
الحوار الذي استضافته مصر على أرضها، بهدف إعادة توحيد الصف الفلسطيني، ونزع فتيل الصدام بين فتح وحماس، هذا الحوار ضرورة وطنية فلسطينية، لأن استمرار انقسام الوضع الفلسطيني يعطي لـ"إسرائيل" وأمريكا الفرصة في التنصل من أي مسئوليات تجاه القضية بحجة أن الطرف الفلسطيني منقسم ولا يمكن بالتالي التوصل إلى اتفاق بين السلطة و"إسرائيل"، لأن السلطة لا تستطيع تنفيذ أي اتفاق طالما أنها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني، وبديهي أن هذا الأمر يقلق السلطة أكثر مما يقلق حماس، باعتبار أن السلطة هي التي راهنت وتراهن على التفاوض مع إسرائيل، وبنت كل استراتيجياتها على هذا التفاوض، ولكن في المقابل فإن حماس معنية باتفاق مع فتح لوقف الاستنزاف الفلسطيني ووضع حد لممارسات الحصار، لأن هذا الحصار بدوره يستند إلى مقولة أن حماس سيطرت بالقوة وبالانقلاب – على غزة وأن الحصار أمر ضروري لمنع استفراد حماس بغزة وتشكيل قاعدة للتطرف المزعوم الذي يزعج أمريكا و"إسرائيل" ودول إقليمية أخرى . الاتفاق أيضاً ضرورة مصرية، لأن مصر ترى نفسها الطرف العربي الأكبر، واستمرار ذرائع الحصار يضع على مصر أعباء ضخمة، ويحرجها لأنها الطرف المقابل في معبر رفح، والرأي العام العربي لا يتفهم لماذا لا تفتح مصر معبر رفح لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وهي بدورها لديها التزامات مزعومة أو حقيقية أمام المجتمع الدولي عموماً وأمريكا خصوصاً، بالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة المصرية التي نجحت في تحقيق اتفاق للتهدئة بين حماس وفتح وتوحيد الصف الفلسطيني، والحكومة المصرية أبلغت من ثم كل الأطراف بأنها حين تستضيف حواراً على أرضها بهذا الغرض
فإنها لن تقبل بأي حال من الأحوال أن يفشل هذا الحوار وأن من يتسبب في فشل هذا الحوار من الإقصائيين في رام الله أو غزة فإن عليه أن يتحمل الغضب المصري وتبعات ذلك أيضاً أمام الرأي العام الفلسطيني . والحكومة المصرية بداهة تريد أن تثبت أنها لا تزال قوة إقليمية فاعلة في المحيط العربي على الأقل بالنسبة للقضية العربية الأولى – القضية الفلسطينية – وأنها لا تزال تمتلك أوراقاً هامة في المسائل الإقليمية، ولم تخرج من الساحة تماماً وتتركها لإيران أو تركيا اللتان تعودان بقوة لامتلاك مبادرات وأوراق ضغط . مصر أيضاً حريصة على نجاح المصالحة، لأن استمرار الأوضاع المتردية بالنسبة للشعب الفلسطيني عموماً، وأهالي غزة خصوصاً، يضع قنبلة زمنية على رأس مصر يمكن أن تنفجر في أي لحظة . ولا يمكن ساعتها لأي طرف وقف تداعياتها السلبية، فضلاً عن أن قضية فلسطين في عمومها هي قضية أمن قومي لمصر .