22 رمضان 1434

السؤال

السلام عليكم..
مشكلتي أمي أسلوبها قاسٍ وعصبية وأحس أنها لا تحبني معاملتي معها سيئة جداً..

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
كم نحن سعداء باتصالك بنا عبر موقعك المسلم، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك بيننا، فنحن يسرنا اتصالك الدائم، وسؤالك عن أي موضوع وفي أي وقت، فنحن في انتظارك دوما.
ابنتي الحبيبة.. رسالتك قصيرة جدا وكأنك ترسلي تلغراف، فكل ما ذكرته أن أسلوب أمكِ قاسي وهي عصبية، وأنك تشعرين أنها لا تحبكِ وأن معاملتكِ معها كما ذكرتِ (سيئة جدا)!! هذا كل ما ذكرتيه في رسالتك.
لهذا سأبدأ معك بأول نقطة وهي أن أمك كما ذكرتِ أسلوبها قاسي وعصبية، فهل فكرت قليلا لماذا أمكِ عصبية؟ أعتقد أنكِ قد اعترفت في سياق رسالتكِ لماذا أمك تتعامل معك بعصبية وتبدو وكأنها لا تحبك؟ فذكرك أن أسلوب تعاملك معها سيء جدا أبلغ رد علي سؤالكِ، فهل يا ابنتي الصغيرة تُعامل الأم بأسلوب سيء مهما بدر منها تجاهك؟!!
حقيقة قد حزنت كثيرا، فكيف للأم والتي قد أمر الله سبحانه وتعالي ببرها والتلطف في معاملتها، وعدم مخالفة أوامرها إلا في معصية الله، حتى ولو كانت كافرة، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: 23]. وقال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15]. فالأم قيمة كبيرة جدا لا يستشعرها إلا من فقدها، فأسرعي إلي حضنها والتمسي رضاها قبل فوات الأوان!!
ثم أنكِ يا عزيزتي لم تذكري في رسالتكِ أي موقف حدث بينك وبينها جعلكِ تحكمين عليها بعدم حبها لكِ؟ كما لم تذكري هل تتعامل بنفس الأسلوب مع أخواتك إن كان لك أخوات أو إخوة؟ وما هو موقف أبيك إن كان موجودا؟ إجابات هذه الأسئلة تجعل الصورة واضحة، علي العموم سأجتهد في نصيحتي لكِ، والله المستعان.
ابنتي الحبيبة.. أحيانا تبدو أمكِ عصبية وقاسية لعدة أسباب؛ ربما كما ذكرت للأسلوب السيئ في التعامل معها، وهذا شيء مؤكد، وربما أمك عليها ضغوط كثيرة جعلتها لا تجد متسعا من الوقت للتحاور معك وإظهار مشاعرها تجاهكِ؛ وربما هي تعمل وتقضي معظم ساعات النهار في عملها وعندما تعود للبيت تكون متعبة منهكة فلا تجد وقتا للراحة أو للحوار معكِ لأن أمامها أعباء أخري داخل البيت من تحضير طعام وترتيب وتنظيف وغيرها؛ وربما يوجد مشاكل بينها وبين أبيكِ مما يجعلها في حالة نفسية سيئة، الأمر الذي يجعلها غير قادرة علي نشر البهجة والسعادة التي هي بالفعل تفتقدها، وربما تعاني أمك من ضائقة مادية شديدة تجعلها دائمة التفكير في المستقبل وشاردة الذهن، وربما أمور أخري تجعلها تتعامل معكِ بعصبية زائدة، وقد صرحتِ أنتي في رسالتكِ أنكِ تتعاملين مع أمكِ بطريقة سيئة جدا، فكان ردة فعل أمك علي هذا الأسلوب هو ما جعلك تتهميها بالعصبية.. علي العموم سأترككِ تبحثين أنت عن سبب عصبية أمكِ معك، فبالتأكيد هناك سبب أو أكثر يجعل أمكِ عصبية المزاج.
ابنتي الصغيرة.. كنت أنتظر منكِ أن تذكري بعض محاسن أمكِ، أو بمعني آخر أن تضعي إيجابياتها في كفة ثم تضعي سلبياتها في الكفة الأخرى؛ وهذا من باب الإنصاف في الحكم علي الأشخاص، أليس كذلك؟ فمن الذي يتولي تدبير شؤونك وتحضير طعامك ورعايتك؟ بالطبع أمكِ هي من سهرت وربت وتحملت وضحت حتى تكوني فتاة جميلة ومتعلمة، فمهما بدر من أمكِ أي تصرف عصبي أو فيه قسوة، يجب أن تعلمي أن قلبها يمتلئ حبا لكِ، ولكنها ربما لا تجيد التعبير عن هذا الحب، ثم كيف تظهر حبها لكِ وهي تراكِ تتعاملي معها بأسلوب سيئ جدا؟
ابنتي المؤمنة.. لا شك أنك علي خطأ عظيم بهذا الأسلوب الذي تتعاملين به مع أمكِ، ومع الأسف محل سخط من الله تعالي، فبادري أولا بالتوبة عما بدر منك بحق أمكِ، والتمسي رضا الله تعالي في رضاها، وحافظي علي العبادات، وأكثري من الطاعات والمداومة علي قراءة القرآن، كما أنصحك بالبحث عن صحبة طيبة من الأخوات الصالحات يقدمن لكِ النصيحة الخالصة وتحاكيهن في أسلوب تعاملهن مع أمهاتهن، هذا سيكون عاملا مهما في ترقيق مشاعرك تجاه أمكِ. أكثري من الاستغفار والحوقلة، وحافظي على أذكار الصباح والمساء. ورددي كثيرا: اللهم أعوذ بك من شر نفسي ومن شر وساوس الشيطان صباحا ومساء.
ابنتي الكريمة.. الأم مهما قست وجفت فهي أم، أمرنا الله ببرها والإحسان إليها، ولم يحدد الله صفة الأمهات الواجب برهن، بل جعل الله الإحسان للوالدين طاعة له سبحانه، فبرك لأمك هو واجب عليك وفرض، ولتحسين علاقتك مع أمك أقترح عليكِ هذه الوصايا:
1- الصبر على أمكِ والاجتهاد في تفادي ما يغضبها، والتماس العذر لها إن غضبت.
2- تجنب العناد والمخالفة لها واختيار الألفاظ اللطيفة عند التعامل معها.
3- الابتعاد بالكلية عن كل ما يغضبها من أفعال وأقوال منك.
4- احترام قولها ورأيها مهما كان غير مقبول، وعدم مقابلة ذلك بالتأفف والجدال.
5- إشعارها بأهميتها وفضلها عليك.
6- القيام بأعمال تحبّبها فيك مثل تقبيل يديها أو رأسها، وإذا طلبت شيء فقولي لها "على رأسي أنت تأمري يا أمي"، ووطِّني نفسك على كسر أية حواجز عاطفية يمكن أن تحول دون تمتعك بدفء حنانها.
7- لا تتركي فرصة للتوتر أن يحصل، فلا تجاهري بمخالفة أمك، ولا تتعمدي ذلك.
8- العفو والسماح والتماس الأعذار، كل ذلك يؤدي إلي سعة الصدر وراحة البال، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً).
9- كوني لأمكِ اليد الحنونة، والقلب الرحيم حين مرضها – لا قدر الله- فالأم لا تنس أبدًا وقوف ابنتها عند سريرها وقت المرض، أو مساعدتها ساعة الضيق.
10- شافهي أمك بطريق ودية واسأليها لماذا هي قاسية معكِ، واستمعي لها وافهمي وجهة نظرها، وبعد الحديث امدحي وجهة نظرها قائلة: والله يا أمي وجهة نظرك في محلها وأعدك بأن أكون لكِ نعم الابنة البارة فقط أحتاج دعاءك ورضاك عليّ.
وفي الختام.. كم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح لك حالك، وأن يغفر لكِ وأن يتوب عليكِ، وأن يرزقكِ حسن الخلق وأن يعينكِ على ذكره وشكره وحسن عبادته، كما نسأله أن يثبتك على الحق وأن يشرح صدرك وأن يزيدك صلاحًا وتقىً، وأن لا يحرمك بر أمكِ، إنه جواد كريم.