الخبير في الشأن التركي سعد عبد المجيد كاشفاً الخطوط الحمراء التي تجاوزتها "العدالة": غالباً سيحل الحزب.. والجيش المحرك الفعلي
7 رجب 1429
همام عبدالمعبود

غلق حزب العدالة والتنمية ونسف أركانه هو الخطوة القادمة

الجيش هو المحرك الفعلي للانقلاب المدني السياسي والقانوني الذي يجري بالبلاد

أوضح الخبير والمحلل السياسي سعد عبد المجيد المتخصص في الشئون التركية أن "الجيش التركي هو المحرك الفعلي للانقلاب المدني السياسي والقانوني الذي تجري أحداثه منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى منصة الحكم، وأن هذه الحرب قد ازدادت ضراوتها منذ أن تسلم القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد الله جول مقاليد السلطة في البلاد؛ مشيرًا إلى أن "الجيش عقد المؤتمرات والندوات المؤيدة للجمهورية العلمانية الآتاتوركية والإدعاء بأن الجمهورية ومبادئ آتاتورك في خطر".

وفي حوار خاص لموقع "المسلم" قال الخبير الإعلامي سعد عبد المجيد- المصري الجنسية والذي يعيش في تركيا منذ قرابة ربع قرن-:"التغريب العلماني يُصِرُ على تقزيم وتحجيم الإسلام الذي يدين به أكثر من 90% من تعداد الشعب التركي، وأن نجاحات حزب العدالة والتنمية والاستقرار السياسي والمجتمعي بعد عام 2002م، والتصاعد المستمر في الدعم الجماهيري للحزب، والانتقال من نسبة 34% إلى نسبة 47% انتخابيا قد أزعج التيار العلماني المعارض للإسلام أو أي توجهات أو رموز تتعلق بالإسلام".

وأكد عبد المجيد أن مسألة حق المرأة في ارتداء الحجاب التي تستخدم ضد حزب العدالة والتنمية بقوة، كدليل على التوجه الإسلامي، ليست من اختراع العدالة، ولا حتى من اختراع أي حزب أو مجموعة، بل هو فرض إسلامي على المرأة المسلمة، مؤكد بنصوص القرآن الكريم وصريح السنة النبوية المطهرة.

وأشار الخبير في الشئون التركية إلى أن صدور قرار من المحكمة الدستورية بحل حزب العدالة والتنمية أمر وارد بقوة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار قرارها الأخير والغريب بإلغاء مادتين دستوريتين صدق عليهما البرلمان والرئيس، تتعلقان بإطلاق حرية الملابس بالجامعات، وبينها ضمنا الحجاب؛ معتبرًا أن "غلق حزب العدالة والتنمية ونسف أركانه هو الخطوة القادمة".

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:

* هل ما يحصل الآن في تركيا هو انقلاب؟ وإذا قلنا إنه انقلاب هل هو انقلاب عسكري بأداة القضاء؟ أم هو انقلاب فكري سياسي قانوني قضائي مسكوت عنه من قبل الجيش؟

** نعم ما يحدث يمكن أن يوصف بالإنقلاب المتطور بمعنى أن موضة الانقلابات العسكرية المباشرة عبر الدبابة والمدفع واعتقال المسئولين الحكوميين والبرلمانيين لم تعد مقبولة داخليا وخارجيا.

 

ودور الجيش لا يمكن أن يوصف بالبريء أو الساكت عن انقلاب يحدث بعيدا عنه أو بدون علمه، بل العكس هو المحرك الفعلي للانقلاب المدني السياسي والقانوني لأنه هو الذي أخرج للرأي العام التركي والعالم الشكل الجديد من الانقلابات على الحكومات المنتخبة وذلك عام 1997 ضد حكومة حزب الرفاه بزعامة الدكتور نجم الدين أربكان التي وصفت بالمعادية للعلمانية والآتاتوركية وهى تقريبا نفس التهمة الموجهة لحزب العدالة والتنمية.

 

فالجيش هو الذي عقد ما أسماه بالمؤتمرات والندوات المؤيدة للجمهورية العلمانية الآتاتوركية والإدعاء آنذاك بأن الجمهورية ومبادئ آتاتورك في خطر واستخدم بعض أجهزة الإعلام الرسمية والخاصة لتخويف الحكومة وعرقلة أعمالها وإشغالها بأمور مصطنعة.

 

انقلابات جديدة ومستحدثة تتم بعصا الإعلام والقانون والقضاة ورؤساء الجامعات ومجلس أعلى التعليم وجمعيات فكرية مدنية وأحزاب سياسية أيضا تتفق مع توجه التغريب العلماني المُصر على تقزيم وتحجيم الإسلام الذي يدين به نسبة تتجاوز90% من عدد السكان.

 

واللقاءات السرية التي اعترف بها الفريق إلكر باش بوغ نائب رئيس أركان الجيش الحالي مع  عثمان باكسوت – اعترف بها أيضا - وكيل رئيس المحكمة الدستورية قبل تقدم النائب العام بدعوى طلب غلق حزب العدالة والتنمية أبرز الأدلة العملية على علاقة الجيش بما يدور حاليا.

 

* وهل تعتقد أن حزب العدالة والتنمية يريد بالفعل أن يعيد تركيا إلى مرحلة الإسلامية أم إن العلمانيين الذين يوصفون بأنهم شوفونيون ومتطرفون لم يعودوا يتحملون نجاح حزب العدالة والتنمية اقتصاديا وسياسيا؟

** مما لا شك فيه أن نجاحات حزب العدالة والتنمية والاستقرار السياسي والمجتمعي بعد عام 2002 والتصاعد المستمر في الدعم الجماهيري للحزب والانتقال من نسبة 34% إلى نسبة 47% انتخابيا شيء مزعج جدا للتيار العلماني المعارض للإسلام أو أي توجهات أو رموز تتعلق بالإسلام.

 

إن الأحزاب العلمانية المتطرفة تتلقى الهزيمة تلو الهزيمة من الناخب وجموع الشعب الرافضة للتطرف والتغريب وتتعرض لانشقاقات مؤلمة داخليا بسبب تلك الهزائم والبقاء في الظل. من هنا لم يكن ممكنا أن تقبل تلك الأحزاب تصاعد الدعم الجماهيري للعدالة وتراجعها وسقوطها في نظر الشعب.

 

وكما يقول البعض هنا أن هناك اشتياقا للحكم من طرف الحزب الجمهوري لأنه في المعارضة منذ عام 1994 والحكومة الائتلافية التي تولاها الحزب اليساري الديمقراطي 99-2002 بزعامة الراحل بولنت أجاويد ساقت تركيا لفاجعة اقتصادية هددتها بإفلاس أمام مؤسسات التمويل الدولية.

 

أما القول أن حزب العدالة والتنمية يسعى لإعادة تركيا لمرحلة إسلامية فهذا يحتاج لأدلة واقعية وعملية تثبت هذا القول. لأن مسألة حق المرأة في ارتداء الحجاب التي تستخدم ضده بقوة كدليل على التوجه الإسلامي، ليست من اختراع العدالة ولا حتى من اختراع أي حزب أو مجموعة بل هو فرض إسلامي على المرأة مؤكدًا بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

 

لذا الشعب وحده المسئول الأول عن حماية أو الدفاع عن معتقداته ودينه وبما أن المرأة تمثل نصف عدد أصوات الناخبين بتركيا والمحجبات منهن يمثلن نسبة 80% تقريبا لا يكون غريبا أن يقوم أي حزب سياسي حاكم برعاية متطلبات الجماهير التي تسانده سواء كان مقتنعا أو غير مقتنع بهذه الفكرة أو هذا المعتقد.

 

لأن الفيصل في العمل السياسي هو إرضاء الجماهير لنيل أصواتها وهذا نراه واضحا في حملات انتخابية وقرارات حكومات الغرب وروسيا.فضلا عن الضمانات التي يكفلها الدستور التركي أساسا لحق التعليم وحريته دون تمييز.

 

* هل ترى أن حزب العدالة والتنمية تجاوز خطوطا حمراء سواء داخليا أو خارجيا حتى يذهب البعض في اتجاه حله؟

** من وجهة نظر الغرب والتيار العلماني التغريبي تجاوز العدالة والتنمية بعض الخطوط الحمراء في تعامله مع طلبات الغرب وعلى رأسها عدم قبول إيواء القوات الأمريكية- البريطانية عام 2003 التي غزت العراق وقاوم في البداية فتح القواعد العسكرية والمجال الجوى للاستخدام ضد العراق، ثم قبل فيما بعد - مع تهديدات شديدة غير علنية - فتح المجال الجوى للصواريخ المنهمرة على العراق وطائرات الموت (بى 52 ) مرورا بالأراضي التركية.

 

أيضا تركيا والعدالة رفضتا قيام قواتها الموجودة بأفغانستان بعمليات قتالية ضد حركة طالبان أو ما يسميه حلف شمال الأطلسي محاربة الإرهاب، واشترط عدم قتال "حزب الله" بجنوب لبنان أو التصادم معها عبر مشاركته في قوة السلام الأممية.

 

وحزب العدالة والتنمية فتح الباب للاستثمارات والأموال العربية لدخول تركيا أسوة بالمال الغربي، وانفتح في علاقات قوية متنوعة وسلمية مع دول الجوار وخاصة سوريا،لكنه امتنع عن إعادة علاقات تركيا مع جمهورية أرمينيا تضامنا مع آذربايجان التي احتل ثلث أراضيها عام 1994 من أرمينيا بدعم روسيا والعالم الغربي.

 

حزب العدالة والتنمية أيضا فتح الأبواب واسعة لمؤسسات المجتمع المدني التركية التي طوّرت من طرفها علاقات جديدة مع مثيلاتها في البلاد العربية والإسلامية وتقوم بدور فعال في مساعدة مسلمي البلقان على العودة لتراثهم وثقافتهم الإسلامية.

 

وحزب العدالة دخلت حكومته للقارة الأفريقية بنشاط وهمة للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية ويستثمر الأتراك مليارات هناك ونفس الموقف في دول القوقاز وآسيا الوسطى علاوة على حركة المساعدات الإنسانية التي تقوم بها الجمعيات ودور الوقف الخيري التركية هناك.

 

نفس حكومة حزب العدالة تسعى لتشكيل مركز توزيع رئيسي أو بورصة للطاقة الدولية- بترول وغازات طبيعية- في منطقة جيحان على ساحل المتوسط، حكومة العدالة أيضا لم تشارك في الحصار الأمريكي- الأوروبي المفروض على إيران ولا عارضت حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية ورفضت طلب أمريكا في استخدام أراضيها للاعتداء على إيران لتدمير مفاعلاتها النووية.

 

حكومة حزب العدالة والتنمية استضافت مؤتمر القدس الدولي 2007م، الذي لم تقبله بلاد ينص دستورها على مبدأ "الدولة الإسلامية" وهو المؤتمر الذي رآه كثير من المراقبين ناسفا ومدمرا لمؤتمر آنابوليس الأمريكي قبل انعقاده.

 

هذه الأمثلة ربما تعطى انطباعا أو فهما لما يمكن أن يكون مزعجا لدوائر بالداخل والخارج لأنه هذه التحركات الخارجية تعنى سعيا نحو لعب تركيا دورا مؤثرا بالمنطقة والسياسة الدولية خاصة وأنها تسعى اليوم للحصول على عضوية مؤقتة لمجلس الأمن الدولي وتطالب بتوسيع عضويته لكي يكون هناك مقعدا دائما للعالم الإسلامي الممثل لربع سكان المعمورة. أما على مستوى الداخل لا يمكن القول أن الحزب تجاوز المُحرمات العلمانية إذا استثني مطلب حق المسلمة في الحجاب بالتعليم.

 

* حزب العدالة والتنمية يتهم العلمانيين الذين يصفهم بالمتطرفين بأنهم يريدون قمع الديمقراطية، أما العلمانيون فإنهم يتهمون حزب العدالة والتنمية بأنه يتدثر بعباءة الديمقراطية من أجل العودة بتركيا من مرحلة العلمانية والحداثة إلى مرحلة المشروع الإسلامي السياسي.. فأين الحقيقة؟

** يحق لكل الأحزاب والتيارات السياسية تبادل الانتقادات والتهم وما هو أبعد من هذا وذاك في إطار السعي نحو الحكم سلميا وبمنطق أسسه الغرب في علم السياسة وهو المنطق النفعي والغاية تبرر الوسيلة. أما مسألة قمع الديمقراطية فلا يمكن الاعتداد به اتهاما عمليا وواقعيا ضد العدالة، لأن نتائج الانتخابات تبرز العكس بوصول عدد من الأحزاب للبرلمان والبلديات وبناء الحزب الجمهوري مبناه الحديث والضخم في أنقره لأول مرة وفى عهد حكومة العدالة ونفس الأمر تم لحزب الحركة الوطنية المعارض.

 

بل وتمكن التيار السياسي الكردي من تشكيل أو مجموعة برلمانية له في تاريخه عبر حزب المجتمع الديمقراطي المعارض وإذا نظرنا لعدد التظاهرات والمؤتمرات التي نظمت ضده من طرف التيارات المعارضة في السنوات الخمسة الماضية لا يكون منطقيا وصفه بالحزب القامع وهناك قرارات قضائية ضد رئيس الحزب والحكومة نصرت أفرادا ومؤسسات ضده.

 

وهل هناك أي بلد ديمقراطي بالعالم تمنع فيه زوجة رئيس الدولة أو الحكومة أو الوزير وعضو البرلمان من التواجد مع زوجها أو ولدها في الاحتفالات الرسمية بسبب ملابسها (الحجاب)؟! هل يمكن أن يوصف حزبا أو حكومة تتعرض لهذه المضايقات غير الإنسانية بحكومة القمع؟!

 

* العلمانيون يتهمون حزب العدالة والتنمية الحاكم بأنه حزب إسلامي، وهو ينفي أنه حزب إسلامي، بل ربما يذهب أكثر من ذلك ليصف نفسه بأنه حزب علماني، فيما يصفه البعض بأنه حزب علماني ديمقراطي ذو جذور إسلامية.. فبما تصفه أنت من خلال قراءتك لبرنامجه ومنهجه وتاريخه أيضا.

** من ناحية القوانين والدستور التركي لا يجوز إنشاء حزب إسلامي أو على أساس ديني بحجة أن هذا يتعارض مع العلمانية، رغم وجود أحزاب مسيحية (ألمانيا – هولندا) بالعالم الغربي. غير أن حزب العدالة والتنمية المتشكل عمليا من تيارات المحافظة (مجموعة الأعضاء من أحزاب الرفاه والفضيلة المغلقين دستوريا) ويمين الوسط (مجموعة الأعضاء من أحزاب مثل الوطن الأم والطريق القويم) والجمهوري (مجموعة الأعضاء المنفصلة عن الحزب الجمهوري اليساري الآتاتوركي) لا يمكن وصفه بالإسلامي.

 

من هنا وفى ضوء هذه الحقيقة وبرنامج الحزب والمنهج الذي يسير عليه لا يمكن وصفه أو نعته بالحزب الإسلامي وإن كان هذا لا يمنع أن بعض قياداته البارزة تنتمي ضمنا للتيار السياسي الإسلامي القادم من حركة "ميللى جُورورش: التجمع الوطني" التي أسسها الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان في مطلع السبعينات من القرن الماضي.

 

إن الأحزاب السياسية الإسلامية– هي نادرة في عالم اليوم- لا بد وأن يكون لها برامج سياسية تستند للفكر السياسي الإسلامي وتتخذ من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والشريعة الإسلامية وقادة الإسلام العظام والخلفاء الراشدين منهجا في تحركها بين الجماهير أو في السلطة والحكم ولا بد أيضا أن يكون هناك نظاما سياسيا بالدولة أو المجتمع يسمح بإنشاء مثل هذه الأحزاب كما هو الحال في الأحزاب المسيحية الديمقراطية بالعالم الغربي.

 

خلاصة القول أنه لا يجوز وصف العدالة والتنمية التركي بالحزب الإسلامي وإن كان جائزا وصفه بالمحافظ الديمقراطي.

 

* البعض يرى أن الصراع الحقيقي في تركيا ليس بين الإسلاميين والعلمانيين، وإنما بين الديمقراطيين وغير الديمقراطيين، وأن المشكلة الكبرى أن التيار العلماني التركي أصبح تيارا يعتمد العنف والقمع والبوليس من أجل الدفاع عما يسميه بالعلمانية؟ فما رأيكم في هذه الرؤية؟

** وجود صراع بين تيارين بتركيا لا شك فيه. وإذا جاز القول بوجود تيار علماني ديمقراطي أو يساري فإنه لا يجوز عمليا القول بوجود تيار سياسي إسلامي علني بتركيا بسبب الدستور والقوانين التي تجيز الحرية السياسية للأحزاب العلمانية وتحظرها على الأحزاب الإسلامية وإن كان له وجود فعلى وعملي عبر الفكر.

 

أما مسألة العنف والقمع العلماني، فلم يعد هناك وجودا لأي قمع أو عنف علماني على المستوى الرسمي، حكومة أو معارضة، وإن كان هناك عنفا بالطبع في التنظيمات اليسارية العلمانية غير الرسمية والسرية، وربما ينطبق نفس الوصف على التنظيمات الإسلامية  والقومية غير العلنية العنيفة.

 

لكن واقع الحال بتركيا يشير إلى عدم وجود عنف للسلطة المدنية ضد المعارضين المدنيين وأجهزة الأمن الرسمية لا تستخدم من طرف الحكومات المنتخبة لقمع المعارضة العلنية الرسمية ولكنه تستخدم ضد المعارضة المسلحة والعنيفة والتنظيمات السرية.

 

غير أن العلمانيون في الأوساط المدنية يستخدمون ما يمكن أن نسميه عنف الإعلام (الخاص) وسلطة القضاء المسيّس والإيديولوجي في حماية علمانيتهم اللادينية. وقرارات المحكمتين الإدارية العليا والدستورية أو مجلس أعلى التعليم ضد حرية حجاب المرأة دليل عملي.

 

* هل ما يحصل الآن من جديد يؤكد أن هناك صراع هوية داخل تركيا أم أنه مجرد صراع سياسي؟

** هناك صراع للهوية بالفعل وصراعا سياسيا جنبا لجنب بتركيا ليس وليد اليوم ولكنه بدأ منذ إنشاء الجمهورية عام 1923م، ولازال مستمرا ويزداد حدة مع كل تقدم أو نجاح يحرزه التيار السياسي (الإسلامي) أو تراجع للتيار العلماني التغريبي.

 

فالهوية التركية بمعناها الشامل لم تحسم بعد والصراع مفتوح بين من يسعون للتغريب وبين من يسعون للعودة للجذور الإسلامية والشرقية.

 

* أنصار حزب العدالة والتنمية يقولون، إن الحزب على مدى السنوات التي حكم فيها نجح في إشاعة الديمقراطية والعدالة والحريات والتنمية الاقتصادية والرفاهية الاقتصادية... فما تقييمك لمدى صحة هذه الرؤية؟

** لا شك في أن فترة حكم حزب العدالة والتنمية شهدت ولازالت تشهد تقدما ملحوظا في الاقتصاد والتنمية ومساعي قوية نحو الأفضل ورفع مستويات الحياة وتطورها وتشهد أيضا نجاحات في العمل البلدي ومؤسسات المجتمع المدني.

 

أما الديمقراطية أو بمعنى أصح الشكل المطبق عمليا وواقعيا للحريات السياسية ليس من صنع حزب العدالة والتنمية وحده وإنما هو تراكمات وكفاح طويل للشعب التركي نحو حريته السياسية بدأ عام 1946م، واجه مصاعب وعراقيل جمة ولكن هذه المسيرة تتقدم كل يوم خطوة.

 

ومع هذا لا يمكن القول أن حزب العدالة والتنمية لم يساهم بجزء من هذا التقدم بل هو شارك ويشارك فعلا في تعزيز هذه المسيرة من الحريات.

 

* هل تعتبر بأنه سيتم حل حزب العدالة والتنمية أم سيلجأ ربما إلى استفتاء الشعب من أجل تغيير الدستور؟

** صدور قرار من المحكمة الدستورية بحل حزب العدالة والتنمية أمر وارد بقوة لأن قرارات الدستورية السابقة بشأن الأحزاب السياسية واضحة، فلم يحدث أن عرض حزب عليها وأفلت من الغلق، وهى نفسها التي أغلقت حزبي الرفاه (1998)، والفضيلة (2000)، وإذا وضع في الاعتبار قرارها الأخير والغريب بإلغاء مادتان دستوريتان صدق عليهما البرلمان والرئيس وهما يتعلقان بإطلاق حرية الملابس بالجامعات وبينها ضمنا الحجاب يشير بقوة إلى أن الغلق أو نسف أركان هذا الحزب هي الخطوة القادمة.

 

وما كشف مؤخرا من لقاءات سرية بين وكيل رئيس المحكمة وقائد القوات البرية ونائب رئيس أركان الجيش تمت قبل أن يعلن النائب العام نقل ملف الحزب للدستورية وصدور قرارات قبول النظر في الدعوى بموافقة عدد7 أعضاء ضد 4 وعدد 9 أعضاء ضد 2 في إلغاء وإبطال مواد حرية الحجاب ضمنا كلها دلائل مادية واقعية تقوى مسعى غلق الحزب وإسقاط الحكومة  وتشتيت البرلمان بقوة القانون.

 

وربما يسقط رئيس الدولة أيضا وتعرض تركيا لأزمة نظام عميقة إذا اشتمل قرار الدستورية على الرئيس عبد الله جول الوارد اسمه في قائمة النائب العام المطالبة بفرض حظر سياسي على عدد 71 شخصية سياسية حكومية وبرلمانية.

* هل ما زالت المؤسسة العسكرية؛ التي يعطيها الدستور العلماني الحق في التدخل في السياسة، بل إقالة رؤساء الوزارات، بزعم حماية العلمانية، بنفس السطوة والنفوذ، وهل يمكن أن يقيلوا رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء الحاليين؟.

** المؤسسة العسكرية تتدخل بالسياسة  التركية فعلا عبر تفسيرها  الخاص لبعض مواد الدستور وعبر مجلس الأمن القومي الذي تتناصف مقاعده مع الحكومة المدنية المنتخبة. لكن من الناحية القانونية والدستورية ليس من حق الجيش إقالة رؤساء الوزراء أو الوزراء أو رئيس الدولة.لكن الجيش قام بهذا الشيء مرارا وتكرارا في الستين سنة الماضية بالقوة وبقلب الحكومة من فوق دبابة ومدفع.

 

غير أنه بدءًا من عام 1997 بدأ الجيش يقلب الحكومة بطرق جديدة بعيدة عن الدبابة والمدافع والنزول للشوارع واعتقال السياسيين وإعدامهم، بتحريك بعض وسائل الإعلام الخاصة ذائعة الانتشار وقوية الإمكانيات بشن حملات سلبية ضارية على الحزب أو الحكومة التي لا تعجب الجيش أو بإصدار تصريحات ذات طابع سياسي مباشرة أو غير مباشرة بتنظيم ندوات ولقاءات واجتماعات داخل المؤسسات العسكرية بمشاركة مدنيين تلتقطها الصحف ووسائل الإعلام الخاصة لتضخمها وتثير زوبعة ضد الحكومة أو الرئيس وهذا حدث مع حكومة حزب الرفاه (1997) وتكرر طوال عام ونصف العام عند انتخاب الرئيس عبد الله جول.

 

المحصلة النهائية لتحركات الجيش السياسية سواء المباشرة أو غير المباشرة تمثل ضغوطا ضخمة على أعصاب السياسيين تؤدى لإخراجهم من الحكم بالخوف والتهديد والوعيد.

 

‏* ما رأيكم في الأطماع "الإسرائيلية" في المنطقة العربية، ولماذا يقيم حزب العدالة والتنمية الحاكم علاقات مع الكيان الإسرائيلي؛ الذي يحتل الأرض العربية، ‏والمقدسات الإسلامية؟.‏

** الأطماع "الإسرائيلية" بالمنطقة العربية واضحة وضوح الشمس بدأت عام 1917 ودخلت التنفيذ العملي عام 1948 وتطورت لدولة عسكرية قوية عام 1967 وتقوم بإعاقة تقدم  وتطور البلاد العربية بوسائل متعددة وبدعم غربي.

 

والنتيجة المترتبة لهذه الهجمة الصهيو-أمريكية على المنطقة العربية والإسلامية أن احتلت فلسطين والعراق والصومال وجزءا من سوريا ووضع لبنان والسودان تحت التهديد الدائم ودمروا أفغانستان الفقيرة (..).

 

أما العلاقات الدبلوماسية التركية- "الإسرائيلية" فهي ليست من صنع حزب العدالة والتنمية بل ترجع للعلمانيين أنفسهم قبل حوالي 60 عاما مع إعلان دولة الاحتلال "الإسرائيلي" وللضغوط التي فرضت على تركيا عند دخولها حلف شمال الأطلسي 1951 حماية لها مما كان يطلق عليه  تعبير " الهجوم والاكتساح الشيوعي المحتمل".

 

إن الذين طوروا علاقات تركيا مع تل أبيب على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية هم العلمانيون المتغربون والحكومة التي وقعت على اتفاقية تجديد التعاون العسكري والأمني عامي 5 -1996 حكومة مسعود يلماظ الائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة طانصو تشيلار قبل أن يستلم حزب الرفاه الحكم في يونيو 1996 لإحراج الرفاه أمام الداخل التركي المسلم والخارج الإسلامي.

 

ومع هذا رفض أربكان زيارة تل أبيب وجمد العلاقات قدر الإمكان واضطر فقط لاستقبال دافيد ليفى وزير الخارجية في عام 1997  في أنقره حين زار تركيا رسمياً بموجب الاتفاقيات الموقعة سلفا.

 

حزب العدالة وحكومته وجدا تركيا مكبلة باتفاقيات مع تل أبيب لا هروب منها خصوصا  مع إدراكهم دور "إسرائيل" القوى في التأثير على مؤسسات التمويل المالي الدولية وتأثيرها على أمريكا وأوروبا وتحكم يهود العالم فى المال والثروة.

 

وأيضا لا يمكن إغفال تأثير المشكلة الكردية ومسعى حزب العمال الكردي بى كى كى لفصل شرق تركيا وهو الحزب المتعاون مع تل أبيب ويتلقى مساعدات من أوروبا .كل هذه المؤثرات  والضغوط في وقت كان على الحزب مهمة إنقاذ تركيا من الديون الضخمة وهوية الإفلاس الاقتصادي التي وصلتها عام 2001م، لأن أي نجاح سياسي للأحزاب والحكم في عالم اليوم يبدأ بالاقتصاد ومن الداخل أولا.

 

من ثم لم يكن أمام العدالة غير إتباع أسلوب ذر الرماد في العيون، على ما يبدو، مع "إسرائيل" لكي لا تعرقل خطوات الإصلاح لدولة مديونة خارجيا. ولو وضع بالاعتبار تشكيلة البنية التحتية لحزب العدالة وعدم اقتصارها على التيار الإسلامي وحده وتعقيدات وعنكبوتية اتفاقيات قديمة لتركيا مع حلف الأطلسي ومساعي طلب الانضمام لعضوية الإتحاد الأوروبي.

 

لن يكون صعبا فهم أبعاد عدم قدرة حكومة الحزب رغم قوتها البرلمانية والشعبية على توجيه ضربة قاصمة للعلاقات مع تل أبيب بشكل مباشر بين ليلة وضحاها في وقت تهرول أنظمة حكم عربية علنا لخطب ود تل أبيب وتفتح أبوابها للصهاينة.

 

والعقلاء يقيمون زيارات أردوغان وعبد الله جول أو أي وزير تركي لتل أبيب بين 2-2007 من هذا الباب الخطير والمهدد لدولة ذات 74 مليون. فضلا عن محاولة العدالة والشعب التركي عموما تقديم أي مساعدة للشعب الفلسطيني الموضوع بين فكي وحش قاتل منذ عام 1917م.

* لماذا يتعرض التاريخ العثماني للطعن والتشويه من جانب العلمانيين واليساريين؟.‏

** تعريض التاريخ العثماني للطعن والتشويه من العلمانيين واليساريين لا غرابة فيه لأن العثمانية تعنى الإسلامية والشرقية وإذا كان هذا الاتجاه هو الذي ساهم في هدم الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى طعنا من الخلف وبالمؤامرات والتنفيذ الفعلي عام 1923م، فما هو وجه الغرابة إذا استمر هذا التوجه في انتقاد وتشويه الدولة العثمانية.

 

إن ازدياد التشويه والهجوم الضاري ضد العثمانية يتواكب مع كل حنين نحو إعادة دراسة وتقييم هذه الدولة وإنجازاتها وتاريخها. صحيح أن الدولة العثمانية ارتكبت أخطاءً داخلها وحولها مسجلة بالتاريخ ولكنها لم تكن غير دولة من الدول الإسلامية التي ظهرت خلال الـ 14 قرنا الماضية وكل دولة لها حسنات وأخطاء ودولة الإسلام الأولى بالمدينة المنورة بزعامة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وحدها الخارجة عن الانتقاد.

 

وإذا وضع بالاعتبار دور الدولة العثمانية في حماية والدفاع عن الإسلام قرابة 5 قرون ونشرها للإسلام في هضبة البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى ورفض السلطان عبد الحميد الثاني (توفى عام 1918) إقامة وطن لليهود على أرض فلسطين. لا يكون مستغربا استمرار الهجوم على التاريخ العثماني.

* ما هو موقف حزب العدالة والتنمية من قضية أهالي كركوك العراقية، ورغبة الحكومة الحالية الموالية للاحتلال، في إجراء استفتاء ‏على مصير المدينة؟.

** حكومة العدالة والتنمية برئاسة طيب أردوغان طالبت بالحفاظ على وضعية كركوك كمدينة عراقية تضم ما تضم من أعراق وأديان يجب أن تكون لكل العراق دون تمييز، وأن يكون بترولها ثروة وطنية عراقية، وليس حكرا على قومية دون قومية، وأعلنت مرارا عن رفضها لكل محاولات تشويه وتدمير الوثائق والسجلات التاريخية المتعلقة بالسكان.

 

وأعتقد شخصيا أن موقف حكومة العدالة في مسألة كركوك والعراق عموما لا يختلف عن موقف معظم البلاد العربية. إن كل وكالات الأنباء تؤكد وقوع عمليات مستمرة منظمة لتغيير البنية السكانية لكركوك منذ عام 1991م، لكي تكون الأغلبية فيها للعنصر الكردي على حساب العناصر العربية والتركمانية وغيرهما، وتصاعدت هذه العمليات بعد احتلال العراق عام 2003م، ولعل هذا الذي أعاق إمكانية إجراء استفتاء عام في عام 2007م، يتعلق بتحديد مصير كركوك وفقا لقرار من الأمم المتحدة.

 

ويجب عدم إغفال أن كل الوثائق التاريخية المتعلقة بكركوك والعراق ومعظم البلاد العربية موجودة بالأرشيف العثماني في تركيا. والمفترض أن يكون هذا الأرشيف وحده صاحب الكلمة الأولى في تحديد وضعية كركوك إذا كان جائزاً الحديث عن الوضعية القانونية والسكانية لمدينة تقع داخل دولة مستقلة وعضو بالأمم المتحدة!