التنصير الفضائي ورصد تطوره ربما كان هماً محدوداً بقلة المهتمين به، على الرغم من أهميته وقوة تأثيره الآني والمستقبلي، وإذا كان العالم الإسلامي يعاني من سلسلة من التأثيرات الدخيلة؛ فإن جانب التنصير هو في قلب هذه التأثيرات وإن بدا خفياً أو متوارياً خلف سلسلة من الأنماط التي تمرر أحياناً في بعض فضائياتنا نحن قبل أن تتمترس خلف فضائيات تنصيرية بدأت تعرف طريقها إلى السماء المفتوحة، حتى غدت، كما يقول ضيفنا الأستاذ تركي بن خالد الظفيري (مدير الرصد الفضائي بمؤسسة الرشيد للإعلام، وأحد أبرز المهتمين بهذا الشأن، وصاحب كتاب: (الفضائيات العربية التنصيرية: أهدافها – وسائلها – سبل مقاومتها)، والذي طبعته مجلة البيان مؤخراً، خطراً متنامياً يتهدد أطفالنا الذين بات بعضهم يتسرب إليه مفاهيم مغلوطة عن المسيحية والصليب من ذاك الفيض الفضائي الغامر الذي يتمثل في برامج الأطفال والمسلسلات الأجنبية وغيرها.. <BR>كان الحوار ثرياً، ودار بالحديث باتجاه فضائياتنا الإسلامية ودورها النامي وقصورها في بعض الأحيان، كما لفت فيه الضيف إلى أهمية الدراما وضرورة النظر إليها في ضوء تأثيرها العالمي البارز، فإلى نص الحوار: <BR><BR>حوار: معمر الخليل<BR><font color="#ff0000"> لماذا انصب اهتمامك أولاً في هذا المجال، ولماذا الآن بالتحديد؟</font><BR>الإعلام الفضائي أصبح اليوم في مقدمة الوسائل المؤثرة في الرأي والفكر ومن أكبر وسائل التغيير في المجتمعات، لذا حرص كل أصحاب فكر أن يوجدوا لهم قدماً فيه لنشر الفكر والمعتقد، وعند النظر في الإعلام الديني نجد أن أصحاب الأديان اتجهوا لنشر دينهم، وتعلم أن النصارى لهم طموح كبير في تنصير المسلمين، ووجدتهم يسارعون للتنصير في بلاد المسلمين عن طريق الفضائيات، لذلك هم يصرحون بأنهم استطاعوا غزو مكة والمدينة باستخدام فضائياتهم، ورأيت أن كثيراً من الباحثين تحدث عن وسائل المنصرين في تنصير المسلمين ولم أجد من تحدث عن التنصير الفضائي ومع أنه من أخطر وسائلهم، لذا رأيت أهمية الدخول في هذا المجال ورصد وتحليل محتوى هذه الفضائيات لتحذير المسلمين من شرها، ومنصرو القنوات ما زالوا في بداياتهم فلو تقدم بهم الأمر سيكون الخطر أشد ضراوة.<BR><BR><font color="#ff0000"> هل تجد أن الخطر قادم في هذا المجال، وأن الفضائيات التنصيرية قد تستطيع التوغل في نفوس المسلمين؟</font><BR>الفضائيات العربية التنصيرية تعد بعيدة نوعاً ما عن كثير من المسلمين في هذا الوقت، إلا أنها تخطط وتسعى للقرب أكثر من المسلمين، فمثلاً: الكنيسة الأرثوذكسية أطلقت قناة المحبة وحاولت بداية أن تبث على النايل سات حتى تكون أقرب من المسلمين العرب، إلا أن إدارة القمر رفضت وهذا يحسب لهم ويشكرون عليه، القمر الأوروبي الذي تبث من عليه قناة المحبة يصل قطعا إلى كل البلاد العربية والإسلامية. ففشل مشروعهم ولم يستطيعوا الوصول إلى الجمهور المستهدف، وهي في هذه الأيام تخطط لإطلاق قناة جديدة باسم "قبط سات" وتحاول الضغط حتى تبث عن طريق النايل سات، وهنا نوجه رسالة للنايل سات والحكومة المصرية وهم يعون ذلك جيداً، ولكن من باب التذكير: أن الموافقة على مثل هذا الطلب من الكنيسة الأرثوذكسية خطأ استراتيجي له تبعات كثيرة لا تحصى، مما يزعزع الأمن داخل البلاد الإسلامية وأتمنى أن تصل هذه الرسالة بوضوح، فوجود هذه القنوات سيتبعها انطلاق قنوات أخرى تبين زيفهم وضلالهم وترد على شبهاتهم، وهذا سيسبب التشنج داخل البلاد العربية والإسلامية ونتمنى ألا تصل الأمور إلى هذا الحد، وإذا انفرط العقد لا يمكن جمعه إلا بمشقة بالغة فالوقاية خير من العلاج، وهؤلاء النصارى بتصرفهم قد استعجلوا المواجهة ونحن ندعو إلى مواجهتهم بالطرق المشروعة وبما لا يترتب على الإنكار من مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة.<BR>فهذه الفضائيات تريد التوغل في نفوس المسلمين وعندما نقول: المسلمون فإننا نستصحب في أذهاننا ذلك الذي لا يعرف من الإسلام إلا النزر اليسير مما يجعله في خطر من الشبهات التي يبثها المنصرون فيجب علينا أن نأخذ الأمر بمحمل الجد.<BR><BR><font color="#ff0000"> هل تريد القول إن المسلمين لا يزالون متأثرين (متلقين) إعلامياً، ولم يصلوا بعد إلى مستوى الفعل (أي أن يكونوا فاعلين إعلامياً)؟ </font><BR>الإعلام الفضائي يستهدف شريحة محددة وكل قناة تخطط للتأثير في جمهورها المستهدف، لذا لو نظرنا إلى المسلمين فإن التأثير الإعلامي واقع فيهم من كثير من القنوات، فتجد القنوات التغريبية والرافضية والتنصيرية والسحر والشعوذة وغيرها كلها تعمل في وسط المسلمين العرب للتأثير فيهم.<BR>وعندما نتحدث عن المسلمين فإن بعضهم – وأقول ذلك بحرقة – هو الذي يمول ويقوم على القنوات التي تهدم مبادئ وقيم الإسلام وينشرون الغناء والرقص والمجون باسم الحرية وحق لنا أن نقول عن مثل هذه القنوات أنها (أفيون الشعوب الإسلامية)، فبعض المسلمين مؤثر إعلامياً لكن تأثيره في الاتجاه الخاطئ نسأل الله لنا ولهم الهداية.<BR>أما الفضائيات المحافظة فلم تبدأ إلا في وقت متأخر وتحتاج وقتاً لمزيد من النضج، ولها جمهورها العريض فحب الخير في الأمة ظاهر، وتحتاج منا أن نقدم هذا الخير بصورة متميزة، وفي وجود هذه القنوات خير كبير ومزاحمة لكل من يريد العبث وتشويه حقيقة الإسلام الناصعة.<BR><BR><font color="#ff0000"> ما إمكانية الوقوف في وجه هذا المد التنصيري، وعلى من تقع مسؤولية ذلك؟ </font><BR><BR>الوقوف في وجه المد التنصيري ليس بالجديد فهناك المؤسسات التي تزاحمهم في أماكن وجودهم، وعندما نخصص الحديث عن مقاومة الفضائيات التنصيرية فإننا نتحدث عن منظومات لا بد منها في المقاومة: فلا بد من تحصين الأمة وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوس المسلمين وهنا أشير لأهمية تكثيف المواد الشرعية في المراحل الدراسية فغرس الدين في الصغر أنفع بكثير منه في الكبر، ولا بد من أن ننشر ديننا للجميع فنحن نملك ديناً محفوظاً بحفظ الله له، وهو خاتم الأديان فلذا لا بد علينا من نشره بكل الوسائل المؤثرة وبخاصة الإعلام الفضائي، ثم على العلماء والدعاة أن يردوا على الافتراءات في هذه القنوات بالوسيلة الإعلامية ذاتها لتثبيت المسلمين ودعوة غيرهم، وعلينا – أيضاً – أن نحاول منع وسائل التنصير المؤثرة – كالقنوات والإنترنت – من وصولها للبيوت المسلمة وعلينا مراقبة أبنائنا وتوفير البدائل المناسبة لهم. <BR>والمسؤولية تقع على الجميع، على الحكومات والعلماء والدعاة ورجال الأعمال والإعلاميين والأسرة المسلمة كلٌ بحسب دوره يجب أن يكونوا سداً منيعاً في وجه الإعلام التنصيري.<BR><BR><font color="#ff0000"> تقول في كتابك "إن الله سماهم نصارى في أربعة عشر موضعاً من القرآن الكريم، فينبغي التركيز على كلمة (التنصير والمنصرين، بدل التبشير والمبشرين والمسيحيين)" ما تعليقك على ورود هذه الكلمة (التبشير) في الكثير من المواقع والوسائل الإعلامية الإسلامية حتى الآن؟</font><BR>التبشير كلمة لامعة يريد النصارى أن يسوقوا دينهم من خلالها، ونحن إذ نتبع دستوراً واضحاً سليماً يعتمد على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذكرت في سؤالك أن الله سماهم نصارى والذي يدعو للنصرانية يسمى منصرا لغة، فهو أدل من كلمة تبشير في المعنى اللغوي، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف هذه العملية بأنها تنصير ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة" وجاء في الحديث: "أو ينصرانه"، فلذا لزم علينا نحن المسلمين أن نتقيد بمصطلح التنصير، ولا يستحق أن يوصف بالتبشير إلا صاحب الدين القويم.<BR>ومما يؤسف له أن نقرأ ونسمع بعض المسلمين ينعتونهم بالمبشرين وفي هذا تضليل لعامة المسلمين، فينبغي على الإعلاميين والمثقفين والمفكرين أن يصفوهم بالوصف المناسب لهم دون تعظيم لفعلهم وثناء على نشاطهم وفي وصفهم بالتبشير ثناء عليهم شئنا أم أبينا، وعندما نصفهم بالوصف الحقيقي لهم فإننا لا نسبهم ولا نشتمهم بل ننعتهم بالوصف الأليق بهم والتنصير هو اللفظ المنطبق عليهم حقيقة.<BR><BR><font color="#ff0000"> من خلال سوقك لعدة أمثلة لدعم التنصير عبر الأفلام المتنوعة، وبعض البرامج وغيرها، ألا ترى أن الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون أكثر تنوعاً، وتستخدم أساليب مؤثرة وفاعلة كالتي يستخدمها النصارى، خاصة مع تنامي دور الإعلام المتلفز؟</font><BR>الدعوة الإسلامية بدأت تعي جيداً أهمية الاستفادة من كل وسيلة توصل صوتها الحر من خلاله، فلذا نجد أن المسلمين – ولله الحمد - دخلوا في كل وسائل الإعلام المؤثرة واستطاعوا أن يوصلوا رسالتهم لجمهور واسع، إلا أنه ينبغي أن نؤكد على أهمية التجديد والإبداع في البرامج فنحن أمام تحدٍّ كبير، والأمة بإذن الله على قدر هذا التحدي، ومما ينبغي التأكيد عليه أننا بحاجة ماسة إلى النظر بجدية إلى الأعمال الدرامية فأثرها على المشاهد كبير، ونملك قدرات ونستطيع أن نؤهل طاقات لهذا المجال، فعلى سبيل المثال فيلم "المسيح" السينمائي تم عرضه في أكثر من 200 دولة حتى فبراير عام 2001م، وقد ترجم الفيلم إلى 663 لغة ولهجة كالجزائرية والبربرية والتونسية والمصرية والسودانية وغيرها، ولم نرَ أحداً انبرى لتوثيق سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بصورة احترافية وجدية، وعندما نقول توثيق السيرة فلا يعني أن يأتي أحد من الممثلين ويمثل دور النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا تحدٍّ يحتاج لمبدعين في هذا المجال.<BR><BR><font color="#ff0000"> ما رأيك فيما يبث اليوم عبر القنوات الإسلامية الدعوية كالمجد والهدى والرسالة وغيرها؟ وكيف تقيم عملهم مقارنة بأعمال النصارى؟</font><BR>القنوات الإسلامية قوتها في الرسالة المحمدية التي تنشرها للناس، وهذا عنصر قوة وعامل نجاح مهم، فكلما كانت القناة قريبة من نشر الإسلام بصورته النقية الصحيحة بعيدة عن التميع أو التطرف ازدادت قوتها ومصداقيتها. والمتأمل في حال القنوات الإسلامية يجد أنها تتفاوت في التمسك بالقيم الإسلامية الصحيحة، مع أن الخير موجود في الجميع وكلها تدعو إلى الإسلام إلا أنه ثمة قنوات إسلامية تمسكت بالإسلام الصحيح وقنوات أخرى قدمت تنازلات كبيرة تخل بالمنهج الإسلامي رغبة في النجاح، ومن وجهة نظري أن النجاح الحقيقي ليس من الناحية الفنية فحسب، بل لا بد من هذا الجانب الفني والجانب المنهجي وإلا ما الفرق بيننا وبين القنوات التي تثير الغرائز فتلك القنوات أقوى من الناحية الفنية إلا أن تميزنا الحقيقي هو من الناحية المنهجية وعلينا أيضاً أن نطور أنفسنا في الجوانب الفنية والإعلامية.<BR>ومستوى القنوات الإسلامية بشكل عام – ولله الحمد والمنة – أقوى بكثير من القنوات التنصيرية، وهذه الحقيقة فالقنوات الإسلامية أقوى في الجوانب الإعلامية والفنية وفي المحتوى أيضاً، فتعتبر القنوات التنصيرية في بداياتها وتسير على عوج وإن كنت أرى تطوراً في بعضها في الآونة الأخيرة.<BR>ومما ينبغي التأكيد عليه أنه لا توجد قناة تخصصت في مخاطبة الأديان الأخرى ومحاولة دعوتهم للدين الصحيح وهذه حاجة ملحة لا بد منها.<BR><font color="#ff0000"> كيف يمكن مواجهة بعض القنوات العربية التي تساعد على نشر النصرانية، خاصة وأنها محسوبة على المسلمين وتحظى بمتابعة شعبية واسعة؟</font><BR>هذه القنوات أصبحت وسيلة من وسائل تغريب المجتمعات الإسلامية، فهي تكبر في نفوس المشاهدين المثال الغربي وتطرحه على أنه القدوة والمثل الأعلى، تابعت بعض ما عرضته هذه القنوات فوجدت أن فيها تعظيماً للصليب والكنيسة وهما من أبرز شعارات النصارى، حتى إن بعض أولياء الأمور أتى يشتكي مما فيها من غرس في نفوس الأطفال لحب الصليب وأنه المخلص من الشرور، إن هذه القنوات التغريبية أخطر عندي من القنوات التنصيرية المباشرة، فتلك القنوات تضمن حب النصرانية داخل أحداث الفيلم الرومانسي أو البوليسي مثلاً، وترسل رسالة إلى اللا وعي بحرفة فنية وتقنية مفادها تقديس الصليب والكنيسة، ومما يؤسف له أن هذه القنوات يدعمها من ينتسب إلى الإسلام والله أعلم بمقاصدهم، والواجب على الحكومات الإسلامية الضغط على أصحاب هذه القنوات لإزالة أو تخفيف ضررها، وعلى العلماء والدعاة والإعلاميين التصريح بأسماء هذه القنوات وفضحها وتحذير المسلمين من خطرها، فهذه القنوات التغريبية من أخطر السهام الموجهة إلى البلاد الإسلامية ومع هذا لم تأخذ حظها من الدراسة والبحث والتحليل لمحتواها ورسالتها.<BR><font color="#ff0000"> أمام هذا الكتاب الذي يفضح قنوات التنصير بشكل مباشر، ويقول بصوت عال "إن قنواتنا العربية والإسلامية مخترقة تنصيرياً"، ألا ترى ضرورة البدء بالمصارحة داخلياً، والحديث عن مشاكلنا كما هي، بسلبياتها قبل إيجابياتها، بعيداً عن زخرفة الواقع، وتجنب المواجهة؟</font><BR>هذا مطلب ملح في هذا الوقت، إذا كنا في فترة سابقة نجامل بعضنا فإننا الآن بحاجة إلى المصارحة أكثر من أي وقت سابق، أنا بحاجة أن تأتي إلي وتقول يا فلان قف أنت مخطئ في هذا الأمر، وأنت والآخر كلنا نحتاج لذلك، نحن نريد المصارحة بعيداً عن جلد الذات والنظرة السوداوية التشاؤمية، نتصارح لنتصالح فنحن شركاء في الإسلام وفي المواطنة.<BR>وإن ملاك تلك القنوات التغريبية قد أخطؤوا بحق أنفسهم ودينهم وحكامهم وأوطانهم والمسلمين، ففي وقت نحن بحاجة إلى كلمة سواء بيننا يأتي من يزيد العداء بيننا، فعلاً سئم المسلمون من هذا الغثاء في الفضائيات والناس في لهفة ورغبة في إيجاد إعلام محافظ يحفظ لهم دينهم وخلقهم، ويحفظ لأسرهم تماسكها لا ما يقطع الطريق إلى رسم أهدافها لتوجد لها موطئ قدم في مجتمع متزاحم، ولتحقق العبودية لله رب العالمين.<BR><br>