ماليزيا: ماذا يعني فوز التحالف الإسلامي بخمس ولايات من 13 لأول مرة؟
8 ربيع الأول 1429

هي مفاجأة حقيقية ، فمنذ تولي حزب (مانو) بزعامة مهاتير محمد السلطة في ماليزيا مع تحالف انتخابي يضم 14 حزبا إسلاميا وهنديا وصينيا ، وهو يسيطر علي الحكم ، وعلي مجالس الولايات الماليزية الـ 13 التي تشكل ماليزيا باستثناء فقد ولاية واحدة هي ولاية تيرينجانو عام 1999 (استعادها في 2004) ثم ولاية كيلانتان شمال شرق البلاد التي سيطر عليها الحزب الإسلامي (باس) عام 2004 ، ولذلك شكلت مفاجأة خسارة التحالف الحاكم لأغلبيته البرلمانية ولسيطرته علي خمس ولايات مرة واحدة حدثا غير عادي .
المفاجأة الثانية كانت هي فوز تحالف من الأحزاب الإسلامية ومعه أحزاب صينية وهندية معارضة بالولايات الخمسة علي رأسه الحزب الإسلامي وحزب العدالة الذي شكلته زوجة أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء "مهاتير" سابقا ، وحصوله علي ثلث مقاعد البرلمان تقريبا ، وما ترتب علي هذا من عودة أنور إبراهيم لقيادة حزب العدالة في الشهر المقبل (أبريل) بعد انتهاء فترة العزل السياسي نتيجة سجنه في قضايا فساد جري تبرئته منه لاحقا ، ما أثار تساؤلات حول عودة "إبراهيم" ليقود الحياة السياسية في ماليزيا خلفا لزميله "مهاتير" الذي اعتزل وترك السلطة لخلفه الحالي الضعيف عبد الله بدوي .
أما المفاجأة الثالثة فكانت الشعارات التي رفعها التحالف الإسلامي في مواجهة التحالف الحكومي مقارنته بشعاراته التي رفعها عام 2004 ، ففي الانتخابات السابقة عام 2004 رفع الحزب الإسلامي شعارات دينية بحتة وصلت لحد الحديث عن عذاب النار ويوم القيامة والحديث عن "دولة إسلامية" بصفة عامة دون وضع خطط فعلية وبرامج لترجمة هذا التدين في خدمة المجتمع أو وضع برامج للخدمة الاجتماعية أو لحل المشكلات مع الأقليات الهندية والصينية التي رفض أصلا التحالف معها .
أما في انتخابات 2008 ، فقد حدث تحول هام في مسيرة الحزب الإسلامي وذات قوته بالتحالف مع حزب أنور إبراهيم الإسلامي (العدالة) ، ولم يقبل الحزب الإسلامي فقط باقتراح إبراهيم بالتحالف مع أحزاب صينية وهندية تمثل الأقليات (الأقلية الهندية 8% والصينية 25%) ، وإنما غير شعارته تماما وركز علي البرامج الاجتماعية التي تخدم الشعب ، ورفع شعار (دولة رفاهية يتساوى فيها الجميع لا فرق بين أبناء البلد الأصليين والمهاجرين ) ليضمن بذلك تصويت الأقليات للتحالف الإسلامي مستفيدا كذلك من غضب الأقليات من تهميش حكومة عبد الله بدوي لهم وعدم تنفيذ برامج اقتصادية مفيدة.
بل لقد تعهد الحزب الإسلامي الماليزي المعارض بالعمل على معالجة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها سكان ولاية كيلانتان وغيرها من الولايات التي فاز فيها ، خاصة تخفيض المهور لمواجهة تأخر سن الزواج، وزيادة إجازة الوضع للموظفات، ولم ينس مع هذا برامج إسلامية تتعلق بالتعليم وتشييد المساجد .
ثلث المقاعد للتحالف الإسلامي
لهذا كان من السهل واليسير – مع تصاعد الاحتقان والغضب أيضا علي التحالف الحكومي – أن يفوز التحالف الإسلامي وأن يحتفظ "باس" بمعقله في ولاية كيلانتان شمال شرق البلد، بعد أن حصل وحليفه حزب العدالة الوطني على 39 من أصل 45 مقعد ، وأن يشارك الحزب الإسلامي أيضا في حكم ولايتي (كيدا) و(بيراك) الشماليتين اللتين حقق فيهما انتصارات مفاجئة، كما انضم هو وحزب العمل الديمقراطي وحزب العدالة (المتحالفين معا) في السيطرة على ولاية سيلانجور الصناعية، وعلى المقاعد كلها تقريبا في العاصمة كوالالمبور التي كانت أشد الضربات التي وجهها التحالف الإسلامي للحكومة.
وبموجب هذا الفوز أيضا حصد الحزب الإسلامي 23 مقعدا في البرلمان الوطني (من 222) بعد أن كان له 6 مقاعد فقط، بينما حصل حزب العدالة على 14 مقعدا، لتحصد المعارضة مجتمعة نحو ثلث مقاعد البرلمان ( 37 مقعد من 222) ، وهو ما يمنع الائتلاف الحاكم من إجراء تعديلات دستورية دون الرجوع إليها.
أما "ائتلاف الجبهة الوطنية" المتعدد الأعراق - بزعامة رئيس الوزراء الحالي عبد الله أحمد بدوي- ففاز بـ137 (مقابل 198 سابقا) من 222 مقعدا يتألف منها البرلمان الاتحادي، ليخسر أغلبية الثلثين للمرة الأولى منذ عام 1969، كما لم يفز إلا بثماني ولايات من ثلاث عشرة ولاية .
بعبارة أخري يمكن القول أن خسارة الائتلاف الحاكم في ماليزيا بزعامة رئيس الوزراء عبد الله بدوي لثلث مقاعده في الانتخابات البرلمانية لصالح أحزاب المعارضة ، وخسارته لأغلبية الثلثين التي ستمكن المعارضة من التحكم في أي قوانين لاحقة ، ترجع لعدة أسباب أبرزها الفساد وتهميش مشكلات الفقراء والأقليات غير المالاوية خصوصا الهندية والصينية والشباب ، وبالمقابل تغيير الخطاب السياسي للمعارضة الإسلامية وظهور إنجازات لها في الولاية التي تحكمها فضلا عن قدرات زعيم المعارضة أنور إبراهيم الكاريزمية وخبرته التي تتفوق علي خبرة "بدوي" .
وفاز الائتلاف الحاكم الذي يضم 14 حزبا بـ137 مقعد فقط من أصل 222 مقعدا يتألف منها البرلمان الاتحادي مقابل 198 مقعد (90%) في انتخابات 2004 ، ليخسر بذلك أغلبية الثلثين الحاسمة والتي كان يحتفظ بها خلال معظم سنوات حكمه الذي بدأ قبل 50 عاما .
الأكثر إسلاميه وإنجازا يفوز !
وتشير نتائج انتخابات ماليزيا كذلك إلي أن الحزب التي رفع شعارات إسلامية وهو يؤمن بها ونفذ تعهداته وأنجز بعض المطالب الاجتماعية الملحة كان هو الحزب الفائز ، في حين أن من رفعوا الشعارات الإسلامية فقط دون تنفيذ الخطط التي وعدوا بها فقد خسروا في عدة ولايات .
فمن طرائف الحملة الانتخابية أن كلا التحالفين (الحكومي والإسلامي) رفعا شعارات إسلامية وتنافسا علي إعلان بناء مساجد حديثة وتجديد القديم منها ، لإقناع الناخب بأن كل منهما أكثر إسلاميه من الأخر ، ولكن اعتراف رئيس الوزراء بدوي بتأخر تنفيذ عدة برامج وعد بها وطلبه من الناخبين أن يعطوه فرصة ، كان له دور في خسارته خمس ولايات دفعة واحدة في انتخابات مارس الحالية 2008 .
وبالمقابل أقنع الحزب الإسلامي جمهوره بقدرته علي حل مشاكل البلاد ليس فقط بالشعارات الإسلامية وإنما بالانجاز الفعلي ، ووضع بعض البرامج الاجتماعية في المقدمة ما دفع الماليزيين – بما فيهم الأقليات الصينية والهندية التي تشكو من التهميش الاجتماعي – للتصويت له ، وهو ما أعطي بعد هام وجديد للمنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا الذي سبق أن طرحه رئيس الوزراء بدوي عام 2005 ولكنه لم ينجز فيه الكثير ما أعطي المعارضة فرصة اللعب علي هذا الوتر الحضاري والاجتماعي .
فماليزيا شهدت قبل شهر - ولأول مرة منذ عقود - مظاهرات وأحداث عنف خصوصا من الأقلية الهندية احتجاجا علي تردي الأوضاع الاقتصادية وسياسات حكومية قادها عبد الله بدوي ، وكانت مؤشرا علي هذا الغضب لعدم تنفيذ الحكومة وعودا سابقه ، ونتج عنها خسارة حتي رئيس الحزب الهندي المتحالف مع رئيس الوزراء لمقعده في البرلمان ، في حين فاز الحزب الهندي المعارض ضمن ائتلاف المعارضة .
هل يخلف أنور إبراهيم مهاتير ؟
وتثير نتائج الانتخابات الماليزية سؤالا أخر عن احتمالات أن يخلف "أنور إبراهيم" نائب رئيس الوزراء "مهاتير" سابقا والزعيم القوي في حزب (العدالة) الذي تتزعمه زوجته ، رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد في قيادة ماليزيا ولكن عبر الائتلاف الإسلامي لا الائتلاف الحكومي الذي كان عضوا فيه قبل أن ينقلب عليه مهاتير ويودعه السجن بتهم الفساد .
وهنا قد يسهل ذلك دور "إبراهيم" كزعيم كاريزما قوي ذي خبرة سياسية – مقارنة برئيس الوزراء بدوي – والذي نجح في حشد قوي المعارضة خلفه ، حيث فاز حزبه (العدالة) بـ 14 مقعد مقابل مقعد واحد فقط سابق لزوجته في انتخابات 2004 ، كما كان إبراهيم – بخبرته – هو مهندس التحالف الإسلامي ، ونجح في أن يقنع الحزب الإسلامي الماليزي والأحزاب الإسلامية والمعارضة الأخرى في التحالف ضد الائتلاف الحكومي ، ولين بذلك موقف الحزب الإسلامي الذي كان يرفض في السابق الانضمام لتحالف مع أحزاب لقوميات أخري صينية وهندية الأصل ، ما جعل جبهة المعارضة أقوي من ذي قبل .
ولهذا قد يكون فوز "إبراهيم" وعودته لممارسة دوره في الحياة السياسية مع حلول الشهر المقبل أبريل تهديد لعرش "بدوي" مستقبلا إذ قد يصبح بديل له لحكم ماليزيا علي غرار صديقه السابق "مهاتير محمد" الذي تقاعد خصوصا أنه ينظر لإبراهيم في ماليزيا علي أنه شريك مهاتير في النهضة الماليزية الحالية قبل أن ينقلب علي مهاتير .
وهو ما ألمح له "إبراهيم" بنفسه حينما قال تعليقا علي الفوز : "هذا يشير بوضوح إلى أن الماليزيين يريدون بديلا " ، ودعا الملايو (مسلمين يشكلون أغلبية السكان) والهنود والصينيين أن يعملوا سويا ، فإبراهيم كان نائبا لرئيس الوزراء السابق مهاتير محمد وشريك له في تجربة النهضة الماليزية ، ولكنه أقصي عن السلطة في سبتمبر 1998 بعد إدانته بتهمتي الفساد واللواط،وهي تهم أكد إبراهيم أنها غير صحيحة وأنه "ضحية مؤامرة سياسية" تهدف إلى منعه من الوقوف في وجه رئيس الوزراء الذي ظهرت خلافات بينهما .
وقد أفرج عنه في سبتمبر 2004 بعدما ألغى القضاء الحكم الصادر في حقه ولكنه حرم من حق الترشح للانتخابات حتى ابريل 2008 ما منعه من خوض الانتخابات، ولكنه قام بحملة حزب المعارضة العدالة أو "كيديلان" الذي تقوده زوجته التي أعلنت أنها ستنسحب لمصلحة زوجها في حال انتخابها ما يعني قيادته المعارضة في غضون شهر واحد .
فهل تشهد ماليزيا تصاعدا في نشاط ونفوذ التحالف الإسلامي مستقبلا خصوصا أنه يملك في يده تعطيل أي قوانين في البرلمان بحكم سيطرته علي ثلث مقاعد البرلمان ؟ وهل يستمر هذا النفوذ للحزب الإسلامي خصوصا بعدما طور خطابه السياسي أم ينجح رئيس الوزراء بدوي في قيادة الدفة وإعادة سيطرة الحزب الحاكم ؟ .