السؤال
أنا داعية إلى الله، لكنني أستشعر أنني لا أستحق مقام الدعوة إلى الله لأن لي معاص كثيرة، والناس ينظرون إليّ أنني قدوة والحقيقة إنني لست كذلك، أنا أعاني صراعا في داخلي بين الصدق وبين الكذب، وتحادثني نفسي بأن أبتعد عن الدعوة حتى أصلح من نفسي..أنا داعية إلى الله، لكنني أستشعر أنني لا أستحق مقام الدعوة إلى الله لأن لي معاص كثيرة، والناس ينظرون إليّ أنني قدوة والحقيقة إنني لست كذلك، أنا أعاني صراعا في داخلي بين الصدق وبين الكذب، وتحادثني نفسي بأن أبتعد عن الدعوة حتى أصلح من نفسي..
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فمقام الدعوة إلى الله من أعلى المقامات، قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
وقال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}، ثم أمره أن يبين لأمته أن هذه وظيفته ووظيفة أتباعه، فقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" أخرجه مسلم.
وفيما يتعلق بسؤالك:
فإن حبائل الشيطان كثيرة، ومنها أن يثبط المؤمنين، وييئسهم، ويذكرهم بمعاصيهم ونواقصهم، لا ليتوبوا، بل ليكفوا عن العمل الصالح، ويبتعدوا عن الطاعة.
ومن ذلك أن يأتي للدعاة إلى الله، يقول لهم: كيف تدعون إلى الله وأنتم أصحاب ذنوب؟.. يجب أن تتوقفوا وتتركوا ذلك!
لا شك أنه كلام باطل، وهل كل الدعاة لا يقعون في معاصي وآثام؟
إن كل بني آدم خطاء مذنب، وخير الخطائين التوابون، ولو اشترطنا للدعوة عدم الذنب، لن يدعوا إلى الله أحد بعد الأنبياء والرسل.
فطريق الحق أن تتوب من ذنبك، وتتبع السيئة الحسنة تمحها، وتستغفر الله من تقصيرك وتراجعك، وتسير في طريقك قُدُماً، ولا تلتفت للمعوقات والمثبطات.
بل أقول لك: إن العمل الصالح والدعوة إلى الله وطلب العلم هو الذي سيصلح حالك، فكم من الناس كانت أحوالهم متراجعة فبدؤوا بالعلم والدعوة، فصلح حالهم، إذ رأوا أنه لا يليق بهم أن يستمروا على ما هم عليه.
فكان دخولهم في الدعوة مع أن حالهم عليها ما عليها سبباً في صلاحها، لقول الله سبحانه وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، فالذي يتلو الكتاب هو العالم الذي عنده علم.
ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
فأنت إذا تدعو إلى الله جل وعلا، تعلم أنك قدوة، وأنه لا يليق بك النقص؛ إذ الناس ينظرون إليك كقدوة، فتحسِّن وضعك ليليق بمقام الرسالة الأشرف.
وعليك أن تفعل ذلك مخلصاً صادقاً لوجه الله، لا مراءاة للناس، ولا رغبة فيما عندهم، وإلا حبط عملك، وخاب سعيك.
فإن من أفضل طرق الاستقامة أن تسلك طريق العلم وطريق الدعوة، وسترى صلاحاً في قلبك وفي نفسك.
أما بدون العلم والدعوة فكيف تصلح حالك؟ بل إن حالك قد يستمر في التردي والتراجع، عقوبة على ترك ما أوجب الله عليك من الدعوة؛ فتزاد إثماً إلى إثمك.
فدعك من أوهام الشيطان، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ}، واتق الله جل وعلا، وتب من ذنبك، وتحمل مسؤوليتك...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.