عودة الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين مجددا في تركيا
25 ربيع الأول 1429
طه عودة

مجددا أثبتت النخبة العلمانية في تركيا تفوقها على الأكثرية الشعبية بعد أن وضعت حزب العدالة والتنمية الحاكم وقادته بمواجهة القضاء لكن الخطر هذه المرة لا يقتصر على حظر الحزب حزب سياسي وإنما على الشلل السياسي والاقتصادي الذي سيصيب تركيا جراء هذا القرار.

لم يكن قرار المحكمة الدستورية بقبول النظر في دعوى حظر الحزب الحاكم مفاجئا بالنسبة للكثيرين بما أن أعضاء المحكمة الإحدى عشر هم من العلمانيين المتشددين المناهضين لسياسة الحزب الحاكم المحسوب على الإسلاميين لكن هذا القرار من المتوقع أن يفتح مجددا ملف الصراع على السلطة بين العلمانيين الذين يترصدون لنجاح الحزب الحاكم بعد سبعة أشهر من فوزه في انتخابات بأغلبية شعبية مطلقة.نائب رئيس المحكمة الدستورية علي باكسوت أعلن قبول المحكمة بالإجماع بهذه الدعوى بعد استكمال كافة أركانها الشكلية إلا انه تم استثناء القسم المتعلق بالرئيس عبد الله غول دون تقديم أي تبريرات.والدعوى التي رفعها المدعي العام تطالب بحظر الحزب الحاكم ومنع 71 عضوا فيها من ممارسة السياسة لخمس سنوات ومنهم الرئيس التركي ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان.وقبول الدعوى لا يعني حظرا أكيدا إذ أن المحكمة ستمهل الحزب الحاكم شهرا لإعداد دفاعه ومن ثم ترسله إلى المدعي العام لأخذ رأيه لتعاود بعدها في تحديد تاريخ جلسة المحاكمة.وجاء قرار المحكمة ضاربا بعرض الحائط كل التحذيرات التي أطلقتها المؤسسات المدنية والاقتصادية قبل أيام من أن مثل هذا القرار سوف تكون له تداعيات سياسية واقتصادية لا تحمد عقباها.. وكما يتجاهل أيضا نداء دول الاتحاد الأوروبي التي حذرت من أن هذا القرار قد يقوض عضوية تركيا في الاتحاد ما اعتبره البعض مجازفة علمانية على حساب مصلحة الدولة.

تداعيات قرار المحكمة

يبدو أن تركيا على موعد مع أحداث مخيفة جدا تجري حاليا على خلفية الخطة الأساسية الكامنة في رأس كبير المدعين العامين عبد الرحمن يالجين كايا من وراء فتحه الدعوى لحظر حزب العدالة والتنمية هذا التحرك ليالجين كايا لم يكن فرديا بل منسقا.. إذ لا بد وأنه يدرك جيدا ما يعرفه الصغير قبل الكبير وهو أنه في حال حظر هذا الحزب وإجراء انتخابات مبكرة فإن هذا الحزب سوف يدخل الانتخابات باسم حزبي ثاني لكن هذه المرة سيأتي بمد شعبي أكبر بكثير مما كان عليه في الانتخابات السابقة.وعند هذه النقطة نستغرب جدا أن يكون هذا القاضي قد فاتته هذه الحقيقة الظاهرة للعيان. وبالتالي، هذا إنما يؤكد بأن هدفهم ليس إغلاق الحزب فقط وإنما هي خطة لمماطلة تركيا بالانتخابات على الأقل لخمس سنوات مقبلة. لو افترضنا أن هذا التحرك كان مدعوما من جانب المؤسسة العسكرية فهذا يعني أن تركيا على موعد مع أحداث مخيفة جدا في الأسبوعين القادمين أي انقلاب عسكري.. لكن الواقع يؤكد أن تركيا لا تملك القوة لوحدها للقيام طلب الذي تقدم به المدعي العام بحظر حزب العدالة بمثل هذا الانقلاب ومن الواضح أن الولايات المتحدة وأوروبا يعارضان ذلك حاليا.. إذا السؤال الذي يطرح نفسه من هي القوة التي تقف وراء هذا التحرك..أعتقد أن عصابات ergenekon" التي حاولت القيام بانقلاب ضد حكومة إردوغان عام 2009 هي التي تقف وراء هذه الدعوى.

سيناريوهات

في البداية دعونا نذكر الاحتمالات الممكنة ما بعد قرار المحكمة الدستورية بالموافقة على النظر في دعوى حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم:
أولا: حتى وإن أقرت المحكمة الدستورية بدعوى حظر الحزب الحاكم وأصدرت حكمها على رجب طيب إردوغان وغيره من السياسيين في الحزب؛ فإن ذلك لن يعني "الحظر السياسي التام".. يعني أن مثل هذا القرار المحتمل "يمنع المحكوم لمدة خمس سنوات من ترشيح نفسه كنائب في حزب سياسي أو أن يؤسس أو يدير أو يكون عضوا في أي حزب" لكن بالمقابل، فإن المحكوم يحق له ترشيح نفسه كنائب مستقل..وعند هذا المرحلة، فإن حزب العدالة والتنمية سوف يخوض الانتخابات بعد حظره تحت اسم آخر وإذا جمع الأصوات اللازمة فإنه سيصل مجددا إلى السلطة بينما إردوغان وأصدقاؤه سيدخلون البرلمان كنواب مستقلين.. حسنا، ولكن هل بوسع إردوغان أن يستعيد منصبه كرئيس وزراء وأصدقاؤه كوزراء مجددا؟.. هذا الأمر قد يناقش في المحكمة الدستورية من جديد.
ثانيا: من الخطأ التسليم مسبقا بأن الحزب سوف يحظر بالفعل.. فقد لا يحصل ذلك وتكتفي المحكمة بأن تقطع عنه الدعم المادي من خزانة الدولة.. وعندها، فإن كل ما ذكرته أعلاه عن الحظر يكون لاغيا.
من ناحية المبدأ، لا يوجد أدنى شك أن أحدا لا يريد أن يتم حظر حزب سياسي خصوصا مثل الحزب الحاكم الذي خرج حديثا من انتخابات تشريعية ما نراه الآن أن إردوغان لا يريد أن يلعب دور "الحمل المطيع" يعني هو يحضر لتعديل دستوري صغير وسط أو طويل لتمريره من البرلمان بهدف قطع الطريق على المحكمة الدستورية في حظر حزبه..

المعركة الأخيرة

العدالة والتنمية الحاكم ومنع 71 قياديا منه من مزاولة الحياة السياسية سيكون على الغالب المعركة النهائية والفاصلة التي ستحدد مصير البلاد بين حزب العدالة والتنمية الحاكم من جهة والنخبة العلمانية من جهة أخرى معركة أخيرة لأن التيار العلماني المتشدد فقد تقريبا جميع مكامن القوة داخل أجهزة الدولة إلا في المحكمة الدستورية وهي المؤسسة الفائقة الصلاحيات التي يحق لها محاسبة رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان.