نافذة ثقافية
رصد المؤلف بحس مرهف ظاهرة رهيبة من سمات الاسترقاق الغربي المعاصر وإن اتخذ أشكالاً لا تتطابق بالضرورة مع الاسترقاق التقليدي القديم، وهي كما يبرهن الكاتب ثمرة مُرّة من نواتج المادية الغربية بنظرتها الاستعلائية إزاء كل الآخرين، فضلاً عن إعلائها من شأن المكاسب المادية والإسراف في إرضاء النوازع البهيمية على حساب القيم العليا والفطرة السوية
إن نظام العولمة الحالي يقوم على تحكم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي في العالم، وهو نظام نتجت عنه سلبيات عدة، من أهمها عدم ضبط مسألة تضخيم الأرباح ولو كانت على حساب موت الآخرين جوعًا.
بل إن جون ميجور رئيس وزراء بريطانيا الأسبق علّق على المطالبات القضائية بالتعويض عن جرائم الإستعباد قائلاً بسخرية وقحة: "آه.. سوف ندفع للأفارقة تعويضات بشرط أن يُثْبِتوا أن ثمة ضرراً قد لحق بهم بسبب كون أجدادهم عبيداً لنا"!!! وكأنه يظن أن استعباد الغرب للأفارقة كان " تشريفاً" لهم و "وساماً" على صدورهم!!
(الإسلام محرر العبيد/ التاريخ الأسود للرق في الغرب) كتاب يقيم الحجة العلمية الدامغة على غلاة المستشرقين وتابعيهم من التغريبيين الذين دأبوا على قلب الحقائق إذ يتهمون الإسلام والمسلمين زوراً بشرعنة الرق، ويتعامون عن تاريخهم الأسود في تجارة الرق بصورة ربما لم تعرفها البشرية البتة من حيث الحجم والنوع والأسلوب
يفتتح الدكتور السرجاني كتابه هذا بخطورة الفتنة الطائفية وبخاصة عندما تمس العقائد، التي هي أغلى ما يمتلكه الإنسان، ولذلك يتشبث بها وربما يهجر وطنه ويجود بنفسه وولده وماله دفاعاً عنها. ومن الشر المستطير أن يتوهم إنسان أنه يستطيع إجبار الآخرين على الانخلاع من معتقداتهم عنوة. وعليه فإن الحروب ذات البعد العقدي هي أشد الحروب شراسة وأكثرها عبثية وعدمية
موقف العلمانية من الدين يجري التلاعب به وحجب هويته من خلال الحديث عن موقفها من التدين وإخفاء موقفها من الدين نفسه، وكأن على الإسلام وهو صاحب الدار أن يستجدي من حفنة العملاء أن يسمحوا له بالحضور الفردي وكأن الأصل فيه المنع كالمخدرات بل إنهم في العمق يتسامحون مع تلك السموم باعتبارها شأناً خاصاً وحرية فردية!!
يستهل المؤلف موسوعته بمقدمة تطرق الحديث فيها إلى قيمة الاستشهاد في حياة الأمة ويخص العمليات الاستشهادية بحديث مسهب لما أنتجته من رعب في قلوب الأعداء الصهاينة الذين وصفهم الحق عز وجل بأنهم أحرص الناس على حياة أي حياة!!
الكاتب يحقد حقداً دفيناً على ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب بالرغم من قدرته على المراوغة وتقديم ضغائنه بأسلوب ماكر، ولذلك يحمل بشدة على علماء البلاد ويفتري عليهم، ويسرد فتاوى لهيئة كبار العلماء يتخذ منها مادة للتطاول والهزء، ويشن حملة ضارية على مجلس القضاء الأعلى وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفي تطلعه إلى إنهاء دورهما ولو بصورة متدرجة مثلما تنطق
من المعالم التي كشفها الكاتب موقف الليبراليين العرب من قضايا العقيدة وأصول الدين الكبرى، حيث يسعون إلى الغض من مكانة التوحيد الأساسية فهي أس رسالات الأنبياء كافة، كما يحاولون الحط من قيمة الولاء والبراء وواجب الحكم بما أنزل الله تعالى على نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم
يلخص الباحث أهم النتائج التي خلص إليها من بحثه، يليها توصيات تفصيلية يوصي بها أهل الحل والعقد من حكومات وعلماء ودعاة، وأبرزها: التنبه إلى الخطر الأمني لحركة التشيع على بلدان الخليج العربية، والحذر من اختراقهم للجيوش والأجهزة الأمنية ووقف الهجرة الإيرانية إلى هذه الدول، ومراقبة التحويلات المالية لمراجع الشيعة، وتأسيس قنوات فضائية قوية باللغات العربية والفارسية والإنجليزية لنشر الدين الصحيح ودحض شبهات الرافضة وبيان تهافت عقائدهم الفاسدة
لكن الانحراف في الكتاب يكمن في آراء الكاتبة التي تقحمها في ثنايا مشاهداتها.ومن المعلوم أن الخلط بين المعلومة والرأي تقتل صدقية أي عمل فكري أو إعلامي.. فهي مهووسة بالعلمانية لكنها تخص الإسلام والمسلمين باتهاماتها لهم بالطائفية، فإذا تحدثت عن قس تحدثت بتقدير وتعاطف ....أي أن الكاتبة النصرانية طائفية متحيزة لبني ملتها لكنها ترمي مخالفيها في الدين بالطائفية بلا بينة!
على المسلم أن يدرك أنَّ الضربات الموجعة تزيده قوَّة وصلابة وإصراراً على التمسك بدينه، (فالضربات التي لا تميت تقوي) (ودين الإسلام لن يموت أبداً) ولابدَّ أن يأتي اليوم الذي يستبشر فيه المسلمون بوعد الله، ويرون بأمَّ أعينهم تهاوي سبل الضلالة والباطل، وعلو الرايَّة الإسلاميَّة الخفَّاقة في كل مكان، (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام
إنَّ المسلمين لديهم نموذج حقيقي ومثال رائع وقدوة يحتفى بها ويقتدى، ألا وهي شخصية النبي الأمين والرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فإن نور رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا زال حياً في أمته بسبب حفظ الله لدينه من الضياع والتحريف، بخلاف بقية الأديان التي دخل عليها التحريف والتبديل ولهذا لا يجد أصحابها أي قدوة أو أثر لنموذج حقيقي غير متناقض وغير حيٍّ عندهم
لو أردنا أن نتتبع الأسباب الحقيقيَّة لانتشار هذا الدين رغم ما يُحيط بأهله من دوائر السوء والشر والخطر والضرر، ارأينا أن خلاصتها وأعلاها وأَوْلاها بالتقديم هو هذا القدَر الإلهي، المتمثل في حفظ الله تعالى لهذا الدين وإرادته له الانتشار والبقاء
ها نحن أهل الإسلام في هذا الزمان نجد معاول الكفر تحاول أن تجتثَّ هذا الدين من قلوب الناس، باستخدام جميع أنواع القوَّة الناعمة والصلبة، والمادية والعسكرية والمعنوية، لمحاولة تحجيم انتشار الإسلام ومعاقبة من اعتنقوه بجحيم الحروب والقلاقل، ومحاولة ردِّهم عن هذا الدين، وغزوهم فكرياً وثقافياً، ومع هذا كلِّه نجد شيئاً غريباً وملمحاً عجيباً يكمن في تلك السرعة الفائقة
من أبرز الأسئلة الثلاثة عشر التي يتشبث بها المنصرون، سؤال عن كيفية التوفيق بين قتل الذي يرتد عن الإسلام والنص القرآني الصريح: لا إكراه في الدين؟ وسؤال عن سبب تحريم دخول غير المسلمين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في حين يتجول المسلمون في البلاد النصرانية كأمريكا وأوربا؟ وآخر حول تخلف المسلمين في العصر الحديث...
يختم المؤلف دراسته الكاشفة الموثقة، بصرخة نابعة من ضمير يقظ يؤلمه انتشار هذا القاموس الكفري الرديء بين أبنائنا، وعدم إنتاجنا قاموساً عصرياً موضوعياً، يعبر عن الحق وعن هويتنا ويقدم أعلامنا بما يستحقونه من تقدير واجب
ومن أكاذيب الكوراني التي وثقها المؤلف ثم نسفها في اليم نسفاً، افتراءاته الحاقدة على الفاروق عمر بن الخطاب والإمام البخاري...بل إن الرجل لا يستحيي من الكذب على آل البيت الأبرار وعلى رأسهم رابع الخلفاء علي بن أبي طالب وولده الحسن... ومن تناقضات الكوراني ومخاتلاته، تناقضاته في الموقف من قول رؤوس الرافضة بتحريف القرآن الكريم، فالكوراني يُطْلِقُ القول ونقيضه دون أدنى إحساس بوخز من ضمير!!
ما من دعوة تؤذي المؤامرة الصفوية مثل الدعوة السلفية التي اعتاد خصومها أن ينبزوها بإطلاق اسم "الوهابية" عليها، فهي تدعو إلى العودة إلى مرجعية الكتاب والسنة بحسب فهم السلف الصالح وتطبيقاتهم، الأمر الذي ينسف جميع أباطيل الرافضة وغلاة الصوفية وسائر الفرق الضالة والمنحرفة
المفارقة الضخمة أن هؤلاء العملاء أجبروا الشعوب المنكوبة بهم على تزوير وعيهم فالخونة باتوا مثال الوطنية والشرف والمقاومة والممانعة.... وانطلت الثقافة المشوهة على أجيال جديدة لم تعايش هزائمهم ومخازيهم في وقتها،إلى أن أراد الحق سبحانه أن تستعيد الأمة وعيها مؤخراً وتثور على قيودها وأغلال طواغيتها..