30 رمضان 1426

السؤال

أنا شاب مقبل على الزواج, وأرغب في توجيه نصائح لي, حتى يكون زواجي موفقا ً؟

أجاب عنها:
جمّاز الجمّاز

الجواب

الحمد لله رب العالمين, وبعد: هذه وصايا للزوجين, قسمتها قسمين, قسم لما قبل الزواج, وقسم لما بعد الزواج, أشير عليك أخي الكريم بتحقيقها, فهي نافعة _بإذن الله عز وجل_. قبل الزواج: 1. ليتعرف كل منكما على مهمته وغايته من الزواج, فالمهمة: تقويم اللبنة الاجتماعية التي ينشأ منها المجتمع, والغاية: إعفاف النفس, والإنجاب لعمارة الكون. وقد صح في الحديث(1), أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم" (2), وصح أيضاً (3) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج"(4). 2. الزواج نعمة من الله _تبارك وتعالى_, تستحق الشكر, فقد صح (5) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا تزوج العبد فقد كمل نصف الدين, فليتق الله في النصف الباقي"(6), فليحرص كل منكما, على إقامة الطاعة ومجانبة المعصية, إكمالاً لدينه. 3. فكر أيها الزوج في عواقب الاستعدادات المكلفة، والتي تفوق طاقتك وقدرتك المالية, ففي البداية يحصل لك الزواج المثير, والسيارة المتميزة, والأثاث الفاخر, وبعد مدة تعود الأمور كما كانت, وقد تتسبب في تراكم الديون عليك, وتتغير الحالة المعيشية, مما يؤدي إلى ظهور استياء في الحياة الزوجية. واعلم أن البركة في الزواج, لها أسباب, ومنها: خفة المهور وقلتها, وقد صح(7) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من يمن المرأة, تسهيل أمرها وقلة صداقها", قال عروة راوي الحديث عن عائشة, وأنا أقول من عندي: ومن شؤمها تعسير أمرها, وكثرة صداقها(8). 4. اختر أيها الزوج, المرأة الصالحة, فقد صح(9) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (10), وصح عنه(11) _صلى الله عليه وسلم_ أنه سُئل (أي النساء خير ؟ قال: "الذي تسره إذا نظر, وتطيعه إذا أمر, ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله" (12), وهذه الأوصاف الفذة لا تتوافر إلا في المرأة الصالحة, فاظفر بها. 5. بعد عقد النكاح وقبل الدخول, لتعرف كل من الزوجين على الآخر, ويتفهم طبيعة ظروف كل منها العلمية والاجتماعية والتجارية, ويحرص على معرفة الصفات الشخصية الخاصة ما أمكن, لإحسان التعامل فيما بينهما, مثل: (الحساسية المفرطة, الكره لشيء ما, الحب لشيء ما, الاجتماعية المفرطة, العلاقات الواسعة, الأعمال التجارية, الهوايات, الانفعال, الخجل, الخوف, الحلم والهدوء, الحياء, القوة والشجاعة, عزة النفس, الكرم, الانشغال بقضاء حوائج الآخرين). 6. الاستفادة من الخبرات السابقة لبعض المتزوجين والمتزوجات في سؤالهم عن أنواع المشكلات التي تقع بين الزوجين, مثل: (...... أحدهما لغلبة رأيه, الخروج عن حد الأدب, تجاوز الرحمة في التعامل, تعدي أحدهما على الآخر في مسؤولياته, عدم تقدير ما يبذله كل منهما, تدخل أطراف خارجية لإشعال فتيل العلاقات بينهما, تخلي أحدهما عن بعض واجباته أو التقصير فيها). وسؤالهم أيضاً عن كيفية التغلب على مثل هذه المشاكل, والطريقة المثلى لحلها. 7. السؤال عن أسرار ليلة الدخول, ليلة الزفاف (ليلة البناء) ومعرفة ما يحسن فعله, وما يحسن تركه, وكيفية التعامل الأمثل ليلتها من حيث الأقوال والأفعال, وتطبيق السنة النبوية, فيضع الزوج يده على رأس زوجته ويدعو لها, فقد صح(13) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا تزوج أحدكم امرأة واشترى خادماً, فليأخذ بناصيتها, وليسمّ الله _عز وجل_, وليدع الله بالبركة وليقل: اللهم إن أسألك خيرها, وخير ما جبلتها عليه, وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه ... (14)) وأشير عليك بقراءة بعض الكتب المتخصصة في هذا المجال, مثل: آداب الزفاف في السنة المطهرة, لمحمد ناصر الدين الألباني, وتحفة العروس, لمحمود مهدي الاستانبولي. 8. الحذر كل الحذر, من المعاصي والمخالفات الشرعية, التي تحصل في أيام الزواج الأولى, إذ هي تذهب ببركة الزواج, مثل: (الخلوة المحرمة, والمكالمات الهاتفية بعد الخطبة وقبل عقد النكاح, استخدام الطبول والأغاني الموسيقية في وقت الاحتفال بالزواج, التجمل للعرس بالحرام مثل: النمص (نتف الحواجب أو تشقيرها) والوصل (وصل الشعر بالباروكة) والقصات المحرمة, تقليد الكفار في بعض مراسيم النكاح والتي فيها تقليد للكفار, مثل: دبلة الخطوبة, تشييع الزوجين على المنصة أمام الحضور, زفة العروسين على النغمات الموسيقية, السفر بعد الزواج مباشرة, كما لو كان إلى بلاد كافرة مثلاً وما يتبعه من فعل للمحرمات مثل كشف الوجه والاختلاط, ترك صلاة الجماعة). بعد الزواج: 1. أن تعلم أن عليك لزوجك واجبات, فالزوج عليه أن يمسك بمعروف أو يسرح بإحسان, ينفق عليها بالمعروف, يكسوها بالمعروف, والزوجة عليها أن تتبعل لزوجها بالمعروف, تخدمه بالمعروف, تطيعه بالمعروف. 2. على الزوج أن يجتهد في وقاية زوجته وحمايتها من النار, ويكون ذلك بتأديبها وتعليمها وحملها على تعلم ما يجب عليها والحيلولة بينها وبين أسباب الفساد, قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم:6). 3. ومن واجبه أيضاً, الغيرة عليها وحفظها من كل ما يؤذيها, فلا يُعرضها لما يخدش حياءها, ويجرح كرامتها, فعليه منعها من التبرج والسفور والاختلاط بالرجال الأجانب عنها. 4. بقول الأسباب لتحقيق السعادة الزوجية, فيحرص كلاً منهما على (الاحترام والتقدير, الإعذار في بعض المواقف الخطأ, التنازل عن التقصير, فلن يجد كلاً منهما في الآخر ما يريد, وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"(15) بخلاف الواجبات الشرعية والالتزام بالأخلاق والأمور المهمة, فلا إعذار ولا تنازل ولكن بالحكمة, قيام كل منهما بدوره المناط به والوفاء بالحقوق تجاه الآخر وتحقيق الواجبات اللازمة عليه, التقارب على أداء حقوق الله _تبارك وتعالى_, وحفظها من الضياع, التضحية من آجل الآخر, الخدمة وقضاء الحوائج لكل منهما الآخر, فقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يكون في مهنة أهله –تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة, خرج إلى الصلاة (16), تواضع كل منها للآخر, فقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_(17) كان يخيط ثوبه, ويخصف نعله, ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)(18) وكان .... ثوبه ويجلب شاته ويخدم نفسه) (19) وكان يرقع القميص (20), التلفظ بالكلمات الجميلة مع الابتسامة, شكر كل منهما للآخر بما يليق ويستحق, المجالسة والمحادثة الهادفة, المؤانسة المهذبة, النزهة البريئة الممتعة, كذب أحدهما على الآخر, إرضاء لخطارهما وتعميقاً للمودة بينهما, ومثله أن يأخذ أحدهما الآخر بالإحسان, وما من شأنه أن يُفهم منه غيره, وفيه ما يطيب قلبه (6)). 5. إذا واجهتك مشكلة, فيجب عليك التريث وتلمس الحل, وعدم التسرع في حل المشكلة, بحل صعب, كالطلاق مثلاً, واعلم أن الخلاف بين الزوجين أمر طبعي, يقع فيه كثير من النسا, وهنا ألفت نظرك إلى شيء مهم, وهو أن من أهم أسباب الخلاف في الأيام الأولى في الزواج, هو اختلاف بيئة الزوجين, ولا يمكن ... في وقت قصير أن يتوافقا في الأذواق والأمزجة والطبائع, فلتحمل كل منهما الآخر. 6. ضرورة التعرف على طبيعة أهل الزوج والزوجة, والحرص على إفشاء علاقة متينة متميزة لها معالمها وحدودها, فالزوج لا يستغني عن أهل الزوجة غالباً, والزوجة لا تستغني عن أهل زوجها غالباً, وبقدر الإمكان, فالخلاف مع أهل الزوجين, ينبغي ألا تؤثر سلباً على علاقة الزوجين مع بعضهما البعض. 7. الحرص على تحقيق أسباب البركة والتوفيق, مثل: (كثرة الدعاء بالسعادة الزوجية, بذل الأسباب المعنوية والحسية لتحقيق السعادة الزوجية, الأناة والتعقل في التعامل, الحكمة في التقرب مع لين الجانب, تطهير المنزل من كل وسائل الفساد وما يسخط الرب, تطهير الحياة الزوجية من المعاصي والمخالفات, وجعلها مفعمة بالصالحات من الأقوال والأعمال, وهنا طريق السعادة والحياة الطيبة, قال _تعالى_: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97). 8. ليبتعد كل من الزوجين عن كل ما ينغص ويُكدر الحياة الزوجية, وخاصة الزوجة, فمثلاً: (لا تنقل هموم عملك وتجارتك إلى بيتك, تخفف من المشكلات والمزعجات, لا تنشغل طويلاً عن أهلك أو زوجك, لا يطغى اهتمام على اهتمام آخر, وعليك الموازنة بين أعمالك وهواياتك ومحبوباتك, لا تسب ولا تشتم زوجك, لا تقدح في الأسرة والعائلة أو تنتقص منهم, لا يتخون كل منكما الآخر, لا يتلمس كل منكما عثرات الآخر, لا يسيء كل منكما الظن بالآخر). أسأل الله _تبارك وتعالى_ أن يبارك لكما وعليكما ويجمع بينكما على خير, ويؤلف بينكما, ويرزقكمات ببنين صالحين, والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. _____________________ 1. صحيح سنن أبي داوود للألباني ج2 ص386 رقم 1805 2. سنن أبي داود رقم 2050 النكاح 3. 4. صحيح البخاري رقم 5066 النكاح, وصحيح مسلم رقم 1400 النكاح 5. السلسلة الصحيحة للألباني ج2 ص199 رقم 625 6. البيهقي في شعب الإيمان ج7 ص340 رقم 5100 7. إرواء الغليل للألباني ج6 ص350 8. صحيح ابن حبان بترتيب .... ج 9 ص405 رقم 4095 9. 10. صحيح مسلم رقم 1467 الرضاع 11. السلسلة الصحيحة للألباني ج4 ص453 رقم 1838 12. سنن النسائي رقم 3231 النكاح 13. آداب ..... في السنن المطهرة للألباني ص 92-93 14. سنن أبي داود رقم 2160 النكاح 15. صحيح مسلم رقم 1469 الرضاع 16. صحيح البخاري رقم 676 الأذان 17. صحيح الجامع للألباني ج2 ص886 رقم 4937 18. مسند أحمد ج41 ص390 رقم 24903 19. مسند أحمد ج43 ص262 رقم 26194, صحيح الجامع للألباني ج2 ص892 رقم 4996 20. مسند أحمد ج41 ص269 رقم 24749, صحيح الجامع للألباني ج2 ص887 رقم 4946 21. لحديث (ما سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يُرخص في شيء من الكذب إلا في ... والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها), خرجه أبو داود عن أم كلثوم وهو صحيح, السنن رقم 4921 الأدب, وانظر شرح النووي على مسلم ج16 ص395 والصحيحة للألباني ج2 ص74 رقم 545