السؤال
لديَّ والدة تحرص عليَّ حرصاً شديداً؛ لدرجة أنها لا تريدني أن أتزوج، وكلما عرضت عليها فتاة للزواج أخرجت لي عيوباً لها ربما ليست فيها أبداً، وتكرر ذلك معي مرات كثيرة جداً، وأنا صابر ومحتسب وأحاول برها وإرضاءها، ماذا أفعل؟ هل أرضي أمي؟ أم أتزوج فتاة رغما عن أمي، أم ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فلا شك أن بر الوالدة فضيلة عظمى، وطاعة كبرى، وفريضة مأمورة، بها يتقرب المرء إلى ربه سبحانه وبها تنال الدرجات.
كما أن الزواج من شريعة الله تعالى، وهو من سنن المرسلين عليهم السلام، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}.
وقد حَثَّ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الزواج ورغَّب فيه، فقال: "يا مَعْشَرَ الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصَر وأحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وجاء" أخرجه البخاري ومسلم.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا" أخرجه البخاري، قال الطبري: أنزل في حقه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.
وبخصوص سؤالك، فههنا أمران:
الأول: أن يكون رفض أمك لزواجك إنما هو بسبب شرعي في الفتاة التي اخترتها سواء في دينها أو في أخلاقها، فعندئذ يجتمع فيك الأمر الشرعي وأمر الوالدة، فلا يصح لك مخالفتها.
والثاني: أن يكون رفضها لزواجك بغير سبب شرعي، بل لمجرد عدم رغبتها في تزويجك، لمحبتها لك، أو خوفها عليك أو مثاله، فعندئذ أقول لك: تزوج على بركة الله.
وأنا أذكر كلمة قالها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لما سئل مثل هذا السؤال فقال: "النكاح لا يتدخل فيه أم ولا أب إلا إذا رأوا شيئاً يخل بالدين".
كما أذكر رداً للشيخ ابن باز رحمه الله على سؤال مثله فقال: "المرأة الصالحة ما ينبغي ردها ولا ينبغي تركها، ولا ينبغي لوالدة أو لوالد أن يمنعه من ذلك، ولا حرج من الزواج بها ولو لم يرض الوالد أو الوالدة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الطاعة في المعروف) والزوجة الصالحة من المعروف".
فلو لم يكن لأسباب دينية ولا للخلق، فلا يلزمه الطاعة في ذلك، لأن الزواج من حقك أنت لا من حق والدتك.
لكنني ههنا أنصحك بالرفق مع أمك والإحسان إليها وبرها، ومحاولة إقناعها بالحسنى، والتدرج معها، وإزالة مخاوفها.
كذلك أن تحرص على اختيار من تحسن معاملتها، ورعايتها، وتخشى الله فيها وتتقيه، وتعينك على برها.
وقلب الأم ورحمتها بابنها معروفة، فما إن ترى منك حسن المعاملة ومن زوجتك، إلا وستلين إن شاء الله.
فالأم يتأثر رأيها عادة إذا أصبحت أمام الأمر الواقع، وهي عاطفية يسهل إرضاؤها مع الصبر والرفق، والكلمة الطيبة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.