حوار (مجلة الدعوة) السعودية مع الشيخ ناصر العمر حول حال الأمة في رمضان
2 رمضان 1431

س1/ ما توجيه فضيلتكم للمسلمين في استقبال  هذا الشهر الكريم؟

ج/ أقول للمسلمين أن يستعدوا لهذا الشهر الكريم بما يحقق الغاية منه وهي تحقيق التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، وذلك بتهيئة نفوسهم وتهيئة المساجد والتفرغ للعبادة كما كان يفعل السلف رضوان الله تعالى عليهم, وليس الاستعداد له بالملذات والأطعمة والأشربة, فقد أصبح هذا الشهر -مع كل أسف- ينفق فيه -عند بعض الأسر- ما لا ينفق في بقية السنة على الأطعمة والأشربة والمأكولات وغيرها مع أنه شهر الصوم, شهر الإقلال من الطعام, فهناك خلل في هذا الجانب, وأنا هنا لا أحرم ما أحل الله, كلا لكن أقول إن الإسراف والتبذير الواقع الآن مما يكرهه الله والله لا يحب المسرفين، (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام: من الآية141)، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) (الإسراء:27) وذلك في رمضان وفي غير رمضان فإذا وقع الإسراف والتبذير والتوسع في المقام الذي يشرع فيه التقليل كان أقبح.

 

س2/ كيف تحول رمضان في نظر البعض إلى شهر مسلسلات وأفلام ومشاهد تلفازية؟

ج/ واقع بعض وسائل الإعلام بكل أسف وبخاصة بعض القنوات الفضائية جعلت هذا الشهر ميداناً لعرض ما حرم الله جل وعلا من المسلسلات التي تخل بالسلوك والقيم والأخلاق, بل وتستهزئ بالعلماء والدعاة والصالحين في هذا الشهر الكريم, فبدل أن يكون الشهر شهراً للعبادة وقراءة القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: من الآية185)، جعلوه وقتاً تحشد فيه هذه المسلسلات, وبخاصة بالليل الذي هو وقت الصلاة, وصلة الأرحام, ونفع الناس, وأقول لهؤلاء القائمين على بعض وسائل الإعلام اتقوا الله جل وعلا اتقوا الله فيما تفعلون فأنتم محاسبون عن أعمالكم وعن إضلال الأمة, وإضاعة أوقاتها في المحرمات, وأقول للناس اتقوا الله فلا تقضوا هذا الشهر في النظر إلى ما حرم الله, وإضاعة الأوقات فيما يغضب الله جل وعلا.

 

س3/ هل يأثم أصحاب المحلات التجارية عندما يجعلون رمضان موسماً للتخفيضات لجذب النساء إلى الأسواق كل ليلة؟

ج/ التأثيم صعب جداً (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) (النحل: من الآية116)، لكن إن كان ما يفعلونه يؤدي إلى مفاسد, وإلى إخلال بالأخلاق كإغرائهم بشراء ما لا نفع فيه أو فيه مفسدة فلا شك أنهم يأثمون, أما إذا لم يؤدّ إلى ذلك فيصعب الحكم والقول بأنهم يأثمون ولكنني أقول لأصحاب المحلات إن الواقع المشاهَد أن ما يفعلونه كان سبباً لكثرة خروج النساء من بيوتهن في هذا الشهر الكريم وبخاصة في الليل والتجول في الأسواق والمرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان، فإذا كان يستشرفها ولو كانت خارجة إلى المسجد فكيف إلى الأسواق وبعضهن بكامل زينتها بل بعضهن متعطرة وهذا من أعظم أبواب الفتن التي وقعت فأقول لأصحاب المحلات التجارية اتقوا الله في نساء المسلمين وفي شبابهم لأن كثيراً من الشباب يخرجون إلى الأسواق لإيذاء المسلمات لإيذاء المؤمنات لنشر الفتنة فليتقوا الله في ذلك والاعتدال في هذا هو المطلوب وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

س4/ الفضائيات تخصص برامج دينية في شهر رمضان وبعضها غير مقبول من الناحية الشرعية بل يحمل الكثير من المخالفات؟

ج/ البرامج الشرعية أو ما يسمى بالدينية في بعض القنوات الفضائية على نوعين بعضها برامج هادفة نافعة فهذه برامج جيدة وتنفع المسلم كالفتاوى ودروس القرآن والسنة والدروس الوعظية وغير ذلك وبخاصة ما يتعلق بتفسير القرآن وتدبره فهؤلاء يؤجرون على ذلك مادام القائمون عليها من أهل الشأن وهناك برامج مع كل أسف وإن سميت دينية فإنها تحمل كثيراً من المخالفات الشرعية بل والعقدية وهذه لا تقل خطورة من البرامج والأفلام الأخرى بل قد تكون أشد خطراً لأن البدعة قد تكون أشد من المعصية وهي إحداثٌ في الدين, فبعض القنوات الفضائية لم تعرف بالخير أصلاً تبث بعض البرامج وإن سمتها دينية فهي تهدم الدين وتنشر البدعة بل ربما تجد في بعضها من الاختلاط بين الرجال والنساء, ومن المحدثات ما لا يرضي الله جل وعلا, ولا يتفق مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتفق مع ما كان يفعله السلف الصالح, وحسن النية والمقصد لا يكفي إذا لم تكن هناك سلامة في المنهج, فعلى هذه القنوات أن تتقي الله جل وعلا, وأن تختار البرامج الشرعية التي تُعرض على العلماء المعروفين بعلمهم وسلامة منهجهم قبل عرضها, من أجل أن تطمئن على سلامة هذه البرامج, وتتحقق من نفعها الأمة وإقامتها الدين, وبالجملة فليتق الله القائمون على وسائل الإعلام فيما يقولون ويفعلون, فهم مسئولون عما يبثون يوم القيامة (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49)

 

س5/ ما واجب العلماء والدعاة خلال هذا الشهر؟

ج/ واجب العلماء والدعاة في هذا الشهر عظيم، أولاً أن يكونوا قدوة في عبادتهم, في صيامهم, في تلاوتهم القرآن, في قيام الليل, في الزكاة, كما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم, حتى إن بعضهم كان يوقف دروس الحديث كالإمام مالك ويتفرغ للقرآن. ثم أيضاً واجب عليهم بث الدعوة والعلم, فهي فرصة ثمينة جداً, وبخاصة في صلوات التراويح, فالنفوس مهيأة في هذا الشهر لقبول الخير, فعليهم أن يستثمروا ذلك ببث العلم والدعوة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وذكر محاسن الأخلاق, واختيار الأوقات المناسبة للكلمات, كوقت العصر مثلاً, أو وقت التراويح, مما يجعل لهم قبولاً عند الناس, وقبولاً لدعوتهم فعليهم أن يستثمروا هذه الفرصة وهناك من يقول أليس بعض السلف يوقفون دروس الحديث في رمضان للتفرغ للقرآن فكيف نبث العلم أو الدعوة في هذا الشهر؟! أقول إذا كنت يا أخي الكريم أيها العالم أو يا طالب العلم محافظاً على وقتك, وليس لديك من وقتك أي وقت إلا للقرآن فتفرغ له, ولكن أن تضيع كثير من أوقاتنا ولو في المباح, ثم نحتج بهذا الأثر فنقول, لا أعطوا القرآن نصيبه من التلاوة والتدبر, وأعطوا العلم نصيبه, ونفع الناس مطلوب في هذا الشهر العظيم, فالعلماء عليهم مسؤولية كبرى ليس في رمضان فحسب وكذلك الدعاة لكن تزداد المسؤولية في رمضان استثماراً لهذه الفرصة ولقبول الناس واستعدادهم, وفقه الأولويات مطلوب دائماً وفي كل وقت.

 

س6/ وماذا تقول للشباب في شهر رمضان؟

ج/ أقول للشباب أنتم ثروة من أعظم ثروات الأمة وأمتنا الآن مستهدفة في عقيدتها ودينها وبلادها, ومن أكبر من توجه لهم معاول الهدم هم الشباب, فالله الله أن تمكنوا أعداءكم من أنفسكم, فاتقوا الله جل وعلا وأروا الله من أنفسكم خيراً بالتسلح بالعلم والتربية والتقوى لمواجهة أعداء الله كلٌّ في مجاله, وحذار من إضاعة الأوقات في القيل والقال, أو في المنتزهات أو في المقاهي أو الأسواق, مع أننا والحمد لله نرى من كثير من شبابنا ما يسر؛ نراهم من أول من يبادر إلى الصفوف الأولى, ومن يحافظ على الصلوات في أوقاتها نرى منهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, نرى منهم إحياء سنة الاعتكاف, فالله الله أيها الشباب أروا الله جل وعلا من أنفسكم خيراً والتفوا حول علمائكم, واحرصوا على استثمار كل دقيقة في هذا الشهر الكريم بما ينفعكم في العاجل والآجل.

 

س7/ هناك تضارب واختلاف في بعض الفتاوى حول شهر رمضان.. ماذا يقول عنها فضيلتكم؟

ج/ فيما يتعلق بالفتاوى فالخلاف فيها قديم جداً وليس بخاص في رمضان وعلى العلماء أن يبذلوا جهدهم في تحري الدليل, وعلى الأمة ألا تأخذ الفتوى من المجاهيل وأنصاف المتعلمين, وألا تأخذ الفتوى إلا ممن هو مؤهل لذلك كما أن المريض يبحث عن أفضل الأطباء, ومن لديه عمل في بيته يبحث عن أحسن الصانعين لإعداد ما يحتاج إليه, فكيف فيما يتعلق بأمر دينه فعليه أن يبحث عن العلماء الربانيين عن العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل وتحري الدليل وأن يبتعدوا عن أنصاف المتعلمين وعن الذين يتتبعون الرخص بدون دليل وكما أنه لا ينبغي الترخص بدون دليل فكذلك لا ينبغي التشدد بدون دليل (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (النحل: من الآية116)، فكله كذب, فالتشديد والتسهيل بدون دليل كذب على الله جل وعلا وتحري الدليل هو الحق والأمة تعرف علماءها وتعرف الصادقين منهم وتعرف المتبوعين فهذا فواجب على الأمة ألا يعطوا أولئك الذين يستغلون بعض المنابر الإعلامية بفتاوى لا تستقيم مع الحق والدليل ألا يعطوهم فرصة للعبث بصيامهم بل بدينهم كما أنهم لا يرضون بأنصاف الأطباء, ولا أنصاف المهندسين, ولا يمكنونهم من دنياهم, ولا من أجسامهم, فكيف يمكنون أنصاف المتعلمين ومتتبعي الرخص والزلات من دينهم، الله المستعان.

 

س8/ هناك خلافات حول عدد ركعات التراويح ودعاء القنوت ودعاء ختم القرآن.. ماذا يقول فضيلتكم؟

ج/ فيما يتعلق بعدد الركعات والخلاف فيها الأمر واسع والعلماء لهم كلام في ذلك، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي طول السنة إحدى عشر ركعة وثلاث عشر ركعة وأقل من ذلك والصحيح أن ما زاد على ذلك لا حرج فيه فقد ثبت عن عمر وغيره قيل ثلاث وعشرين بل بعض العلماء زاد عن ذلك فالأمر فيه سعة وهو من الاختلاف القديم بين العلماء ولا نجعل منه سبباً للفرقة والفتنة, مع أن الأولى التزام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما يتعلق بدعاء القنوت فهو مستحب في هذا الشهر لأنه شهر يرجى فيه الدعاء ولكن أنصح الأئمة ألا يلتزموه كل ليلة حتى لا يظن ظان أنه واجب, فيقنتوا ويختصروا ويسهلوا على الناس ويتركونه أحياناً.
أما دعاء ختم رمضان أي ختم القرآن فالصحيح أن الطريقة الموجودة الآن أي بعد أن ينتهي من سورة الناس في صلاة الشفع يبدأ بالدعاء لا ليل من السنة عليه, ولم يثبت عن السلف الصالح بهذه الطريقة وإنما ورد عنهم مشروعية الدعاء عند ختم القرآن بغير هذه الصفة. ولكن لو أن الإمام بعد أن ينتهي من ختم القرآن يجعل الختمة في مكان القنوت أي في الركعة الأخيرة من الوتر سواء قبل الركوع أو بعد الركوع فإنه لا حرج أن يكون قبل الركوع أو بعد الركوع فقد ثبت القنوت قبل الركوع وبعده، وبهذا نجمع بين ما يتعلق بالختمة أي الدعاء عند ختم القرآن في رمضان  وبين أن يكون في مكان مشروع، أما ما عليه كثير من الأئمة فإنه وإن قال به بعض العلماء ولكن الذي يظهر لي أنه مرجوح ومع ذلك فإنني أنصح ألا يكون ميداناً لاختلاف القلوب فقد أجاز الختمة بطريقتها الموجودة الآن بعض كبار العلماء المعاصرين المعروفين بمنهجهم ورسوخهم في العلم وأهليتهم للاجتهاد فالذي يترجح لدي هو ما قلته أولاً مع أنني أرى عدم إحداث الفتنة والفرقة في هذه المسألة كما يحدث في بعض المساجد والخلاف شرّ والعمل بقول مرجوح أولى من إحداث فتنة ظاهرة المفاسد, مع استمرار تعليم الناس بالأصوب كما هو واقع الآن.

 

س9/ بعض الجهات تضع برامج في ليالي رمضان هل يعد ذلك من تضييع وقت المسلم في رمضان في غير طاعة؟

ج/ إن كانت هذه البرامج نافعة وهادفة وطيبة فليست من تضييع وقت المسلم, بل من المحافظة على وقت المسلم, أما إن كانت من الأشياء المحرمة أو حتى بعض المباحات والتوسع فيها فلا أرى ذلك والمحرمات لا تجوز ولكن نقول وإن كانت مباحة فلا ينبغي التوسع فيها بل التوسع فيها من تضييع وقت المسلم والأولى أن يحافظ على وقت المسلم في طاعة الله جل وعلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه" فسيُسأل عن هذا الوقت أما المحرمات فلا تجوز في رمضان ولا في غيره.

 

س10/ بعض الناس يبحث عن مساجد بعيدة إما لأن صوت الإمام صوت جيد أو لأنه يخفف وسريع الصلاة.. ما رأي فضيلتكم؟

ج/ هذا يختلف باختلاف الأئمة، أما البحث عن الصوت الذي يخشع معه الإنسان والقارئ الذي تستدعي قراءته الخشوع والتدبر فلا حرج في هذا، أما إذا كان يبحث عن الإمام الذي يخفف فأقول في هذا نظر, إلا إن كان تخفيفاً داخل دائرة المشروع فلا حرج في هذا أما إن كان تخفيفاً يخل بالصلاة كما حدث من بعض الأئمة يصلي التراويح من أولها إلى آخرها في حدود ثلث ساعة فهذا لا ينبغي وكيف يستطيع أن يصلي إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة بقراءتها وركوعها وسجودها في عشرين دقيقة هذا لا يكون إلا مع إغفال الطمأنينة ونقر الصلاةً وهذا لا ينبغي أما إذا كان التخفيف مما يساعد أو يراعى فيه بعض المصلين فلا حرج في هذا مع أن المسلم يؤجر على طول صلاته إذا كان قادراً على ذلك, ويؤجر إن شاء الله على البحث عمّا يعين على الخشوع والتدبر إما لضبط الإمام, أو لحسن صوته, أو لاطمئنانه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

وأشكر مجلة الدعوة على هذه الفرصة الثمينة جداً وأسأل الله أن ينفعهم وأن ينفع بهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.