أسلوب الدعوة الفردية

الدعوة الفردية هي: ما يقوم به المسلم من جهود دعوية بمفرده، والفردية قد تكون من جهة الداعية، أو من جهة المدعو.

مثال الأول: عمل الشخص منفرداً عن الجماعة، بحيث يكون مستقلاً بدعوته للناس، وذلك من خلال المحاضرات، والدروس، والخطب.
ومثال الثاني: كون الداعية يدعو الناس منفردين، من خلال اللقاء الفردي، وجلسات المجالس (1).
ومن خلال عرض الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الدعوة على الناس، نجد أنه كان يمشي منفرداً في الأسواق، يدعو الناس،ويذهب إليهم في منازلهم، ونواديهم، ليس هذا فقط ولكن أيضاً يسافر إليهم بمفرده، كما في سفره _صلى الله عليه وسلم_ إلى الطائف، وتعرضه للأذى من السفهاء، ثم عاد إلى مكة ليكمل مشوار الدعوة دون ملل أو يأس، بل إن همه الأول الدعوة إلى الله _تعالى_ وهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، حتى وفق الله تعالى الأنصار للقاء الرسول _صلى الله عليه وسلم_ فدعاهم منفرداً، فقبلوا دعوته بتوفيق الله _تعالى_ لهم.

وأيضاً بَعْثه _صلى الله عليه وسلم_ مصعب بن عمير _رضي الله عنه_ إلى المدينة بمفرده ليعلم الناس أمور دينهم، فدعا رضي الله عنه وأخلص وضّحى بكل غال ونفيس، وخاطر بحياته من أجل تبليغ الدعوة، وأثمرت هذه الدعوة الفردية المباركة بإسلام معظم أهل المدينة.
أيضاً دعوة كعب بن مالك _رضي الله عنه_ لأبي جابر _رضي الله عنه_ كانت دعوة فردية، اجتهد فيها كعب _رضي الله عنه_ وحرص كل الحرص على تبليغ الدعوة، واستغل الفرصة أحسن استغلال، فأسلم أبو جابر _رضي الله عنه_.

فالدعوة الفردية سهلة المنال، يمارسها المسلم الصادق، الذي يحمل هم الدعوة في أي مكان وزمان.
ويُذكر أنه عندما (استدعى المندوب السامي الفرنسي، الشيخ عبد الحميد الجزائري، وقال له: إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار، وإلا أرسلت جنوداً لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه السموم ضدنا، وإخماد أصواتكم المنكرة. فأجاب الشيخ عبد الحميد: أيها المسيو الحاكم إنك لاتستطيع ذلك. فاستشاط غضباً وقال: كيف لاأستطيع؟ فقال له: إذا كنت في عرس علمت المحتفلين، وإذا كنت في مأتم وعظت المعزين، وإذا، جلست في قطار علّمت المسافرين، وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين، وإن قتلتموني التهبت مشاعر المواطنين، وخير لكم أيها المسيو أن لا تتعرضوا للأمة في دينها ولغتها) (2).

فالمسلم عليه أن يقتدي برسول هذه الأمة _صلى الله عليه وسلم_، امتثالاً لقول الله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } (3)، ويستن أيضاً بأصحابة الكرام رضي الله عنهم امتثالاً لموعظة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ التي رواها الإمام أحمد وأصحاب السنن – رحمهم الله - من حديث العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ: صَلَّى بَنَا رَسُولُ اللَّهِ الْفَجْر، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قَالَ: " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " (4).

فهذا الأسلوب المهم من أساليب الدعوة التي ينبغي للداعية أن يحرص على استخدامها وفق ما تقتضيه مصلحة المدعو، وأن يختار بدقة الوسيلة والأسلوب الذي يتناسب مع المدعو للوصول إلى الهدف المنشود.
ومن المؤسف أننا نجد من بعض الدعاة اليوم من يستخدم بعض الوسائل أو الأساليب في دعوة الناس بطريقة عشوائية وغير مدروسة وتجانب الحكمة، وهذا بلا شك ما يفسده أكثر مما يصلحه، ولو تأملنا القرآن الكريم، لوجدنا أن الله _تعالى_ أمر أنبياءه -كما مر بنا في الآيات السابقة- باستخدام الموعظة الحسنة مع فئة من المدعوين، والغلظة والشدة مع فئة أخرى، واللين والرفق مع آخرين وهذا بلا شك يعطينا درساً مهماً في ضرورة الدقة في اختيار الوسائل والأساليب التي تناسب حال المدعوين.


المراجع:
(1)انظر الداعي إلى الله (تكوينه و مسؤوليته) د. زيد الزيد،ص67.
(2)نحو أسلوب أمثل للدعوة الإسلامية، محمود عمارة، ص92.
(3)سورة الأحزاب، الآية (21).
(4)رواه الإمام أحمد- رحمه الله- في مسنده، برقم/16521، ج4،ص126.

---------------

* محاضرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية الدعوة والإعلام