29 رجب 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدعو الله أن تكونوا بخير، فإني – و الله- أدعو لكم ولي بدخول الجنة؛ لما تفعلون من خير ومساعدة للناس، أنا عندما تواجهني متاعب شديدة تكدّر على حياتي، أدعو الله، ثم أفكر في طلب المساعدة منكم، فأنتم الأمل الوحيد لي، بارك الله فيكم، وجزاكم خيرًا.
أنا مصاب باكتئاب قوي منذ فترة وجيزة، تقريبًا منذ حوالي شهر كامل، هذا الاكتئاب قد تمكن مني وسيطر علي، وأظلمت أيامي، سبب هذا الاكتئاب أعرفه جيدًا، سببه التفكير المُرهِق، وغير المفيد، بل إنه التفكير التشاؤمي البغيض.
أنا في المرحلة الثانية من كلية الآداب، وأدرس في محافظة بعيدة عن أهلي ومغترب، منذ شهر بدأت أفكر أني كبرت، وكلها سنتان وأُنهي الجامعة، وأبدأ العمل، ومن هنا ظهرت المشكلة.
تفكيري سيطر علي لدرجة أنني أحسست أني أنهيت الكلية، وأنا الآن لا أستطيع الحصول على عمل، وليس عندي دخل، وفي بعض الأوقات أتصفح الإنترنت على بعض الأعمال في تخصصي، وهو تخصص الترجمة، فأنا في قسم اللغة الإنجليزية، وأرى بعض الوظائف في دول أخرى ذات راتب جيد، وأتخيل نفسي فيها. أحيانًا لا أرى ما يلائمني، أو أن المرتب ضعيف جدًا، وأشعر بالاكتئاب؛ لأني لن أستطيع أن أكفل نفسي، ولن أستطيع أن أحصل على مال؛ لأرسل أمي إلى الحج، وأحصل على متطلباتي. أتخيل نفسي أني تزوجت، ولكن بعد مدة قليلة، لا أجد عملًا، ولا أستطيع أن أصرف على بيتي، هكذا أظل أفكر في المستقبل كثيرًا، وأنا ما زلت في السنة الثانية، وأفكر بالمستقبل بتشاؤم، وأجعله مظلمًا! أفكر أني مغترب وبعيد عن أهلي، وألاقي الصعوبات، وكل هذا من أجل ماذا؟! من أجل كلية الآداب؟! كلية ضعيفة، وكل من يستمع إليها يشمئز، وليست كلية ذات عائد عالي، ووظائف شبه مضمونة. دائمًا في نهاية التفكير أقول لنفسي: اجتهد واعمل الذي عليك، وربنا ييسّر، والرزق مكتوب لكل واحد، سواء عمل كذا أو كذا، وسوف يأخذ رزقه، ولكنى لا ألبثُ حتى أرجع للتشاؤم والحزن، وأقول: إن مستقبلي مظلم وكئيب، وإني عالة! وأظل أقلّل من نفسي ومن هيبتي، وأكره نفسي. أرجوكم، ساعدوني، ماذا أفعل حتى أتوقف عن هذا التفكير؟! لقد جربت أشياء كثيرة، جربت أن أشغل يوميًا؛ حتى لا أفكر، جربت القراءة، ولكن لا فائدة. هل عندما أنهي الجامعة لن أجد وظيفة بعائد جيد؟ هل سوف أكون فاشلًا؟ هل سوف يتغلب علي الاكتئاب؟ هل مقولة لا نجاح إلا بعد فشل تنطبق علي؟ فدخولي الآداب هي مرحلة الفشل، تليها مرحلة النجاح؟!

أجاب عنها:
د. أحمد فخري

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا بك يا أخي الفاضل تحياتي لك
الأخ الكريم من الواضح أن تفكيرك في المستقبل أنساك الحاضر ومتطلبات الحاضر ودائما الإنسان يمر بحالات عدم الاتزان النفسي وأحيانا يقع فريسة للاكتئاب أو القلق الشديد عندما يفكر في الماضى ويبكي على الأطلال كما يقولون أو عندما يفكر في المستقبل بشكل سلبي وتوقعات سلبية ويغفل الحاضر وواجباته تجاه الحاضر والمطلوب منه الآن وحاليا ومن الواضح أنك أخي الفاضل نظرت إلى المستقبل بنظره تشاؤميه واستبقت المستقبل قبل ما تمتلك أي دليل على صحة ما تقول وهو ما نطلق عليه القلق الاستباقي أو الاستنتاج الخاطئ للمستقبل بشكل تشاؤمي وسلبي وهناك بعض الأسئلة أقوم بسؤالها لبعض المترددين علي في العيادة عندما أقول لهم هل تصدق أنك ممكن أن يمر الأسبوع القادم عليك بسلام وهدوء وفرح ومفاجآت كثيرة إيجابية فأجد الإجابة لا طبعا يا دكتور لا أصدق هذا، هذا مستحيل ثم أقول له طيب لو قلت لك أن احتمال الأسبوع القادم سوف تمر عليك أوقات كئيبة وتشعر فيها بالهم والغم وهناك أحداث سلبية يمكن أن تحدث لك الأسبوع القادم أجد الإجابة نعم هذا الرأي صحيح أنا مع هذا الرأي
إذن أخي الفاضل التفكير التشاؤمي أو القلق الاستباقي تجاه المستقبل أو الاستنتاج الخاطئ لما هو آت كلها نابعة من التفكير الخاطئ السلبي وهذا ما يسبب لك مشاعر القلق والخوف والتوتر والارتباك لأن مشاعرنا ما هي إلا نتاج لطريقة تفكيرنا لذا عندما نغير من طريقة تفكيرنا نصبح أكثر تفاؤلاً ونظرة ايجابية موضوعية للأمور من حولنا وهناك بعض الأساليب والإرشادات المعرفية السلوكية سوف تساعدك على تخطي أزمتك بسلام إن شاء الله تعالى ومن تلك الإرشادات ما يلي:
-التفكير ثم التفكير هو المسبب الرئيسي لخوفك من المستقبل لذا عليك باستبدال أفكارك السلبية الغير منطقية بأفكار ايجابية منطقية واقعية بمعنى آخر عليك أن تسأل نفسك هل تستطيع قراءة الغيب أو التنبؤ بما هو آتي بالطبع لا إذن أعقلها وتوكل أنت تدرس وتقوم بواجباتك والباقي على المولى عز وجل لا تستطيع استنتاج المستقبل فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال إذن عليك بإيقاف التفكير السلبي المحبط الذي يتسبب في همك وقلقك واعلم أن ليس معك دليل منطقي على عدم حصولك على عمل في المستقبل وليس معك أيضا دليل على حصولك على عمل في المستقبل إذن كله في علم الغيب والشيء الوحيد الذي تمتلكه هو التعليم والاجتهاد حتى تحصل على شهادتك بتقدير مرتفع بإذن الله تعالى
- الشيء الايجابي الذي تقوم به وأرجو الاستمرار فيه هو شغل يومك بأعمال مفيدة تثقل من قدراتك وإمكانياتك ومواهبك استثمر يومك وادخر وقتك للمستقبل لكي تثقل مواهبك وقدراتك للإفادة منها مستقبلا وهذا ما يشعرك أنك تقوم بدورك وواجبك ولا يكلف الله نفسا فوق طاقتها
-ممارسة الهوايات والأنشطة وتعلم أشياء جديدة بغرض تطوير القدرات والاحتكاك بأفراد يشاركونك في النظرة الإيجابية العملية للمستقبل مما يضفي عليك شعور بالهدوء والطمأنينة تجاه المستقبل والحاضر
-الابتعاد عن الأفراد المتشائمين السلبيين في نظرتهم للحياة والأمور الغير جادين في تعاملهم مع شؤون دنياهم وآخرتهم بل عليك بالاحتكاك بالأشخاص الايجابيين المتفائلين في نظرتهم للأمور والمواقف لأن التفاؤل معدى وأيضا التشاؤم
-ضع مجموعة من الأهداف حتى ولو كانت بسيطة وحدد الوسائل والأدوات التي من خلالها تستطيع الوصول إلى أهدافك وما هي العوائق التي تحول دون تحقيق أهدافك وكيفية التغلب عليها فالإنسان بدون هدف واقعي يسعى لتحقيقه يجد نفسه لا معنى له ولا لوجوده في الحياة فاصنع معنى لحياتك تسعى بشكل يومي لتحقيقه على أرض الواقع
-الإنسان تائه وحيد قلق بدون رحمة الخالق سبحانه وتعالى، اسْعَ دائما لنيل رضى المولى عز وجل من خلال الانتظام في صلاتك واستغفارك ودعائك وتوصلك للمولى عز وجل وسوف تجد راحة البال والسكينة والاطمئنان الداخلي والشعور بالتفاؤل والرضى
الأخ الفاضل تمنياتى لك بمستقبل باهر وتحقق كل أمانيك وأهدافك الحالية والقادمة وفي انتظار تواصلك المستمر معنا لنجيب عن أسئلتك بكل مهنية