ماذا يحصل في السودان؟
29 رجب 1429
طه عودة

بينما كان العالم مشغولا بقضايا ومحن فلسطين والعراق ولبنان حدث أمرا لم يكن في الحسبان حينما طفت أزمة لؤلؤة القارة الأفريقية "السودان" بشكل مفاجئ على واجهة الأحداث السياسية العالمية دون سبب أو تبرير في أعقاب مطالبة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو قضاة المحكمة بإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

لماذا .. وماذا يحدث في السودان؟

لقد تزامنت هذه الأزمة في نفس الوقت الذي نجحت فيه السودان في احتواء وقمع حرب داخلية دامت 21 عاما. هذه الحرب التي بدأت في جنوب السودان عام 1954 (أي قبل 50 عاما) هي في الواقع من صنع وتخطيط القوى الخارجية التي افتعتلها وحركتها وصعدتها لهدف واحد وأساسي وهو الحيلولة دون تقدم السودان التي هي مؤهلة لأن تصبح أعظم قوة في أفريقيا.. وكان لهم ما أرادوا، عندما نجحت هذه الحرب في إعاقة الحركة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي في السودان طيلة السنين الماضية بما أن تكلفتها اليومية تجاوزت المليوني دولار، وبالتالي: فقد تحملت السودان طيلة الأعوام الخمسين الماضية أعباء حرب ليس بوسع أي دولة أخرى في العالم تحمله أو الصمود بوجهه؟. وأخيرا ليس آخرا من سلسلة المعاناة السودانية فقد تحجج الكونغرس الأمريكي بأحداث دارفور على أنها "معاناة إنسانية" "ومذابح جماعية" ليقر بالإجماع على اعتبار ما يجري في دارفور بأنه "إبادة جماعية"، مع أن أمريكا ومعها إسرائيل تأتي على رأس الدول التي دعمت عناصر جون غراند المتمردة في السودان وساهمت بشكل مباشر في هذه المذابح والمعاناة الإنسانية، والآن فإن جورج بوش وبحجة "مذابح دارفور" يختلق الحجج لإثارة الفوضى في السودان.ولاسيما إننا لا زلنا نذكر سابقة أمريكا البشعة عندما ضربت مصنع "الشفاء" عام 1998 وهو أكبر مصنع لإنتاج المواد الصيدلانية والأدوية في السودان بحجة أنه يستخدم لصنع أسلحة كيماوية، ورغم انفضاح كذبة الولايات المتحدة بعد قصف المصنع إلا أن أحدا لم يتجرأ على فرض أي عقوبات عليها.الولايات المتحدة وأختها بريطانيا اقترحا إرسال خمسة ألاف جندي إلى منطقة دارفور وذلك في تحرك يؤكد أن بريطانيا لم تتعلم بعد من دروس هزائمها التاريخية في هذه المنطقة مقابل ذلك فإن الحكومة السودانية استنكرت بريطانيا وألمانيا لتصريحاتهما التي تسهم بشكل مباشر في إعاقة الحل في هذه المنطقة.السودان يعتبر البلد الأكبر مساحة في أنحاء القارة الأفريقية ويقع في شمال شرق القارة الأفريقية، حيث تبلغ مساحته حوالي 2.505.810 كلم مربعا وتحيط به تسع دول تمتد حدوده 7687 كم من الشمال أوغندا حتى الحدود الجنوبية لكينيا، وتحده مصر شمالا وإثيوبيا شرقا وكل من جمهورية تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى غربا. والخرطوم هي العاصمة الرئيسية للمدينة.وتغلب الطبيعة الصحراوية وشبه الصحراوية على الجزء الشمالي والشرقي من البلاد، في حين تغطي الغابات والمساحات الخضراء معظم أجزاء الجنوب الذي يحوي أيضا جزءا من النفط والثروات الطبيعية. فيما يتركز معظم سكان السودان البالغ عددهم حوالي أربعين مليون نسمة في النصف الشمالي من البلاد حيث يلتقي رافدا نهر النيل، النيل الأبيض والنيل الأزرق، وهو يملك البترول والمواشي والجلود والصمغ العربي ولديه ثروات معدنية غير مستغلة، وبطبيعة الحال فإن كل هذه الخيرات السودانية الوفيرة تحرك وتثير شهية الدول التي استغلته لعقود مضت.. ولا نكذب خبرا إن قلنا بأن النفط والثروات المعدنية المدفونة فيه وعلى رأسها الذهب يطير النوم من عيون "الإسرائيليين".

 السودان اليوم هو هدف الدول المحتلة التي تتذرع دوما بحجج بسيطة وتافهة لضرب المسلمين. ولا سيما أن الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية وعلى رأسهم إنكلترا ألمانيا بدءوا يمارسون الضغط عليها بلا هوادة أو رحمة منذ الآن. والأمم المتحدة بدورها قد تتخذ قرارا بفرض عقوبات على السودان في أي لحظة... ولكن كيف للدول الكافرة التي لا تؤمن سوى بسلاح القوة ضد أي دولة مسلمة أن تتوحد وتتلاحم بهذا الشكل؟؟.

الدولة المظلومة إفريقيا .. ودولة الرمز السودان:

في الحقيقة لا يوجد هناك مفهوم دول متقدمة أو نامية أو فقيرة بل هناك مفهوم واحد وهو دول مريضة مثل تلك الموجودة في الغرب والدول المخدوعة التي هي الموجودة في قارة أفريقيا. العالم الغربي الذي يتمتع بالقوة في عصر "القوة الحالي" استغل ونهب الخيرات والثروات المادية والمعنوية للدول الضعيفة في أفريقيا وبينما هو يفعل ذلك فإنه ارتكب أكبر المجازر بحق مئات الملايين من الإفريقيين.

القتلى الأوربيون أبادوا 100 مليون إفريقي في سبيل تقديم عشرة ملايين عبد لأمريكا. وهذه لم تكن النهاية بل كانت البداية للقارة المظلومة أفريقيا فإذا نظرنا إلى الدول الموجودة في هذا القارة نرى بأن كل واحدة منها تعرضت للبطش والظلم والانتهاكات والاستغلال والنهب من قبل الأوربيين والغرب. وطبقا لاعتراف أحد الأدباء الغربيين فإن (الغرب هو أكبر جاني في تاريخ البشرية لما ارتكبه من جنايات على مدى القرون الألف السابقة). نعم، العالم ينظم القمم واحدة تلو الأخرى بحثا عن سبل لمعالجة هذا المرض الإفريقي العقيم، ولكن للأسف الشديد فإن مثل هذه القمم لم تعد تأتي بنتيجة لهذه القارة اسطنبول نفسها احتضنت أكثر من قمة دولية لنفس الغرض والنتيجة كانت "صفر"... هذه القارة السوداء التي تذوب شيئا فشيئا تحت الديون الخارجية المتراكمة عليها والتي تقدر بـ201 مليار دولار لم يكفها ذلك لتتخبط بين أحضان الجوع والجفاف والإيدز والحروب الداخلية والاختلاسات. السودان: هي دولة الرمز التي بقيت صامدة أمام وحشية واستغلالية وبطش الغرب للدول الإفريقية مع أن السبب الرئيسي للأزمة الحالية هو الرغبة في استغلال وسرقة "النفط" الذي تم اكتشافه مؤخرا في هذه المنطقة.هذه الأزمة والاشتباكات جاءت في الوقت الذي نجحت فيه الحكومة السودانية من السيطرة على الوضع وإنهاء الحرب الضروس التي دامت 13 عاما بين شمال السودان وجنوبه والتوقيع على اتفاق سلام بين الطرفين المتنازعين في نيروبي في السادس من يونيو 2004‏. سبب الأزمة هو اكتشاف حقول للنفط في دارفور مؤخرا بعد حقول غرب السودان .السودانيون هم أكثر الناس إيجابية وتعاونا بحكم معرفتي القريبة منهم. والسودان يزخر بإمكانيات اقتصادية هائلة تتمثل في الموارد الطبيعية الوفيرة التي يتمتع بها وأهمها أرضه الشاسعة ومياهه المتدفقة في الأنهار والنفط في غربه وجنوبه وبالطبع نهر النيل وروافده الذي يعد محور النماء والتطور ولو أنه تم استغلال هذا النهر الذي يتدفق على طول الدولة من أول جنوبها إلى أخر شمالها لما كان السودان ليعاني من عدم كفاية مياه الشرب أو تأكل التربة أو التصحر وبالتالي لكان تم أيضا إنهاء مأساة الذين يموتون جوعا أو عطشا في أفريقيا لكن بالطبع فإن وحشية الغرب الظالم لن تسمح بذلك أبدا.

السودان يعد الباب الأفريقي المفتوح على العالم، وهو يشبه كثيرا تركيا بحالها قبل 40-50 عاما وأهم دول أفريقية مستهدفة من الغرب الظالم والمحتل الذي يريد أن ينهب ثرواته وخيراته، وهو رمز الدولة التي تكافح "الاستعمار" في يومنا هذا.