مفهوم التخصص في مجتمعاتنا وفي أنشطتنا وفي جميع ثقافاتنا سواء ما يتعلق بالعمل الخيري أو بالعمل التجاري أو حتى في مؤسسات النفع العام الحكومي.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">لكن لنكون منصفين ونشير إلى أنه ربما ما يدعو إلى مثل هذا السلوك غير الجيد هو ما يُعرف برغبات الجمهور، فنعرف أن الجمعيات الخيرية تعاني من توجهات معينة تُملى عليها من قبل الجمهور سواء فيما يتعلق بالمناطق المخدومة أو بمصارف الأموال التي تعطى إليها، ففي النهاية تضطر الجمعيات إلى أن تلبي هذه الرغبة، فيتركز العمل في جهة واحدة أو في تخصص واحد، هل هذه مشكلة فعلاً؟ </font><BR>هذه مشكلة لا شك فيها وهي مشكلة قائمة، لكن أيضاً لا يصح أن تتحكم بنا مثل هذه الأمور ثم تأخذنا بعيداً عن أهدافنا التي نريد أن نصل إليها، ثم أيضاً أنا أتصور أن المؤسسات الخيرية عليها دور في توعية جمهورنا وتوعية المستفيدين منها وتوجيه الدعم الذي يأتي، فبدلاً من أن يصرف الدعم على أنشطة المؤسسة حسب الجمهور، يجب على المؤسسة أن يكون لها دور في توجيه الدعم وإقناع عملائها وإقناع المستفيدين والمتعاملين معها بأهمية توجيهه لهذه التخصصات المهمة، وفي النهاية ستكون هناك صعوبات، لا نستبعد مثل هذه الصعوبات، لكن في ظني حينما تتخصص هذه المؤسسات، وحينما نتجه بعملنا إلى درجة عالية من المهنية؛ فإننا سوف نكتشف _بإذن الله_ طرقاً كثيرة وموارد كثيرة جديدة نستطيع أن نستفيد منها في عملنا الخيري، ربما تغنينا عن بعض الضغط الذي يأتينا عن طريق الداعمين.<BR><br>