في إحدى القنوات الحكومية العربية، بدأ خبر عن غزة بجملة تشد "الجمهور الواعي" وتظهر حسن النية! (خمسة شهداء في غزة إثر قصف إسرائيلي) وفي أثناء المشهد (السريع) المؤلم عرضت دماء وصراخ وفزع وتشييع للشهداء، ثم قبل نهاية المشهد (المفزع)؛ تسللت الكاميرا –بعض المشاهدين ينسى أن خلف الكاميرا من يوجهها حيث يشاء!- إلى تجمع للعزاء، وتحديداً إلى امرأة كبيرة، كانت تبكي وتغطي وجهها بيديها، ثم كشفت عن وجهها وقالت: (حسبي الله على حماس، حسبي الله على حماس)! وانتهى المشهد (السريع) على ذلك، وانتقل المذيع بشكل أسرع! إلى مأساة أخرى... في (العراق!).
ليفهم المغزى من ذلك؛ لعلنا نتذكر كيف واجهت وسائل الإعلام اليهودية -والمتعاطفة معهم- الصورة المؤثرة لـ(مقتل محمد الدرة)، التي أثارت الرأي العام العالمي، فتم ترويج فكرة: (أن الفلسطينيين يسوقون أطفالهم إلى أماكن تبادل النيران بهدف الدعاية!، ومن ثم؛ تستغلها وسائل الدعاية والإعلام المغرضة ضد اليهود)، واستشهدوا على صحة تفسيرهم لذلك الحدث المؤثر؛ بما قامت به الجالية العربية والإسلامية في الغرب من جهد لكسب التعاطف الواسع مع تلك الصورة.
إن الملاحظ من تغطيات ومعالجات وسائل الإعلام العربية الحكومية للأحداث الأخيرة في (غزة المحتلة؟!)؛ أنها تدعو إلى تبني مواقف سلبية ضد حماس والجهاد، وبمعنى أصح ضد أي صوت للمقاومة، فهل يُعقل أن تكون السياسات الإعلامية العربية تستهدف إخماد مشاعر الكراهية ضد اليهود المحتلين المعتدين؟ وهل يُعقل أن يكون هذا مطلبا من مطالب اليهود وحلفائهم للرضا عن الحكومات العربية؟ وهل يُعقل أن هناك تشويها خفيا لصورة حماس؟
للإجابة عن هذه الأسئلة –الثلاثة- مجتمعة؛ يمكن أن يُعتمد على مقياس دقيق يستطيع كل متابع للإعلام العربي أن يحاكمه في ضوء هذا المقياس، وهو: (مقارنة صورة اليهود في وسائل الإعلام العربي مع صورتهم في كتاب الله (الحق المبين)، والتأمل في ملامح الصورتين، وذلك أن صورتهم في القرآن صورة حقيقية لا تقبل التعقيب ولا الجدل حول مكوناتها).
هذه بعض من ملامح صورتهم الحقيقية التي يجب أن تكون مادة لإعلام المسلمين، والتي تتمحور حول علاقة اليهود السيئة مع الخالق سبحانه وتعالى، الذين قال عنهم سبحانه: (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) وأنهم (سماعون للكذب أكالون للسحت) وقال عنهم (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) و(كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) (ويقتلون النبيين بغير حق).
أما علاقتهم مع المؤمنين فتتحدد ملامحها في آيات تتلى إلى قيام الساعة وإن تجاهلها الإعلام، ومنها قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)، وقوله (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير). وقوله سبحانه (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).
إن عرض الإعلام لهذه الآيات في حملات إعلامية سيعمل على تكوين معرفة حقيقية بصفاتهم وطبائعهم، ومن شأن ذلك أن يؤثر تأثيرا كبيرا على مسيرة الصراع معهم، حيث سيشكل بإذن الله ضغطاً كبيرا عليهم، نتيجة معرفتهم بمكانة القوة البشرية في إدارة الصراع، وهو ما يتوافق مع القاعدة القرآنية العظيمة في سورة الأنفال التي تحدد طريقة التعامل مع هذه النوعية من البشر–كما ذكرها المفسرون- حيث قامت على كشف صفات اليهود، ثم الأمر الصريح بإعداد القوة، ثم يلي ذلك امتلاك القوة.
يقول "أفريام أنبار" مدير سابق لمعهد بيغن - السادات للدراسات الإستراتيجية بجامعة "بار ايلان" في مقالة نشرتها صحيفة "الجيروزالم بوست": (إن الحروب لا تكسب في ساحات المعارك، بل تكسب أيضا بالكلمة) وتقول "ياهوديت أورباح" رئيس قسم الصحافة والاتصال في الجامعة نفسها؛ عن دور التلفزيون في الصراع: (إن شاشات التلفزيون أصبحت بلا شك ساحة المعارك الرئيسية، والحرب التلفزيونية هي ساحة المعركة، فالصورة أبلغ من ألف كلمة..). وهذا يعني أن اليهود يمكن أن يعملوا على تحييد الإعلام العربي عن ساحة الصراع.
إن المشهد (المدروس) -الذي ذُكر في البداية- واحد من المشاهد الكثيرة التي يستخدمها الإعلام العربي الحكومي للتعبير عن مواقف الحكومات من الصراع الإسلامي اليهودي، والاستجابة للضغوطات العالمية التي تمارسها المؤسسات الدولية بضغط من المجموعات اليهودية، والإعلام اليهودي، ولكن هل سيقود هذا إلى سلام مع اليهود؟!.
لقد آمنَ الدكتور "دانئيل بار طال" بأن الصراع "العربي الإسرائيلي" –وبمعنى أصح الإسلامي اليهودي- هو أحد أبرز الصراعات الأكثر خطورة عالمياً أو "غير الخاضعة للسيطرة"، والتي تتميز بطولها وعنفها وشمولتها، حيث يعتقد طرفا الصراع أنه ليس بالإمكان حله نتيجة للتناقض الكامن بين أهداف الطرفين، فيطورا بنية تحتية نفسية اجتماعية من المعتقدات والمواقف والمشاعر حول الصراع وجوانبه المختلفة.
وكان هذا خلاصة ما توصل إليه دانئيل -المختص في علم النفس السياسي والمحاضر في جامعة تل أبيب، والذي يعتبر أحد أبرز الباحثين في مجال بحث الصراعات وحلها، وقد شغل منصب رئيس "الجمعية الدولية لعلم النفس السياسي"- في كتابه: العيش مع الصراع (تحليل نفسي اجتماعي للمجتمع اليهودي في إسرائيل) وأعتقد أنه لم ينقل ذلك من القرآن الكريم!.
إن تحييد الإعلام العربي عن الصراع الإسلامي اليهودي يعني تجريد العرب من القوة الإعلامية، ويعني مزيدا من الضعف في التفاوض أو الحوار مع اليهود. كما أن خسارة "الطرف العربي" لصوت "الشعوب المسلمة" المتعطشة للانتقام من الجرائم اليهودية في حق المسلمين تعني؛ خسارة قوة ضغط كبيرة يمكن أن تعزز من صدق اليهود في طلب السلم.
والإعلام في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليس مزاحما في صنع القرار كما تستخدمه جماعات الضغط في المجتمعات الغربية وغيرها، وإنما هو مساعد في تهيئة البيئة لقبول القرار والموقف السياسي حيال القضايا الشائكة وغيرها. وقضية فلسطين أبرز القضايا التي عانت المجتمعات الإسلامية والعربية من تضليل حولها، لأن الإعلام العربي لا ينطلق من فراغ، وإنما هو مجسد للإطار السياسي الفاعل في بيئته، فما العمل؟.
المطلوب، أن تدرك الجماهير أنه ليس من السلام في شيء أن تتجاهل وسائل الإعلام العربي؛ الطبيعة التي جُبل عليها اليهود، وأهم المؤثرات في نفسية التجمُع اليهودي، خاصة وأن البنية التحتية لهذا الصراع تغذي سلوك الطرفين وتذكيه، فالقرآن الكريم يكشف في مئات الآيات عن صفات وأخلاق اليهود، ويبين لنا من خلالها طبيعتهم الشريرة، وأخلاقهم الهابطة الفاسدة، ويصف لنا الأسلوب الأمثل في التعامل معهم.
ثم؛ أن تدرك هذه الجماهير أن الحكم على حماس وأخواتها في فلسطين يجب أن يقوم على معلومات صحيحة، من مصادر موثوقة، وهو ما لا تملكه القنوات العربية الحكومية، ولا المقربة من الحكومات. وليس من حق وسائل الإعلام أن تعمل على فصل ما نعتقده ونؤمن به عن واقعنا الاجتماعي، وليس من حقها أن تغض الطرف -في محاولاتها لإقناع الجماهير بالسلام المبتور والظالم- عن أهداف الدولة الصهيونية وأطماعها، أو أن تحسن صورة اليهود في أذهاننا وتقول لنا غير ما يقوله لنا الذي خلقهم وخلقنا!.
وخلاصة ذلك؛ أن هناك عملا منظما يتم في وسائل إعلام عربية –هذه الأيام- بشكل علني -وبغير حياء- يصور الصهاينة على أنهم ضحية، ويعمل في الوقت ذاته على نزع شرعية (حماس)، ويصورها في صورة العدو للفلسطينيين، ويمحو إنسانيتها، وهذا لا يعني أن حماس ستخسر غايتها إذا فقدت جماهيريتها، إنما يعني أن الجماهير ستفقد الحماسة لقضايا أمتها، وربما تبنت مواقف تحاسب عليها أمام الله.