بداية احتساب مُدة المسح على الخفين
5 ربيع الثاني 1435
د. أحمد الخليل

الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من المسائل الفقهية التي يكثر السؤال عنها وتمس الحاجة لبيانها مسألة: "متى تبدأ احتساب مُدة المسح على الخفين"(*).

 

وقد تكلمت عن هذه المسألة في شرحي لبلوغ المرام ورأيت أن أفردها بالنشر على موقعي، وقد أسندت تنسيقها للمشرف العلمي على الموقع، فقام بتوثيق النقولات وتخريج الأحاديث، كما أنه وقف على بعض النقولات المفيدة فوضعها بين قوسين إتماماً للفائدة.
 

أخرج الإمام مسلم في صحيحه (276) عن شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم».
 

وقد اختلف العلماء متى تبدأ احتساب مُدة المسح على الخفين المذكورة في هذا الحديث على قولين:

القول الأول: أن المُدة تبدأ من الحدث، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة[1].
وحملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم يمسح يعني يستبيح المسح، وهو يستبيح المسح من الحدث، فحملوا الحديث على كلمة يستبيح.[2]

 

واستدلوا على حمل الحديث على هذا المعنى بأن "سبب وجوب الطهارة الحدث واستتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم فما هو موجب لبس الخف إنما يظهر عند الحدث فلهذا كان ابتداء المدة منه، ولأنه لا يمكن ابتداء المدة من وقت اللبس فإنه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر عليه يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف بالاتفاق ولا يمكن اعتباره من وقت المسح؛ لأنه لو أحدث ولم يمسح ولم يصل أياما لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث ".[3]
 

القول الثاني: أن مُدة المسح تبدأ من بعد أول مسحة بعد الحدث، وهو قول الأوزاعي ورواية عن أحمد نقلها عنه أبو داود، واختارها ابن المنذر، والنووي.[4]
 

ومُقتضى هذا التقييد (أول مسحة بعد الحدث): أن الإنسان لو توضأ لتجديد الوضوء، ومسح على الجوربين لا يبدأ مُدة المسح؛ فأي مسحة ليست بعد حدث لا تُحتسب.
 

واستدل أصحاب هذا القول: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم والمسافر والمقيم، ولا يمكن أن يمسحوا هذه المُدة إلا إذا بدأ وقت المسح من المسحة الأولى؛ لأنه إذا بدأنا من الحدث مسح أقل من يوم وليلة.
 

الترجيح: الراجح هو القول الثاني؛ لأنه هو ظاهر الحديث، (ولثبوت ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب).
 

قال ابن المنذر: "ظاهر هذا الحديث يدل على أن الوقت في ذلك وقت المسح، لا وقت الحدث، ثم ليس للحدث ذكر في شيء من الأخبار، فلا يجوز أن يعدل عن ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير قوله إلا بخبر عن الرسول أو إجماع يدل على خصوص، ومما يزيد هذا القول وضوحا وبيانا قول عمر بن الخطاب في المسح على الخفين قال: «يمسح إلى الساعة التي توضأ فيها».....
 

ولا شك أن عمر أعلم بمعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن بعده، وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين، وموضعه من الدين موضعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي» وروي عنه أنه قال: «اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر»."[5]
 

_______________________________

(*) وقد تكلمت عن هذه المسألة في شرحي لبلوغ المرام، وشرحي لزاد المستقنع ورأيت أن أفردها بالنشر على موقعي، وقد أسندت تنسيقها للمشرف العلمي على الموقع، فقام بتوثيق النقولات وتخريج الأحاديث، كما أنه وقف على بعض النقولات المفيدة فوضعها بين قوسين إتماما للفائدة.
[1] ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/271)، المجموع شرح المهذب (1/487)، المغني (1/212).
[2] المغني (1/212).
[3] المبسوط (1/99).
[4] (ينظر: المجموع شرح المهذب (1/487)، مسائل أبي داود (ص:17)، الفروع وتصحيح الفروع (1/210)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/443).
[5] (الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/443).