السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - أنا متزوّجة منذ خمس سنوات ولي طفلان ومنذ زواجي وأنا أشعر أنّ زوجي لا يحبّني، ولكنّي كنت أكذّب ذلك.. حملت بابني الأوّل وكنت سعيدة لكنّه لم يفرح وكذلك ابني الثاني، كنت دائما أقنع نفسي أنّه يحبّني إلاّ أنّه منذ 8 شهور قرأت رسالة كان قد أرسلها إلى أخته يقول فيها لم أفرح عند زواجي بها ولم أفرح عند ولادة ابني الأوّل ولم أفرح عند ولادة ابني الثاني فلا تزيدي كرهي لها يقصدني ولكن في رسالة أخرى يقول لا أحبّها ولكن هناك المودّة والرحمة.. ومنذ أن قرأت تلك الرسالة وأنا أشعر وكأنّه ارتاح من حمل على صدره وأصبح يتعامل معي بإهمال وكأنّه تغيّر، وقد توفّي أخوه بعد ذلك بشهر وأصبح يتعامل معي بإهمال أكثر ويجرحني بكلام كثير، وعندما أتكلّم معه يقول حالة نفسيّة عنده، واكتشفت أنّه يشرب "شيشة" ويشاهد أفلاما إباحيّة، وعندما واجهته غضب وكأنّي أجرمت واتّهمني بأنّي غير محترمة وأقسم أنّه لم يكن كذلك من قبل، ولكن عندما ذهبنا عند أهله تغيّر تجاهي وأشعرني بعدم حبّهم لي، بينما زوجي يحبّ أمّه كثيرا ويمنعني من الذهاب إلى بيت أهلي حتّى يرضيها، فهي ترى أنّ المرأة لا تذهب إلى بيت أهلها إلاّ مرّة كلّ شهر، علما أنّ زوجي يسافر ويتركني في بيت أهله وليس لديّ شقّة مستقلّة وأنا رافضة سفره وهو يستطيع أن يأخذنا معه.. أرجو نصيحتي علما أنّه يرفض أن أذهب لحفظ القرآن.. أهل زوجي يتدخّلون في كلّ شيء في حياتي وبطريقة صعبة، فهل يجب عليّ الجلوس في بيت أهله في حالة سفره علما أنّ لديه أخا شابّا وأخا متزوّجا وزوجته تغار عليه وسبق أن اتّهمت زوجها بأنّه معجب بزوجة أخيه الأخرى وليس هناك التزام لديهم، يدخل غير المحرم ويجلس ويتحدّث ويضحكون جميعا، مثل ابن خال زوجي أو ابن خالته فهذا ليس محرما إلاّ لخالته فقط ومن الممكن أن تكون غير موجودة..
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا
أمّا بعد.
كم نحن سعداء حقّا باتّصالك بنا عبر موقعك (المسلم)، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، فنحن يسرّنا اتّصالك دائما، وسؤالك عن أيّ موضوع وفي أيّ وقت، فنحن في انتظارك دوما.
ابنتي الحبيبة.. رسالتك تحتوي على عدّة تساؤلات كنت أودّ توضيحها، ولو أمكن تكون في رسالة أخرى.
ذكرت أنّك متزوّجة منذ خمس سنوات، ورزقك الله بطفلين، وتقولين (منذ زواجي وأشعر أنّ زوجي لا يحبّني)!
لم تذكري أسباب اختيارك وقبولك الزواج من هذا الرجل،
هل هو صاحب خلق ودين يكفل لك حياة مطمئنّة ومستقرّة؟
لماذا أقدم زوجك على الزواج بك طالما لا يحبّك؟
ثمّ ذكرت أنّ زوجك (يسافر ويتركني في بيت أهله وليس لديّ شقّة مستقلّة) فلماذا لم يتمّ الاتّفاق قبل الزواج على توفير مسكن خاصّ للزوجيّة؟ وطالما أنّك تنازلت عن حقّ لك، فلماذا الآن تبدين امتعاضك؟
ثمّ ذكرت أنّك (رافضة سفره) فلماذا وافقت في البداية على السفر؟ وهل هناك بديل لكسب الرزق داخل بلده إن وافقك على عدم السفر؟
ذكرت أنّ فترة زواجك استمرّت (خمس سنوات)، فما طبيعة تعامله معك طيلة هذه السنوات الخمس؟ بمعنى هل أحسن عشرتك هذه الفترة؟
ثمّ تقولين أنّك (قرأت رسالة كان قد أرسلها إلى أخته يقول فيها لم أفرح عند زواجي) فلماذا يصرّح لأخته بالذات بهذا الكلام؟
هل أخته كانت سببا في زواجه منك؟ وما طبيعة علاقة أخته بك؟ هل علاقتها بك جيّدة أم أنّ هناك توتّرا بينكما؟
هل أخته تتّسم بالحكمة والعقل أم أنّها غير ذلك؟
ثمّ يقول في رسالته لأخته (فلا تزيدي كرهي لها)، فهل معنى ذلك أنّ أخته تؤجّج مشاعر الكراهيّة في نفسه تجاهك وهو يطالبها بالكفّ عن هذا الشحن؟ أم غير ذلك؟
ثمّ يقول كما ذكرت في رسالة أخرى (لا أحبّها ولكن هناك المودّة والرحمة)، فهل أخته تلومه على تصريحاته بعدم حبّه لك؟ أم أنّها تقوم بتعكير المياه بينك وبين زوجك؟
تقولين (منذ أن قرأت تلك الرسالة وأنا أشعر وكأنّه ارتاح من حمل على صدره) فهل يعتبر علمك بشعوره نحوك – إن كنت قد أخبرته بمحتوى الرسائل - يعتبر أنّك قد كشفت الستر الذي أخفاه عنك طوال السنوات الخمس؟ ولهذا بدأ يتعامل معك بصورة واضحة ومغايرة عن ذي قبل (أصبح يتعامل معي بإهمال) وكأنّه بعلمك بشعوره نحوك أصبح في غير حاجة إلى التكلّف وإظهار مشاعر خلاف ما يضمره لك، ولهذا بدأ (يجرحني بالكلام) ويرفض أيّ نصيحة منك عندما اكتشفت أنّه (يشرب شيشة ويشاهد أفلاما إباحيّة).
ابنتي الفاضلة..هوّني على نفسك واستعيني بالله أن يسهّل لك أمرك ويلهمك السداد والرشاد وأن يصلح لك الأحوال، وعليك بالرضا والقناعة وحمد الله على كلّ الأحوال، فالرضا والقناعة من مفاتيح السعادة في الدنيا والآخرة.. واعلمي أنّ الله قد اختار لك هذا البلاء، فهل تصبرين وتحمدينه على قضائه وقدره؟ وثقي أنّك مأجورة بإذن الله على صبرك، وقد يكون في ابتلاء الله لك بزوج لا يحبّك خير كثير لا تعلمينه، ولكن الله يعلمه. فاصبري وتوكّلي على الله وفوّضي أمرك إليه، والزمي الدعاء الصادق لربّك في الثلث الأخير من الليل بأن يسخّر قلبه لك وردّدي دائمًا {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] مع التفاؤل واليقين بأنّ الله سيجيب دعاءك إنّه سميع مجيب.
ابنتي.. لا أحد ينكر أهمّية الحبّ في الحياة الزوجيّة، ولكن إذا تعذّر وجود الحبّ أو تغيّرت القلوب بعد الزواج أو حتّى قبل الزواج فهل يُهدم البيت؟ هل يلجأ الزوجان إلى قرار الانفصال؟ أم يستمرّ الزواج لاعتبارات أخرى غير الحبّ؟
فليس بالحبّ وحده تُبنى البيوت، فكم من أزواج نجحوا في العيش في سلام وراحة وسعادة في تربية أطفال ناجحين دون أن يكون هناك حبّ بين كلّ من الزوج والزوجة، ولكن يمكن العيش والنجاح بالقليل منه، خصوصًا إذا كان الزوجان يخافان الله ويلتزمان التقوى وحسن العشرة مع بعضهما، فهناك الكثير من الأشياء التي تستحقّ التضحية كالعشرة والاحترام المتبادل والعلاقة الطيّبة بأهل الزوج ووجود الأطفال..
فليست كلّ البيوت تبنى على الحبّ، بل قد تستمرّ بالمعاشرة بالمعروف. جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال: ولكنّي لا أحبّها، فقال له عمر: ويحك ألم تبن البيوت إلاّ على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمّم؟ يقصد أنّ البيوت إذا عزّ عليها أن تبنى على الحبّ، فهي يمكن أن تبقى وتستمرّ على ركنين آخرين هما الرعاية التي تكون بين الرحم والتكافل بين أهل البيت وأداء الحقوق والواجبات، والركن الآخر هو التذمّم أي التحرّج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقاء الأولاد.
وقد قال أحد الحكماء: "إنّ من أعظم البلايا معاشرة من لا يوافقك ولا يفارقك"، وهذا المثل ينطبق تمامًا على العلاقة الزوجيّة، وذلك لأنّ الزوجين بعد ارتباطهما يكون على كلّ واحد منهما أن يتقبّل الآخر، حتّى وإن وجد أحدهما سلوكًا وطباعًا لا تعجب الطرف الآخر، ولكنّه يعيش معه من باب المسامحة والتغافل، ولا يكون الحلّ هو الانفصال (ولو كان هذا هو العلاج الصحيح لما بقي زوجان في بيت واحد على وجه الأرض ونقول كما قال عمر بن الخطّاب: أوكلّ البيوت تبنى على الحبّ؟ فلا بدّ من المداراة والمجاملة والمسامحة).
لهذا يجب أن تعلمي يا قرّة العين أنّ عدم حبّ زوجك لك لا يعني نهاية المشوار، بل يكفيك أنّه لم يصرّح لك بهذا الشعور، بل إنّه قال لأخته جملة رائعة تلخّص ما ذكرت لك سابقا (لا أحبّها ولكن هناك المودّة والرحمة) فهو يعترف ضمنيّا أنّ هناك رابطا ربّانيّا يجمع بين قلبيكما قائما على المودّة والرحمة، وهذا يكفي لاستقرار حياة زوجيّة. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "المودّة هي: المحبّة، والرحمة هي: الرأفة، فإنّ الرجل يمسك المرأة إمّا لمحبّته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد ". ورغم ما تضمّنته كلمات زوجك من معان جميلة تريح القلب، فهناك من الوسائل ما يجعلك تزرعين الحبّ في قلب زوجك وتستبدلين أيّ مشاعر سلبيّة بأخرى إيجابيّة، فالتزمي هذه النصائح ولا تهمليها:
1 – ابتهلي إلى الله تعالى وأكثري من دعائه في أوقات إجابة الدعاء وابكي بين يديه أن يهدي زوجك ويصلح حاله ويملأ قلبه بالإيمان وطاعة الرحمن، وأن يصرف عنكما الشيطان، وأن يجعل الودّ هو أساس الحياة بينكما، وأن يجمع بينكما على الخير وفي الخير، وأن يكشف عنك الكرب، وأن يديم الألفة بينكما، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء. كما أنصحك بإشغال نفسك بطاعة الله، وقراءة الكتب المفيدة، وسماع الأشرطة أثناء العمل في المنزل، ووضع أهداف شهريّة وأسبوعيّة لتحقيقها وإنجازها حتّى تنشغلي بها عن التفكير فيما يزعجك.
2 – تقرّبي إلى الله في كلّ الأوقات وحافظي على الفرائض في أوقاتها، وتدريجيّا التزمي بالسنن، ومن ثمّ انتقلي إلى القيام بما تقدرين عليه من النوافل. فقد جاء في الحديث القدسي: "ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، وإن استعاذ بي لأعيذنّه" رواه البخاري. حافظي على زيّك الشرعي أمام غير المحارم داخل بيتك، وثقي أنّه بصلاحك وتقواك سيقضي الله عزّ وجلّ في قلب زوجك محبّة، فإنّ الله إذا أحبّ عبدًا نادى جبريل: إنّي أحبّ فلانًا فأحبّه، فيحبّه جبريل، وينادي في أهل السماء فيحبّه أهل السماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض.
3 – اجتهدي في الإحسان إلى زوجك، وطاعته والقيام بأداء حقّه، والمبالغة في حسن التبعّل والتجمّل له، واحذري أن تقعي في خطإ يحدث من الكثير من الزوجات أنّها بعد الإنجاب تنشغل بالأولاد وتهمل الزوج، فتصبح العشرة باهتة وباردة ومملّة وليس بها أيّ تجديد، فأعيدي النظر -بارك الله فيك - في طريقة المعاملة ومدى الاهتمام.
4 – تجنّبي نقد زوجك أو لومه أو معاتبته المستمرّة، لأنّ الرجل ينفر من زوجته بسبب اللوم المتواصل وكثرة العتاب حتّى لو كان يحبّها، فما بالك لو لم يكن يحبّها! وابتعدي عن كلّ ما يمكن أن ينفّره منك كالصوت العالي مع الأطفال، أو استخدام الألفاظ غير اللائقة. ولا تناقشيه عندما يكون غاضبا أو متوتّرا، واختاري الأوقات المناسبة من أجل محاورته وإقناعه، وابتعدي تماما عن كلّ ما يثير غضبه. كما أنصحك بالتنازل عن حقّك إن غضب وكنت صاحبة حقّ، فهذا سيدفعه إلى احترامك وسيشعر بقلبك الكبير الذي يغفر ويسامح وسيخجل ويندم ويشكرك، فالعلاقة بين الزوجين ليست علاقة تحدّ فيها الغالب وفيها المهزوم، ولكنّها علاقة قائمة على المودّة والرحمة كما قال زوجك عنها لأخته في إحدى رسائله.
5 – لا تعاتبي زوجك ولا تتّبعي عوراته ولا تفتّشي أغراضه، ولكن تحدّثي معه عن مراقبة الله، وأنّ الله يعرف السرّ والعلن، فهو الخالق المسيطر على الكون القادر على أخذ عباده وعذابهم، ولكنّ الله يترك لهم مجالاً للتوبة والإنابة لكي يرجعوا ويتوبوا. والله يرانا في كلّ أحوالنا، فلا ينبغي أبدا أن نجعل الله أهون الناظرين إلينا، وذكّريه بعظمة الله ولقاء الله بالموت، واستعيذي أمامه كثيرا من سوء الخاتمة.
6- داومي على ترك أشرطة القرآن الكريم بمسمع لمن في البيت جميعا، فترديد القرآن بالبيت يجلب البركة، ويطرد الشياطين.كما أنصحك بإسماع زوجك الأشرطة الدينيّة التي ترقّق القلب وتذكّر بالموت وحسن الخاتمة والجنّة والنار.
7 – الرجل عادة يحبّ من يثق به وبقدراته، فاحرصي على إظهار الثقة به في كلّ الأوقات بالكلام وبالأفعال، وأبدي احترامك وتقديرك له وفخرك به، سواء بينكما أو أمام الآخرين، فهذه المشاعر تشبع غروره وتدفعه للاقتراب منك، وطبيعيّ النفس تحبّ وتشتاق إلى من يرضيها.
ابنتي الجميلة.. من وسائل التقرّب إلى الزوج حبّ أهله والتودّد إليهم وذكرهم بكلّ احترام، وأنت ذكرت أنّك تقيمين معهم، وقد ارتضيت ذلك قبل الزواج، وقد تمّ الزواج والإنجاب وأنت معهم تعلمين طباعهم ودرجة التزامهم، فهل هناك إمكانيّة لدى زوجك للبحث لك عن سكن مستقلّ؟ من الممكن أن تتحدّثي معه بكلّ هدوء ولطف أنّك تشعرين بالحرج والإرهاق وأنت ملتزمة بالزيّ الشرعيّ طوال اليوم لوجود إخوته، فلو هناك أيّ بديل ولو بدرجة أدنى كثيرا ممّا أنت فيه لكان ذلك خيرا كثيرا وجميلا ستظلّين تذكرينه له طوال حياتك.
فإن وافقك فالحمد لله وإلا فاصبري على الالتزام بحجابك وبدينك واحرصي على عدم الخلطة وعلى الجدية مع الرجال الأجانب عنك ، واستمري في المطالبة الرفيقة له بمكان منفصل.
أمّا بالنسبة لزيارة أهلك، فهو لم يمنعك من زيارتهم ولكن قد حدّدت أمّه الزيارة بمرّة واحدة في الشهر، فهذا لا بأس به، والمرأة بذكائها وفطنتها إذا أرادت شيئا تطلبه بأفعالها وليس بأقوالها، فحسن تعاملك مع زوجك وأهله سيجعلهم يتّخذون موقفا آخر مغايرا لما قرّروه.
وفي الختام.. نسأل الله أن يصلح لنا ولكم الأحوال، وأن يرزقنا طاعته في كلّ الأحوال، إنّه الكبير المتعال، ونحن في انتظار جديد أخبارك فطمئنينا..