حقوق التأليف للمؤلفين

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب1406هـ إلى يوم السبت 19رجب1406هـ. قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية: هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها؟
وهل يجوز شرعًا الاعتياض عنها والتعاقد مع الناشرين عليها؟
وهل يجوز لأحد غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه على أنها مباحة لكل أحد، أو لا يجوز؟
وعرض على المجلس التقارير والدراسات التي هيأها في هذا الشأن بعض أعضاء المجلس، وناقش المجلس أيضًا رأي بعض الباحثين المعاصرين من أن المؤلف ليس له حق مالي مشروع فيما يؤلفه أو ينشره من كتب علمية بحجة أن العلم لا يجوز شرعًا حجره عن الناس، بل يجب على العلماء بذله، ومن كتم علمًا ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من نار، فلكل من وصل إلى يده بطريق مشروع نسخة من كتاب لأحد المؤلفين، أن ينسخه كتابة، وأن ينشره ويتاجر بتمويل نشره وبيع نسخه كما يشاء وليس للمؤلف حق في منعه. ونظر المجلس في الرأي المقابل، وما نشر فيه عن حقوق الابتكار، وما يسمى الملكية الأدبية والملكية الصناعية، من أن كل مؤلف لكتاب، أو بحث، أو عمل فني، أو مخترع لآلة نافعة له الحق وحده في استثمار مؤلفه، أو اختراعه نشرًا، وإنتاجًا، وبيعًا، وأن يتنازل عنه لمن يشاء بعوض أو غيره وبالشروط التي يوافق عليها، وليس لأحد أن ينشر الكتاب المؤلف، أو البحث المكتوب بدون إذن صاحبه، ولا أن يقلد الاختراع ويتاجر به دون رضى مخترعه، وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي:
1- أن الكتب، والبحوث، قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلفة من النسخ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلا الاستنساخ باليد، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتاب كبير ليخرج منه نسخة واحدة كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلف، حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدة نسخ، لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلف الأصلية معرضًا للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية، فلم يكن نسخ الكتاب عدوانًا على المؤلف واستثمارًا من الناسخ لجهود غيره وعلمه، بل بالعكس كان خدمة له وشهرة لعلمه وجهوده.
2- أما بعد ظهور المطابع، فقد أصبح الأمر معكوسًا تمامًا، فقد يقضي المؤلف معظم عمره في تأليف كتاب نافع، وينشره ليبيعه، فيأخذ شخص آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعًا أو تصويرًا، ويبيعه مزاحمًا مؤلفه ومنافسًا له، أو يوزعه مجانًا ليكسب بتوزيعه شهرة، فيضيع تعب المؤلف وجهوده، ومثل ذلك يقال في المخترع. وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع حيث يرون أن جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت
الميدان، ويتاجر بها منافسًا لهم من لم يبذل شيئًا مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار. فقد تغير الوضع بتغير الزمن وظهور المستجدات فيه، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظرًا جديدًا يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقه. فيجب أن يعتبر للمؤلف والمخترع حق فيما ألف أو ابتكر، وهذا الحق هو ملك له شرعًا، لا يجوز لأحد أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعًا، أو بدعة أو أي ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلا فإنه حينئذ يجب إتلافه ولا يجوز نشره. وكذلك ليس للناشر الذي يتفق معه المؤلف ولا لغيره تعديل شيء من مضمون الكتاب أو تغيير شيء دون موافقة المؤلف، وهذا الحق يورث عن صاحبه ويتقيد بما تقيده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظم هذا الحق وتحدده بعد وفاة صاحبه تنظيمًا وجمعًا بين حقه الخاص والحق العام، لأن كل مؤلف أو مخترع يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله.
أما المؤلف أو المخترع الذي يكون مستأجرًا من إحدى دور النشر ليؤلف لها كتابًا، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئًا لغاية ما، فإن ما ينتجه يكون من حق الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقه الشروط المتفق عليها بينهما مما تقبله قواعد التعاقد.
والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
نائب الرئيس: عبد الله عمر نصيف.
الأعضاء: عبد الله العبد الرحمن البسام، صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، محمد بن عبد الله بن سبيل، محمد محمود الصواف، مصطفى الزرقا (بدون توقيع)، صالح بن عثيمين، محمد رشيد قباني، محمد الشاذلي النيفر، أبو بكر محمود جومي، محمد بن جبير، أحمد فهمي أبو ستة ، الحبيب بلخوجة، د. أبو بكر زيد (أرى قصر البحث على مدى ورود الحق المالي فقط)، مبروك بن سعود العوادي، محمد بن سالم بن عبد الودود، يوسف القرضاوي، أبو الحسن علي الحسني الندوي (بدون توقيع).
مقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي: د. طلال عمر با فقيه.
* وقد تخلف عن الحضور في هذه الدورة كل من: فضيلة الشيخ عبد القدوس الهاشمي، ومعالي اللواء الركن محمود شيت خطاب، وفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف، وفضيلة الشيخ مبروك مسعود العوادي.
-------------
قرار رقم: 44 (4/9)