26 جمادى الثانية 1434

السؤال

أنا فتاه طموحة متفائلة مررت بمرحلة أسرية صعبة عند عائلتي لوجود مشاكل مستمرة بشكل يومي ومع ذلك لم يضعف ذلك من الأمل والعزيمة الموجودة لدي، وكانت لدي العزيمة فاجتهدت في دراستي وتفوقت بها وتخرجت، بعدها خُطبت لشخص ظننت بأنه سيعوضني عن آلامي ولكن للأسف اتخذت قرار الارتباط به؛ لكونه متديناً ومتعلماً، وتخيلت فيه الشخص الحنون المحب، ولكن خلال الخطبة لم أحس أنه يحبني ولم أسمع منه كلمات جميلة وكان بخيلاً مادياً ومعنوياً ولم يبادر بأي شيء يفرحني بل يبادر بأشياء من شأنها إزعاجي، هو غير مقتنع بي مع أني جميلة ومتعلمة وطيبة خلوقة، شككني بنفسي كان يقول لي بأن شخصيتي ضعيفة وطيبة زيادة عن اللزوم، وكان كثيراً ما ينتقدني ونقده في غير محله، كنت أود فسخ الخطبة لكن خفت من هذه الخطوة، وما أصعب شعوري بأني غير مرغوب فيها، المهم تزوجته وبقيت نفس المشكلة دائما ينتقدني لا يعزز إيجابياتي مع أني أعمل المستحيل لإرضائه، وأوفر أجواء مريحة في البيت، لكن مرات يأتي نكداً من غير سبب، لكن عرفت السبب؛ حيث إنه هو وأخوه خطبوا بنفس الفترة تقريباً، فكان أخوه يمتدح خطيبته وما زال بعد زواجه، وزوجي يظن أنها أفضل مني، ويقارنني بها ويمدحها أمامي، مع أني لست مقصرة معه، أصبحت غير واثقة بنفسي وتعبت نفسياً، غير أنه هناك بخل مادي، في نفس الوقت لا أنكر أن الحاجيات الأساسية للبيت يوفرها، ما رأيكم أود الطلاق منه، ولكن عندي طفلة، ولا أنكر أنه هادئ، الحياة معه مقبولة، وما في مشاكل استثناء هذه المشكلة ما الحل أرجوكم أريد الجواب سريعا قبل أن أتخذ القرار.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
في البداية نرحب بكِ ابنتنا الكريمة فأهلا وسهلا.. ويسعدنا ويشرفنا تواجدكِ بيننا، نسأل الله العلي العظيم أن يجمع بينكِ وبين زوجكِ علي الخير وفي الخير.
ابنتي الحبيبة.. ذكرتِ في بداية رسالتكِ أنكِ (فتاه طموحة متفائلة) ولكنكِ مررتِ (بمرحلة أسرية صعبة) ورغم ذلك تخطيتِ هذه الأزمة ولم تضعفِ، بل كان لديكِ من العزيمة والإصرار ما استطعتِ به تجاوز هذا المنحدر من حياتكِ، فاجتهدتِ في دراستكِ وتفوقتِ وتخرجتِ.. وهذا شأن الإنسان الطموح صاحب العزيمة القوية لا يفتر أبدا أمام متقلبات الحياة ومنعطفاتها، بل يقوي، فالشدائد تقوي من عزيمته وتمنحه قوة تعينه علي تحقيق آماله وطموحاته، بل تجعله يحسب لكل خطوة حسابها ويقدر لقدمه قبل الخطو موضعها.
وما حدث معكِ –ابنتي الغالية- أنكِ قد اعتبرتِ خطبتكِ لشاب (متدين ومتعلم) هروبا لما مررتِ به من آلام ومعاناة واعتقدتِ أنه (الشخص الحنون المحب) وأغفلت جوانب شتي من شخصيته كان يجب أن تقفي أمامها كثيرا، ورغم أن فترة الخطبة قد أوضحتِ لكِ الكثير من حقيقة شخصيته التي لم تكونِ تتوقعيها، فهو كما ذكرتِ (لم أحس أنه يحبني – لم أسمع منه كلمات جميلة – كان بخيل ماديا ومعنويا – لم يبادر بأي شيء يفرحني، بل يبادر بالأشياء التي من شأنها ازعاجي – هو غير مقتنع بي) في حين أنكِ كما وصفتِ نفسكِ (جميلة ومتعلمة وطيبة وخلوقة)! لهذا فكرتِ في فسخ الخطبة، غير أنه قد حدث ارتباك في حياتكِ، فجملة هذه المشاعر السلبية التي قد استشعرتها من خطيبكِ جعلتكِ فاقدة الثقة بنفسك وبشخصيتك وقدراتكِ، وغير قادرة علي التفكير ولا اتخاذ أي قرار( كنت بدي أفسخ الخطبة) فأصبحتِ مستسلمة تماما، بل لا أبالغ حين أقول لكِ أنكِ بالفعل قد اقتنعتِ بما يردده خطيبكِ من أن شخصيتكِ (ضعيفة وطيبة زيادة عن اللزوم). والآن وبعد أن تم الزواج وأنجبتِ طفلة، تقولين (ما رأيكم أود الطلاق منه؟) أقول لكِ: إن اتخاذ قرار فسخ الخطبة أسهل مليون مرة من قرار فسخ الزواج؛ وأنت لم تستطيعِي اتخاذ هذا القرار حين بدت لكِ بوادر غير مريحة في شخصية خطيبكِ (كنت بدي أفسخ الخطبة بس خفت من هذه الخطوة) والآن وبعد الزواج والإنجاب تطلبي المشورة قبل اتخاذ أي قرار.
ابنتي الغالية.. اعلمي أن الإنسان في مسيرة حياته يتخذ كثيرا من القرارات منها ما هو صائب ومنها غير صائب، له أن يتراجع فيما اتخذه من قرار غير صائب إن كان هذا التراجع لا يسبب ضررا له؛ أما إن كان هذا التراجع سيكون له عواقب سلبية علي طفل بريء ليس له أي ذنب جناه، فهنا لابد أن يحكم الإنسان عقله ويتعامل مع واقعه، ويتأقلم مع المتغيرات والمستجدات بما يعود عليه وعلي الطفل بالخير، وأنتي - يا قرة العين – تقولين أن زوجكِ (هادئ غير عصبي الحياة معه مقبولة وما في مشاكل باستثناء هذه المشكلة) وهذا أمر جيد ومبشر ولا يعني أن الحياة معه مستحيلة، فقط تأملي هذه النقاط والتزمي بهذه النصائح:
1 – اعلمي أن الكمال لله وحده ولا يوجد إنسان كامل، فإذا كان بزوجك عيب أو اثنان أو أكثر، فكفي بالمرء نبلا أن تُعد معايبه، فروضي نفسكِ علي الرضا بزوجكِ كما هو، وارضي بما قسمه الله لكِ، فالصبر بالتصبر والحلم بالتحلم، وذلك حتى يستقر الرضي في نفسكِ ويصل إلي أعماق قلبكِ. واعلمي أن هذا الطبع في زوجكِ لا ولن يتغير، ففهم هذه الحقيقة سيريحك من عناء محاولة تغيره، وانظري حولكِ فقد حباكِ الله بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصي، أنعم الله عليكِ بالجمال والتدين والزوج (المتدين المتعلم) ورزقكِ الله بطفلة، وغيركِ من النساء حُرمن من كل تلك النعم، فإذا كان زوجكِ من النوع كثير النقد فغيركِ من الزوجات رزقن بأزواج غلاظ شداد، مدمنين سكيرين، مضيعين لحقوق الله، لا يتفاهمون بالكلام ولكن العصي تسبق ألسنتهم.
2 – أنتي تحتاجين إلي إعادة الثقة بنفسكِ، فكثرة النقد قد أوصلت إلي عقلكِ الباطن إشارات سلبية تحتاج منكِ إشارات أقوي منها مفادها أنكِ قوية الشخصية، واثقة من نفسكِ، قادرة علي التطور، مبدعة، فتذكري المحنة السابقة وكيف استطعتِ تجاوزها والتغلب عليها، واعلمي أنكِ إذا لم تقومي أنتي بتغيير نفسكِ فثقي وتأكدي من أنه لا يمكن أن يتم تغيير نفسكِ مطلقًا، فابحثي في الجوانب الإيجابية في شخصيتك، وهي بالطبع كثيرة، تأمليها وحاولي تنميتها وتطوريها، ثم أدخلي بعض التغييرات على حياتكِ، ولتكن تغييرات ثقافية وتغييرات مهارية وتغييرات جمالية وغيرها من التغييرات التي تشعركِ بوجودكِ وتميزكِ وتعينك علي التخلص من حالة الإحباط. ومن المهم جدا أن تقومي بعمل تنجحي وتبدعي فيه، فالإصرار على النجاح يقوي من شخصية الإنسان، لأن النجاح يتطلب طاقات نفسية معينة، وحين يضع الإنسان النجاح والتميز هدفًا له فإن هذا سوف يبني في داخله هذه الطاقات النفسية القوية التي تؤدي إلى ثقته في نفسه، ويساعدكِ علي ذلك قراءة بعض الكتيبات التي تتحدث عن بناء الثقة بالنفس وهي كثيرة لأنك في حاجة إلى إعادة الثقة لنفسكِ، ولن تستطيعي استعادتها بسهولة إلا من خلال العلوم والمهارات والمعارف التي سوف تكتسبينها من المتخصصين والمؤلفين المتميزين.
3 – ركزي علي الجوانب الايجابية في شخصية زوجكِ وكبريها أمام عينيكِ (متدين – متعلم - هادئ –غير عصبي - الحياة معه مقبولة -ما في مشاكل)، وفي نفس الوقت صغري طبعه السلبي هذا حتى يصغر أمامكِ، وحدثي نفسكِ بذلك حتى تقبلي هذه الخصال، فتكون أمامكِ كالذرة في الفضاء الفسيح.
4 – لا تكلفي نفسكِ ما لا تطيقين من أجل تجنب نقد زوجكِ، بل توقعي النقد في كل الأحوال حتى لا يصيبكِ نقده بالإحباط واليأس، بل أطلب منكِ أن تدربي نفسكِ علي المرح أوقات النقد وأن تتقبلي النقد بدعابة تسخري بها من نفسكِ حتى لا تتطور الأمور بصورة جدية وتتغير الحالة المزاجية إلي الحدة، لأنك إذا لم تتمتعي بروح المرح سوف تتصرفين مع زوجكِ علي أنكِ في موقف دفاعي تدرئين عن نفسك كل ما يوجه إليك من ملاحظات وانتقادات، وهذا بدوره سوف يزيد من ضعفكِ، بل إنه ربما يشعره بالانتصار أو تحقيق هدفه. وحتي نكون منصفين فكري في انتقاداته وملاحظاته بعين حيادية فربما يكون فيما يقول بذرة من الحقيقة. وفي كل الأحوال لا تقفي كثيرا أمام انتقاداته وخذي الأمور ببساطة حتي تمضي الحياة ممتعة وآمنة.
5 – عندما يقوم زوجكِ بمقارنتكِ بزوجة أخيه؛ احذري أن تظهري له ضيقكِ من تصرفه، أو أن تعددي معايبها كرد فعل لغضبكِ، بل أثني عليها خيرا ولا تذكريها إلا بالحسني، ويكون حديثكِ عنها وأنتي واثقة من نفسكِ ومن قدركِ، واحذري أن تظهري لزوجك تبرمكِ من مدحه لها. وثقي أنكِ من تطوير نفسك وشخصيتك وحبكِ لذاتك سيكتشف فيك ما لم يكن يراه من قبل.
6 – طالما زوجكِ يوفر لكِ (الحاجيات الأساسية للبيت) فلا يعتبر بخيلا، ولكنه حريص علي المال، ربما يقتصد لتأمين الحياة، أو هذا طبعه، والطباع لا تتغير وإن تحركت الجبال، فقط تحاوري معه بلطف ليجعل لكِ مصروفا خاصا ولو بسيطا تنفقينه في خصوصياتكِ فهذا أمر يسعدكِ وإن بدا تافها في تصوره.
7 –التمسك بالدين والالتزام به والتقرب إلى الله تعالى هو من وسائل تقوية الشخصية، وثقي صلتكِ بالله تعالي فهو وحده – سبحانه وتعالي – بيده قلوب العباد، التزمي أعتابه وتضرعي إليه أن يغير خصال زوجكِ لما يحبه ويرضاه عنه، وأكثري من الدعاء أن يعمي عين زوجكِ عن كل ما يسوءكِ، ولا يريه إلا كل ما هو مبهج سار يدخل علي نفسه السرور ويجعل زوجكِ يحنو عليكِ، وأكثري كذلك من الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لأنها من أعظم عوامل قضاء الحاجات وتفريج الكربات.
ابنتي الحبيبة.. مع الالتزام بما طلبته منكِ، أنصحكِ بالصبر ثم الصبر ثم الصبر، ولا تتعجلي سرعة النتائج واعلمي أن زوجك جنتكِ أو ناركِ، فاحذري أن تقصري في حقوقه، أو تفرطي في طاعته والصبر عليه.
وفي الختام.. تمنياتي لك بالتوفيق والسعادة ونحن في انتظار جديد أخبارك فطمئنينا عليكِ.