14 رمضان 1439

السؤال

قلبي يرجو الدرجات العلا ويحب الله والإيمان لكن عملي ضعيف ولا أصبر على كثرة العبادة!

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فههنا وقفات مختصرة:

أولا: رجاؤك للدرجات العلا شيء حسن، وهو باعث للهمة نحو الصالحات وهو من خلق المؤمنين.

 

ثانيا: مجرد حبك للدرجات العلا من الصالحات عبادة، فالنية يكتب للإنسان ثوابها ولو لم يصل إلى مبتغاه منها، فمجرد أن تنبعث النية الصالحة في نفس المؤمن فإن الله يكتب له ثوابها، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة" البخاري.

 

ثالثا: الإخلاص هو مبتدأ كل عبادة، فأوصيك به، وسلامة القلب هي شرط الصلاح، كما يقول ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت".

 

فالعبرة ليست بكثرة العبادة، فليس في القرآن أي شيء من العبادات بالكثرة إلا الذِّكْر فقط {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، أما ما عداه من العبادات فالتركيز إنما هو على حُسن العمل {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وحُسن العمل بالإخلاص، والبعد عن الرياء، وحضور القلب، والمداومة، والمتابعة للسنة.

 

رابعا: على المؤمن أن يلتزم بالفرائض ابتداء، فيحافظ عليها، ويتقنها، فهي مدار الرحى، وقد جعل الله سبحانه للفرائض وقتًا معلومًا لا يقبلها في غيره، قال تعالى: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا"، وقال تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ"، وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

 

خامسا: اجتهد في العبادات بحسب طاقتك وقدرتك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لن يمل الله حتى تملوا" متفق عليه.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هذا الدينَ يُسْرٌ، ولنْ يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه - وفي رواية: إلا هَزَمَهُ -، فَسَدِّدُوا، وقَارِبُوا، وأبشروا، واستعينوا بالْغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة" أخرجه احمد، وقال صلى الله عليه وسلم: "القصد القصد تبلغه" البخاري.

 

سادسا: أوصيك بصحبة الصالحين والأتقياء وأهل العلم، فإنهم يعينون على الخير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يخالل" أخرجه أحمد.

 

وعن سلمان رضي الله عنه قال: "مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، وما التقى مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيراً".

وقال ابن الجوزي: رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر.

 

سابعا: يمكن لك أن تنوع من العبادات لتبقي نفسك في حال إقبال واستمرار، فإذا شق عليك نوع من العبادة فانتقل لعبادة أخرى، وتنقل بين القرآن والذكر، وإذا تعبت من القراءة، قم للصلاة، وكذا الصدقة والبر وغيره.

 

فقد يُفتح لك في باب من أبواب العبادة بقدر أكبر من باب آخر، كما في قول الإمام مالك رحمه الله: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة (يعني في النوافل)، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، ثم قال: فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه".

 

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "يثقل عليّ الصيام لأن قراءة القرآن أحب إلي" فكان يقلل من الصيام، ويكثر من القرآن، لكن لا يعني أنه لا يصوم نوافل، أما عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، فكان يصوم ويقوم وفُتح له في ذلك، وكلاهما من أئمة الفضل ومصابيح الخير رضي الله عنهما.

 

فانظر أين فتح الله عليك وإذا فتح عليك بشيء خارج الفرائض فالزمه وتوفق وتسدد والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.