النهي عن الإمامة في سلطان رجل أو بيته
22 شوال 1440
د. عبد الرحمن بن عوض القرني

الأحاديث الواردة في النهي عن الإمامة في سلطان رجل أو بيته

  1. عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال‏:‏ ‏قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم ‏:‏ «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًا ولا يؤمنَّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه»‏ وفي لفظ‏:‏ «‏لا يؤمنَّ الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه‏»‏ وفي لفظ‏:‏ ‏«‏سلمًا‏»‏ بدل «‏سناً»‏‏.(1)‏
  2. وعن مالك بن الحويرث قال‏:‏ ‏سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم  يقول‏:‏ «من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم»‏‏(2).‏

 

حكم الإمامة في سلطان رجل أو بيته

  1. اتفق الفقهاء على كراهة إمامة الرجل الرجل في بيته أو سلطانه وأن صاحب البيت الصالح للإمامة أولى بها من غيره إلا من الإمام الأعظم أو نائبه كالقاضي لأن ولايتهما عامة(3)‏.
  2.  كما اتفقوا على أن صاحب البيت وذي السلطان الصالح للإمامة  يُقدّم على الأقرأ، والأفقه، والأقدم هجرة أو إسلاماً أو سناً(4)‏.

واختلفوا هل أحقية صاحب البيت بالإمامة هي للوجوب بمعنى أن مخالفتها حرام أم أن النهي الوارد في ذلك هو للكراهة على قولين(5)‏:

القول الأول:

أن النهي للتحريم وقد نص عليه من الحنابلة ابن النجار الفتوحي في (المنتهى)(6)‏ والبهوتي(7)‏ والرحيباني(8)‏ -في شرحهما للمنتهى- وهو لازم قول الظاهرية(9)‏ وأطلق غالب الحنابلة في كتبهم القول بالأحقية أو الأولوية فقط لصاحب السلطان والبيت دون ذكر للتحريم (10)‏.

القول الثاني:

أن النهي للكراهة وهو قول جمهور العلماء من الحنفية(11)‏، والمالكية(12)‏، والشافعية(13)‏.

أدلة الأقوال ومناقشتها.

أدلة القول الأول:

يستدل لهم بما يلي:

  1. حديث أبي مسعود الأنصاري –رضي الله عنه-.
  2. حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه-.

ووجه الدلالة منهما:

في حديث أبي مسعود (لا يؤمنَّ الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه‏) وفي حديث مالك بن الحويرث ‏(من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم)‏‏.‏

أفاد الحديثان النهي عن الإمامة في سلطان الغير أو بيته والنهي يقتضي التحريم.

  1. قال أبو سعيد مولى أبي أسيد:(تزوجت وأنا عبدٌ فدعوت ناسا من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة - رضي الله عنهم- فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر - رضي الله عنه - فقالوا له وراءك، فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك؟ قالوا: نعم فقدموني)(14)‏.

ووجه الدلالة منه:

تنبيه الصحابة لأبي ذر- رضي الله عنهم- وأمرهم إياه بالرجوع  بعد أن تقدم يدل على التحريم.

ويمكن مناقشته:

بأنه غير صريح في التحريم بل غاية ما فيه تنبيه أبي ذر- رضي الله عنه - بأحقية صاحب الدار بالإمامة وأنها سنة.

أدلة القول الثاني:

استدلوا بأدلة القول الأول إلا أنهم قصروا الدلالة على الكراهة والصارف عندهم في ذلك -والعلم عند الله-  أمران.

  1. أن الصلاة صحيحة مع ارتكاب النهي بدليل أنه لو تقدم غير الأقرأ مع وجوده فإن الصلاة صحيحة ولا قائل بالبطلان.

فصحة الصلاة عندهم لازم للقول بالكراهة؛ فجعلوا ما ليس بلازمٍ لازماً.

  1.  وأن الأحقية بالإمامة مبنية على الأكمل وغاية ما في ذلك الاستحباب فقط(15)‏.
  • ومما يستدل لهم ما رواه عبدالرزاق بسنده عن مرة الهمداني قال: (أتيت ابن مسعود أطلبه في داره فقيل هو عند أبي موسى فأتيته فإذا عبدالله وحذيفة عنده...وفيه وأقيمت الصلاة فتقدم أبو موسى فأمهم، لأنهم كانوا في داره)(16)‏.
  • ومما هو داخل في السلطان إمام المسجد الراتب في مسجده.

قال ابن عمر -رضي الله عنهما- (أنت أحق بالإمامة في مسجدك)(17)‏.

الترجيح:

عند التأمل في القولين السابقين نجد ما يلي:

  1. جمهور العلماء على كراهة التقدم بين يدي صاحب البيت أو ذي السلطان والولاية.
  2. تمسك أصحاب القول الأول بالأصل في النهي وهو التحريم.
  3. لم ينص الجمهور على صارف للحكم من التحريم إلى الكراهة.
  4. سياق حديث أبي مسعود الأنصاري (يؤم القوم أقرؤهم...) يدل على أنها أولوية وأحقية يكفي فيها الحكم بالاستحباب ولمخالفتها بالكراهة إلا أن ابن حزم فرق بين المسألتين كما تقدم ولم يذكر سببا للتفريق، ولعله يرى أن حضور صاحب الولاية –عامة كانت أو خاصة – أقوى من كونه قد اكتسب صفة خاصة زائدة على غيره، فغاير بين الحكمين لذلك

والباحث يرى توازن الكفتين في قوة القولين إلى حد كبير إلا أن سياق الحديث مرجح للقول بالكراهة ولا دليل على ما ذهب إليه ابن حزم من التفريق بين الحالين.

 

دلالة النهي عن الإمامة في سلطان رجل أو بيته:

تقدم عرض الخلاف في المسألة وأن جماهير العلماء على أن النهي للكراهة واستظهر الباحث أن الصارف هو فهمهم للقصد الشرعي من النهي وأنه يكفي فيه الكراهة وهذا يفهم من سياق حديث أبي مسعود الأنصاري وأن تقديم الأقرأ والأكبر إلخ... هو للاستحباب.

والله أعلم.

------

([1]) رواه مسلم وتقدم تخريجه. ‏ قال المجد في المنتقى(1/453): ورواه سعيد بن منصور لكن قال فيه‏:‏ «‏لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ولا يقعد على تكرمته في بيته إلا بإذنه‏»‏‏.‏

(2) رواه داود، كتاب الصلاة باب إمامة الزائر (596)، والترمذي، كتاب الصلاة باب فيمن زار قوماً فلا يصلي بهم (356)، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح))، والنسائي، كتاب الإمامة، باب إمامة الزائر (787) وأحمد(5/53)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي(1/112).

(3) ينظر البحر الرائق (1/369)، الخرشي على مختصر خليل(2/43)، المهذب(1/106) الكافي (1/186).

(4) المراجع السابقة.

(5) يطلق الفقهاء القول بأحقية صاحب البيت بالإمامة دون تبيين هل النهي للكراهة أو التحريم في غالب مؤلفاتهم التي وقفت عليها لذا فإن تمييز القول فيها احتاج إلى مزيد عناية وتدقيق.

(6) المنتهى مع شرحه للبهوتي المسمى بـ (دقائق أولي النهى)(1/272).

(7) المرجع السابق.

(8) مطالب أولي النهى(1/650).

(9) حيث قال ابن حزم في المحلى (3/121) بعدم إجزاء صلاة من تقدم على السلطان أو صاحب البيت بغير إذنهما بينما قال بإجزاء تقدم غير الأقرأ عليه:(فإن أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك، إلا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان، أو بغير أمر صاحب المنزل على صاحب المنزل، فلا يجزئ هذين ولا تجزئهم). ا.هـ.

(10) ينظر: مثلا الفروع(2/5)،الكافي(1/186)، والإنصاف(2/247)، هداية الراغب(2/153).

(11) البحر الرائق(1/369) الدر المختار(1/559).

(12) الخرشي على مختصر خليل(2/43) الشرح الصغير -المطبوع بهامش بلغة السالك-(1/163).

(13) المجموع (4/162).

(14) رواه عبدالرزاق(2/393) والبيهقي(3/67) وابن أبي شيبة (2/217).

(15) هذه الصوارف اجتهاد من الباحث.

(16) رواه عبدالرزاق(2/392) وصححه زكريا الباكستاني.

(17) أخرجه الشافعي في مسنده(55) والبيهقي (3/126) وقال النووي في المجموع(4/161) حسن أو صحيح.