صلاة ركعتين عند دخول المسجد
6 ربيع الثاني 1436
د. أحمد الخليل

صلاة ركعتين عند دخول المسجد
الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد:
فإن من المسائل الفقهية التي يكثر السؤال عنها وتمس الحاجة لبيانها مسألة
"حكم صلاة ركعتين عند دخول المسجد" (*).
(اتفق العلماء على مشروعية صلاة ركعتين عند دخول المسجد)[1].
ودليل ذلك ما رواه الشيخان عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»)[2] .

واختلفوا في الوجوب ، على قولين:
o الأول: أنها سنة، وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة ، وجماهير المسلمين وحُكي إجماعاً [3]، حتى ابن حزم ذهب إلى هذا المذهب [4].
وهؤلاء لا يحتاجون إلى دليل، بل يحتاجون إلى صارف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس" وهذا نهي، والأصل في النهي أنه للتحريم .

وذكروا مجموعة من الصوارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الندب:
- الصارف الأول: حديث أَبِى الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَانِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَىِ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ [5].
وظاهر هذا الحديث: أنه كان يتخطى الرقاب ليصل إلى موضع يُصلي فيه ركعتين، ومع ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس من فوره، وظاهر الحديث: أنه لم يُصل.
وهذا الحديث هو أحسن الصوارف لأنه واضح أنه لم يُصلِ؛ لأنه من المُستبعد أنه صلى في الخارج، أو صلى داخل المسجد ثم تقدم، كل هذه مُستبعدات وفيها تكلُف، وإذا لم يجلس هو وقال له: "اجلس فقد أذيت" من المستبعد أن نقول: ففهم أنه يعني: صل ركعتين ثم اجلس، كل هذا بعيد .
- الصارف الثاني: حديث مَالِكٍ بْنِ أبِي عَامِرٍ , أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ الله يَقُولُ:" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِىُّ صَوْتِهِ، وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ قَالَ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَالله لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ.[6]

ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله الأعرابي عما يجب عليه؟ أخبره بالصلوات الخمس وأخبره أنه لا يجب عليه شيء غير هذه الصلوات.
- الصارف الثالث:عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاَثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِى الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ " [7].

فظاهر هذا الحديث: أنهم لم يُصلوا ركعتين.
- الصارف الرابع: قصة كعب بن مالك، لما بُشر بتوبة الله عليه، ودخل المسجد، فظاهره: أنه لم يُصل ركعتين [8].
والحقيقة هذه الصوارف الثلاثة السابقة فيها ضعف، وليس فيها صارف واضح الدلالة؛ لأن هذه الأحاديث التي ذكروها لم تُسق مساق بيان، هل صلى أم لم يُصل؟ ولم تتحدث أبداً عن الجلوس، ولا عن صلاة الركعتين وإنما تتحدث عن أمر آخر.

أما النهي عن تخطي الرقاب.
o أو الحث على الجلوس في حلقة العلم.
o أو استقبال التائب.
- الصارف الخامس: ( أنه ثبت عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يدخلون المسجد ويجلسون ولا يصلون) [9].
o القول الثاني: وجوب صلاة ركعتين إذا دخل الإنسان المسجد، وأنه لا يجلس حتى يُصلي ركعتين، وهذا مذهب العلامة الشوكاني [10]، والعلامة الصنعاني [11]. ولم يذهب أحد إلى وجوبه أحد قبلهما إلا ما نُقل عن بعض الظاهرية مثل داوود الظاهري .
ودليل هذا القول : ظاهر الأمر الوارد في حديث أبي قتادة .

الترجيح :
الراجح بلا إشكال إن شاء الله: أنها سنة.
والقول بالوجوب لم يُعرف إلا من داود الظاهري فقط، ولم يُصرح أحد قبله بالوجوب، وأئمة الإسلام والهدي فهموا أن السلف لم يقولوا بالوجوب، وأن الأدلة لا تدل على الوجوب .

________________________________________
(*) وقد تكلمت عن هذه المسألة في شرحي لبلوغ المرام ورأيت أن أفردها بالنشر على موقعي، وقد أسندت تنسيقها للمشرف العلمي على الموقع، فقام بتوثيق النقولات وتخريج الأحاديث، كما أنه وقف على بعض النقولات المفيدة فوضعها بين قوسين إتماما للفائدة .
[1] المجموع شرح المهذب (4 / 52)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (20 / 105) .
[2] صحيح البخاري (444) ، صحيح مسلم (1163) .
[3]التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (20 / 105) ، المجموع شرح المهذب (4 / 52) ، المغني لابن قدامة (2 / 99) .
[4] المحلى بالآثار (2 / 7) .
[5] أخرجه أحمد 4/188 ، و"أبو داود" 1118 و"النَّسَائي" 3/103، وفي "الكبرى" و"ابن خزيمة" 1811 ، وصححه ابن الملقن عَلَى شَرط مُسلم كما في البدر المنير (4 / 680) .
[6] أخرجه "البُخَارِي" (46) و"مسلم" (8) .
[7] أخرجه "البُخاري" (66) و"مسلم" 7/9.
[8] أخرجه البخاري(2757 ، ومسلم (7116)
[9] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (20 / 106) .
[10] نيل الأوطار (3 / 84) .
[11] سبل السلام (1 / 238) .