الأسلحة السرية للعدالة التركي ضد دعوى حظره
6 ربيع الثاني 1429
طه عودة

شهدت تركيا خلال الأسابيع القليلة الماضية تطورات مثيرة للغاية وبدأت هذه الأحداث بالدعوى التي رفعها المدعي العام في محكمة التمييز عبد الرحمن يالتشينكايا في 14 مارس 2008 وطالب فيها بحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم وتجميد نشاط بعض قياداته بسبب ما أسماها سياساته التي تتعارض مع العلمانية وتطور هذا النقاش الساخن بعدما دخلت الأزمة السياسية في تركيا مع قبول المحكمة الدستورية طلب المدعي العام في نفق مظلم قد يعيد البلاد إلى سنوات التوتر وعدم الاستقرار التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في نهاية عام 2002.المراقبون السياسيون أكدوا بأن قرار المحكمة في غاية الخطورة نظرا لأنه يطال للمرة الأولى حزبا في السلطة من دون أن يكون وراء ذلك انقلاب عسكري وهو ما دفعهم لوصف القرار بأنه "انقلابا قضائيا" ضد الحزب الحاكم في تركيا والنقطة الأخرى في الدعوى المثيرة للجدل هي أن رئيس الجمهورية الذي لا يسمح الدستور بمحاكمته إلا بتهمة الخيانة العظمى قد أدرج أيضا ضمن الذين سيحاكمون.واللافت للنظر في الدعوى التي رفعها المدعي العام بأنه اتخذ مسألة " الحجاب " ذريعة أساسية لحظر الحزب الحاكم والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يطلب المدعي العام حظر حزب الحركة القومية أيضا الشريك لحزب العدالة والتنمية في بلورة التعديل الدستوري وإقراره الذي سمح للطالبات ارتداء الحجاب في الجامعات؟.ويمكننا قراءة هذه المفارقات والخروج بنقطة هامة وهي أن هناك تصميما قويا لدى القوى العلمانية المتشددة التي لا زالت تمسك بمفاصل أساسية في الجيش والقضاء للتخلص نهائيا وبدون رجعة من حزب العدالة والتنمية وشطبه من المعادلة السياسية التركية والأهم من ذلك إقصاء رئيس الوزراء الحالي رجب طيب إردوغان من الحياة السياسية
قرار المحكمة الدستورية،،
في البداية دعونا نذكر الاحتمالات الممكنة ما بعد قرار المحكمة الدستورية بالموافقة على النظر في دعوى حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم: أولا: حتى وأن أقرت المحكمة الدستورية بدعوى حظر الحزب الحاكم وأصدرت حكمها على رجب طيب إردوغان وغيره من السياسيين في الحزب، فإن ذلك لن يعني "الحظر السياسي التام".. يعني أن مثل هذا القرار المحتمل "يمنع المحكوم لمدة خمس سنوات من ترشيح نفسه كنائب في حزب سياسي أو أن يؤسس أو يدير أو يكون عضوا في أي حزب" لكن بالمقابل، فإن المحكوم يحق له ترشيح نفسه كنائب مستقل..وعند هذا المرحلة، فإن حزب العدالة والتنمية سوف يخوض الانتخابات بعد حظره تحت اسم أخر وإذا جمع الأصوات اللازمة فإنه سيصل مجددا إلى السلطة بينما إردوغان وأصدقائه سيدخلون البرلمان كنواب مستقلين.. حسنا، ولكن هل بوسع إردوغان أن يستعيد منصبه كرئيس وزراء وأصدقائه كوزراء مجددا؟.. هذا الأمر قد يناقش في المحكمة الدستورية من جديد. ثانيا: من ناحية المبدأ، لا يوجد أدنى شك أن أحدا لا يريد أن يتم حظر حزب سياسي خصوصا مثل الحزب الحاكم الذي خرج حديثا من انتخابات تشريعية.ما نراه الآن أن إردوغان لا يريد أن يلعب دور "الحمل المطيع" يعني هو يحضر لتعديل دستوري صغير وسط أو طويل لتمريره من البرلمان بهدف قطع الطريق على المحكمة الدستورية في حظر حزبه..
أسلحة حزب العدالة السرية،،،
طبقا للمراقبين، فإن حزب العدالة والتنمية يملك أسلحة سرية في يده لم يتم استخدامها بعد..وعليه، فإن قرار استخدام هذه الأسلحة أم لا سوف’يتخذ في الأيام القليلة القادمة ويقول المراقبون أن السلاح الأول الأبرز في يد الحزب الحاكم هو التمسك بحبل الاتحاد الأوروبي حيث أنه سيعرض على أحزاب المعارضة رزمة من الاقتراحات لإجراء تعديلات جذرية في القانون تعزز كلها من الحياة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان إلى جانب البند الأهم وهو تقليصها لإجراءات إغلاق الأحزاب السياسية.وهذه الرزمة ستكون تحت مسمى "رزمة ديمقراطية" يزينها الحزب الحاكم باقتراح تعديل المادة "301" (التي يطالب الاتحاد الأوروبي بإلغائها) وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد يحشد الدعم الأوروبي مقابل الضغط على المعارضة باسم "الديمقراطية".وطبقا للمراقبين أيضا فإنه في حال لم ينفع هذا الضغط على المعارضة، فإن الحزب الحاكم سيستخدم أهم سلاح يمتلكه والمتمثل في إجراء انتخابات مبكرة.وحسب وسائل الإعلام التركية فإن عدد المقاعد التي يمتلكها الحزب الحاكم في البرلمان (وهي 340 مقعدا) لا تكفي لوحدها في إجراء تعديلات دستورية.. وبالتالي، حتى لو حصل الحزب الحاكم على دعم حزب المجتمع الديمقراطي (الكردي الوحيد في تركيا- والذي أعلن دعمه للحكومة ويملك 19 مقعدا) فإن ذلك لن يكفيه لأن التعديلات الدستورية تحتاج لأغلبية الثلثين أي 367 مقعدا. وطبقا لذلك فإن الطريقة الوحيدة لجمع العدد اللازم هو في الضغط على المعارضة والسبيل الأمثل لذلك يأتي من خلال استخدام الحزب الحاكم لورقة الانتخابات المبكرة حيث أن أكثر ما تخشاه أحزاب المعارضة هو أن تكون دعوى الحظر المرفوعة ضد الحزب الحاكم قد رفعت من أسهمه الشعبية أكثر وهو ما قد يضعهم هذه المرة خارج البرلمان في حال حصل الحزب الحاكم على أصوات شعبية أكبر وكان حزب العدالة والتنمية قد استخدم هذه الورقة أثناء ترشيح وزير الخارجية عبد الله غول لمنصب رئيس الجمهورية حيث أنه هدد بورقة الانتخابات المبكرة للضغط على المعارضة وكانت النتيجة فعالة وبالتالي، يفكر الحزب في استخدام نفس الورقة من أجل إجبار الأحزاب المعارضة على المشاركة في التعديلات الدستورية الجديدة.وطبقا للمراقبين، فإن عصارة الحلول تتمثل في عرض حزمة تعديلات باسم الديمقراطية على أحزاب المعارضة وفي حال رفضوها فإنه سيتجه إلى الحل الأخير وهو الانتخابات المبكرة التي يعول عليها الحزب الحاكم بقوة في حسمها بأغلبية كبيرة لصالحه خصوصا أن دعوى الحظر رفعت ضده بسبب دفاعه عن الحجاب وهو أهم مطلب شعبي.. وبالتالي، فإن أي انتخابات مبكرة كما وأنها ستصب في مصلحته فإنها ستكون في نفس الوقت قاضية بالنسبة للأحزاب الأخرى التي عارضت الحجاب ووضعت الحزب الحاكم بمواجهة القضاء لتمثيله مثل هذه الإرادة الشعبية.
الخلاصة..المعركة بين العلمانيين والإسلاميين مرشحة للتصاعد في المرحلة القادمة ولكن من المؤكد أن تركيا هي المتضرر الوحيد من التقلبات السياسية التي تشهدها من الحين للآخر ويمكن القول أن الصراع القائم هو بين مشروعين متباينين وليس الحجاب سوى إلا أحد مظاهرها لكنه باعتقادي المشكلة أكبر من ذلك بكثير هناك قوى علمانية متشددة في تركيا وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية وأذرعها القضائية متضررة جدا من إصلاحات حزب العدالة والتنمية التي تهدف إلى دفن النظام الكمالي في البلاد لذا كانت في انتظار الفرصة للانقضاض على حكومة إردوغان وتدميرها نهائيا دون النظر في مصلحة البلد.