التصوير الفوتوغرافي
9 صفر 1436
د. أحمد الخليل

الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد
فإن من النوازل الفقهية التي يكثر السؤال عنها وتمس الحاجة لبيانها حكم التصوير الفوتوغرافي، وقد تكلمت عن هذه المسألة في شرحي للزاد ورأيت أن أفردها بالنشر على موقعي، و أعدت النظر فيها وراجعتها وأضفت بعض الأشياء. ولعلي أنشط لاحقا لكتابتها بتفصيل أكثر.

وترجع أهمية بحث هذه المسألة لأسباب عديدة منها:
1- أن المسألة مشكلة و أدلتها متعارضة وقوية ومتقابلة.
2- أن الخلاف والأدلة والمسألة برمتها مسألة حادثة لم يتطرق إليها الفقهاء المتقدمون ؛ لأن التصوير الفوتوغرافي مسألة معاصرة.
3- الأحاديث التي جاءت في ذم التصوير والنهي عنه وبيان عاقبته عظيمة جداً كما سيأتي.
فحكمنا على التصوير الفوتوغرافي أن له حكم التصوير اليدوي يترتب عليه أن فاعله داخل تحت نصوص الوعيد.
ولا ينكر أن الخلاف في هذه المسألة قوي وترجيح قول على قول فيه صعوبة، لكني اجتهدت قدر استطاعتي وخلصت إلى قول أرجو أن يكون راجحاً و أسال الله تعالى فيما كتبت التوفيق والسداد.

وقد اشتمل البحث على النقاط التالية:
أولاً / النصوص التي جاءت في التصوير.
ثانياً / تعريف التصوير الفوتوغرافي.
ثالثاً / علة تحريم التصوير.
رابعاً / حكم التصوير الفوتوغرافي.

أولا: النصوص التي جاءت في التصوير: -
حاولت أن أجمع كل الأحاديث التي تحدثت عن التصوير فإن فاتني شئ فهو يسير، والغرض من ذلك ظاهر إن شاء الله إذ يعين هذا على معرفة مأخذ المسألة الذي تدل عليه النصوص.

الحديث الأول:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما راه هتكه، وتلون وجهه وقال: يا عائشة ! أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله، قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين فقد رأيته متكئا علي إحداهما وفيها صورة. رواه البخاري ومسلم.
وفي لفظ:
عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي مستترة بقرام فيه صورة تماثيل فتلون وجهه ثم أهوى إلى القرام فهتكه بيده ثم قال إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يُشبهون بخلق الله" رواه أحمد 42/423، ومسلم برقم 91.

الحديث الثاني:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة فقام بين البابين وجعل يتغير وجهه، فقلت: نالنا يا رسول الله؟، قال: ما بال هذه الوسادة؟ قالت: قلت وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها، قال: أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة فيقال: أحيوا ما خلقتم، قالت: فما دخل حتي أخرجتها. رواه البخاري ومسلم

الحديث الثالث:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام، فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان علي الباب تمثال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين توطآن ومر بالكلب فليخرج (فإنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب) وإذا الكلب جرو لحسن أو حسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه " رواه البخاري ومسلم.
الحديث الرابع:
عن ابن عمر أن رسول الله قال " الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم " رواه البخاري ومسلم.
الحديث الخامس:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله: من صور صورة عذبه الله حتي ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، ومن استمع إلي حديث قوم يغرون منه صب في أذنه الإنك يوم القيامة" رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
الحديث السادس
عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلي ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه التصاوير فأفتني فيها فقال: سمعت رسول الله يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم" ثم قال ابن عباس: فإن كنت لا بد فاعلا فاجعل الشجرة وما لا نفس له" رواه البخاري ومسلم.
الحديث السابع:
عن أبي الهياج قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك علي ما بعثني به رسول الله "ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
الحديث الثامن:
عن عتبة انه دخل علي ابي طلحة الأنصاري يعوده فوجد عنده سهل بن حنيف ( صحابي اخر ) فدعا ابو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته فقال له سعد لم تنزعه قال لأن فيه تصاويروقال فيه النبي ما قد علمت قال سهل: أو لم يقل إلا ما كان رقما في ثوب ؟ فقال أبو طلحة: بلي ولكنه اطيب لنفسي. رواه الترمذي والنسائي.
الحديث التاسع:
عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات قالت: فكان النبي يأتي بصواحبي يلعبن معي. رواه البخاري ومسلم.
الحديث العاشر:
عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي غداة عاشوراء إلي قري الأمصار، من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم فكنا نصوم بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكي أحدهم علي الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار. رواه البخاري ومسلم
الحديث الحادي عشر:
عن علي رضي الله عنه قال: صنعت طعاما فدعوت رسول الله فجاء فرأي في البيت تصاوير فرجع، فقلت يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي ؟ قال: إن في البيت سترا فيه تصاوير وإن الملائكة لا تدخل بيت فيه تصاوير. رواه ابن ماجه وأبو يعلي.
الحديث الثاني عشر:
عن ابي طلحة الأنصاري قال سمعت رسول الله يقول: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة " رواه البخاري ومسلم.
الحديث الثالث عشر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبله فقال لي رسول الله ثم حولي هذا فاني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا وكانت لنا قطيفة كنا نقول علمها حرير فكنا نلبسها. رواه مسلم.
الحديث الرابع عشر:
عن أسامة بن زيد، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال: فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: «قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» رواه أبو داود الطيالسي 2/ 17.
الحديث الخامس عشر:
عن أبي زرعة، قال: دخلت مع أبي هريرة دار مروان بن الحكم، فإذا بتماثيل. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» شرح معاني الآثار 4/ 283.
الحديث السادس عشر:
عن أبي وائل، عن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة، رجل قتله نبي، أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين " رواه أحمد ط. الرسالة 6/ 413.
الحديث السابع عشر:
عن عون بن أبي جحيفة، قال: رأيت أبي اشترى حجاما، فأمر بمحاجمه، فكسرت، فسألته عن ذلك قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصور» صحيح البخاري 2123 (2/ 780).
الحديث الثامن عشر:
عن عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه و سلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرت له ما رأت فيها من الصور فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ) رواه البخاري.
الحديث التاسع عشر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، عند سبإ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت» رواه البخاري4920.
وعند التأمل في هذه الأحاديث نجدها تدل على أمرين:
الأول: العقوبات التي تترتب على التصوير سواء في الدنيا أو في الآخرة.

الثاني: علة تحريم التصوير.
أما العقوبات الشرعية للتصوير والصور فتتلخص فيما يلي:
1ـ اللعن وهو أشدها نسأل الله العافية.
2ـ أن المصور من أشد الناس عذاباً يوم القيامة.
3ـ أن المصور يعذب يوم القيامة يقال له أحيي ما خلقت.
4ـ أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.
5ـ أن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون حتى ينفخوا فيها الروح وما هم بنافخين.
6ـ في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم.
وهذا التنويع الرهيب في تعذيب المصور يعطي انطباعاً واضحاً عن شدة كراهة الرب عز وجل للتصوير والصور ويجعل التصوير من أشد المحرمات ومن كبائر الذنوب.

ثانياً: علة تحريم التصوير وهو ما يعنينا هنا بشكل رئيس. ولذا سنفرده بالكلام كما سيأتي إن شاء الله، وذلك بعد تعريف التصوير.

ثانياً تعريف التصوير الفوتوغرافي:
هو حبس ونقل الصورة الواقعية بعد تسليط الضوء عليها، ومن هنا سمي: التصوير الشمسي.

ثالثاً علة تحريم التصوير.
الأحاديث السابقة لم تذكر إلا علة واحدة للتحريم وعبرت الأحاديث عنها بهذه الألفاظ:
ـ " يضاهون بخلق الله"
ـ و " يشبهون بخلق الله "
ـ و " يخلق خلقاً كخلقي "
ـ و " ممثل من الممثلين" أي مصور من المصورين.
فإذاً علة التحريم هي المضاهاة.
معنى المضاهاة:
يضاهون أي يشبهون، وقال أبو عبيدة عن المضاهاة: هي التشبيه.
وجاء في مرقاة المفاتيح 7/ 2851 في شرح قوله" يضاهون بخلق الله": " أي يشابهون عملهم التصوير بخلق الله. قال القاضي: أي يفعلون ما يضاهي خلق الله أي مخلوقه، أو يشبهون فعلهم بفعله، أي في التصوير والتخليق. قال ابن الملك: فإن اعتقد ذلك فهو كافر يزيد عذابه بزيادة قبح كفره، وإلا فالحديث محمول على التهديد"
وجاء فيه أيضاً 7/ 2852 عن قوله صلى الله عليه وسلم:" يخلق كخلقي:" (يخلق): أي: خلقا كما في رواية (كخلقي): أي يصور صوره تشبه صورة خلقتها، فإن زعموا ذلك"
وقال الليث: المضاهاة: مشاكلة الشيء بالشيء.
وقال أبو إسحاق في معنى قوله "يضاهون قول الذين كفروا" أي: يشابهون في قولهم هذا قول من تقدم من كفرتهم" تهذيب اللغة 6/191.
والحاصل أن معنى المضاهاة التشبيه والمراد إيجاد صورة تشبه ما خلق الله.

اعتراض وجوابه:
فإن قيل ليست هذه هي العلة الوحيدة للنهي عن التصوير بل هناك علة أخرى وهي:
أن اتخاذ الصور وسيلة للوقوع في الشرك والتعظيم فإن تصوير ذوات الأرواح من وسائل الغلو وهو يؤدي إلى الشرك أو وسائله.
يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله).
ويدل عليه أيضاً أثر ابن عباس السابق عن ود وسواع ويعوق ونسرا.
فالجواب عليه كما يلي:
هذه العلة علة صحيحة وهي تدل على التحريم إذا وجدت بمعنى أنه إذا كان اتخاذ الصورة يؤدي إلى تعظيمها فهي محرمة حينئذ، وإذا انتفت هذه العلة انتفى التحريم؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما هو مقرر في أصول الفقه.
وهذا أمر لا يختص بالصور بل كل ممارسة تؤدي إلى التعظيم وتكون وسيلة للشرك فهي محرمة وإن كان أصلها مباحاً.
وقد أشار الحافظ ابن رجب إلى هذا التفريق فقال:
"فتصوير الصور على مثل صور الأنبياء والصالحين ؛ للتبرك بها والاستشفاع بها محرم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة الأوثان، وهو الذي أخبر النبي ( أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة.
وتصوير الصور للتآنس برؤيتها أو للتنزه بذلك والتلهي محرم، وهو من الكبائر وفاعله من اشد الناس عذابا يوم القيامة، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره، والله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى"([1]).
اعتراض آخر وجوابه:
فإن قيل سلمنا أن العلة هي المضاهاة فهي موجود في التصوير الفوتوغرافي أيضاً بل هي في الفوتوغرافية أظهر شدة التطابق بين الصورة والحقيقة كما أنها تسمى صورة عند كل الناس فتدخل في نصوص الوعيد.
والجواب عليه كما يلي:
أما الجواب عن تسميتها صورة فهو بأن: الصورة في المرآة وفي الماء تسمى صورة عند كل الناس وليست محرمة فمجرد التسمية مع انعدام العلة لا يجعلها محرمة.
وأيضاً إذا كان التعلق بمجرد الاسم فهي تسمى عند بعض الناس (عكساً) ـ وهو اسم قديم للصورة ـ
فهل كانت جائزة حين لم يكن يطلق عليها صورة وحرمت الآن لما تغيير اسمها ؟.
أما الجواب عن أن فيها مضاهاة فكما يلي:
الصورة في لغة العرب مأخوذة من التخطيط والتشكيل والرسم فلابد فيها من هذا المعنى (أي التشكيل والتخطيط والرسم) وهذا لا يوجد في الفوتوغرافية لأنها نقل مجرد وحبس لنفس الصورة الأصل وهو ظاهر عند التأمل.
وأيضاً تقدم أن معنى المضاهاة التشبيه أي إيجاد صورة تشبه ما خلق الله والفوتوغرافي بعيد جداً عن هذا لأنها حبس لنفس الصورة التي صورها الله.
تنبيه: ذُكرت علل أخرى لتحريم التصوير لكنها ضعيفة ولذا أعرضت عنها.
رابعاً حكم التصوير الفوتوغرافي:
اختلف فيه الفقهاء - في الجملة - على قولين مشهورين:
القول الأول: أن التصوير الفوتوغرافي محرم، وأنه داخل تحت نصوص الوعيد، وهو قول:
سماحة الشيخ ابن ابراهيم وسماحة شيخنا ابن باز والعلامة الألباني وغيرهم([2]).
أدلة هذا القول:
استدلوا بأدلة كثيرة من أقواها:
1- أن الصورة الفوتوغرافية صورة شرعاً ولغةً وعرفاً وبهذا تتناولها نصوص والوعيد في داخلة تحت النصوص([3]).
- أما أنها صورة لغة: فلأن الصورة في اللغة هي: الشكل. ولا شك أن الصورة الفوتوغرافية تتخذ شكلاً معيناً.
المناقشة:
تقدمت مناقشة هذا الدليل في الحديث عن علة تحريم التصوير وفيه بيان أنها ليست صورة لغة.
- وأما أنها صورة شرعاً: فلأنها إذا دخلت تحت تعريف الصورة اللغوية فتدخل في النصوص لأن الشارع نهى عن مسمى الصورة بلا تفريق.
- وأما أنها صورة عرفاً: فهذا معلوم عند الناس أنهم يسمون الصور الفوتوغرافية صورة.
المناقشة: تقدمت مناقشة هذا الدليل في الحديث عن علة تحريم التصوير.
2- أن الشارع الحكيم حرم التصوير لعدة علل من أهمها: خشية تعظيم المُصَوَّر ووقوع الفتنة فيه وهذا المعنى متحقق في الصورة الفوتوغرافية([4])
المناقشة:
تقدمت مناقشة هذا الدليل عند الحديث عن علة تحريم التصوير.
3- أن المضاهاة في الصورة الفوتوغرافية أعظم منه في الصورة المرسومة باليد: لشدة التطابق([5]).
المناقشة:
تقدمت مناقشة هذا الدليل عند الحديث عن علة تحريم التصوير.
4- أننا إذا سلمنا عدم وجود مضاهاة فإن من علل تحريم الصور خشية تعظيم المُصَور والمبالغة في ذلك الأمر وهذا موجود في التصوير الفوتوغرافي، وإذا ثبت أن هذا من علل النهي عن التصوير فيكتفى لنمنع من الصورة بوجود علة واحدة من العلل التي حرم الشارع الصور من أجلها ؛ لأن الشارع الحكيم نهى لكي لا يقع هذا المحذور.
المناقشة: تقدمت مناقشة هذا الدليل عند الحديث عن علة تحريم التصوير.
5- أن غاية التصوير الفوتوغرافي أن يكون من المشتبهات، وقد أخرج البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. . . " يعني: ومن لم يفعل لم يكن مُسْتَبْرِأً لدينه وعرضه([6]).
القول الثاني: أن التصوير الفوتوغرافي لا يدخل في نصوص الوعيد ولا يسمى صورة شرعاً فهو جائز إلا إذا أدى إلى محظور ومنكر، كما إذا أدى إلى شدة الافتتان وخشية التعظيم، أو أدى إلى نشر الفساد الأخلاقي، أو أدى إلى أي مفسدة معلومة يقدرها أهل العلم.
وذهب إلي ذلك عدد كبير من أهل العلم من المعاصرين. منهم:
شيخنا العلامة ابن عثيمين، والعلامة محمد نجيب مطيعي وغيرهما([7]).
واستدلوا بأدلة كثيرة ونذكر أقوى هذه الأدلة:
1- أن الصورة الفوتوغرافية لا تدخل في مسمى الصورة لغةً ولا شرعاً:
أما في اللغة فلأن التصوير في اللغة هو التشكيل والتخطيط وإظهار براعة الراسم وهذا لا يوجد في الصورة الفوتوغرافية ؛ لأن غاية الصورة الفوتوغرافية نقل الصورة المخلوقة لله فلذلك: ليس فيها أي معنى من معاني المضاهاة وهي تخلو تماماً من التخطيط والتكشيل المباشر.
وأما عمل المصور من تجهيز الكاميرا والفيلم المصور. . إلخ فليس هذا من التشكيل ولا من التخطيط في شيء.
أما شرعاً فلأن علة التحريم وجود المضاهاة وفي التصوير الفوتوغرافي لا يوجد أي معنى من معاني المضاهاة لأن الصورة الفوتوغرافية هي نفس الخلق الأول وتقدم تقرير هذا بوضوح عند الكلام عن علة التحريم. ([8])
2- أن الصورة في المرآة وعلى سطح الماء جائزة بالإجماع فكذلك الصورة الفوتوغرافية للتساوي والتطابق بينهما([9]).
الترجيح
الذي يظهر أن التصوير الفوتوغرافي لا يدخل تحت النصوص الشرعية الدالة على تحريم التصوير لأنه لا يدخل في المضاهاة التي نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنها علة, وإنما هو مجرد حبس للظل, ليس فيه أي معنى من معاني المضاهاة، كما سبق بيانه.
وأما العلل الأخرى للتصوير الفوتوغرافي وهو التعظيم والإسراف فهذه العلل علل صحيحة, لكن لا تتعلق بالصورة؛ لأن أي شيء فيه تعظيم لا يجوز, وأي شيء فيه إسراف لا يجوز.
فنحن نقول: الصورة تجوز, فإذا كان فيها تعظيم, فإنها تحرم من هذه الجهة, كما أن التعظيم لأي شيء يحرم, ولو لم يكن صورة كتعظيم بناء, أو قبر, أو بيت، فالتعظيم من حيث هو نهى عنه الشارع.
أي أن هذه العلة علة صحيحة لكن لا تتعلق بالصورة, إنما العلة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم هي المضاهاة وهي غير موجودة في التصوير الفوتوغرافي.
و هذه المسألة الخلاف فيها قوي, والاحتياط فيها متجه, لكن من حيث الأدلة لا يستطيع الإنسان أن يقول أنه محرم, وهو يظهر له من خلال النصوص أنه ليس بمحرم.
تنبيه:
الذين ذهبوا من العلماء إلى أن التصوير محرم قيدوه بأن لا تكون هناك حاجة أو ضرورة، مثل التصوير الذي يحتاج إليه في الأوراق الرسمية أو الشهادات أو الجوازات. وفي الاستعانة بها على الإمساك بالمجرمين والتحذير منهم ونحو ذلك فإنه جائز، ولا أعلم أحدا منع من ذلك([10]).
بل ذكر العلامة الألباني أنه قد يكون بعضه واجبا في بعض الأحيان ([11])
ومثل لذلك العلامة العثيمين فقال:" فقد يجب التَّصوير أحياناً، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبِّساً بجريمة من الجرائم التي هي من حَقِّ العباد؛ كمحاولة أن يقتلَ، وما أشبه ذلك، ولم نتوصَّلْ إلى إثباتها إلا بالتَّصوير، كان التَّصويرُ حينئذ واجباً "([12]).
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

________________________________________
([1]) فتح الباري لابن رجب ط دار ابن الجوزي 2/ 405
([2]) انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/183: 187)، ومجموع فتاوى ابن باز (4 / 214) (5 / 160)، وآداب الزفاف (ص: 192)، وفتاوى اللجنة الدائمة (1 / 662)
([3]) انظر فتاوى ابن إبراهيم (1/187)، فتاوى ابن باز (4 / 215)، آداب الزفاف (ص: 194)، فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 667)، روائع البيان (2 / 416)
([4]) انظر فتاوى ابن إبراهيم (1/186)، فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 662) )
([5]) انظر فتاوى ابن إبراهيم (1/186)، آداب الزفاف في السنة المطهرة (ص: 192) ).
([6]) انظر فتاوى اللجنة الدائمة(1 / 673)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2 / 254) )
([7]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2 / 260، 262، 285)، الشرح الممتع على زاد المستقنع 2 / 201 - رحمه الله -، فقه السنة سيد سابق (3 / 501).
([8]) فتاوى ابن عثيمين 2 / 253، 265، الشرح الممتع 2 / 201.
([9]) روائع البيان تفسير آيات الأحكام للصابوني (2 / 415
([10]) (فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 660)، مجموع فتاوى ابن باز (9 / 390)،
([11]) ( آداب الزفاف في السنة المطهرة (ص: 194).
([12]) الشرح الممتع على زاد المستقنع (2 / 203)