25 شعبان 1434

السؤال

السلام عليكم..
إخواني أنا متزوجة من ١٥ سنة ولدي ولد وبنت أعيش بغربة مع زوجي وأولادي فقط، دائماً كان عندي مشكلة مع زوجي وأهل زوجي لأن أم زوجي ما كانت تريدني، زوجي كان يضربني وكان يطردني من البيت كان يعاملني أسوأ معاملة لكن عشت معها لأني تعودت علي زوجي وأحبها ولا أريد أن أفقدها لأني فقدت أمي وأخي وخائفة لو أطلق من زوجي أندم وأنا حساسة وعاطفية لو أحزن أمرض وأنقطع عن الأكل والشرب، زوجي ظروفه المادية جيدة جداً، هو الآن اشترى بيتا ومحلا وسيارة جديدة ويريد يتزوج واحدة جديدة.. ماذا أفعل؟ ساعدوني..

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
مرحبا بكِ وسط أهلكِ وأحبابكِ، ونشكر لكِ ثقتكِ وندعوكِ دوما للاتصال بنا وتصفح موقعنا ونسأل الله أن يدبر لكِ أمركِ، ويصلح لكِ شأنكِ، ويكتب لكِ السعادة ويعينكِ علي طاعته.
ابنتي الفاضلة.. رغم اختصار رسالتك وعدم ذكر مواقف أو أمثلة توضح لي أسلوب تعاملك مع زوجك، ونوعية المواقف التي تحدث بينكما لتجعله يثور عليكِ لدرجة أنه كما ذكرتِ (يضربني وكان يطردني من البيت).. بل إنه يتعامل معكِ (أسوأ معاملة)!! إلا أنني أشعر أنك إنسانة صبورة وراضية بدليل عشرتك لهذا الزوج خمسة عشرة عاما في الغربة حيث غياب الأهل والبعد عن الوطن.. فاسألي الله بمنه ورحمته أن يثبتك على دينك ويجنبك الشقاء والفتن، واعلمي يا حبيبتي أن كل إنسان مبتلي والابتلاء علي قدر الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضي، ومن سخط فله السخط" أخرجه الترمذي، وابن ماجه. فكوني على يقين أن زوجك هذا ومعاملته السيئة لكِ إنما هو ابتلاءك. ثم أدعوك- ابنتي- إلى التأمل والتفكر في عظيم نعم الله عليكِ، فقد منّ الله عليك بنعمة العافية والذرية والإيمان والأمن، فاحمدي الله واجتهدي في كسب ود زوجك حتى يحيي الأبناء في أسرة مستقرة كريمة، وانظري إلى غيرك ممن حُرمن نعمة النكاح ونعمة الأبناء.. واحتسبي ذلك عند الله عز وجل ليثقل به موازين أعمالك، رفع الله قدرك وجلا همك وخلف عليك خيراً.
ابنتي الكريمة.. فهمت من رسالتك أن أم زوجك تعيش معكما في الغربة، وأنها علي علاقة طيبة بكِ بدليل قولك (أحبها ولا أريد أفقدها) لهذا أركز معكِ علي برها والتعامل معها بالإحسان وكثرة التودد إليها وتلبية احتياجاتها عن طيب خاطر، فإن كانت كبيرة في العمر، فارفقي بها، وتجاوزي عما يبدر منها، فكبار العمر تختلف طباعهم وتزداد عصبيتهم ولا يتقبلون النقد أو الرأي الآخر، بل يحتاجون للحنان والرفق وغض الطرف، فهذا يؤسر عقولهم وقلوبهم. واعلمي – يا قرة العين – أن الأم مهما رأت من سوء طبع ابنها مع زوجته لن تكون في صف الزوجة أبدا، فهي تري ابنها علي الحق مهما حاد عنه، فلا تحاولي أن تدخليها في صراعك مع زوجكِ، وإن حضرت بعض النزاعات فلا تحاولي كسبها في صفكِ، ولكن ما يجعلها تحبك هو حسن المعاملة والتفاني في خدمتها خصوصا عند الملمات كالمرض أو التعب، فهذا لا تنساه أبدا.
ابنتي الحبيبة.. أعلم أن ما جعلكِ تتوجهين إلينا بشكواكِ ليس سوء طبع زوجكِ ولكن ما صرحت به من أنه (يريد يتزوج واحدة جديدة) فهذا ما زلزل كيانكِ وجعلك تشعرين بالحيرة وتطلبين المساعدة.. أليس كذلك؟ فنحن نقدر تماما حجم المعاناة التي تستشعرينها، وكم الألم الذي أصابكِ من قرار زوجك الزواج من امرأة أخري بعد سنوات العِشْرة (15 سنوات)، ولكن اعلمي – يا حبيبتي – أن هذا حق للرجل طالما هو قادر ماديا ونفسيا علي هذا، وما تشعرين به من حزن سوف يتلاشي بمرور الوقت، فالوقت خير علاج للأحزان.. سلّم الله قلبكِ ونفسكِ من كل هم وغم. واعلمي أن شريعة الله أباحت التعدد، "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".. ولكن ثقافة العولمة وما يروج لها أعداء الإسلام للطعن في تشريعاته خصوصا ما يتعلق بشؤون المرأة قد أثرت وللأسف الشديد على مفهوم تعدد الزوجات حتى بات يُنظر للرجل المعدد نظرة سلبية، بينما مرافقة الخليلة والعشيقة صارت أمرا طبيعيا. وحال المؤمن والمؤمنة في هذا المقام كما قال الله تعالي: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا" الأحزاب: 36. فاصبري وتصبري وقومي بحق زوجكِ حتى يكتب لكِ الله الأجر العظيم كما قال الصادق المصدوق– صلى الله عليه وسلم –: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت)، وقوله – صلى الله عليه وسلم –: (خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها، حفظتك في نفسها ومالك).
كفكفي دموعك، وأزيلي عن نفسك هذا الكرب، وانظري إلي ولديك جعلهما الله قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة، وعوضاكِ خيرا، ففيهما العوض، ومعهما التسرية عن النفس، فانظري إلي عينيهما ستجدي سحابة الخير قادمة تشرق بفجر جديد ملؤه الأمل والسكينة والاطمئنان، فبين يديك ولديك.. مشروع استثماري عظيم تحققي بهما ما تتطلعين إليه من خلال تربية صالحة تأخذي أجرها من رب العالمين. فلا تحزني ولا تحتاري، لكن بالصبر والإيمان والرضا ستعبرين هذه الأزمة بسلام.
واعلمي أن الحزن لن يغير قضاء، وما عليك إلا أن تتقبلي ما حدث وتسلمي أمرك إلى الله وتقتنعي أن ما حدث مقدر من عند الله، وأن قدره سبحانه لا يأتي إلا بخير، وتمسكي بالأمل، فالأمل هو الحياة، وتذكري أن كل ضيق بعده الفرج وكل ليل بعده نهار، هذا هو ناموس الكون الذي نظمه صاحبه الخالق الأعظم الذي علمنا أن دوام الحال من المحال وأن كل شيء يتغير ويتبدل، وأن الضيق يأتي بعده الفرج كما قال الشاعر:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها... فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وأكثري من الدعاء الذي كان يدعو به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت"، "اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل"، "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
ابنتي المؤمنة.. من المهم جدا أن تراجعي نفسك وتحاسبيها حساب الشحيح، وتسأليها هل قصرتِ مع زوجك في شيء؟ راجعي طريقتك في التعامل معه، فربما حدث التقصير دون أن تدري، وربما انشغلتِ بالأبناء وأهملت الزوج، وربما أصبح البيت مكانا غير مريح للزوج بسبب مشاكل الأبناء ومتاعبهم، وربما لم تهتمي بعلاقتك الحميمة مع زوجك، وربما أمور أخرى فاجلسي مع نفسك وحاسبيها، فكلنا نخطئ واللبيب من يصحح أخطاءه ويتعلم منها.
أظهري لزوجك قدراً كبيراً من الاحترام والعناية، واستخدمي معه أسلوب المدح لصفاته الإيجابية، واسعي إلى رضاه، وعبري له عن مشاعرك الدافئة، فالرجل يحب أن يسمع من زوجته أرق الكلمات وأعذب العبارات، ويهتم بذلك أكثر من اهتمامه بقيامها بالأمور الأخرى من نظافة البيت والاهتمام بتنويع طعامه وشرابه.
ابنتي العاقلة: من المهم جدا أيضا في حياتنا أن نتدرب علي الاستقلال عن الحاجة للآخرين، بمعني أن يكون لك المقدرة علي أن تضفي علي حياتك السعادة وصناعة المرح، وأن تستمتعي بحياتك رغم الألم ورغم الحزن ورغم المعاناة، ابحثي عن الجوانب المشرقة في حياتك واهتمي بها.. انشغلي بتنمية قدراتك ومهاراتك واقرئي في فنون الطهي وتربية الأبناء، فهم الكنز الحقيقي لك.. كوني قوية ومتماسكة أمام أبناءك حتى يشبوا أسوياء النفسية.
وفي الختام.. أدعو الله سبحانه وتعالي أن يرزقك الرضا وراحة البال ويحفظك من كل شر ويجمع بينك وزوجك في الخير ويبارك لك في ذريتك ويقر عينيك بهم... اللهم آمين.