من أسباب دخول المال الحرام على المصارف الإسلامية
8 ذو القعدة 1435
اللجنة العلمية

من أسباب دخول المال الحرام على المصارف الإسلامية

يُعرف المصرف الإسلامي بأنه: مؤسسة مصرفية تلتزم في جميع معاملاتها ونشاطاتها الاستثمارية، وإدارتها لجميع أعمالها بالشريعة الإسلامية، ومقاصدها، وكذلك بأهداف المجتمع الإسلامي داخليًا وخارجيًا([1])، والمصارف الإسلامية تجربةٌ حديثةٌ وإن كانت أصولها قديمة، ولا شك أنَّ الهدف الأول من وجود المصارف الإسلاميَّة هو الاستغناء عن التعامل بالحرام بالمعاملات الماليَّة.
ولكن هذه التجربة اصطدمت ببعض المعوقات التي قد أدخلت عليها الدَّخن من المال الحرام بغير قصد، كقلة الخبرة مثلاً عند العاملين فيها، أو بحكم الضرورة كالتعامل مع البنوك المركزيَّة التي تحكم البلاد الإسلامية مالياً وتتعامل بالفائدة أحياناً، وتجبر المصارف عامةً الموجودة أن تدخر لديها مبلغاً احتياطياً وتعطي عليه نسبة فائدة أحياناً، وغير ذلك من المعوقات.
وتقوم الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية بمحاولة صياغة المعاملات الشرعية صياغةً سليمةً تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وأعضاء هذه الهيئات الشرعية متخصصون ولا يشك في صدقهم وخبرتهم، والأصل فيهم أنهم يقومون على أمرٍ عظيمٍ من أمور هذا الدين، وهذا يقتضي الحرص على تنفيذ هذه الصيغ الشرعيَّة بحذافيرها ودقتها الشرعية.
ولكن المشكلة تكمن في تنفيذ بنود هذه الصيغ الشرعيَّة، والتي تمتاز بالدقة، مما يؤدي إلى حصول أخطاء شرعية في هذه المعاملات، ومن ثم الحصول على مكاسب غير شرعية. على أنه لا يشترط أن يؤدي كل خطأ إلى مكاسب غير شرعية، فإذا تم اكتشاف الخطأ قبل التنفيذ فإنَّه لا يؤدي إلى مكاسب غير شرعية وإنما يؤدي إلى بطلان المعاملة . وأذكر هنا بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض العاملين في المصارف الإسلامية:
1. التأثر بصيغ التمويل المحرمة
تأثر بعض العاملين في المصارف الإسلامية – وخاصة القادمين من البنوك التقليدية – بصيغ التمويل بالفائدة السارية في البنوك التقليدية، وخاصة في صيغ التمويل بالبيع بالمرابحة للآمر بالشراء، وعدم القدرة على التميز بين البيع بفائدة وبيع المرابحة، وإشاعة ذلك بين المتعاملين مع المصارف الإسلامية([2]).
2. استهداف الحصول على النقد وليس السلعة
تطورت صيغة المرابحة إلى صيغة التورُّق وهو الحصول على النقد وليس السلعة([3])، حيث يقوم بعض المستفيدين بالاتفاق مع بائعي السلعة أن يقوموا بشرائها بواسطة المصرف ، ثم بعد إتمام البيع يقوم المشتري ببيعها للبائع الأول بثمن أقل ، وهو محظور شرعاً ، لأن البيع والشراء هنا أصبح صورياً وليس حقيقياً.
3. إلزام المتأخرين عن السداد بدفع غرامة التأخير
من الأخطاء التي وقعت فيها المصارف الإسلامية إلزام المتأخرين عن السداد بدفع غرامة التأخير، حيث أشارت إحدى الدراسات لعام 1999م أجريت على أربعين بنكاً إسلامياً في منطقة الخليج العربي أن ما نسبته 44.5 من هذه البنوك تفرض غرامات تأخير على المتعاملين معها([4]).
يقول الشيخ القرة داغي: "قد قام أحد البنوك الإسلامية التي كنت العضو التنفيذي لهيئته الشرعية بعمل استبيان لمواقف البنوك الإسلامية حول موضوع غرامات التأخير، فأرسل إلى أربعين بنكاً إسلامياً فكانت النتيجة أن البنوك الإسلامية ومن ورائها هيئاتها الشرعية أمام هذا الإجراء على قسمين:
• قسم لا يقبل هذه الغرامات.
• وقسم آخر قليل يقبل بل يفرض هذه الغرامات.
وقد بلغ عدد البنوك الإسلاميَّة التي تستعملها 12 بنكاً من بين 27 بنكاً هذه في عام 1999م، أمَّا الآن فعدد البنوك الإسلاميَّة التي تستعمل غرامات التأخير تزيد بكثير، يكفي أنَّ المصرفين الإسلاميين في قطر، الذين لم يكونا يستعملانها عام 1999م، أصبحا اليوم يستعملانها بناءً على فتوى هيئتها الشرعيَّة.
والبنوك الإسلاميَّة في فرضها غرامات التأخير ليست على سنن واحد، فتسعة بنوك إسلامية من ضمن (12) بنكاً تنص في عقودها على غرامات التأخير، في حين أنَّ ثلاثة منها لا تنص في عقودها، وإنَّما في ملاحق مستقلة، وأنَّ خمسة منها تفرض نفس أسلوب احتساب الربح الأصلي، وسبعة منها تستعمل أساليب أخرى.
ثم إنَّ معظم هذه البنوك التي تستعمل الأساليب لا تضيف هذه الأموال المأخوذة إلى أرباحها بل تصرفها في وجوه الخير، حيث وصل عددها إلى ثمانية بنوك من بين (12) بنكاً، بينما تضيف الأربعة الأخرى هذه الأموال المأخوذة بسبب التأخير إلى أرباحها.
وقد رأينا البحث السابق قد توصل إلى نتيجة مهمة جداً وهي أنَّ فرض غرامة التأخير لم يقض على المشكلة، بل زاد حرجاً للبنوك الإسلاميَّة وكلاماً وقيل وقال، وأنَّه يجب البحث عن آلية معينة لتقليل ظاهرة المتأخرات، أو القضاء عليها([5])". وهذا الشرط الجزائي أو غرامة التأخير هو من الرِّبا المحض.
يقول الدكتور حسام الدين عفانة: "ويجب أن يعلم أنَّ كل غرامة تفرض على المدين تعتبر من باب الرِّبا وإن سُميت غرامة التأخير أو سُميت شرطاً جزائياً، فإنَّ الشرط الجزائي لا يكون في الديون، وإنما يكون في العقود المالية التي تخلو من الديون كعقود المقاولات والتوريد"([6]).
ويقول الدكتور القرة داغي: "غرامة التأخير على الديون مهما كانت أسبابها كالقرض والالتزامات الآجلة، فإنَّ هذه الغرامة لا تجوز شرعاً، سواءً كانت الديون ربويةً في أصلها، أم لا، عند جماهير الفقهاء،ومنهم من أجاز ذلك ولكن بشرط النَّص في العقد بأنَّ هذه الغرامة سوف تصرف في وجوه الخير، وهذا يُؤصل فقهياً بالتزام الشخص بالتبرع طوعاً، فيكون ملزماً بما التزم به، وهذا مبني على رأي للمالكية أجازوا الالتزام بالتطوع والخير"([7]).
كما جاء في المعيار الشرعي الثالث الذي تحتكم إليه المصارف الإسلاميَّة : "اشتراط التعويض أو المطالبة القضائية به. لا يجوز اشتراط التعويض على المدين إذا تأخر عن الأداء، ولا المطالبة القضائية به سواءً كان في بدء المداينة، أم عند حلول أجلها؛ لأنّه رباً واشتراطه باطل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أوحرّم حلالاً"([8]). ولأنَّ المرابي في الجاهلية كان يقول: أتقضى أم تربي؟ ولأنَّ النَّهي عن كل قرض جر نفعاً ثبت عن عدد من الصحابة ، وبناء على ذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي ونصه:" لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء"([9]).ولا يطبق في تأخير الديون حكم الشرط الجزائي؛ لأن الزِّيادة في الديون رباً، بخلاف تطبيقه في غير الديون، مثل المقاولات وعقود الاستصناع. وبما أن القضاء فيه إلزام، فلا يجوز الإلزام به مباشرة ، ولا يجوز الاستعانة عليه بالقضاء.... لا يجوز اشتراط التعويض المالي نقداً أو عيناً، وهو ما يسمى بالشرط الجزائي ، على المدين إذا تأخر عن سداد الدين ، سواء نص على مقدار التعويض أم لم ينص، وسواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة) أم عن تغير قيمة العملة....لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي نقداً أوعيناً عن تأخير الدين. ([10])"، وبالتالي لا يجوز أخذ غرامة مالية على المماطلة بالدين على الرأي الراجح للفقهاء([11]).
4. مخالفة صيغ التمويل لقواعد الشريعة الإسلامية
ومن الأخطاء التي تقع فيها بعض المصارف الإسلاميَّة قيها بمخالفة قواعد الشريعة عند ممارستها لبعض صيغ التمويل الإسلامي، كمخالفتها لصيغة التورُّق، وجعله مخالفة للتورق الصحيح من الناحية الشرعيَّة .
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي ذكر فيه موضوع (التورُّق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر) ما نصه: "وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أنّ التورُّق الذي تجرية بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف- إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة – بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر ، وتسليم ثمنها للمستورق"([12]).
وجاء في قرار المجمع أيضاً : "أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه، والتي هي صوريَّة في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل. وهذه المعاملة غير التورُّق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، والذي سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره .. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. فالتورُّق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه،ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن ،والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرفالذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف. ([13])".
هذه أبرز الأخطاء الداخلية التي تقع في المصارف الإسلاميَّة والتي يمكن أن تدخل على المصارف الإسلاميَّة بعض المال الحرام([14]).

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) انظر: بحث المصارف الإسلامية في التنمية، للدكتور عبد الرحمن يسري، المنشور في مجلة الاقتصاد الإسلامي، دبي، العدد (167)، لعام 1995م، ص (25-31).
([2]) هذا الخطأ أشار إليه الشيخ علي السالوس في مقالة له في جريدة القبس الكويتية العدد 13151، الجمعة 08 ينابر 2010، 23 محرَّم 1431.
([3]) شحاته، حسين حسين، التمويل بالمرابحة كما تقوم به المصارف الإسلامية بين الواجب والواقع، بحث منشور على الشبكة العنكبوتية، www.darelmashora.com الإجراءات- التنفيذية- الشرعيَّة –لبيع المرابحة.)
([4]) دراسة لإسماعيل خفاجي قام بالتشاور مع الدكتور القره داغي بعمل استبيان وأجابه 27 بنك من أصل 40 بنك بحث مقدم إلى اجتماع مديري الاستثمار بدبي :1999 موقع مكتبتنا العربية/http://www.almaktabah.net\vb\showthread.php?t=48267)
([5])القره داغي، علي ، تأصيل غرامة التأخير والشرط الجزائي والتعويض عن الضرر، بحث منشور على موقع أهل الحديث: http://www.ahlalhdeeth.com\vb\showthread.php?t=229171
([6]) عفانة، د.حسام الدين، موقع شبكة يسألونك:http:\\www.yasaloonak.net\2008
([7]) القرادغي، علي محي الدين، حكم غرامات التأخير والشرط الجزائي، الموقع الرسمي للدكتور القره داغي، http://www.qaradaghi.com\portal\index.php?option)
([8]) أخرجه البخاري معلقا، في كتاب البيوع، باب أجرة السمسرة، (2/794).
([9]) قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 51؛ مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، (1/193)، والعدد السابع، (2/9).
([10]) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة ، المعيار الثالث ، المدين المماطل، من موقع مركز فقه المعاملات الإسلاميَّة، www.kantakji.com\figh\files\finance\44440.doc
([11]) للمزيد حول هذا الموضوع الموضوع انظر أبو غدة ، حسن عبد الغني، غرامة تأخير الدين وتطبيقاتها المعاصرة، موقع المختار الإسلامي http:\\www.islamselect.com\mat\88215 ، وبحث مفصل لعثمان ، خالد أحمد، غرامات التأخير ، موقع الفقه الإسلامي ، http://www.islamfeqh.com)
([12]) انظر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، في الفترة من 19-23\10\1424هـ الذي يوافقه: 13-17\12\2003م موقع الشيخ سعد الخثلان، http://www.saad-alkthlan.com\)
([13]) المرجع السابق.
([14]) مستفاد من بحث المكاسب غير الشرعية في المصارف الإسلامية، لمحمد سعيد عبد الرزاق.