المسلم – زياد المشوخي:<BR>شهد التعليم في المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة العديد من التغيرات، كان آخرها قرار وزارة التربية والتعليم السماح للمدارس الأهلية باعتماد تأليف مناهج دراسية تختلف عن المناهج المطبقة حاليا في مدارس التعليم العام الحكومي، وإجازة تغيير لغة التعليم بلغات أخرى غير العربية.<BR>موقع ( المسلم ) أثار هذا الموضوع ، وغيره من قضايا التعليم ، في حوار سريع مع الدكتور محمد بن علي الهرفي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والكاتب الصحفي المعروف).<BR> <BR><font color="#0000FF">كيف تنظر إلى قرار وزارة التربية والتعليم السماح للمدارس الأهلية باعتماد تأليف وتدريس مناهج دراسية تختلف عن المناهج المطبقة حاليا في مدارس التعليم العام الحكومي وتدريسها باللغة الإنجليزية أو بأي لغة أخرى تراها المدرسة ؟ </font><BR>هذا القرار خاطئ من أساسه، ولا يتفق مع سياسة التعليم في بلادنا، بل ولا يتفق مع مصالحنا وديننا وأمن بلادنا..<BR>وأعجب كيف يمكن لدولة عربية مسلمة – فضلاً عن بلادنا التي هي قبلة المسلمين – أن تجعل لغة التعليم في مدارسها غير العربية، والعجب يزداد من فكرة السماح بتدريس "أي شيء" دون معرفة هذا الـ"أي شيء".<BR>لقد كتبت أكثر من مرة عن خطورة هذا القرار وقوته التدميرية وأرجو أن ينتبه المسؤولون في بلادنا ويوقفوه حفاظاً على وحدة المجتمع وتماسكه.<BR>وليت الإخوة في وزارة التربية والتعليم يلتفتون إلى أي جهة يديرون من هذا العالم وينظرون هل فعل أحد مثلما ينوون فعله؟؟ هل تسمح أي دولة في العالم بالتدريس بغير لغتها الأصلية؟!<BR>وأنوه أنه يجب التفريق بين تدريس اللغة الإنجليزية أو سواها وبين التدريس بهذه اللغة أو سواها.. كما أن السماح بتدريس أي مناهج أخرى يعني صراحة السماح بأي شيء قد يخالف ديننا وهذا يعني أننا سنجد طلابنا بعد مدة، وقد أصبحت علاقتهم بلغتهم وتراثهم ودينهم بعيدة وللكل أن يتخيل كيف سيصبح هؤلاء في مجتمعهم!!<BR> <BR><font color="#0000FF">وكيف تفاعل المجتمع مع هذا الأمر؟</font><BR>الكثيرون – كما أظن – لم يسمعوا به لأنه طرح من خلال الصحف وقراء الصحف ليسوا كثيرين، والذين سمعوا به وأدركوا أهدافه استنكروه وانتبهوا لخطورته، لكن هذا الاستنكار "القلبي" لا يجوز في هذه الحالة لأن خطر هذا القرار سيطال بيوتنا ومجتمعنا، ومن هنا فإن التواصل مع الوزارة وكبار المسئولين في بلادنا أمر تفرضه الضرورة..<BR>وبالمناسبة فقد حاول البعض أن يقول إن هناك موافقة من الملك على هذا القرار، وهذا قول خاطئ فالملك وافق على السماح لبعض المدارس على التدريس باللغة الإنجليزية ولم يسمح لها كلها ولأسباب حددها معالي وزير التربية في خطابه للملك ولكن موافقة الملك استغلت بشكل غير صحيح..<BR>مرة أخرى من المهم إدراك خطورة ما قد يحدث ومن المهم أكثر التعاطي معه بإيجابية أكثر..<BR> <BR><font color="#0000FF">برأيك ما الداعي لصدور مثل هذا القرار ؟</font><BR>لا أعرف تماماً. ربما كانت هناك أسباب غير ظاهرة، ولكني أستطيع أن أجتهد لأقول: ربما منظمة التجارة العالمية كانت وراء تطبيقه أو الضغط على الوزارة لتطبيقه.<BR>ومن منطلق هذا الاجتهاد أقول: ليس لهذه المنظمة – أو سواها – الحق في فرض تعليم – أو سواه – لا يتفق مع مصالحنا.. ثم لماذا لا نراها تفعل الشيء نفسه في أي بلد أوروبي؟؟<BR>وفي رأيي أنه يمكن السماح بفتح مدارس لأبناء الجاليات الأجنبية يدرسون فيها ما يشاؤون وبأي لغة يريدون.. وأظن أن هذا موجود ولكن يمكن التوسع فيه بحسب حاجة أولئك الناس..<BR> <BR><font color="#0000FF">هل ترى أن التعليم في المملكة العربية السعودية يتعرض للضغوط من الخارج أم من الداخل؟</font><BR>من الداخل والخارج على حد سواء.. فالأمريكان وجدوا فرصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في توجيه الاتهام للإسلام وكل ما يتعلق به بأنه صانع للإرهاب، وبعض من يشابههم في هذه الأفكار من أبناء بلادنا اتخذ الذريعة نفسها لمهاجمة التعليم الديني ومحاولة تهميشه بطرق متنوعة من الداخل والخارج.<BR> فكما قلت فهناك حديث لا يهدأ عن مساوئ وخطورة التعليم الديني، وهناك من يمجد الاحتلال ويدعو له بالتوفيق!! وهناك من يهزأ بالمقاومة المشروعة في العراق وفلسطين وأفغانستان.. كل الوسائل – غير المشروعة – اتخذت ليس في بلادنا وحدها بل وفي دول أخرى أهمها مصر لأن القوم أدركوا أن هذه فرصتهم ويجب استثمارها!! وللأسف فالمحتلون لهم مصلحة فيما يفعلون ولكن: ما هي مصلحة بعض أبناء بلادنا – وسواهم – فيما يقولون؟؟<BR> <BR><font color="#0000FF">وما هي الطرق المثلى لمواجهة هذه الضغوط؟</font><BR>الفهم الدقيق للأحداث واستشعار الخطورة لكل ما يجري والاعتزاز بالثوابت هي أهم الطرق لمقاومة كل الضغوط سواءً أكانت هذه الضغوط اليوم أم في المستقبل.<BR> <BR><font color="#0000FF">كيف تنظر د.محمد إلى التعليم في المملكة العربية السعودية بين القديم والجديد؟</font><BR>الحديث عن هذا الموضوع قد يطول كثيراً فهناك فروق كثيرة بين هذين اللونين من التعليم سواءً من ناحية المناهج الدراسية أو طريقة التعليم أو الأماكن التعليمية أو حتى تفاعل الطلاب مع مدرسيهم ومناهجهم.<BR>في القديم كان الطلاب يذهبون إلى مدارسهم برغبة شديدة في حب العلم، وكانوا ينظرون إلى أساتذتهم بكثير من الاحترام، وكانوا يتخذونهم قدوة لهم في حياتهم، ولهذا كله كانوا أكثر استعداداً لتقبل العلم والانتفاع به..<BR>هذه الحالة تغيرت كثيراً ويبدو أن انتشار مظاهر اللهو والترف صرفت أعداداً كبيرة من الطلاب عن تلقي العلم، هذا من حيث العموم، وإن كانت هناك حالات تختلف عما أشرت إليه..<BR>بدون شك الإمكانات المادية الحالية اختلفت كثيراً عما كانت عليه بالأمس وهذه سهلت أشياء كثيرة على الطلاب وجعلت هناك إمكانات جيدة للمتميزين منهم ليكونوا في مقدمة الصفوف كما أن التعليم العالي أيضاً أصبح متنوعاً ويستطيع الطالب فيه أن يصل إلى أعلى الدرجات العلمية إن كان لديه طموح لذلك.<BR> <BR><font color="#0000FF">وكيف هو برأيك مستقبل التعليم في المملكة؟</font><BR>التعليم في المملكة يمر بمرحلة ضعف – قياساً لإمكانات بلادنا – والضعف يشمل المعلم والمدرسة "المكان" وطريقة التعليم..<BR>والملك أعطى إمكانات جيدة للوزارة ووعد بتخصيص عدة مليارات لها لتطوير التعليم والمعلم والمؤمل أن تقوم الوزارة بهذا العمل بصورة جادة فتحدث تغييراً جوهرياً يتفق مع أهداف بلادنا وتطلعاتها والتغيير يحتاج إلى عقليات فاعلة قوية عاقلة ولعل هذا النوع من العقليات يكون متوافراً في الوزارة.<BR>التعليم الصحيح هو الذي يحدد مكانة أي أمة في هذا العالم والأمل أن تجتهد الوزارة في وضعنا في المكان المناسب..<BR> <BR><font color="#0000FF">ما تقييمك لتجربة مدراس تحفيظ القرآن الكريم في المملكة؟ </font><BR>مدارس تحفيظ القرآن الكريم في بلادنا تجربة مميزة وكثيرة الفوائد، وقد أثبتت نجاحها وتفوق طلابها على قرنائهم في المدارس الأخرى لاسيما في علوم اللغة العربية والإسلامية..<BR>هذه المدارس من حقها أن تنال الدعم الكافي من وزارة التربية والتعليم، وأن تكون أعدادها متزايدة لتحقق رغبات الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين ثبت أن لديهم رغبة قوية في إدخال أبنائهم وبناتهم في هذه المدارس..<BR>ونحن نحمد الله أن سياسة بلادنا تدعم هذا النوع من التعليم وبقوة، والأمل في وزير التربية والقائمين على الوزارة أن يطوروا هذه المدارس ويعطونها الدعم لكافي ويزيدوا من أعدادها..<BR>وأما فكرة تقليص مدارس القرآن الكريم – وأرجو أن لا تكون موجودة – فهي فكرة خاطئة ولا تخدم توجهات ومصالح بلادنا ورغبات المواطنين، والأمل أن تزايد أعدادها فالطلب عليها كثير كما هو معلوم.<BR>أما المدارس الأهلية فلا أرى ما يمنع من تزايد أعدادها شرط أن تكون هذه المدارس ملتزمة بضوابط التعليم في بلادنا.<BR><BR><font color="#0000FF">عند النظر إلى تجارب الدول الأخرى في التعامل مع ظواهر ( الإرهاب ) سواء ما كان منه سياسياً أو جنائيا، كيف تمت معالجة تلك الظواهر على صعيد التعليم ؟ </font><BR>في المدارس الأمريكية والأوربية تجري أحداث "إرهابية" كثيرة كما يحدث الشيء نفسه في المجتمع فالقتل هناك على قدم وساق فضلاً عن حالات الاغتصاب والخطف والسرقة وسواها..<BR>إن ما يحدث في مجتمعنا لا يعدّ شيئاً قياساً لما يحدث هناك، ولكن الفرق أنهم يضعون الشيء في موضعه وفي حجمه المناسب ونحن – أو بعضنا – لا نفعل ذلك..<BR>بعضنا يسارع لاتهام المناهج الدينية بأنها صانعة التطرف والبعض يتطوع – غير مشكور – بإضافة مدارس تحفيظ القرآن أو المناشط الدعوية لهذا الإرهاب "المزعوم" ولا نجد "متطوعين" أمريكان يفعلون الشيء نفسه فيقولون إن مناهجهم – أياً كانت – هي التي جعلت واحداً منهم يقتل أكثر من ثلاثين من زملائه ثم ينتحر، والمناهج لم تشجع على قتل أكثر من مائتين في أكلاهوما في سيارة مفخخة، وغيرها كثير..<BR>الحالات الإرهابية "بكل مفاهيم الإرهاب" موجودة في كل المجتمعات ومنكرة في كل المجتمعات ويجب أن توضع كل حالة في مكانها الصحيح أما استغلال هذه الحالات لمهاجمة الدين أو المناهج أو سواها فهذا عمل مرفوض لا يفعله إلا الضعفاء الذين في نفوسهم مرض..<BR>ورأيي هذا لا يعني أن مناهجنا "مقدسة" وأنه لا يجوز نقدها، بل إنني أفعل هذا عندما أجد مبرراً لهذا الفعل ولكنه يعني أن من ينتقد يجب أن يكون موضوعياً في نقده..<BR><font color="#0000FF"> في ختام هذا الحوار ... ما هي رسالتكم للمسئولين وذوي القرار؟</font><BR>أقول لهم: إن مسؤوليتكم أمام الله ثم أمام الناس أن تحافظوا على مكتسبات الوطن ودينه وأمنه، وبلادنا مكانتها في المحافظة على ثوابتها وضعفها بقدر ضعف هذه الثوابت فيها.. واعتقادي أن ضعف هذه الثوابت سيؤدي إلى تفكك المجتمع وكثرة الجرائم والإرهاب بكل أنواعه لأن المسلم الحق هو الذي يدافع عن مجتمعه بكل الطرق المتاحة لأن هذا الدفاع جزء من تكوينه الفكري...<BR>التعاطي مع وسائل الحضارة كلها جزء من هذه الثوابت ولا تعارضها بل إن ديننا يأمرنا بالاستفادة من كل المعطيات الحضارية صناعية، زراعية، علمية وسواها، الجاهل – وحده – الذي يدّعي أن الإسلام يتعارض مع الحضارة ولكننا نوائم بين الاستفادة من هذه الحضارة وبين تكييفها لكي لا تتعارض مع أي شيء من ثوابت ديننا وهذا شيء سهل عمله..<BR>ورسالتي لـ"غير المسئولين" أن يتعاونوا مع "المسئولين" لتحقيق هذا الهدف النبيل؛ لأنه – إن تحقق – فإنه سيحقق العزة لكل فرد في بلادنا.<BR><br>