الفضائيات, المسلسلات الرمضانية.. قراءة هادئة وسط الضجيج!
23 رمضان 1429
حامد العمري

قضية موسمية اعتدنا أن يحتدم حولها الجدل في كل عام!

 دبِّجت في نقدها الخطب وكتبت في هجائها القصائدّ، بل وصدرت في تحريمها الفتاوى!

 إنها المسلسلات الرمضانية!

تلك المسلسلات التي أصبحت لدى البعض من لوازم الشهر الكريم!بل أن الدعاية لها في كثير من القنوات والصحف تستهل بعبارة (رمضان كريم مع مسلسل.....)!

 

بيد أن ما سأخصه منها بالحديث في هذا المقال هي تلك الأعمال التي تنتج أو تهتم بمعالجة قضايا محلية (سعودية)، والتي قد أصبحت في ازدياد وتنوع وتجدد متصاعد.


ولكن، وقبل أن ادلف إلى ما أنا بصدده، لنتساءل: هل تستحق هذه القضية فعلاً كل هذا الزخم؟ أليس من المبالغة أن نتوجه بكل هذا النقد لهذه الأعمال؟ أليس من الممكن الاستفادة منها؟ هل يحق لنا أن نسقطها تماماً بسبب ما قد يعتريها من تجاوزات مقصودة أو غير مقصودة؟ هل صحيح أن سبب مهاجمتنا لهذه الأعمال هو خوفنا من النقد؟

 

تساؤلات عديدة ومواقف متباينة!
فالبعض يقول عنها إنها لا تعدوا كونها أعمال درامية هدفها التسلية فقط، وليس الهدف منها علاج الظواهر الاجتماعية أو النقد السياسي، ولذلك فهي غير مُلزمه بالمعايير الموضوعية أصلاً، وبالنسبة لما قد يحدث فيها من أخطاء أو عبارات خارجة عن الذوق، فإن ذلك من قبيل لوازم مثل هذه الأعمال، وأما ما نشعر به من حساسية مفرطة تجاهها فإن ذلك بسبب ما تعودناه من تضخيم وتهويل لكثير من مشكلاتنا وقضايانا.

 

فيما يرى آخرون أنها أعمال ناقدة وذات رسالة, تعمل على توظيف الكوميديا الساخرة والطرح الجريء لعلاج بعض مظاهر الخلل في المجتمع وبخاصة تلك القضايا التي تعد في عرف البعض خطاً أحمر, وأن ما يثار حولها من ضجيج فإنما هو مؤشر نجاح، نظراً لأن من طبيعة جميع الأعمال الناجحة الجريئة التصادم مع كثير من المفاهيم التقليدية والممارسات السلبية السائدة في المجتمع، وهذا لا يمنع من أنها قد لا توفق أحياناً في معالجة بعض تلك الممارسات.
وفي المقابل فهناك من يخالف الرأيين السابقين ويعتقد بأن هذه الأعمال ضررها أكبر من نفعها، ويقسمون هذه الأعمال تبعاً لضررها إلى ثلاثة أقسام:

 

القسم الأول: ما تشكل خطراً على الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي، وذلك بسبب ما تثيره من نعرات وما تأججه من مشكلات, من خلال نبشها لوقائع تاريخية لا فائدة من إثارتها سوى الكسب التجاري.

 

القسم الثاني: ما تشكل خطراً على الذوق العام والأخلاق بسبب تقوم به من تسويق لما يمكن أن يسمى (ثقافة الشوارع)، ويقصدون تلك الأعمال التي تنتهج التهريج الفاضح، وتروج لعبارات وحركات أقل ما توصف به أنها (قلة حياء)!

 

القسم الثالث: الأعمال التي تشكل خطراً على الدين والفكر، والتي تتعدى كونها أعمالا كوميدية أو ناقدةً إلى كونها أداة من أدوات التيار التغريبي والذي بحسب هؤلاء قد أعلن الحرب على ثوابت ومسلمات وأعراف هذا المجتمع! ويتجلى هذا عندهم من خلال وجود التطابق والتناسق التام بين طريقة معالجة هذه المسلسلات لبعض القضايا الحساسة كالتطرف الديني وقضايا المرأة والتعليم وقضايا الحسبة والقضاء وغير ذلك, وبين الطريقة التقليدية المعروفة التي ينتهجها بعض الكتاب والمفكرين الليبراليين والتي عادة ما تتسم بخلوها من الموضوعية عند تناولها لتلك القضايا.

وعليه فأصحاب هذا الرأي يرون بأن دور هذا النوع من الأعمال إنما هو دور تكميلي لما تقوم به بعض الصحف والبرامج الفضائية والمواقع الالكترونية الليبرالية.

 

وأياً كان الرأي الصحيح فإن الجميع يتفق على أن هذه الأعمال قد أحدثت نوعا من السخط والاستهجان لدى الشريحة الأكبر من المجتمع، ما أحدث ردة فعل مجتمعية قوية (وغير مسبوقة) تجاه هذه الأعمال بل تجاه القنوات الفضائية نفسها، بل أنه يمكننا القول أن هذه القنوات قد تلقت في هذا العام ضربات موجعة من السياسيين والمفتين والصحف والمشاهدين كما لم تتلقى من قبل! ويأتي في مقدمة أسباب ذلك ما تضمنته أعمالها الدرامية من تجاوزات أو ما أحدثته من مشكلات.

وهذا ما حدا ببعض تلك القنوات إلى إلغاء تلك الأعمال أو تقديم الاعتذارات، بل وصل الأمر إلى الطلب من بعض الكتاب أن يكفوا عن إلقاء اللوم أو النقد لتلك الأعمال، ولا ندري في مقابل ماذا؟

ويبقى السؤال: بما أن الغالبية العظمى من السياسيين والعلماء والمثقفين، بل والمواطنين البسطاء يرفضون توجهات هذه القنوات، فأي مجتمع تمثله؟ وإلى متى ستستمر في هذا النهج المصادم لجميع شرائح المجتمع؟ ومن المستفيد حقيقةً مما تقدمه؟