الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار: دوافع سياسية "أمريكية" وراء ارتفاع أسعار النفط
24 جمادى الثانية 1429
همة برس – خاص بالمسلم

اعتبر الخبير الاقتصادي المصري أحمد السيد النجار، مدير تحرير التقرير الاقتصادي الاستراتيجي السنوي للدراسات السياسية الإستراتيجية للأهرام، أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار البترول في السوق العالمي يعود لأسباب سياسية تريدها الولايات المتحدة من أجل استكمال سعيها للسيطرة على النفط العراقي.

وأكد النجار في حوار خاص لموقع "المسلم" أن الولايات المتحدة مستفيدة من وراء هذه الارتفاعات خاصة بعد قيام المملكة العربية السعودية بزيادة حصتها من إنتاج النفط الخام إلى 9.45 مليون برميل يوميا في يونيو من عام 2008، تلك الزيادة التي جاءت بضغوط أمريكية واضحة، مشددًا على أن دولا كثيرة كالصين متضررة جراء هذه الارتفاع القياسي في أسعار النفط.

وحذر الخبير الاقتصادي أحمد النجار من استمرار الارتفاع القياسي في أسعار النفط خاصة بعد صدور تقارير تتحدث عن وصول سعر البرميل خلال الـ6 أشهر المقبلة إلى ما يقرب من 200 دولار، رغم أنه استبعد الوصول لهذا الرقم إلا أنه عاد وقال بات كل شيء متاحا في ظل سيطرة القطب الواحد على العالم.

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* قبل بدء الحديث؛ هل من الممكن أن تعرف قراء موقع المسلم بشخصكم الكريم؟
** اسمي أحمد السيد النجار، حاصل على بكالوريوس الاقتصاد من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة 1984م، أقوم بالإشراف على إصدار وتحرير تقرير الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية، ومتخصص في الاقتصاد المصري وعلاقاته الدولية، والعلاقات الاقتصادية الدولية، والتعاون الاقتصادي الإقليمي وأسواق المال، وقضايا المياه والزراعة خاصة في المنطقة العربية، والسياسات الاقتصادية العامة وأبعادها الاجتماعية، حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الاقتصاد عام 1999م، وحصلت على جائزة الدولة الأولى عن أفضل مقال تحليلي عام 1989.

* بداية ما هي الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع أسعار النفط في العالم؟
** ليعلم الجميع أن السياسة لا تغيب عن هذا الأمر، وأنا أرى أن هناك أمور سياسية لها عامل أساسي في ذلك، وأذكر بأزمة هبوط الدولار في أمريكا؛ حيث إنها تريد من ارتفاع أسعار النفط السيطرة على النفط العراقي، إضافة إلى وقف الاقتصاديات الأخرى في آسيا، وخاصة الاقتصاد الصيني، ليتضرر من هذا الارتفاع وبالتالي يتم تحجيمه، حتى تستطيع الولايات المتحدة إعادة قيمة الدولار إلى ما كانت عليه من قبل.

خاصة وأن الصين تعتبر حاليًا من أكبر مستهلكي البترول في العالم، فبكين باتت ثاني مستهلك للنفط بعد أمريكا، وزيادة فاتورة استهلاك الصين للبترول تؤثر عليها بشكل كبير، مما يصب في مصلحة الولايات المتحدة التي تعتبر الصين منافسا مستقبليا لها، أضف إلى ذلك أزمة الملف النووي الإيراني التي تعتبر من أهم الأسباب السياسية القوية وراء ارتفاع أسعار النفط.

* لكن هل الأسباب السياسية هي فقط السبب في ارتفاع أسعار النفط؟
** بالطبع لا.. هناك عوامل أخرى ومنها على سبيل المثال: "تقلّب العملات" مثلما حدث في تراجع قيمة سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل سائر العملات الرئيسية، وأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة التي أدت إلى انخفاض نسب فوائد الخزينة الأمريكية مما تسبب في تدهور الدولار مقارنة باليورو".

كما يرجع بعض الخبراء أسباب ارتفاع أسعار النفط إلى عوامل أخرى أبرزها: تردي الأوضاع الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط التي تسيطر على مخزون عالمي ضخم من النفط، إضافة إلى تراجع الاستقرار في كل من نيجيريا وفنزويلا، كما تلعب الشركات النفطية العالمية والمضاربون دورا في رفع الأسعار.

ويعود جزء من ارتفاع أسعار النفط إلى أسباب مناخية حيث تعرضت الولايات المتحدة المستهلك الأول للنفط لعواصف بحرية أوقفت إنتاجها لكميات لا بأس بها من النفط، وشلت قدرة بعض مصافيها النفطية في خليج المكسيك على إنتاج مشتقاته.

كما يحمل مسئولون في منظمة أوبك الدول المستهلكة جزءا من مسؤولية ارتفاع الأسعار، وذلك لفرضها ضرائب عالية على مشتقات النفط وصلت في بعض البلدان الأوروبية إلى ما نسبته 70%، كما وجه الكثير من خبراء صناعة النفط انتقادات إلى الولايات المتحدة لقدم مصافي التكرير فيها وعدم إقامة مصاف جديدة توفر إمدادات كافية من المنتجات النفطية.

ويعتقد البعض أن السبب يكمن في زيادة الطلب على النفط في السنوات الأخيرة يعود إلى زيادة طلبه أيضا في الهند، حيث زاد طلبها بشكل ملفت في ظل نمو اقتصادي مطرد.

وأنا شخصيًا أعتبر أن لأوبك دور مهم في ارتفاع الأسعار خاصة أنها ترفع الإنتاج بشكل لا يتناسب مع الزيادة في الطلب، ولا ننسى دور المضاربين الذين يتسببون في أحيان كثيرة في رفع أسعار النفط، لكني أرى أن دور المضاربين في رفع أسعار النفط ضئيل جداً.

* لكن ما هي أكبر الأسباب وراء ارتفاع أسعار النفط؟
** بالطبع أزمة الدولار واتجاه الولايات المتحدة للسيطرة على نفط العراق ورغبتها في التأثير على اقتصاديات دولا أخرى تنافسها كالصين، ولكن لن ننسى انعكاسات السوق لأنه لا يمكن تخفيض أسعار النفط بسرعة أو بسهولة لأن الأمر يتطلب زيادة الطاقة الإنتاجية من جهة، وتغير سلوك استهلاك الفرد من جهة أخرى.

وبالمنطق نفسه؛ فإن القول بأن ارتفاع الأسعار يعود إلى المضاربات له انعكاساته لأنه بمجرد انفجار "فقاعة المضاربات" ستنهار أسعار النفط، غير أنه يجب علينا ألا ننسى أيضًا دور السياسة النفطية الأمريكية في ارتفاع أسعاره!!.

* وهل تعتقد أن السياسة النفطية الأمريكية وراء ارتفاع السعر العالمي للنفط؟
** بالتأكيد فهذه السياسة وفشل توقعاتها، سببا مهما لا يستهان به وراء موجة الغلاء الفاحش لأسعار النفط، فقد كانت هذه السياسة التي تصاعدت منذ بداية عام 1998م، عندما ترك الأمريكان سعر البرميل ينخفض حتى وصل إلى 12.3 دولاراً في منتصف عام 1998م، وفي خريف نفس العام وصل إلى 10 دولارات دون أن تفعل أمريكا شيئاً يذكر لدعم دول النفط، كي تحافظ على السعر العالمي للنفط، أو حتى للوقوف بالسعر عند حد معين محدد.

ولكي تضمن تدفق النفط بأسعار منخفضة تناسب الاقتصاد الأمريكي لم تجد واشنطن غير العراق بديلاً، ولكن انقلب سحر النفط العراقي على الساحر الأمريكي، إذ أنهم أرادوا استخدام العراق، والسيطرة على نفطه للتحكم في السعر العالمي للنفط بما يناسب الاقتصاد الأمريكي، فإذا بالعراق يصبح سبباً لهذا الارتفاع الجنوني في أسعار النفط، وذلك بسبب تعطل ضخ البترول العراقي من الجنوب فضلاً عن الأحداث الدامية التي اندلعت في معظم المحافظات العراقية مع تزايد التهديدات بتفجير خطوط أنابيب النفط العراقي، مما يؤدي إلى وقف تصدير النفط العراقي.

* وهل يمكن أن يستمر هذا الوضع؟، وهل هو مرهون فقط بالأمن والاستقرار في العراق؟
** الأمر يتوقف على قدرة قوات الاحتلال الأمريكي بالعراق على السيطرة على منابع النفط، وقمع المقاومة العراقية، وتأمين قطاع النفط وصادراته، وزيادتها للمستويات المطلوبة، فإذا استطاعت أن تحقق ذلك يمكن أن يحدث انخفاض للأسعار.

وربما تدعم شركات النفط التي لها مصالح كبرى ولو بشكل تكتيكي الإدارة الأمريكية، لأن هذه الإدارة تضم بينها عدداً من رجال الأعمال أمثال نائب الرئيس بوش السيد ديك تشيني، الذي كان يعمل في منصب رئيس مجلس إدارة شركة (هاليبرتون) النفطية، كبرى شركات النفط في العالم، وأيضًا وزيرة الخارجية السيدة كوندليزا رايس المديرة السابقة لشركة (شيفرون) النفطية.

وقبلهما الرئيس الحالي جورج بوش نفسه، والذي كان يعمل في (سبكترا) وهي أيضاً من كبرى شركات النفط الأمريكية، ولا بد أن هذه الشركات سوف تدعم بوش لتضمن تخفيض سعر النفط، بالتعاون مع المضاربين ذوي المصالح الكبرى مع هذه الإدارة التي فتحت لهم دولة نفطية، ظلت حلمهم لسنوات طويلة وهي العراق.

* ولكن من هو في تقديرك الطرف الرابح من هذه الزيادة الكبيرة في أسعار النفط؟
** يبقى المنتج دائماً هو المستفيد الأكبر من ارتفاع أسعار النفط، لأنه يعني ارتفاع إيرادات الدول المصدرة للنفط.

* لكن بماذا تفسر قيام المملكة العربية السعودية برفع إنتاجها من النفط؟
** هذا القرار لا يأتي إلا بضغط أمريكي، لأنه يأتي في الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة التخفيف من حجم كارثة انهيار الدولار وأزمة الرهن العقاري، فالسعودية رفعت حصتها من إنتاج النفط الخام إلى 9.45 مليون برميل يوميا في يونيو من عام 2008.

وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بعد دور أمريكي خاصة أنها تعلم أن نفط الخليج لن يستمر طويلا وأنه معرض للفناء ربما بعد 40 أو 50 سنة وبالتالي فالزيادة تعجل من هذا الفناء، وفي رأيي هو قرار ليس في صالحها وإنما في صالح قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة.

* هناك تقارير تتحدث عن ارتفاع أسعار النفط لمستوى قياسي.. كيف تقرأ ذلك؟
** بالفعل أنا أحذر من تواصل استمرار ارتفاع أسعار النفط.. خاصة بعد صدور تقارير تتحدث عن وصول سعر البرميل خلال الـ6 أشهر المقبلة إلى ما يقرب من 200 دولار، ورغم أني استبعد الوصول لهذا الرقم إلا أني أقول إنه بات كل شيء متاحا في ظل سيطرة القطب الواحد على العالم.

* أين دور أوبك من الارتفاعات؟
** كما سبق وقلت إن لأمريكا دور ضاغط قوي على المنظمة الدولية لا يمكن تجاهله، خاصة في منعها من زيادة طاقتها الإنتاجية وما نتج عن هذه السياسة من فرض حظر اقتصادي على عدد من كبار الدول النفطية منعها من تطوير طاقتها الإنتاجية، ومنع شركات النفط العالمية من الاستثمار فيها.

كما أنه لا يمكننا تجاهل الدور الأمريكي والأوروبي في إقناع دول النفط في الخليج في نهاية التسعينيات بأنه ستكون هناك زيادة ضخمة في إنتاج دول خارج "أوبك"، خاصة من بحر قزوين وروسيا وغرب إفريقيا، الأمر الذي جعل بعض دول "أوبك" ترفض الاستثمار في بناء طاقة إنتاجية فائضة، وبعد انخفاض إنتاج دول خارج "أوبك" تبين أن هذه التحذيرات لم تكن صحيحة.

* هذا يفسر اتجاه أمريكا ودولا أوروبية للبحث عن النفط في دول مثل السودان وبعض دول غرب أفريقيا التي تم اكتشاف النفط فيها؟
** بالطبع.. ولك أن تعلم أن السودان خاصة باتت مطمع لهؤلاء وهو ما يفسر اتجاه الولايات المتحدة للعمل على تقسيم السودان لأن النفط يقع في الجنوب والأمر برمته يسير في هذا الاتجاه وإذا نجحت في مخططها فإن السودان ستخسر مورد هام ظللت أعوام تنتظر استخراجه من باطن الأرض.

* كيف ترى فك الارتباط الخليجي عن العملة الأمريكية "الدولار" وما وراء هذا القرار؟
** دعني أعيد رأيي بأنه وراءه شأن سياسي، فإن بدا للعوام أنه قرار سيضر بالولايات المتحدة فإني أرى أن أمريكا موافقة تماما على هذا القرار خاصة أن العلاقات بين الجانبين (الخليجي والأمريكي) أقوى من أن يخرج الخليج من العباءة الأمريكي بهذه السهولة.

وهو بالفعل أعطى الضوء الأخضر لذلك خاصة من تخوفه من أن يؤثر تراجع الدولار على اقتصاديات دول الخليج وهي الدول التي يعتمد عليها كثيرًا في ضبط سوق الصرف لديه.

وأذكر بأن تقريرًا صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية ذكر أن ارتفاع الضغوط التضخمية قد أدى إلى نقاشات مكثفة في منطقة الخليج حول ضرورة أن تُعيد دول مجلس التعاون الخليجي تقييم عملاتها أو تغيّر أنظمة أسعار صرف تلك العملات.

والولايات المتحدة تعلم أن ارتفاع التضخم في الخليج يضر باقتصادها جدًا وبالتالي سمحت لدول مثل الإمارات وقطر والكويت بفك الارتباط، والواضح أن الولايات المتحدة تدرك جيدًا الحاجة لوجود مزيد من المرونة في أسعار العملات، حيث تُعتبر سرعة ازدياد التضخم المصدر الرئيسي للضغوط باتجاه رفع أسعار العملات.

* لكن ما هي أهم أسباب ارتفاع التضخم في دول الخليج؟
** الأسباب الأساسية التي تقف وراء التضخم في دول الخليج كثيرة، لكن أهمها ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وضغوط الطلب القوية، وفيض السيولة الداخلية، وأذكرك بتقرير الخزانة الأمريكية الذي أشار إلى أن سعر الصرف الحقيقي والفعلي لا يزال ضعيفاً نسبياً في دول الخليج على الرغم من ازدياد التضخم.

مما يدل على أن الخزانة تظن أن الضغوطات التضخمية مرشحة للاستمرار هناك في غياب تصحيح سعر الصرف.