حضور الشهود عند عقد النكاح
7 ربيع الأول 1435
د. نايف بن جمعان الجريدان

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبنيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
من المسائل التي يكثر السؤال عنها مسألة حضور الشهود عند النكاح وتحرير القول فيها، وهذه المسألة قد تطرق إليها الفقهاء رحمهم الله في كتبهم قديما، ويجد الباحث كلامهم فيها مبثوث عند بحثهم شروط صحة النكاح. وتوضيحا لهذه المسألة أقول:
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في مسألة حضور الشهود عند النكاح، هل هو شرط لصحة النكاح، أم أن النكاح يصح ولو لم يكن الشهود حاضرون في مجلس العقد؟ ويمكن إرجاع خلافهم في هذه المسألة إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول: أن النكاح لا ينعقد بدون حضور الشهود، وأن حضورهم يعد شرطا من شروط صحة النكاح، لا يصح النكاح إلا به، وهذا القول قول جمهور الفقهاء(1)، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ"(2).
القول الثاني: أن النكاح ينعقد بدون حضور الشهود، ولكن يجب الإشهاد قبل الدخول، فإن دخل بدون إشهاد طلق عليه الحاكم طلقة بائنة؛ لصحة النكاح، لكون الإشهاد شرط وجوب وليس شرط صحة. وبه قال الإمام مالك والزهري، وغيرهما(3).
القول الثالث: أن النكاح يصح بدون حضور الشهود مطلقا، ورُوي هذا القول عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن علي، وبعض التابعين، وأبي ثور، وابن المنذر، رضي الله عنهم ورحمهم(4).
ودليهم الذي اعتمدوا عليه هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج جارية ولم يعرف الصحابة زواجه بها إلا عندما حجبها(5).
فدل ذلك على صحة عقد النكاح بدون حضور الشهود، إذ لو كان واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم عند زواجه بهذه الجارية(6).
القول الراجح في المسألة:
هو ما ذهب إليه الجمهور من أن حضور الشاهدين في عقد النكاح ركن لا يصح إلا به، وأما زواج النبي صلى الله عليه وسلم من غير شهود يجاب عنه أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وليس تشريعا لجميع الأمة، فلا يلحق به غيره في ذلك(7).
وقد سئل العلامة ابن باز رحمهم الله عن حكم حضور الشاهدين عند عقد النكاح أجاب رحمه الله بقوله: "الصواب أنه لا بد من إحضار الشاهدين والولي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلا بالولي)، وجاء في بعض الروايات: (الولي وشاهدين)؛ ولأن ذلك من إعلان النكاح وقد أمر بإعلان النكاح وهذا هو قول جمهور أهل العلم أنه لا بد من ولي وشاهدين، فالواجب على من يتولى عقد النكاح أن يطلب حضور الشاهدين وحضور الزوج وولي المرأة، ثم يجزئ عقد النكاح حتى يخرج من خلاف العلماء وحتى يكون العقد صحيحاً عند جميع أهل العلم، وأما ما مضى من العقود فإذا كان عن فتيا عالم من العلماء أقر، أما إن كان عن تساهل فينبغي تجديده، يجدد النكاح من جديد بشروطه الشرعية بولي وشاهدين يحضران العقد الجديد، وأولادهم السابقون لاحقون بهم لشبهة أولاده لاحقون به والماضي عليهما التوبة منه من التساهل والأولاد لاحقون بأهليهم من أجل الشبهة ولكن يجدد النكاح عملاً بالأدلة الشرعية، وعملاً بما رآه جمهور أهل العلم، وحرصاً على سلامة الذمة وبراءتها من الخطأ...
فالذي ينبغي للمؤمن أن يتحرى ما قام عليه الدليل، وأن يتحرى أيضاً البعد عن الخلاف، وأن تكون عقوده وأعماله بعيدة عن الخلاف وأن يتحرى فيها موافقة الشرع المطهر..." (8).

--------
(1) ينظر: العناية على الهداية 2 / 351، 352 ، البناية 4/24، نهاية المحتاج 6 / 213، والمغني 6 / 450.
(2) حديث: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا، وفي إسناده عبد الله بن محرز، وهو متروك. ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلا. وروي الحديث عن عائشة رضي الله عنها بعدة طرق وضعف ابن معين ذلك كله، ونقل الزيلعي عن الدارقطني أن هذا الحديث رجاله ثقات، إلا أن المحفوظ من قول ابن عباس ولم يرفعه إلا عدي بن الفضل. وللحديث طرق أخرى. وقال شعيب الأرناؤوط: هذه الطرق والشواهد يشبه بعضها بعضا، فيصلح الحديث للاستشهاد (السنن الكبرى للبيهقي 7 / 125 ط دائرة اوسنن الدارقطني 3 / 221 - 227 ط دار المحاسن للطباعة، ونيل الأوطار 6 / 258 - 260 ط دار الجيل، وفيض القدير 6 / 438 نشر المكتبة التجارية الكبرى، وشرح السنة بتحقيق شعيب الأرناؤوط 9 / 45 نشر المكتب الإسلامي، وإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 6 / 243 نشر المكتب الإسلامي) .
(3) المدونة 3/192، الكافي 2/519، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/216.
(4) المغني 6/451، الإشراف لابن المنذر 4/46.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الحج، بَابُ فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا ، رقم 1365
(6) ينظر الإشراف لابن المنذر 4/46.
(7) ينظر في هذا الرد على دليل القول الثالث : المغني 6/451.
(8) المرجع : موقع الشيخ ابن باز الإلكتروني.