هل الأفضل مسح الخفين أو غسل الرجلين؟
17 ربيع الثاني 1435
د. أحمد الخليل

الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من المسائل الفقهية التي يكثر السؤال عنها وتمس الحاجة لبيانها مسألة "هل الأفضل مسح الخفين أو يغسل الرجلين؟".(*)

 

تحرير محل النزاع:

محل النزاع في المسألة هو: إذا لبس خفيه لحاجة، فهل الأفضل أن يمسح على الخفين، أم يخلعهما ويغسل رجليه؟
قال شيخ الإسلام: "... فأما إذا لم يكن عليه خفان ففرضه الغسل، ولا يشرع له أن يلبس الخفين لأجل المسح بل صورة المسألة: إذا لبسهما لحاجته فهل الأفضل أن يمسح عليهما أو يخلعهما أو كلاهما على السواء؟ على ثلاثة أقوال.... "[1].

 

الأقوال في المسألة:

اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الأفضل أن يخلعهما ويغسل رجليه وهذا مذهب الجمهور فهو مذهب الحنفية[2]، والمالكية[3]، والشافعية[4]، ورواية عن أحمد قيل: إنها آخر أقواله[5]، وذكر النووي أنه يشترط لتفضيل الغسل على المسح – عند الشافعية- أن لا يترك المسح رغبة عن السنة ولا شكا في جوازه[6].

 

أدلة هذا القول:
1- أن الأصل في الرِجل الغسل.[7]

 

2- واستدلوا بأن حديث صفوان في بعض ألفاظه بدل (أُمرنا) (رُخص لنا) كما رواه النسائي عن صفوان بن عسال قال: «رخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن»[8]، والأصل في الرخصة أنها لا تُفعل إلا عند الحاجة.
 

القول الثاني: أن الأفضل أن يمسح، وهذا قول الشعبي، والحكم، والثوري، وإسحاق[9]، وهو مذهب الإمام أحمد[10]، واختيار شيخ الإسلام[11]، وابن القيم[12].
 

أدلة هذا القول:
1- أنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله يُحب أن تُؤتى رُخصه. كما رواه أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته "[13].
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"[14].

 

2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الكثيرة مسح، ومسح أصحابه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إنما يطلبون الأفضل[15].
ولا يُقال أنه مسح لبيان الجواز؛ لأن ما يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز لا يداوم عليه.

 

3- (أنه لم ينقل أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا لبس الخفين على طهارة ثم أحدث أنه ينزعهما ويغسل رجليه بل كان يمسح عليهما فيكون المسح أفضل؛ اتباعاً للسنة)[16].
 

والقول الثالث: أنهما سواء وهو رواية عن الإمام أحمد[17]، ونسبه ابن المنذر إلى بعض أهل العلم.
قال ابن المنذر: "وقد شبه بعض أهل العلم من لبس خفيه على طهارة وأحدث بالحانث في يمينه، قال: فلما كان الحانث في يمينه بالخيار إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، ويكون مؤديا للفرض الذي عليه، فكذلك الذي أحدث، وقد لبس خفيه على طهارة إن مسح أو خلع خفيه، فغسل رجليه مؤد ما فرض عليه مخير في ذلك "[18].

 

الترجيح: الراجح هو مذهب الإمام أحمد، وبناء عليه فالأفضل أن لا يتَكلف خلاف حاله، فإن كان كاشفاً للقدم فالأفضل أن يغسل، وإن كان ساتراً للقدم فالأفضل أن يمسح.
 

قال ابن القيم: "ولم يكن يتكلف – أي النبي صلى الله عليه وسلم - ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل، قاله شيخنا"[19].
 

وقال شيخ الإسلام: "والأفضل في حق كل أحد بحسب قدمه فللابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفيه اقتداء به صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولمن قدماه مكشوفتان الغسل ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه وكان صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابس الخفين "[20]).
 

___________________________

(*) وقد تكلمت عن هذه المسألة في شرحي لبلوغ المرام، وشرحي لزاد المستقنع ورأيت أن أفردها بالنشر على موقعي، وقد أسندت تنسيقها للمشرف العلمي على الموقع، فقام بتوثيق النقولات وتخريج الأحاديث، كما أنه وقف على بعض النقولات المفيدة فوضعها بين قوسين إتماما للفائدة.
[1] مجموع الفتاوى (26/94).
[2] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/45، 46).
[3] حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/152).
[4] المجموع شرح المهذب (1/478).
[5] الإنصاف (1/169) المبدع في شرح المقنع (1/112).
[6] المجموع شرح المهذب (1/478)، ونص على ذلك الحنفية أيضا ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق(1/45، 46).
[7] المجموع شرح المهذب (1/478)، منح الجليل شرح مختصر خليل (1/134).
[8] سنن النسائي (1/83) وسنده حسن.
[9] الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/440).
[10] الإنصاف (1/169) المبدع في شرح المقنع (1/112).
[11] مجموع الفتاوى (26/94)، الاختيارات الفقهية (ص: 390).
[12] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/192).
[13] مسند أحمد ط الرسالة (10/112) وسنده حسن.
[14] صحيح ابن حبان (2/69) وسنده صحيح.
[15] المغني لابن قدامة (1/206).
[16] مجموع الفتاوى (26/94).
[17] الإنصاف (1/169) المبدع في شرح المقنع (1/112).
[18] الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/440).
[19] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/192).
[20] الاختيارات الفقهية (ص: 390).