29 ربيع الثاني 1426

السؤال

أنا طالبة في قسم دعوي، طموحي أن أكون داعية إلى الله، ولكني لا أملك الجرأة لتصدر المجالس في الكلام والإلقاء، أحس بحسرة عندما أرى عاصياً لا أستطيع توجيهه - حتى لو كنت أنا واقعة في نفس معصيته - لدي قلم متحمس في الدعوة، ولكني لا أعلم كيف أستخدمه مع الأفراد.<BR>لا أجد أمامي إلا توزيع المطويات والأشرطة، ولكني لا أحس أن هذا كافٍ لتخصصي في مجال الدعوة والاحتساب.. وجهوني وجهكم الله إلى طريق الجنة.<BR>

أجاب عنها:
جمّاز الجمّاز

الجواب

الحمد لله رب العالمين، وبعد: كونك داعية إلى الله _جل وعلا_، هذه نعمة من الله _تبارك وتعالى_ عليك، أن وفقك لهذا الأمر، ويسَّر لك سلوكه، فاحرصي كل الحرص على الثبات على هذا المبدأ، وعدم التنازل عنه، مهما كلف الأمر. ويجب أن تعلمي أن قلمك المتحمّس، أو كتابتك المتميزة، لمّا جعل الله _جل وعلا_ فيها بركة، وانتفع بها خلق كثير من قرأ لك، هو مما فتح الله به عليك، فافهمي ذلك جيداً، واحذري أن تستخدميها في معصية الله _جل وعلا_، وكونك لا تحسنين الإلقاء ولا التأثير في الناس، ومع هذا فأنت متخصّصة في الدعوة، ينبغي ألا يؤثر هذا على عطائك، واعلمي أنّ هذا لا يُنقص من قدر شخصيتك الدعوية، بل ليس عيباً في شخصية الداعية، وأظنك سوف تعجبين إذا علمت أن هذا حال كثير من العلماء فضلاً عن الدعاة، فالأمر طبيعي لا غُبار عليه، ومثل هذا لو أن الله _جل وعلا_ فتح عليك في باب نفع الناس وقضاء حوائجهم، ومساعدة محتاجهم، مما يكون من ممارسة الأعمال الخيرية الإغاثية، لم يُيسِّر الله _جل وعلا_ لكِ تعلم العلم، وتعليمه للناس، أو يسّر لكِ ولوج باب الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يُيسِّر لكِ باب الدعوة وتوجيه الناس، فكله أمر طبعي، فلا تحزني ولا تتضايقي. وقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "كلٌّ ميسَّر لما خُلِق له" خرّجه مسلم وغيره(1). وقال _صلى الله عليه وسلم_: "كلُّ عاملٍ ميسَّر لعمله" خرّجه مسلم وغيره(2). وقال _صلى الله عليه وسلم_: "اعملوا فكلٌّ ميسَّر" خرّجه مسلم وغيره(3). وأود تنبيهك إلى شيء مهم، وهو: أن ما يأتيك من حزن أو ضيق أو خواطر غير مؤهّلة، لا تستطيعي التصدر لإلقاء المحاضرات، شخصيتك ناقصة، كل هذا وأمثاله، من وساوس الشيطان وتزيينه الباطل لك، فاحذري أن تكوني ضحية لمكره وكيده، وتعوذي بالله منه ثلاثاً، ولا تشتغلي بالتفكير في هذا الأمر. وأشير عليك بأمر آخر، وهو: أن تستشيري من يكبرك سناً وفضلاً وعلماً، ولها معرفة بحالك، أيُّ الأبواب في الدعوة إلى الله _تبارك وتعالى_ هو مناسب لكِ، وملائم لقدراتك، وعليه، إذا أشارتْ عليكِ بعملٍ ما، ورأيتِ نفسكِ راغبة فيه، ومبدعة فيه، ولديك الاستعداد التام نحوه، لتقبل كل ما من شأنه الرفع في مستوى أدائك فيه، واكتساب كل ما هو نافع ومفيد وجديد فيه، فاقبلي بمشورتها، ولو كان الأمر على غير ما تريدين، فإنّ هذا هو اللائق بك، والمناسب لك. ثم عليك بالاهتمام بتنمية المهارات والقدرات، لتتلاءم مع العمل الدعوي، فاحرصي مثلاً على قراءة وتبيّن الكتب التي تهتم ببيان صفات وأخلاق العمل الذي اخترتيه، ولا تنسي الالتحاق بالدورات المتخصصة في صميم العمل، وحاولي دائماً اكتساب الصفات المطلوب توافرها فيمن يقوم بهذا العمل، كالتي لا يمكن اكتسابها إلا بالتعلم أو التحلّم أو التصبّر أو الممارسة، وتعاهدي نفسك بين الحين والآخر بإقناعها بضرورة ما تعملين فيه، ورغِّبيها بفضائل هذا العمل الجليل، مما ورد في الكتاب وصحيح السنة، واجتهدي في تنمية العلاقات مع ذوي الاختصاص ممن يشاركنك هذا العمل من جنسك، واطلبي منهن تقويمك وتوجيهك. واسألي الله الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد. واللهَ أسأل أن يكلل الأقوال والأعمال بالنجاح، إنه جواد كريم، ويرزقنا وإياك التوفيق والسداد، والله يتولانا وإياكم، والسلام. والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. ______________ (1) صحيح مسلم (2649) القدر. (2) صحيح مسلم (2648) القدر. (3) صحيح مسلم (2648) القدر.