19 محرم 1438

السؤال

أنا متزوجة منذ سنة وزوجي يحبني ويحترمني وينفذ كل طلباتي، لكن منذ فترة زاد انشغاله بالجوال وصار كل وقته للجوال، أتضايق منه لكن أكتم ضيقي وهو ولا يحس بي وصار عندي فضول أعرف ما الذي يشغله عني فتحت جواله بدون علمه ورأيت كل أنواع برامج التعارف معه، تضايقت كثيرا وحملت حسابه في (الانستجرام) وصدمت من الصور التي ينزلها، صور شباب وشفايف وتعليقات (زفتة) وشباب يطلبون رقمه ويريدون يمارسون معه اللواط لكن ما كان يرد عليهم فتحت الاستديو رأيت صورا إباحية كان قبل يلتقي بي شبه يومي والآن تمر أيام وأسابيع ما عاد يهتم وقبل يومين كان يراسل أحد الشباب اتصل به قال له افتح جوالك انظر ماذا أرسلت لك في الواتس قلت له ما هو؟ قال هذه بيني وبينه بيع وشراء أنا ما صدقته وبعد ما رأيت الجوال فتحته حصلته حذف المحادثات ما أدري ماذا كان بينهم؟ أنا صرت أكره اللقاء الخاص معه عندما يطلب أرفض أخاف أتقزز أن يكون شاذا ما أدري ماذا أعمل معه؟ تعبت، صرت أبكي في اليوم ألف مرة.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا..
إنه مما عمت به البلوى في هذا الزمان، الوسائل التقنية الحديثة من جوال ونت وفضائيات، فبدلاً من استخدامها الاستخدام الأمثل الذي يفيدنا والذي يعود علينا وعلى مجتمعاتنا بالخير والنفع ونحن أمة الإسلام مُيزنا عن سائر الأمم بالتزكية؛ تزكية الروح وتزكية الجسد وتزكية المال، وأرشدنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى استخدام كل ما هو صالح ونافع، فقال: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها" فإذ بنا نسقط في هذه الهوة، كالجاهل بالسباحة يرمي نفسه في اليم، فحتما تكون النتيجة مفزعة.
ابنتي الحبيبة.. في بداية حديثي أعتب عليك لوقوعك في خطأ شرعي مع زوجك وهو (فتحت جواله بدون علمه)! فهذا تجسس، وقد نهى الله عز وجل عن إساءة الظن بالمؤمنين وعن التجسس عليهم، وعن تتبع زلاتهم وعثراتهم، لقوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا" {الحجرات: 12}. ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم، فما بالك بأقرب الناس إليك وهو زوجك.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تجسسوا ولا تحسسوا". رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة. وقد ورد النهي خصوصا عن تتبع عثرات الأهل أو تخونهم.
الأمر الثاني الذي أرغب في لفت نظرك إليه، هو وجوب إحسان الظن بالزوج، فطبيعي أنكِ قد أخترت زوجك على الدين والخلق، فلا يجوز سوء الظن به، بل يعتبر ذلك من الظلم البين، لهذا استغفري الله..
وحسنا ما فعلت بعدم اندفاعك ومواجهته بما رأيت في جواله، لأن المواجهة إما تجرحه وتشرخ نفسيته إن كان بريئا، أو تجعله يزداد عنادا وتشبثا بالطريق الذي يسلكه إن كان حقا مدانا..
كما أنصحكِ بألا تفشي هذا السر لأي أحد، لأن إفشاءه سيكون من باب التشهير به، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.
ابنتي المؤمنة.. إن كان زوجك حقا قد سلك مسلكا منحرفا، فاعلمي أنه في بداية هذا الطريق، ولم يتمادى فيه، ولهذا سيكون العلاج بإذن الله سهلا وميسورا.. فكما ذكرت (زوجي يحبني ويحترمني وينفذ كل طلباتي).. لهذا حاولي أن تعلمي ما هي الأسباب التي طرأت عليه وجعلته يلجأ إلى هذه الممارسات الخاطئة، لأنه عند معرفة الأسباب واقتلاعها، ينجح العلاج بإذنه تعالى. ومن هذه الأسباب الصحبة السيئة، وكما يقولون الصاحب ساحب، أو ربما كان السبب مجرد المغامرة وحب الاستطلاع هو الدافع الأساسي، أو ربما تبديد الوقت وكسر الملل، أو ربما فتور إيماني ومرض قلبي، وأخيرا ربما يكون السبب أنتِ – ابنتي الغالية- فيما وصل إليه زوجك وأنتِ لا تدرين. كل تلك الأسباب تحتاج منكِ إلى صبر وهدوء وعدم انفعال في معالجتها، فاستعيني بالله تعالى واتبعي هذه الخطوات:
1- اسألي نفسك أولا: ما الذي دفع زوجك لهذا المسلك؟ قد تكونين أنتِ -دون قصد- فمعظم انحرافات الزوج تحدث عندما تصبح العشرة باهتة وباردة ومملة، أو ليس بها أي تجديد، وربما لا تشبعين رغباته العاطفية ، فاعملي على إشباع الحاجات العاطفية، وإعادة الحرارة للعلاقة الزوجية بينكما، وذلك بإعادة خطوط الاتصال القلبية والوجدانية، فابدئي التجديد والتغيير في حياتكما.
تفهمي أن للرجل ضعفا غريزيا أمام المغريات.. فحاولي أن تظهري أمامه كالعروس في رومانسيتها وإثارتها، تزيني له، وتطيبي له، وتفنني في إدخال السرور عليه، هذا هو الإسلام " أن تسره إذا نظر إليها ". ليس فقط في عنايتك بمظهرك وزينتك ولمسات الجمال في منزلك، بل عبري عن مشاعرك له، وأعطيه الفرصة للتعبير عن مشاعره هو أيضا، واعلمي أن زوجك يحتاج أيضا إلى أن لفت انتباهه لجوانب أخرى من السعادة المباحة والمشروعة تشتركان فيها معاً: كأن تدفعينه، بين الحين والآخر للقيام برحلات ونزهات مشتركة تكتشفان فيها معالم البلاد.. وماذا عن الرحلات العبادية ومتعها الروحية.. ماذا عن البحث عن نشاط خيري تشتركان فيه معاً من خلال إحدى الجمعيات أو الأندية الاجتماعية.. كل ذلك سيعيد المشاعر الرقيقة الصافية لحياتكما. واحذري مما ذكرته (صرت اللقاء الخاص معه).
2 - عاملي زوجك بحب وود.. أفيضي عليه من حنانك وعطفك، وامنحيه كثيراً من اهتمامك لأن زوجك إنما يبحث عن العاطفة. خصصي جزءاً كبيراً من وقتك للاهتمام به والاستماع له وتجاذب أطراف الحديث معه، لتكوني بذلك السكن الذي يركن إليه بعد التعب.
3- تحدثي مع زوجك دوماً كأنه هدية السماء لك، التي تشكرين الله عليها ليل نهار، كما هو يحدثك دوما، وأشعريه أنك فخورة به، كوني أمام زوجك مرحة منطلقة خفيفة الروح بشوشة... تحدثي مع زوجك بكل احترام، واحذري أن يعرف أي أحد بشيء من هذه الأمور، حافظي على صورته المحترمة أمام الجميع.
4- تحدثي مع زوجك عن مراقبة الله، وأن الله يعرف سره وعلانيته، فهو الخالق المسيطر على الكون القادر على أخذ عباده وعذابهم، ولكن الله يترك لهم مجالاً للتوبة والإنابة لكي يرجعوا ويتوبوا.. والله يرانا في كل أحوالنا، فلا ينبغي أبدا أن نجعل الله أهون الناظرين لنا، وذكريه بعظمة الله ولقاء الله بالموت، واستعيذي أمامه كثيرا من سوء الخاتمة.
5- اعلمي أن الاستغفار مفتاح الفرج، فالزمي الاستغفار، يقول الله تعالى (فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهارا مالكم لا ترجون لله وقارا)، ويقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما روي عنه: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب).
6- ذكري زوجك دوما بالصلاة، وعظم هذه الفريضة، "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"، فمحافظة زوجك على الصلاة إن شاء الله رادع له عن كل سوء (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
7- داومي على ترك أشرطة القرآن الكريم بمسمع منه، فترديد القرآن بالبيت يجلب البركة، ويطرد الشياطين. كما أنصحك بإسماع زوجك الأشرطة الدينية التي ترقق القلب، وتذكر بالموت وحسن الخاتمة والجنة والنار.
8- شجعيه على الصيام النفل، فقد شرع الله الصيام ليسيطر على الغرائز، ويكبح جماح الشهوات، ويقوي على مقاومة وساوس الشيطان.
9- نبذ كافة الوسائل التي تدعو أو تزين الرذيلة كالقنوات الفضائية والأغاني والإنترنت والأفلام الخليعة، وحثيه على غض البصر، فالنظر بريد الزنا، ولهذا أمر الشرع بغض البصر.
10- شجعيه على أن يكون له رفقة طيبة، ولتكن رفقة جماعة المسجد أو غيرهم من الصالحين، فالرفقة الصالحة خير معين بعد الله عز وجل، وحذريه من جلساء السوء.
11- اذكري الله كثيرا، وأكثري من هذا الدعاء أمامه: "اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين". فدعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب التي ينبغي على الإنسان أن يبذلها، تضرعي لله - عز وجل- وابك بين يديه أن يهدي زوجك ويصلح حاله ويملأ قلبه بالإيمان وبطاعة الله ويؤلف بينكما، خاصة أثناء السجود، والثلث الأخير من الليل، وفي أوقات إجابة الدعاء.
12- استيقظي، وحثي زوجك على الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل، وافزعي إلى الله تعالى بالدعاء، فقد وعد الله من دعاه مضطراً منيباً حال الشدة والكربة أن يستجيب له، قال تعالى "أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأرْضِ أَءلَـهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ" وأخلصي الدعاء له سبحانه، وليكن من دعائك: "اللهم اقر عيني بهداية زوجي وصلاحه وتقواه"، "اللهم اشف زوجي، وعافه من هذا البلاء، اللهم اشرح صدره للإيمان، اللهم ارزقه الهداية، اللهم أره الحق حقا وارزقه اتباعه وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه"، "اللهم أبعد عنه رفقاء السوء، اللهم جنبه الفواحش والمعاصي، اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه"، "اللهم اجعلني لزوجي كما يحب، واجعله لي كما أحب، واجعلنا لك كما تحب، وارزقنا الذرية الصالحة كما نحب وكما تحب".
13- تحدثي معه عن مخاطر الإنترنت، وكيف أن عالم الإنترنت عالم جذاب إلى أقصى درجة، مما فتح الباب لكثير من ضعاف الإيمان للوقوع في ارتكاب المحرمات. اضربي له أمثلة عن أزواج قد وقعوا في الإثم والخيانة، ثم أخبريه عن أشكال الخيانة، فالمواعدات واللقاءات وأحاديث الهاتف هي خيانة، وهناك أيضاً خيانة بصرية، بواسطة المشاهدة للمناظر الإباحية أو اللقطات المثيرة، والخيانة العقلية عبر الخيال، وأن الشريعة الإسلامية لم تحرم الزنا بمعناه المباشر فقط، بل حرمت طرقة والسبل التي تؤدي إليه من باب سد الذرائع مثل الخلوة بالمرأة الأجنبية، والنظرة غير المشروعة لغير الحاجة، وكذلك حرمت كشف العورات لأنها جميعها سبيل للزنا..
14- حاولي شغل وقت فراغ زوجك وطاقاته في تحقيق مكاسب دعوية واجتماعية مهمة. حدثيه عن أهمية الوقت، وأنكما محاسبان عنه يوم القيامة، شجعيه ليشارك بإيجابية في هذا العالم الإليكتروني، استغلي وقتكما في غايات أرفع، فمثلا يمكنكما التعرف معه على أصدقاء وصديقات من مختلف العالم، وتكلموا معهم بالإيميل عن الإسلام والدعوة وغير ذلك، اصرفي نظره ليكون عضوا فعالا في الوجه الآخر للإنترنت. ابحثي عن مواقع تهمه ويمكن أن تجذب اهتمامه بعيداً عن تلك المواقع المشبوهة ومشاركته في مجموعات بريدية جادة ودعوية ترسل له رسائل مؤثرة.. ماذا عن لفت نظره لمواعيد البرامج الهامة والهادفة في القنوات الفضائية والاشتراك في متابعتها، بل ومناقشة أفكارها.
15- اجتهدي وابتكري في وسائل إصلاحه وجذبه إليك واتركي النتائج على الله عز وجل، واعلمي أنه بعون الله، وبالتدريج والصبر واللين، ستحققين تغيرا فيه، ولكن لا تتعجلي النتائج مهما طال الزمن، وفي النهاية الهداية بيد رب العالمين، "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ".
إذا فعلتِ كل ذلك – ابنتي العزيزة - فإنك لن تضمني فقط لنفسك السعادة، بل ستضمني لزوجك التوبة إن كان فعلا يقترف إثما، وإن لم يكن فكل بني آدم خطاء والتذكرة خير للجميع. لا تملي، فإن الشجرة حينما تبدأ أوراقها في الجفاف، فإذا سقيت بالماء، فسيسري إليها الماء رويدًا رويدًا، ليعيد الحياة إليها من جديد بإذن الله تعالى، فاستمري في العطاء، ولا تملي من طول الطريق. وكوني دوما بجانبه تساعديه على التوبة من الإثم والذنب، وتأخذي بيده إلى الطريق المستقيم.
وفي الختام.. أسأل الله تعالى أن يفتح عليك فتحا من عنده يفرّج به همّك وينفّس به كربك، ويصلح لك به زوجك ويسعدك في الدّارين، وأن ينير لكِ البصر والبصيرة، ويكتب لكِ السعادة والتوفيق، ونحن في انتظار أخبارك لنطمئن عليك، فواصلينا بجديدكِ.