واجبنا نحو أهل المجاهدين والمرابطين
28 شعبان 1436
عادل بن محمد المنيع

في وقت المواجهات والحروب، ومرابطة الجنود في الثغور، تاركين الأهل والأبناء، يحتاج الجندي المسلم لدعم إخوانه وأقربائه بمراعاة أهله وتلمس حاجاتهم، لتزداد معنوياته، وهذا من الأعمال الخيرة التي رتب عليها الشرع الحنيف الأجر العظيم حيث يحصل له أجر الغزو وهو لم يَغْز، فعن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن خَلَفَ غازياً في سبيل الله بخيرٍ فقَدْ غزا"(1).

 

وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة التلاحم الأخوي بين المؤمنين في حال الرخاء، فقال: "مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحمَّى"(2)، وفي حال الشدة من باب أولى، فالحياة تقوم في أساسها واعتمادها على التآخي بين الناس، فإذا رأيت في أخيك ما يحتاج  إلى معاونة ومساعدة فأعِنْه ُ وساعده، واعلم أنه متى كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

 

وإحساس كل شخص بالمسؤولية تجاه الطرف الآخر، نجده واضحاً وجلياً أول ما وطئت قدماه صلى الله عليه وسلم المدينة، فقد حرص على مسألة التآخي بين المهاجرين والأنصار، فنجد سعد بن الربيع يقاسم عبد الرحمن بن عوف أمواله، ونجد الآخر يريد أن يطلق إحدى نسائه ليتزوجها أخوه في الإسلام، ولو لم يُشر القرآن الكريم إلى قصّة المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار، ولم تأتِ النصوص النبويّة الصحيحة والشواهد التاريخية الموثّقة لتؤكّد هذه الحادثة، لقلنا إنها قصّة من نسج الخيال، وذلك لأن مشاهدها وأحداثها فاقت كل تصوّر، وانتقلت بعالم المثال والنظريات إلى أرض الواقع والتطبيق، وفي ظلّها قدّم الصحابة الكثير من صور التفاني والتضحية على نحوٍ لم يحدث في تاريخ أمّةٍ من الأمم.

 

وقد أوصى الدين الإسلامي بمراعاة جانب الإحساس بالمسؤولية للمؤمنين فيما بينهم في مواضع كثيرة وحالات متنوعة، ولهذا يجب على المسلم لجاره ما لا يجب على الإنسان البعيد منه في الدار، فإن للجار حق عليك أن لا تزجره ولا تضجره ولا تهمل حقه كما قال الله تعالى: { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء:36] إلى قوله: { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ }، أما من ليس بينك وبهم صِلَة سوى الدين الإسلامي فاستمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقد قال كلمة جامعة نافعة وهي: "أكْمَلُ المؤمنين إيماناً أحسَنُهم خُلُقاً"(3)، كل ما كنت أحسن خُلُقاً مع الناس كان ذلك أكمل في إيمانك، تلقاهم ببشاشة الوجه ورحابة الصدر وحُسن المنطق والتلطُّف والسؤال عن حالهم، حتى كأنك أبٌ لصغيرهم وأخٌ لمن يساويك وابنٌ لمن كان أكبر منك فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.

 

ومن معاني تآخي المؤمنين فيما بينهم نجد أن الإسلام حرص كثيراً في إخلاف أهل المجاهدين، وذلك بالنظر في شؤونهم والوقوف على حاجاتهم، بل وعظم الأجر في ذلك بأن من أخل الغازي في أهله بخير فإن له مثل أجره لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.

 

قال الإمام النووي رحمه الله(4): في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فقد غزا": "أي: حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير: من قضاء حاجة لهم وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته"، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى على عباده أن جعل لهم هذا الأجر العظيم، بأن من جهز غازياً في سبيل الله أو خلف أهله بخير بإصلاح حالهم، وحمايتهم، ونصرتهم. فقد غزا.

 

قال الإمام القرطبي رحمه الله(5): "القائم على مال الغازي وعلى أهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوه إلا بأن يكفى ذلك العمل، فصار كأنه يباشر معه الغزو، فليس مقتصراً على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملاً".

 

قال ابن عثيمين رحمه الله(6): "وهذا من التعاون على البر والتقوى، ثلاثة أشياء: الراحلة، والمتاع، والسلاح، إذا جهزه بذلك فقد غزا، أي: كتب له أجر الغازي، لأنه أعانه على الخير.

 

وكذلك من خلفه في أهله بخير فقد غزا، يعني: لو أن الغازي أراد أن يغزو ولكنه أشكل عليه أهله من يكون عند حاجاتهم، فانتدب رجلاً من المسلمين وقال: اخلفني في أهلي بخير، فإن هذا الذي خلفه يكون له أجر الغازي؛ لأنه أعانه.

 

إذن فإعانة الغازي تكون على وجهين: الأول: أن يعينه في رحله، ومتاعه، وسلاحه.

والثاني: أن يعينه في كونه خلفاً عنه في أهله؛ لأن هذا من أكبر العون، فإن كثيراً من الناس يشكل عليه من يكون عند أهله يقوم بحاجاتهم، فإذا قام هذا الرجل بحاجة أهله وخلفه فيهم بخير فقد غزا، ومن ذلك ما جرى لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حين خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، أتدعني مع النساء والصبيان، فقال له: "أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى غَيْر أنه لا نبي بعدي"(7) يعني أن أخلفك في أهلي، كما خلف موسى هارون في قومه، حينما ذهب إلى ميقات ربه.

 

ويؤخذ من هذا أن كل من أعان شخصاً في طاعة الله فله مثل أجره، فإذا أعنت طالب علم في شراء الكتب له، أو تأمين السكن، أو النفقة، أو ما أشبه ذلك، فإن لك أجراً مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً، وهكذا أيضاً لو أعنت مصلياً على تسهيل مهمته في صلاته في مكانه وثيابه، أو في وضوئه، أو في أي شيء فإنه يكتب لك في ذلك أجر.

 

فالقاعدة العامة: أن من أعان شخصاً في طاعة من طاعة الله كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً".

 

وأخيراً: فإنّ إخواننا المرابطين على حدودنا الجنوبية يحتاجون منا وقفات مباركة، ودعمهم معنوياً، والوقوف معهم ونصرتهم، وإخلاف أهلهم بخير، وتفقد أحوالهم، وإعانتهم، ليحصل الأجر الموعود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نصر الله إخواننا، ودحَرَ المعتدين، والحمد لله رب العالمين.

 

___________________

(1)    رواه البخاري رقم (2843) ومسلم رقم (1895).
(2)    رواه مسلم (4685).
(3)    رواه أبو داود (4062) والترمذي (1082) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4)    شرح النووي على مسلم 6/372.
(5)    تفسير القرطبي ج8/136.
(6)    شرح رياض الصالحين 4/453-455.
(7)    رواه البخاري (4064) ومسلم (4419).