أوروبا تشتكي الاضطهاد الديني
19 شعبان 1429
د. محمد يحيى

في شكوى مؤخرًا لبعض قيادات الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا جاء أن الحكومة البريطانية تظهر اهتمامًا مبالغًا فيه بالإسلام وذلك على حساب المسيحية التي تتعرض قضاياها وأوضاعها للتهميش واللامبالاة.

وتكررت نفس الشكوى من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية هذه المرة حيث تحدث أحد الكرادلة وهو جان لويس توران المسئول المختص بشئون الإسلام في الفاتيكان حول نفس الموضوع، يذكر أن أوروبا أصبحت مهووسة كما وصفها بالإسلام سواء من حيث قضايا المهاجرين أو الإرهاب والتطرف أو العمل على صنع نسخة أوروبية من الإسلام تناسب الأوضاع في أوروبا أو من حيث الاهتمام بقضايا الحجاب وأداء الشعائر الإسلامية في مختلف الظروف الأوروبية ولاسيما شعائر الصلاة والصيام والذبح الشرعي، وذهب الكاردينال إلى أن الاهتمام الراهن في  أوروبا بكل هذه القضايا أمر غريب لأن أوروبا هي قارة مسيحية وكان الاهتمام يجب أن ينصب على القضايا المسيحية.

وتثير هذه الشكاوى الاستغراب والتساؤل، ذلك لأن الاهتمام الأوروبي بالإسلام الذي تشتكي منه الكنائس لا يعني أن  أوروبا مثلا قررت العمل على نشر الإسلام وترويج دعوته والرعاية بأتباعه وإقامة تعاليمه وتطبيق شريعته وإعلاء الصلاة، وتشجيع الالتزام الديني.

بل  إن هذا الاهتمام الأوروبي بالإسلام هو كما تعرف الكنائس جيدًا لأنها شاركت فيه اهتمام بضرب الإسلام وتدجينه وتطويقه وأوربته وعلمنته فيعود مجرد عقيدة بلا معنى ولا مضمون تضاف إلى بعض العقائد الرومانية الآسيوية التي لا تهم الأوروبيين ولا يخشون منها.

إذن لا محل من الشكوى الكنسية بالاهتمام الأوروبي المزعوم بالإسلام لأنه اهتمام حسب هوى الكنيسة والكهنوت والساسة.

أضف إلى ذلك اهتمام أوروبا الرسمية بالإسلام يمتد إلى خارج حدود أوروبا ملاحقة للقوى الإسلامية والعلماء الإسلاميين حتى داخل بلادهم نفسها تحت حجة محاربة الإرهاب ومساعدة الحكومات المحلية على ذلك.

بل ويسير هذا الاهتمام المزعوم في إفريقيا جنبًا إلى جنب مع الجهود المسيحية التنصيرية حيث تنحاز الحكومات والمنظمات المدنية الأوروبية (ولاسيما الموصوفة بالإغاثية) إلى جانب الجماعات المسيحية في بلدان ومناطق إسلامية مثل السودان ووسط إفريقيا والقرن الإفريقي ومعظم مناطق غرب إفريقيا حيث تحارب الحكومات الأوروبية أما الحكومات الإسلامية أو بعض الحركات الإسلامية في تلك البلدان أو المناطق تحت شعار الإرهاب وضرورة محاربته (في نفس الوقت فإن سياسة تلك الحكومات ومنها المنظمات الموصوفة بالمدنية تضم بها على سبيل المعرفة والدعم وتقديم الإغاثة والمشورة منظمات كنسية خالصة تعمل من جانبها على التنصير ومحاربة الإسلام على كافة الأصعدة.)

إذن في المحصلة العامة لا وجه للشكوى الكنسية من اهتمام أوروبا بالإسلام لأن العكس هو الصحيح، لكن هذه الشكوى تخفي وراءها أشياء أخرى، فهي محاولة لإبعاد الأنظار عن الدور المتزايد للكنائس في أوروبا وتضامن الحكومات وسائر الطبقات السياسية معها في  مهمة إعادة أوروبا للمسيحية مما أدى إلى أن يطرح كبار الساسة هناك الآن دعوى أن أوروبا هي تيار مسيحي أو أن هويتها مسيحية دون أن يرتفع صوت علماني واحد يعارض هذه الدعوى وذلك في وقت تدفع فيه أوروبا الرسمية وغير الرسمية والكنسية الأصوات العلمانية في العالم الإسلامي لتعارض الهوية الإسلامية.